الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

علماء يروون حكايات وقصصًا عن حملات واجهوها التنمـــر بـ«الفتاوى»

تعد قضية التنمر من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التى انتشرت بشكل كبير مع تزايد تأثير مواقع التواصل الاجتماعى فى توجيه الرأى العام، إلا أن التنمر اتخذ منحى جديدًا يتعلق بالاستهتار والتعدى المعنوى على العلماء والمؤسسات الدينية بسبب بعض الفتاوى، رغم كون تلك الفتاوى مهمة لدى بعض طوائف المجتمع.



ومع تزايد التنمر بالفتاوى الصادرة عن بعض العلماء المتخصصين، أو عن جهة متخصصة كدار الإفتاء المصرية كان لابد من إلقاء الضوء على خطورة هذه الظاهرة، والتعرف على أهم حالات التنمر التى حدثت بسبب بعض الفتاوى، والتى فى غالبها تكون بهدف تشويه الجهة الصادر عنها الفتوى، أو تصوير العالم على أنه متفرغ لإصدار فتاوى لا طائل منها، كفتوى الوضوء بدون ملابس، أو فتوى آداب دخول الحمام، وغيرها من الفتاوى التى قد تصدر بناءً على طلب أحد الأشخاص.

وتعد دار الإفتاء المصرية من أكثر المؤسسات الدينية التى تعرضت للتنمر بسبب بعض الفتاوى التى تواجه أفكارًا متشددة أو فكر جماعات ضالة، فعقب نشر دار الإفتاء فتوى بشأن عدم وجوب النقاب على صفحتها عبر فيسبوك، لاقت تعليقات وردودًا متجاوزة ومختلة تطعن فى دار الإفتاء وشيوخها.

الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، اعتبر أن «هذا التنمر مجرد تعليقات ساقطة، وتنذر بكارثة أخلاقية»، منوها بأن دار الإفتاء لا تبتدع شيئًا من عند نفسها.

وقال: إن التنمر ضد فتاوى الإفتاء يصدر من شخص يتنمر من خلف وحدة المفاتيح على مؤسسة عريقة، لا تتساهل فى أمر الفتوى، فلم تخرج فتوى من دار الإفتاء إلا ويؤصل لها ويوقع عليها اثنان من أمناء الفتوى بعد مفتى الجمهورية، ولا ينفرد أحد بالفتوى.

الوجه الآخر من التنمر على دار الإفتاء المصرية جاء من كتائب جماعات العنف والتطرف الإلكترونية عقب فتاواها المناهضة للفكر الإخوانى، وفكر سيد قطب، الفكر الداعشى، وهو ما يُشير إليه الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتى الجمهورية، إلى أن قوى الشر وجماعات الظلام وجهت عبر صفحاتها المشبوهة بمنصات التواصل المختلفة للطعن فى دار الإفتاء المصرية تلك المؤسسة الدينية العلمية الوسطية الرائدة.

وأضاف: إن دار الإفتاء المصرية لم تفرط يومًا فى واجبها الدينى بتقديم الفتاوى والاستشارات لطالبيها ليس فى مصر وحدها بل فى العالم أجمع، ودار الإفتاء المصرية كذلك تضطلع بدورها الوطنى كمؤسسة من مؤسسات الدولة المصرية ومن واجبها أن تسعى لتعميق الروح الوطنية ونشر الوعى فى المجتمع.

 التنمر على العلماء

التنمر على الفتوى شمل أيضًا علماء معروفين على الساحة الدينية بسبب فتاوى لهم كان من بينهم د.على جمعة عضو هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدينية بالبرلمان، حيث واجه العديد من حملات التنمر على فتاويه كان من بينها فتوى شهيد العشق التى تقول «من يعشق ويكتم حبه ثم يموت فهو شهيد»، وفتوى اتصال الرجل بزوجته قبل الرجوع للمنزل فى إشارة منه إلى حسن النوايا بين الزوجين، وعدم الترصد للخطأ، إلا أن الفتوى تم وصفها على أنها تفتح الباب لانحراف الزوجات.. كما تم التنمر على فتوى د.على جمعة والتى تقول بعدم وجوب النقاب وأنه مجرد عادة قد تلتزم بها النساء وفق عادة المجتمع؛ لكنه لا يعد عبادة.

