الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى).. والتفسير الخطأ: النظرة الدونية للمرأة.. والتمييز ضدها! "3"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



الباحثة والكاتبة فاطمة المرنيسى (1940-2015م)، هى عالمة اجتماع وكاتبة نسوية مغربية، لها كتب تُرجمت إلى العديد من اللغات، تهتم فى كتاباتها بالإسلام والمرأة، وتحليل تطور الفكر الإسلامى والتطورات الحديثة، ومع عملها فى الكتابة كانت تعمل فى إطار المجتمع المدنى، من أجل المساواة وحقوق النساء.

تلقت تعليمها الابتدائى فى أوائل المدارس العربية الخاصة بالمغرب، ثم التحقت بمدرسة ثانوية خاصة بالفتيات، ثم درست العلوم السياسية فى جامعة السوربون فى فرنسا، ثم جامعة برانديز فى أمريكا؛ حيث حصلت على شهادة الدكتوراه، وأصبحت مُدرسة فى جامعة محمد الخامس فى المغرب. 

باعتبارها باحثة إسلامية، كانت مهتمة بالإسلام ودور المرأة فيه؛ حيث قامت بتحليل التطور التاريخى للفكر الإسلامى ومَظاهره الحديثة، وبصفتها عالمة اجتماع، قامت بالعمل الميدانى فى المغرب، من أجل تحديد المواقف السائدة تجاه المرأة والعمل، كما قامت بالبحث الاجتماعى لليونيسكو ومنظمة العمل الدولية وكذلك للسُّلطات المغربية، وأصبحت مُلهمة بعملها للعديد من النسويات المُسلمات، مثل مَن أسَّسْنَ حركة مساواة. 

 أعمالها

نشرت أول دراسة بعنوان «ما وراء الحجاب» عام 1975، وأصبحت دراسة كلاسيكية، فى مجالات «الأنثروبولوچيا»، وعلم الاجتماع بشأن المرأة فى العالم العربى والمجتمعات الإسلامية.

ووجدت فى عملها بالمجتمع المدنى، مجالًا واسعًا لبلورة أفكارها حول المرأة وحقوقها المضطهدة، من خلال تحقيقات واستطلاعات ميدانية تسعى للإصلاح الذى شغل «المرنيسى» أكثر من نصف قرن.

تكتب «المرنيسى» باللغتين العربية والفرنسية، ومن كتبها، «الحجاب والنخبة الذكورية: تفسير نسوى للإسلام»، وهو دراسة تاريخية لدور زوجات النبى، نُشر باللغة الفرنسية عام 1987، وتُرجم إلى اللغة الإنجليزية عام 1991، لكنه حُظر فى المغرب والدول العربية، ما وراء الحجاب 1975، ملكات منسيات 1990، الخوف من الحداثة 1992، الحريم السياسى 1998، هل أنتم مُحَصّنون ضد الحريم؟ 2008.

وفاطمة المرنيسى من أكثر الكاتبات تعبيرًا عن المرأة وقضاياها، وتُعتبر شهرزاد المغربية التى لم تتوقف عن الحكى والبحث والتنقيب حتى تساعد فى تغيير النظرة للمرأة.

 نقد الفكر

يرى البعض أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، ويرجع ذلك إلى فهم غير صحيح لآيات قرآنية مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39.

قبل نزول القرآن الكريم كان كفار قريش حسب ثقافتهم يحتقرون الأنثى ويعتبرونها عارًا، كما أنهم جعلوا الملائكة إناثًا ثم نسبوهن كبَنات لله تعالى، وجاء الرد عليهم بأنهم يفضلون أنفسهم على الله تعالى لأنهم يحتقرون إنجاب الأنثى ثم ينسبون لله تعالى ما لا يرضون أن ينسبوه لأنفسهم، أى أنهم أشركوا بنسبهم لله تعالى ولدًا وجعلوا ذلك الولد أنثى.

 نسبة البَنات لله

قال تعالى: (وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) النحل 57، توضح أنهم جعلوا لله تعالى المَثل السوء وجعلوا لأنفسهم المَثل الحَسن، فالآية تكشف فكرهم ونظرتهم الدونية ليس للأنثى فقط بل أيضًا تصورهم السيئ لله تعالى، وبذلك تُعبر الآية عن فكر المشركين ولا تُعبر عن نظرة القرآن الكريم للأنثى.

والقرآن الكريم رد عليهم حين نسبوا لله تعالى أولياء وجعلوهم أولادًا له: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) الزمر 3، والرد هنا جاء على إخلاص العقيدة بتوحيد الله، وأنه تعالى لو أراد أن يتخذ ولدًا أو وليًا لاختار هو بذاته، فالآيات لا تشير إلى تفضيل الذكر على الأنثى ولا تشير إلى أى نوع من النظرة الدونية للأنثى.

