الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

العالم يبحــث عـــن لقــاح اقتصادى الديون وانعدام الأمن الغذائى والنزاعات والهجرة الدول النامية تطالب باللقاح الاقتصـــادى

«إننا نواجه أسوأ أزمة صحية واقتصادية منذ 90 عامًا».. كانت هذه كلمات الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» تعليقًا على الأوضاع التى يمر بها العالم الآن؛ حيث كان للفشل فى السيطرة على جائحة كورونا آثار قصيرة وطويلة المدى على الاقتصاد العالمى، والذى ألقى بظلاله على الدول النامية.



وأكدت غرفة التجارة الدولية أن فشل الاقتصاد العالمى، قد يكلف ما يصل إلى 9 تريليونات دولار، مما يتسبب فى دمار اقتصادى أكبر من الأزمة المالية لعام 2008.

 

 الأزمة الاقتصادية على الدول النامية

وبعيدًا عن تداعيات كورونا على اقتصادات الدول الكبرى؛ فإن الدول النامية أول من تلقى الضربة مباشرة بصورة عمقت الندوب الاقتصادية طويلة الأجل. فقد قضت جائحة «كوفيد- 19» على ما يعادل 255 مليون وظيفة فى عام 2020، وكانت الخسائر عالية بشكل خاص فى أمريكا الجنوبية، ومنطقة البحر الكاريبى، وجنوب آسيا، وبعض دول القارة الإفريقية؛ خصوصًا دول جنوب الصحراء.

وكان للانكماش الاقتصادى العالمى تأثير شديد على الاقتصادات ذات الدخل المنخفض والاقتصادات الناشئة، وهو ما دفع المديرة العامة لصندوق النقد الدولى «كريستالينا چورچيفا» تؤكد أن تلك الدول ستتعرض لأكبر ضربة من الممكن أن تتلقاها؛ لأن مواردهم قليلة لحماية أنفسهم من هذه الأزمة المزدوجة.. سواء الصحية أو الاقتصادية. واتفق معها رئيس البنك الدولى «ديفيد مالباس» الذى حذر من إعاقة الركود العالمى لعقود من التقدم فى البلدان منخفضة الدخل.

وأشارت السكرتيرة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «ريبيكا چرينسبان» إلى الاختلافات فى مستويات الانتعاش بين البلدان المتقدمة والنامية، وقالت إن أوجُه عدم التماثل واضحة فى كل مجال تقريبًا، بما فى ذلك: التطعيمات، والحزم المالية، وأنماط الإنفاق، والتزامات الاستثمار الطويلة الأجل، ومعدلات الفقر، والديون. لهذا، سوف يستغرق العديد من البلدان النامية سنوات لاستعادة الناتج المحلى الإجمالى مثلما كان فى عام 2019، فيما يواجه العديد منها خطر عقد ضائع آخر.

ومن جانبه، يتوقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى أن تخسر الاقتصادات النامية ما لا يقل عن 220 مليار دولار من الدخل. وعليه، ستؤثر تلك الخسائر فى المجتمعات على التعليم وحقوق الإنسان، وفى حالات أشد ستزيد من خطورة الأمن الغذائى وسوء التغذية.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فقد أظهرت دراسة جديدة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى أن 207 ملايين شخص إضافى قد ينزلون فى براثن الفقر المدقع بحلول عام 2030، بسبب التأثير الشديد طويل الأمد لوباء فيروس كورونا، الذى يلقى بظلاله على الاقتصاد، مما يرفع العدد الإجمالى إلى أكثر من مليار شخص.

أمّا على المستوى الإقليمى؛ فقد أفاد البنك الدولى أن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء شهدت أول ركود اقتصادى لها منذ 25 عامًا، مع تراجع الاقتصاد بنسبة 2 % فى عام 2020. ولكن، من المتوقع أن يرتفع النمو فى المنطقة إلى ما بين 2.3 و3.4 % فى عام 2021. كما شهدت أمريكا الجنوبية، ومنطقة البحر الكاريبى أسوأ انكماش اقتصادى فى تاريخ المنطقة مع تراجُع الاقتصاد بنسبة 6.7 % فى عام 2020، مع توقع نمو بنسبة 4.4 % فى عام 2021.

