الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

رسالة ماجستير ترصد الانحراف فى أفكاره: مُنَظِّر الإرهاب لقيط لحظة تناقضات تاريخية

الحديث عن أفكار سيد قطب ليس مجرد تناول لتوجه فكرى منحرف، أو حتى أحد رموز جماعة الإخوان الإرهابية، لكنه رجوع لأصول ظاهرة العنف والإرهاب بشكل عام، إذ تمثل أفكار قطب تمهيدًا نظريًا وحركيًا لميلاد كل التنظيمات والجماعات الإرهابية الموجودة اليوم وتهدد سلم العالم ومنطقتنا على وجه الخصوص.



ويعد سيد قطب منظر الإرهاب الأول.. وأفكاره تعد الذخيرة الأهم التى تستخدمها تنظيمات الإرهاب فى صدر المجتمع وتجنيد عناصرها.. الحرب هنا محورها «الأفكار» وليست الذخيرة والأسلحة.

انطلاقًا من ذلك، فإن رصد انحرافات سيد قطب هو تناول لظاهرة الأصولية الإسلامية فى مصر والمنطقة، حيث تعتمد تلك الجماعات فى موقفها من العالم على نفى دور العقل، واستسلام الفرد والمجتمع فى تناول قضاياه لسلطتهم المطلقة من دون أى مناقشة.

نستعرض تلك التحولات والانحرافات من خلال دراسة ماجستير بعنوان «سيد قطب والأصولية الإسلامية» لـ د. شريف يونس، أستاذ التاريخ بجامعة حلوان، ونشرتها الهيئة العامة للكتاب قبل سنوات.. حيث يتطرق الباحث للنشأة المضطربة لـ «قطب» وصولًا إلى التحولات الكبرى وانحرافاته الفكرية فيما بعد، من خلال دراسة حياة وفكر سيد قطب تقدم الدراسة تصورًا لطبيعة أفكاره على مدى مراحل عمره، التى تركت أثرًا عميقًا على مشروعه فى التنظير للإرهاب.

وتقدم الدراسة طرحًا مهمًا لفهم تناقضات سيد قطب، وتناقضات اللحظة التاريخية التى نشأ فيها وانتشرت أفكاره، محاولة لفهم وتشخيص المشكلة التى وقعنا فيها لسنين طويلة حتى نستطيع تجاوزها فى وقتنا الحالى.

يتوقف الكاتب عند المواجهة الأولى لسيد قطب مع المجتمع، والتى تشكل نقطة محورية فى حقده عليه وشعوره بالاغتراب، حيث كان شاعرًا جاء من الريف لكنه لم يستطع تحقيق أحلامه أو التعايش مع المدينة.. وفشل فى تحقيق مكانة اعتقد أنه يستحقها، سواء فى عالم الأدب أو فى المركز الوظيفى فى وزارة المعارف.

صدمة عاطفية حولته لإرهابي!

وسط مواجهات قطب مع المدينة، كان هناك فشل أكبر فى حياته كما يشير الكاتب.. فشل فى أعمق تجاربه الإنسانية بعلاقته العاطفية الوحيدة مع واحدة من بنات المدينة، لم يقدر على مواجهة قيمها المتحررة بالنسبة لقريته الصعيدية، فازداد تمزقه الداخلى ما بين الميل إلى التأقلم مع مفاهيم الحضارة الحديثة وبين رؤيته التقليدية للمرأة ومعاييره للحكم على أخلاقها.

بحسب الدراسة المتتبعة لخطوات قطب، تركت تلك العلاقة التى فشل فيها أثرًا كبيرًا فيما بعد على موقفه الفكرى الأصولى من المرأة على وجه الخصوص، ومن القيم الحديثة والحضارة الغربية بشكل عام.

 خاض بعد ذلك تجربة سفره إلى الولايات المتحدة موفدًا من وزارة المعارف لتطوير مناهج التعليم فى بعثة أُثير حولها الكثير من الشكوك والتساؤلات؛ فمهمة «إصلاح التعلم» كانت وما زالت حتى اليوم هدفًا لحركة الإخوان للسيطرة على مناهج التعليم والثقافة فى جميع البلدان العربية.. لكنها كانت مواجهة فاشلة أيضًا مع مجتمع أكثر انفتاحًا.

وكأن قطب حول غضبه من الفشل فى تلك المواجهات لقنابل مفخخة وطلقات فى صدور المجتمع فيما بعد لينتقم لنفسه.

الانتقال من الأدب إلى الأصولية

يرصد الكتاب انتقال قطب من الأدب إلى الأصولية، حيث تخلى عن طموحاته الأدبية التى لم تكلل أبدًا باليقين، واهتم بالإصلاح الاجتماعى، مع إنشاء وزارة الشئون الاجتماعية عام 1939، وبدأ الكتابة فى مجلتها «الشئون الاجتماعية»، فى ظل روح عامة علمانية تطالب بتحقيق إصلاح اجتماعى لكن بشرط إبعاد الجماهير عن السياسة.