أمّا عن قوله تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّى إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) آل عمران 35-36، عمران هو أبو السيدة مريم وجد النبى عيسى عليه السلام، فقد أرادت امرأة عمران أن تقدم لله ما فى بطنها من جنين تصورته مولودًا ذكرًا يكون فى خدمة الدعوة إلى الله، (مُحَرَّرًا) يعنى محرر من الأهواء لا يريد إلا وجه الله، والإنسان عليه أن ينوى نية طيبة، والله تعالى يعلم ماذا وضعت لأنه خَلق ما فى بطنها، فيقول تعالى أن المولودة الأنثى تختلف عن الذكر، وقد تكون الأنثى خيرًا من الذكر، وكل منهما له خصائصه.

وحتى لا تكون الأنثى لها أفضلية؛ فقد تم تفسير (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) باعتباره من كلام امرأة عمران وكأنه اعتذارٌ منها عن إنجاب أنثى، مع أن جملة (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) هى جملة اعتراضية من قوله تعالى توسطت ما قالته امرأة عمران، ولو كان التفسير صحيحًا بأن الجملة من قول امرأة عمران لوجب عليها أن تقول: «وأنت أعلم بما وضعتُ» بضم التاء، وذلك بعد أن قالت (رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَى)، أمّا عن مسألة تفضيل الله تعالى للذكر على الأنثى فهى غير صحيحة؛ لأن الله تعالى مُنزَّهٌ عن التحيز لأحد، ولا يكرم خَلقًا على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح.

 النبى وعمل المرأة:

لقد أخذت المرأة الحقوق التى يمكن أن تأخذها فى زمن النبى عليه الصلاة والسلام، والمرأة لم تعمل قاضية ولم يكن لها منصبٌ سياسىٌ فى زمن النبى عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا لا يعنى أنه ممنوع عليها ذلك؛ حيث كافحت المرأة المسلمة مع الرجل مثل فاطمة بنت الخطاب وسمية أم عمار بن ياسر، واشتركت فى الهجرة إلى الحبشة وإلى يثرب، وحضرت بيعتَىْ العَقبة الأولى والثانية وهما مثل المؤتمر التأسيسى لقيام الدولة الإسلامية فى المدينة.

إن الإسلام سمح للمرأة بأن تهاجر، وأن تناضل، وأول شهيد فى الإسلام كانت امرأة. إن المجتمع الذى أقامه النبى عليه الصلاة والسلام هو المجتمع الأول للإسلام؛ حيث تصرَّف عليه الصلاة والسلام بما يتناسب مع ظروف المجتمع، وأن الظروف وقتها لم تكن تسمح بقيام مجالس تشريعية ولا تسمح بأن تتقلد المرأة منصب قاضى أو قائد.

 المرأة كمَلكة

لقد دخلت المرأة المسلمة ميدان النضال مع النبى عليه الصلاة والسلام، وهى لم تحكم بسبب الظرف التاريخى وقتها وليس بسبب تحريم أو نهى فى التشريع الإسلامى، أمّا عن القول المنسوب للنبى عليه الصلاة والسلام: «لن يفلح قومٌ ولّوا أمرَهم امرأة»، فقد جاء تعليقًا على أن ابنة ملك الروم خلفته على عرشه بعد موته، وهذا الحديث لا يُعتبر تشريعًا وإنما هو تعليق على حادثة بعينها. 

إن الله تعالى ذكر فى القرآن حالة امرأة حاكمة لسبأ ولم ينكر وجودها كمَلكة وإنما أنكر سجودها وقومها للشمس: (إِنِّى وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) النمل23- 24، ثم أوضح تعالى فى نهاية القصة أن الملكة استجابت للحق وأسلمت لله رب العالمين.

 حق العمل

والإسلام نظم التعامُل بين النساء والرجال، ومنع الخلوة بين الرجل والمرأة من غير المَحارم فى مكان مغلق، أمّا عن بعض المهن الشاقة التى لا تستطيع أن تقوم بها المرأة فعليها أن تحدد بنفسها نوعية المهن التى لا تستطيع أن تمارسها.

والإسلامُ أعطى المرأةَ حق المشاركة فى تأسيس الدولة، فالبيعة التى حدثت فى المدينة هى عَقد بين المسلمين والنبى يضمن التعهد بطاعة القائد وهو النبى محمد عليه الصلاة والسلام، فمن يبايع النبى القائد إنما يبايع الله، ويلتزم أمام الله تعالى بالوفاء بالعهد والميثاق، والبيعة شملت الرجال والنساء معًا بما يعنى المساواة بين الرجل والمرأة.

فالمرأة المسلمة لها الحق فى أن تنتخب وأن تترشح للانتخابات، وأن تصل لمراكز المسئولية فى الدولة، وتشارك فى مسئوليات السُّلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولذلك فإن دعوة البعض إلى حرمان المرأة من العمل لا علاقة له بالإسلام، فالعمل مادام مشروعًا فهو حق للمرأة.

إن عدم وضوح المفاهيم الخاصة بالمرأة فى القرآن الكريم أدى بنا إلى التمييز ضد المرأة، حتى أصبح هذا التمييز أساسًا لأفكارنا وعاداتنا وتقاليدنا مما أصاب المرأة والمجتمع بالسلبية فى جوانب كثيرة.