الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

العالم يبحث عن لقاح اقتصادى أقوى اقتصادات أوروبا مهددة: بوصلة الاستثمار تتجه للذهب لمواجهة التضخم

تشهد أوروبا فترة اقتصادية عصيبة؛ خصوصًا مع تراجُع الأسهم الأوروبية وانخفاض العائد على السندات الحكومية وهبوط أسعار النفط واليورو بعدما خيّم شبح الإغلاق الجديد بسبب الجائحة فى ألمانيا وأنحاء أخرى من أوروبا وألقى بظلاله على الاقتصاد العالمى.. وقامت عدد من الحكومات بإعادة فرض القيود مجددًا مع زيادة الإصابات فى أنحاء أوروبا بما يتراوح بين الإغلاق الكامل مثلما حدث فى النمسا إلى إغلاق جزئى فى هولندا وقيود على حركة غير المُطعّمين فى بعض أجزاء ألمانيا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا.



وقد نشرت مجلة «فوربس» الأمريكية تقريرًا حديثًا صادرًا عن شركة الاستشارات المالية «كابيتال إيكونوميكس» التى تتخذ من لندن مقرًا لها، أشارت فيه إلى أنه: «يمكن أن يتعرض الاقتصاد الأوروبى للقصف هذا الشتاء إذا حذت الدول الكبرى حذو النمسا. ومن ثم فإن الركود أو حتى الانكماش أمرٌ معقول».

بالنسبة للنمسا؛ فإن الإغلاق لمدة ثلاثة أسابيع من شأنه أن يخفض نمو الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 1.5 ٪ فى الربع الرابع كما جاء فى التقرير. إذا استمر الإغلاق لفترة أطول من الأسابيع الثلاثة المقترحة- وهو احتمال حقيقى بالنظر إلى كيفية تصرف الحكومات على مدار العامين الماضيين- فإنه يتوقع أن يوجّه ذلك ضربة أكبر للاقتصاد.

ويقول التقرير إن إغلاق النمسا وحده سيكون له تأثير ضئيل على اقتصاد الاتحاد الأوروبى. من المحتمل أن يتضرر نمو الاتحاد الأوروبى بنحو 0.1 ٪.

ومع ذلك؛ فإن القلق الحقيقى هو أن القادة الوطنيين الآخرين يقفزون إلى عربة الإغلاق. لقد فعلوا ذلك قبل عام، لذا فإن الفكرة غير مستبعدة.

ويوضح التقرير أن ألمانيا يجب أن تكون على رأس قائمة مخاوف الاقتصاديين، فألمانيا رابع أكبر اقتصاد فى العالم، والأكبر فى أوروبا.

وأعلنت الحكومة الألمانية هذا الأسبوع أنها ستقيد وصول غير المُطعّمين إلى الأماكن العامة فى المناطق التى تتعرض فيها المستشفيات لأشد الضغوط.

ويقترب مؤشر مديرى المشتريات المركب، الذى يقيس صحة القطاع الخاص فى منطقة اليورو، بشكل خطير من الانكماش لشهر نوفمبر كما هو الحال الآن. ويتوقع تقرير «كابيتال» قراءة 52 لمؤشر مديرى المشتريات. أقل من 50 يشير إلى الانكماش.

كما جاء فى تقرير كابيتال: «نتوقع أن يتباطأ النمو فى الربع الرابع؛ حيث تؤثر اضطرابات تغير العرض وارتفاع أسعار الغاز الطبيعى وارتفاع حالات كورونا على الاقتصاد».

 التظاهرات تقلب الموازين

أعادت المظاهرات التى انطلقت بدافع رفض القيود وإجراءات الإغلاق ورفض فرض التلقيح ضد الفيروس، حسابات المستثمرين وأثرت على أسعار السلع الاستراتيچية، وبالتالى ستؤثر على تحالفات اقتصادية وسياسية عالمية.

فقد شهدت مدن هولندية أعمال شغب فى المظاهرات التى اندلعت اعتراضًا على الإجراءات التى اتخذتها الحكومة لمواجهة ارتفاع أعداد الإصابة بفيروس كورونا.