ومن بين العلماء الذين تعرضوا للتنمر بسبب الفتوى د. آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر وكان آخره النقد والهجوم الشرس الذى وصل إلى حد السباب على صفحات التواصل الاجتماعى بسبب تصريحات لها تم تناقلها عبر بعض المواقع الإلكترونية والإعلامية الكبرى تفيد بأن الدكتورة آمنة تبيح زواج المسلمة من غير المسلم وأنه لا يوجد نص من القرآن الكريم يُحرّم هذا الزواج، وهو ما أوضحت فيه د.آمنة أنه تم التنمر عليها بسبب السلفيين والإخوان الذين يحاولون نشر حالة من الحقد بشكل متكرر على  السوشيال ميديا ضد شخصها من خلال محاولة تحريف تصريحات أطلقتها فى قضية زواج المسلمات من غير المسلمين فى الغرب.

 قصص واقعية

بينما يروى علماء آخرون قصصًا واقعية تعرضوا فيها للتنمر بسبب بعض الفتاوى حيث تؤكد د.سعاد صالح أستاذ الفقه بجامعة الأزهر تعرضها لمزيد من التنمر خلال مسيرتها مع الفتوى، والظهور الإعلامى فى القنوات الفضائية، وقالت: «لقد عانيت كثيرًا من ظاهرة التنمر على الفتوى خصوصًا عندما كان يصدر لى حوار صحفى أو حديث فى أى قناة، فكنت أجد بعض المواقع تتعدى على شخصى، حيث تقوم ببتر حديثى حول قضية من القضايا، وتقوم بنشره بطريقة فيها تنمر واضح ومقصود لتشويه الفتوى الصادرة منى، من أجل نشر عدم الثقة فى الفتاوى الصادرة منى، ثم تبدأ السوشيال ميديا فى تناقل تلك الأحاديث والفتاوى المبتورة».

أضافت: إن التنمر الذى كان يتم قصد به النيل من شخصها العلمى بسبب بعض عناصر الإخوان، حيث كنت أعلن رفضى للتشدد والتطرف، والتوجهات المنحرفة، فكان يتم التشويه حتى تنزع الثقة من الفتاوى التى تخرج عنها.

واستطردت قائلة: كانت تصيبنى حالة من الضيق النفسى نتيجة هذا التنمر المقصود، ولكن فى الوقت نفسه كان المحبون يقفون بجوارى ويطالبوننى بعدم التأثر والمضى فى تقديم رسالة نشر الفهم والوعى الدينى، فكنت أستمر فى مواصلة الرسالة، لكن كان يتم استغلال حالات التنمر والهجوم على بعض الفتاوى وتوصيلها للجامعة، وبكل أسف كان يتم مواجهتى بالأمر والتحقيق.

أضافت: «ما نقوله عن التنمر على العلماء وفتاواهم هو حسبنا الله ونعم الوكيل فى كل من يتنمر ظلما واعتداءً على من يقول كلمة الحق، طالما أننا نوضح فى الفتوى المذاهب المختلفة وآرائها بالأدلة، حيث إن العلماء ناقلين لما هو موجود فى كتب الفقه».

ومع هذا ترى د.سعاد صالح أن على العالم ألا ينقل كل ما هو مكتوب فى بطون الكتب، وأوضحت: لقد عانيت بسبب هذا الأمر، ولقد كانت آخر تجربة لى فى الفضائيات أكبر دليل على أنه ليس كل ما فى بطون الكتب يُقال، عندما ذكرت رفضى لمسألة استمتاع الزوج بزوجته المتوفاة، حتى وإن كان هناك آراء تجيزه، وقلت إنه ليس كل الآراء يؤخذ بها وذكرت فى ذلك رأى من يجيز الاستمتاع بالحيوانات، وهو ما اعتبرته انزلاقًا وتعجلًا منى فى الحديث والتوضيح».

