الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

درس فى الفن تلقنه لنا (بنات عبدالرحمن): خاضعات وهن متمردات

عندما ترث مالاً أو منزلاً أو سيارة تفرح كثيرا وتتغير حياتك للأفضل وتشعر براحة واستقرار. ذلك حال كل إنسان فى كل المجتمعات، لكن الحال يتبدل عندما ينحصر إرثك فى عادات بالية وأفكار هادمة تؤثر على حياتك بالسلب فتفقدك الأمان والاستقرار وتسلبك الراحة.



 

بالطبع أتحدث هنا عن كثير من المجتمعات الشرقية المصّرة تمام الإصرار على هدم المرأة وإفساد حياتها والضغط عليها بكل الطرق، وإن تمردت على كل ذلك واختارت لنفسها طريقًا مختلفًا بأفكار أخرى يُقام عليها الحد معنويا، فتُرجم بالكلمات الجارحة وتصبح منبوذة لأنها فقط قررت أن تكون إنسانة لها حقوق وتتمتع بحرية الاختيار. من هنا يبدأ الخيط الأول والأساسى للعمل الفنى البديع (بنات عبدالرحمن) للمخرج الأردنى «زيد أبوحمدان» والذى يعرض لأول مرة عالميًا بمهرجان القاهرة السينمائى الدولي، ويشارك فى المسابقة الرسمية للدورة الـ43.

أربع بنات أخوات تربين فى نفس البيئة لكن لكل واحدة حكاية مختلفة أجبرت على المضى بها دون إرادتها، وعندما تمردت واحدة منهن اتهمت بالفساد والعار وإقصاء أسرتها من كبير العائلة، اجتمعن فى بيت نشأتهن للبحث عن الوالد المفقود وأثناء تلك الرحلة تبحث كل منهن أيضا عن نفسها الحقيقية ورغباتها وتسترجع قوتها وتتخذ قرارات مصيرية فى ظل غياب الأب الذى يرمز للتعنت والتمسك غير المبرر بتقاليد وأعراف هادمة. فتواجه كل منهن مشكلتها التى تناقش قضايا مهمة تخص المرأة مثل العنف الأسرى وزواج القاصرات والاستمرار فى الحياة مع زوج شاذ جنسيا، وكل ذلك للانسياق لفكرة الخوف من الفضيحة والالتزام بشعارات «لا طلاق فى العائلة» و«لا سفر للبنت وحدها» حتى الفن والموسيقى مازال يُصنف كخروج عن القواعد التى يجب أن تسير عليها المرأة.

فكرة قوية تجسدت فى شكل أربع شخصيات لكل منهن بُعد جسمانى مميز يعبر عن شخصيتهن فنرى «حنان الحلو» فى دور «سماح» الزوجة الغنية التى ترتدى أحدث الموديلات والتى لا تفارق السيجارة أصابعها، تضع الكثير من مساحيق التجميل وتلهث وراء أطباء التجميل حتى تجذب عين زوجها الخائن، و«صبا مبارك» فى دور «آمال» امرأة منتقبة بدينة مهملة فى نفسها تابعة فقط لأوامر زوجها المتدين شكلا وليس جوهرا، و«فرح بسيسو» فى دور «زينب» التى لم تتزوج وملقبة بـ«العانس» فى منطقتها، نراها شاحبة لا تهتم بمظهرها مستسلمة وخاضعة لما فرضته عليها الحياة، أما «مريم باشا» فى دور «ختام» المتمردة، فنراها ذات شعر مجعد متطاير وملابس شبابية تمارس رياضة اليوجا وتحافظ على توازنها المثالى لأنها ببساطة تحب نفسها، حرة غير مقيدة بأى أفكار بالية. كل الصور المرسومة تلك لن تصل إليك كمُشاهد إلا بحوار قوى يتضمن كلمات وألفاظا تعبر عن كل شخصية وأداء تمثيلى مبهر يأخذك لعالم كل منهن فيأسرك لتتماهى مع كل شخصية كأنها أنت، فتتأثر وتحزن وتبكى وتضحك. هذه هى الدراما وهذا هو الفن الذى يبقى ويؤثر ويغير مفاهيم مجتمعية بالية، يجعلك تخرج من العمل الفنى مليئًا بالطاقة الإيجابية والقوة والثراء الفكرى خصوصا لو كنت امرأة شرقية.