ففى مدينة لاهاى، أشعل المئات النيران خلال المظاهرات، وقذفوا قوات الشرطة بالحجارة، وانتشرت فى أنحاء أخرى من أوروبا المظاهرات ضد إجراءات مواجهة كورونا.

وشارك الآلاف فى المظاهرات فى ميادين وشوارع كرواتيا وإيطاليا والنمسا ضد إجراءات الغلق وفرض قيود جديدة لمواجهة تزايد انتشار الكورونا.

واعتقلت الشرطة الهولندية فى روتردام 50 متظاهرًا على الأقل، فى ظل اندلاع مظاهرات رافضة الإجراءات الحكومية التى فرضت قيودًا جديدة على المواطنين بزعم مواجهة انتشار الفيروس.

أمّا المظاهرات فى النمسا فجاءت أكبر حجمًا وأشد ضراوة؛ فقد تجمّع عشرات الآلاف من المتظاهرين ضد الإغلاق الجديد، وضد قرار إلزام المواطنين بأخذ اللقاح.

وقررت النمسا الإغلاق الشامل، ويستثنى الإغلاق المتاجر الأساسية فقط، مع إلزام المواطنين العمل من المنزل. واعترض الآلاف فى مظاهرات عديدة بالعاصمة الكرواتية زغرب على فرض التطعيم على موظفى الحكومة.

وشهدت مدن إيطاليا احتشاد عشرات الآلاف اعتراضًا على فرض اللقاح وحملها فى أماكن العمل، ووسائل النقل العام والأماكن العامة.

ولكن؛ انطلاق المظاهرات الأوروبية والمرشحة للانتشار ضد إجراءات الغلق وضد التلقيح، فى النهاية سوف تلقى استجابة من الحكومات الأوروبية.

وهو ما يعنى عدم دخول الاقتصاد الأوروبى فى انكماش، أو على الأقل استعادة النشاط الاقتصادى جزءًا من حيويته، وهو ما يعنى الحاجة لمزيد من الوقود، وسوف ينتقل ذلك للولايات المتحدة ودول أخرى حول العالم.

وبالإضافة إلى دخول أوروبا موسم البرد الشديد وتزايُد حاجتها إلى الوقود لتشغيل مولدات الطاقة والتدفئة فسوف يضغط ذلك على الطلب على البترول والوقود وزيادة أسعاره فى ظل تراجُع الانتاج العالمى.

وبالتالى سوف تعاود أسعار البترول الارتفاع، وربما ينطلق البترول فى طفرته الثالثة، لتصل أسعار البترول حسب توقعات المراهنين إلى 100 دولار فى ديسمبر الجارى.

ومعاودة انطلاق أسعار البترول فى رحلة صعود جديدة سوف تؤدى إلى تزايُد معدلات التضخم التى تزايدت فى أمريكا وبريطانيا ووصلت لمستويات لم تصلها منذ 2011.

وقد شهدت الفترة السابقة هروبًا للمستثمرين إلى الذهب كملاذ آمن للاستثمار خوفًا من ارتفاع معدلات التضخم، التى جاءت نتيجة لارتفاع أسعار البترول، ولكن دعوة أمريكا حلفاءها إلى استخدام احتياطياتهم الاستراتيچية من البترول خفضت أسعار البترول، وأعادت للدولار جزءًا من تماسكه.

وبالتالى كان الخوف من شبح التضخم قد بدأ فى التلاشى؛ خصوصًا مع تزايُد الإصابة بالكورونا حول العالم، وبداية كثير من الدول اتخاذ إجراءات الإغلاق، وهو ما أدى إلى عودة أسعار البترول للانخفاض، وتماسُك الدولار وتراجُع التضخم وبالتالى الاستغناء عن الذهب كملاذ آمن.

ولكن؛ تأتى مظاهرات أوروبا ضد قيود مواجهة كورونا وإجراءات الغلق لتعيد حسابات الترتيب الاقتصادى وخطط المستثمريين عالميًا

 توصيات للخروج من الأزمة

فى أسبوع القادة الاقتصاديين فى منطقة البحر الأبيض المتوسط، تم تسليط الضوء على الحاجة إلى المراهنة على سياسة متوسطية أكثر شمولًا.