وبشكل عام، تسببت عمليات الإغلاق الشاملة التى اتخذتها أغلب دول العالم إلى انكماش اقتصادى أثر على بلدان إفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وأدى إلى تفاقم المشاكل التى تعانى منها تلك البلاد بالفعل، ومنها:

 الأمن الغذائى

أدى إثقال كاهل الدول النامية الاقتصادى إلى زيادة فى انعدام الأمن الغذائى فى بلدان كثيرة، نتيجة لانخفاض الدخل، وتعطيل سلاسل الإمداد الغذائى، وارتفاع الأسعار.

فقد وجد تقرير صدر فى يوليو 2021 عن خمس وكالات تابعة للأمم المتحدة أن الجوع العالمى قد ارتفع بنسبة ملحوظة فى عام 2020؛ حيث يفتقر 2.3 مليار شخص على مدار العام إلى الغذاء الكافى. بالإضافة إلى وجود أكثر من 155 مليون شخص يعانون من الجوع الحاد، بسبب الصراع، وعدم الاستقرار. وأشارت التوقعات إلى استمرار هذا الاتجاه لبقية عام 2021.

فعلى سبيل المثال: ارتفعت أسعار الأطعمة الأساسية من الأرز، أو القمح فى إفريقيا جنوب الصحراء 10 مرات، ولجأت الأسر الضعيفة فى البلدان منخفضة الدخل إلى أغذية أرخص وأقل تغذية للبقاء على قيد الحياة، كما ارتفعت تكاليف الغذاء الشهرية فى «سوريا» بنسبة 240 %، وزاد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائى بمقدار 1.4 مليون شخص، وشهدت «كينيا» ارتفاعًا فى سعر الذرة بنسبة 60 % منذ عام 2019، كما ارتفع سعر الأرز فى «نيچيريا» بأكثر من 30 %، فيما شهدت «غانا» ارتفاعًا فى أسعار المنتجات الغذائية الأساسية بنسبة تصل إلى 33 %، أمّا فى «أمريكا الجنوبية»، ومنطقة البحر الكاريبى فيعانى 85 مليون طفل كانوا يعتمدون بشدة على برامج التغذية المدرسية لمكافحة سوء التغذية ونقص المغذيات.

وبشكل عام، من المتوقع دخول 95 مليون شخص إضافى فى صفوف من يعانون من فقر مدقع منهم 80 مليون يعانون- من ذى قبل- من نقص التغذية، بسبب متوسط الخسارة السنوية فى نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى، وفقًا لتقارير صندوق النقد الدولى.

 الديون

أحد أخطر التقارير التى أصدرها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، ذلك الذى أشار إلى ارتفاع عبء ديون البلدان منخفضة الدخل إلى ما بين 2.6 تريليون دولار، و3.4 تريليون دولار على مدى العامين المقبلين؛ خصوصًا أن جزءًا كبيرًا من الدين العام للدولة منخفضة الدخل بعملة الدولار، الذى تكون قيمته أعلى من قيمة عملة بعض الدول، مما يجعل من الصعب سداد الديون.

فعلى سبيل المثال، تنفق كل من: «أنجولا، وغانا، والجابون، وزامبيا» على خدمة ديونها أكثر مما تنفقه على توفير الرعاية الصحية. وفى حالة «أنجولا» - تحديدًا - تزيد مدفوعات الفائدة عن ضعف نفقات الرعاية الصحية. لذلك؛ لن تتسبب أزمة الديون فى مزيد من التدهور الاقتصادى فحسب؛ بل ستفرض أيضًا تعديلات مالية مؤلمة. 

وفى ظل هذه الخلفية، قد تتصاعد الاضطرابات الاجتماعية والتوترات السياسية بسهولة، مما قد يؤدى بدوره إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائى، والعنف، والنزوح الداخلى، وضغوط الهجرة.

  العنف والهجرة

من المعروف أن أحد الأسباب القوية لزيادة العنف والنزاعات الداخلية، والهجرة، هو سوء الأحوال الاقتصادية. لذلك، زاد التطرف العنيف خلال السنة الماضية؛ حيث ارتفع عنف الجماعات المتشددة فى «إفريقيا» بنسبة 43 % فى عام 2020، وهو ما يمثل مستوى قياسيًا من العنف؛ كما ارتفع عدد ضحاياهم بمقدار الثلث فى عام 2020، مقارنة بعام 2019.

ونتيجة لهذه الأرقام تزداد الأزمة التالية فى التفاقم، وهى الهجرة، التى تؤرق- بالفعل - المجتمع الدولى بشكل عام، وقارة «أوروبا» بشكل خاص، إذ يتفق المسئولون الأوروبيون أنهم غير جاهزين للتعامل مع أزمة هجرة جديدة.