أضافت: نحن جميعًا فى الوقت الحالى ناقلين ولسنا مفتين، وقالت : على العالم إذا شعر أنه أخطأ فى ذكر رأى بعينه عليه أن يرجع فى خطئه فى نفس المكان الذى قال فيه الفتوى، حيث إن الرجوع إلى الحق فضيلة، وهذا كان يحدث من بعض التابعين.

وشددت د.سعاد على ضرورة أن يكون هناك إجراء قانونى يمنع التنمر على العلماء فى فتواهم، مؤكدة أن هذا نوع من احترام العلماء، وأن على العالم أن يتحرى الصدق ويتجنب كل ما هو لايتفق مع القيم والمبادئ العامة، أو الواقع المعاصر.

ولفتت إلى أنه على العالم أن يبتعد عن إصدار فتوى إذا تبين له أن السؤال الموجه يُقصد به التصيد له أو التنمر، لأن هذا من باب ترك الشبهات والمحافظة على علم العالم ومكانته.

 واقعة تنمر

كما يروى الشيخ عبدالحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى السابق بالجامع الأزهر واقعة تنمر حدثت له بسبب إحدى الفتاوى قائلا : واجهت هذا الأمر عندما صدرت فتوى حول أكل الكلاب وذكرت فيها كل الآراء وكان من بينها مذهب الإمام مالك الذى أجاز واستدل بأنه يجوز للإنسان أكل كل شىء استطابته نفسه خلاف ما هو مُحرّم فى القرآن والسنة، فتصيدها أحد الصحفيين بالتجاوز فى حقى بالنشر تحت عنوان: الشيخ الأطرش حل أزمة اللحوم.. ربع قط وصلحه «وعندما ذهبت إلى شيخ الأزهر الراحل د.محمد سيد طنطاوى لأخذ الأذن برفع قضية ضد هذا التجاوز قال لى: يافضيلة الشيخ إن أبلغ رد لا ترد على هذا التجاوز».

أضاف: إن هذه الواقعة أكدت أن أبلغ رد على من يتنمر على العالم وفتواه هو عدم الرد، لأن العالم مقامه أكبر من أن يرد على من يتنمر على فتواه، موضحا أن الإمام الشافعى قال : ما جادلنى عالم إلا وغلبته، وما جادلنى جاهل إلا وغلبنى.

وأوضح أنه مع ذلك لا يجوز للعالم أن يمتنع عن الفتوى عن أى سؤال حتى وإن استشعر استخدامها فيما بعد للتنمر، لأن ذلك من باب كتم العلم، وكاتم العلم ملعون بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كتم علمًا ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة». 

واستطرد الأطرش: إذا وجه لى سؤال وأنا أعلم إجابته وأثق فيها، وجب علىّ الإجابة مهما كان غرض المستفتى، أما إذا لم أعلم إجابته فأحيله لمن هو أعلم منى، حيث قال الإمام مالك: من قال لا أدرى فقد أجاب. 

أضاف: إن الفتوى لابد أن تؤخذ من عالم على تقوى وورع وخوف من الله لا محبًا للظهور، وأن يقصد من فتواه رضا الله، وأن يكون حافظًا للقرآن دارسًا للسنة عالمًا بأقوال الأئمة والمجتهدين، وأن يعلم المفتى نفسية المستفتى. وشدد الشيخ الأطرش أن التقبيح للفتاوى يُعد جريمة، وأنه لابد من تجريم الاستهزاء من الفتاوى.

ولقد قيل: إن لحوم العلماء مسمومة فمن تناول العلماء بالسب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، مؤكدًا لابد أن يُعاقب هؤلاء الذين يتطاولون على العلماء ويتصيدون لفتواهم.