وأكد القادة، أن مستقبل أوروبا يتجه نحو الجنوب؛ حيث يرتبط مصير أوروبا بإفريقيا، والبحر الأبيض المتوسط هو المكان الطبيعى لهذا المحور.

وقد أظهرت جائحة كورونا ضعف العولمة والاعتمادية الاقتصادية؛ حيث أظهرت ضرورة إجراء تصحيح لتلك المسارات المبنية على إعادة تشكيل خرائط سلاسل الإمداد والتدفقات التجارية فى جميع أنحاء العالم.

وشدد القادة على أن منطقة البحر الأبيض المتوسط يمكن أن تصبح وجهة إنتاج تكميلية مزدهرة تربط بين الشمال والجنوب وتتمتع أوروبا بفرصة تاريخية وميزة لتفعيل وتطوير هذا التحالف الجديد ذى البُعد الجغرافى الذى يشمل البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا.

وأكد القادة، أن المنطقة بحاجة إلى تحول اقتصادى، وأوروبا تبحث عن مصادر جديدة للنمو، تستوطن فيها وتنتقل إليها الشركات التى ترغب فى العودة من آسيا وعليه؛ فإنه من الملائم وضع سياسات متضافرة تعزز نهجًا قائمًا على المشاركة فى الموقع وتحديث البنية التحتية فى دول البحر الأبيض المتوسط.

بجانب ذلك، أوصى المجلس المالى الأوروبى بمسارات خاصة بكل بلد لخفض الديون، مع مراعاة نقاط البداية الصعبة لبعض البلدان. 

وقال كلاوس ريچلينج، مدير «آلية الاستقرار الأوروبية «إن سقف 60 % على نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى «لم يعد ذا صلة» ويجب رفعه. واقترح مركز بروجل للأبحاث «قاعدة ذهبية خضراء» يمكن بموجبها إعفاء الإنفاق الاستثمارى العام من القيود المالية.

كل هذه ستكون إصلاحات مفيدة، لكن اعتمادها لا يتوقف على فائدتها. يتمثل التحدى العميق للقواعد المالية للاتحاد الأوروبى فى أنها تستبدل الحلول الفنية بالحلول السياسية.

ورأى الباحث الاقتصادى، مارتن ساندبو، أن العقبة التى تحول دون الحوكمة المالية الجيدة فى الاتحاد الأوروبى ليست القواعد السيئة؛ بل السياسة الضعيفة. على وجه الخصوص، الافتقار إلى الملكية السياسية المشتركة للسياسة الاقتصادية فى الدول الأعضاء- رغم الالتزام بموجب المعاهدة «باعتبار سياساتها الاقتصادية مسألة ذات اهتمام مشترك»- يؤدى إلى انعدام الثقة المتبادل. البلدان الأضعف ماليًا لا تثق بدوافع البلدان الأقوى، التى بدورها لا تثق بقدرة البلدان الأضعف على إدارة اقتصاداتها.

مع ذلك، سياسات صناديق التعافى الجديدة بعد الجائحة تحتوى على بوادر أمل. بصرف النظر عن المجر وبولندا، لم تثر الشكوك القديمة بين الاقتصادات الأضعف والأقوى؛ بل على العكس تماما، لا يزال الوقت مبكرًا، لكن إذا نظر إلى هذه العملية على أنها ناجحة، فستثبت أن شمال أوروبا وجنوبها يمكن أن يثق كل منهما بالآخر لتحقيق أهداف اقتصادية مشتركة، سيحدث ذلك فرقًا فى الحوكمة المالية أكثر من أى تغيير فنى.

أمّا نائب رئيس البنك المركزى الأوروبى، لويس دى چويندوس؛ فأوضح أن العوامل التى تغذى التضخم فى أوروبا أصبحت أكثر هيكلية وتؤثر فى الوقت نفسه على النمو الاقتصادى.

وأضاف چويندوس، فى خطاب ألقاه فى مدريد، أنه فى حين أن اختناقات العرض وارتفاع تكاليف الطاقة مؤقتة بطبيعتها، إلا أن التضخم لم يتراجع بالقدر الذى توقعه البنك المركزى الأوروبى.