ومن جانبها، أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR)  أن عدد الأشخاص النازحين قسرًا ارتفع بنسبة 4 % فى عام 2020 وحده، وارتفع إلى مستوى قياسى جديد بنحو 82.4 مليون شخص. كما زادت عمليات الاختطاف، فى كل من: «نيچيريا» بنسبة (169 %)، و«اليمن» (114 %)، و«سوريا» (36 %)، و«جمهورية الكونغو الديمقراطية» (21 %) وجميعهم يشهد حالة من الانهيار الاقتصادى بسبب الوباء، والنزاع، والحروب.

ويتوقع مكتب المفوضية أن هناك 97.3 مليون شخص فى جميع أنحاء العالم يحتاجون إلى المساعدة فى عام 2021، بمن فيهم أكثر من 26 مليون لاجئ، ونحو 50 مليون نازح دولى. ويقدر المجلس النرويجى للاجئين أن أكثر من ثلاثة أرباع النازحين والمتأثرين بالصراع فقدوا دخلهم منذ بداية الوباء.

 

محاولات إنقاذ الوضع

إن المؤشرات السابقة، كانت إنذارًا للمجتمع الدولى عما قد يسفر عنه التدهور الاقتصادى فى الدول النامية. لذلك، تحاول بعض البلدان المتقدمة والمنظمات الدولية إنقاذ الوضع تحسبًا أو تأخيرًا للسيناريو الأسوأ؛ حيث تجرى محاولات لإنقاذ بعض اقتصادات تلك الدول من على حافة الهاوية.

فقد أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائى مرفق الاستجابة السريعة لـ«كوفيد- 19» بتمويل قدره 20 مليون دولار ليقدم مساعدة فورية للبلدان من أجل استجابتها الوطنية. ويتوقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى أن يحتاج إلى 500 مليون دولار كحد أدنى لدعم 100 دولة. كما وجّه البرنامج دعوة إلى المجتمع الدولى للعمل على إتاحة الموارد لمنع الانهيار الاقتصادى للبلدان النامية.

ومن جانبه، قدّم البنك الدولى تمويلًا بقيمة 160 مليار دولار- أكبر استجابة فى تاريخه- لمساعدة 100 دولة منخفضة الدخل على الاستجابة للتأثيرات الصحية، والاقتصادية، والاجتماعية لفيروس كورونا. ومن بين 100 دولة يدعمها البنك الدولى، توجد 39 دولة فى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ونحو ثلث إجمالى المشاريع التى فى أوضاع هشة ومتأثرة بالصراعات.

كما قدّم صندوق النقد الدولى تمويلًا طارئًا لـ85 دولة، ووافق- أيضًا- على تخفيف فورى للديون لـ29 دولة منخفضة الدخل، بقيمة إجمالية تقارب 500 مليون دولار. هذا بالإضافة إلى نداء صندوق النقد الدولى بتعجيل تنفيذ الإطار المشترك الذى وضعته مجموعة العشرين لمعالجة الديون، وتقديم حوافز للمدينين لكى يسعوا لمعالجة الديون، مؤكدًا أن البلدان النامية ستحتاج لمزيد من الدعم فى جهودها لزيادة الإيرادات، وكذلك المزيد من المنح والتمويل الميسر ودعم السيولة.

أمّا الأمم المتحدة فقد ناشدت بتقديم 35 مليار دولار لمساعدة الفئات الأكثر ضعفًا فى العالم فى عام 2021، من أجل معالجة تداعيات «كوفيد- 19» على الأشخاص الذين يعانون بالفعل من الصراع، والمستويات القياسية للنزوح، والصدمات المناخية، والمجاعات الوشيكة المتعددة.  

فى النهاية، اتفقت الدول على أن العامل الرئيسى المحدد للانتعاش الاقتصادى العالمى، ولا سيما بالنسبة للاقتصادات ذات الدخل المنخفض والاقتصادات الناشئة، يكمن فى الوصول العادل للقاح من أجل العودة للحياة الطبيعية قبل كورونا.

وقد اقترح صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة التجارة العالمية أهدافهم التى تتلخص فى تطعيم 40 % على الأقل من سكان كل بلد مع نهاية عام 2021، و70 % مع منتصف عام 2022، حتى يمكن معالجة الأزمة الاقتصادية. 

ومع ذلك، لا تزال المنظمات متأخرة فى تحقيق هذه الأهداف، لأن 75 بلدًا- معظمها فى إفريقيا- ليست على المسار المؤدى إلى تحقيق هدف 2021.