وخلال مقالاته بمجلة الشئون الاجتماعية، طرح رؤيته الشاملة والتى يفرض فيها دوره فى إعادة هندسة العالم، متجاهلًا تنوع المجتمع وتكويناته المختلفة والمتشابكة، فقط يحاول تفصيل عالم على حجم معتقداته وعقده كريفى لم يستطع مواجهة المدينة.

آمن سيد قطب فى تلك الفترة بضرورة العمل السياسى من أجل تحقيق مشروع أسماه «المجتمع المتوازن»، وبدأ فى إدانة تعدد الأحزاب، ثم تمرد على النظام ككل عندما شعر بعدم قدرته على تحقيق أية مكاسب.

موقفه من الفن والمرأة

عكست مقالات قطب فى تلك الفترة تصوراته عن الفن، وطالب بتشديد الرقابة على الإنتاج الفنى لخدمة أفكاره، فضلًا عن تطرقه لفكرة استخدام رجال الدين فى المساجد للتأثير على قطاع أكبر من الجماهير مما يساهم فى انتشار فكرته.

فكرة قطب عن المجتمع تقوم على عقول موحدة ومبرمجة على استبعاد المرأة بحيث يقتصر دورها على الأعمال المنزلية وفقًا للنمط الواحد الذى يجب أن يكونوا عليه، وهى الأفكار التى روج لها دعاة الجماعة الإرهابية طوال سنوات وحاولوا تنفيذها عند الوصول للحكم.

وبشأن تحول قطب من الأدب العلمانى إلى تكفير المجتمع يرى الكاتب أن ذلك لم يكن تناقضًا فى شخصيته أو أفكاره لكنه التطور الطبيعى لشخصية قطب الذى اعتبر الأدب خادمًا لقضيته ومصالحه وليس هدفًا فى حد ذاته، وهو ما يتضح من محاولته لإعادة تشكيل ثقافة موحدة للجماهير أو من خلال دعوته فيما بعد إلى «أدب إسلامى» ليخدم أفكاره. 

البداية الحقيقية للشيخ سيد

بدأ قطب تاريخه كداعية إسلامى محاولًا أن يجمع حوله القوى السياسية باختلاف طوائفها سواء الحزب الوطنى الجديد أو الاشتراكيين فى حزب مصر الفتاة والإخوان.

لكن تلك الفترة كشفت تناقضًا كبيرًا فى شخصيته، فهو الذى هلل للضباط الأحرار وثورة يوليو، منتظرًا تولى وزارة المعارف التى طالما كانت هدفًا له لتنفيذ برنامجه «الإصلاحى الإسلامى».. كان دعمه فى مقابل الحصول على المنصب فقط، وكانت هذه طريقته طوال تاريخه: تحدد منفعته الشخصية أين سيقف وأى تيار سيدعم.

 لم يحصل سيد قطب على المنصب الذى طالما حلم بالحصول عليه كوزير للمعارف، فقرر الانضمام إلى الإخوان، واتخذها طريقًا لمهاجمة السلطة. 

سيد قطب الذى حلم طوال عمره بالسلطة والتأثير اختار الوقوف فى صف الإخوان كخيار استشهادى، حتى أنه كان دائمًا ما يصف نفسه بـ«مشروع شهيد»، وهاجم كل القوى الوطنية والسياسية التى حاول مرارًا التخفى خلف عباءتها.

لم تكن هذه المرة الأولى التى يهاجم فيها قطب الأحزاب والقوى الوطنية والحضارة الغربية، لكنها كانت الأكثر حقدًا وعنفًا، إذ سبق له أن اعتزل العمل الحزبى فى حزب الوفد وغيره، واتهم النخبة المصرية بـ«التغرب ومداهنة الاستعمار وخيانة القضايا الوطنية والتآمر على الهوية القومية والإسلامية».

مرحلة التأسيس للإرهاب

خلال تجربته فى الإخوان قام ببناء حزب انقلابى إسلامى «مقاتل» سماه «العصبة المؤمنة».. وهنا قرر قطب تحويل المواجهة الفكرية إلى حروب عصابات من خلال تبنيه لأفكار المودودى وتطويرها بالآراء الحنبلية والوهابية المتشددة، ليخرج بتوليفته الخاصة المجتزأة والمشوهة للدين ويعلن بعد ذلك كفر النظام والمجتمع.

 لم تعد مواجهته مقتصرة على سلطة أو نظام، بل أعلن جاهلية المجتمع كله، زاعمًا أن مهمته هى بناء الإسلام من جديد على مبدأ الحاكمية والدمج التام بين الإسلام والسياسة.

 ويعد كتابه «معالم فى الطريق»، الذى نشره من داخل السجن دليل عمل الحركة الإسلامية الراديكالية.. ويعتبر الكاتب هذه المرحلة أحد أخطر الانحرافات فى أفكار قطب حيث تحول الداعية إلى المقاتل.

 اعتمدت كل التنظيمات الإرهابية تعريفه للعصبة المؤمنة أو الصفوة باعتبارها الأمة الإسلامية المنوط بها إقامة النظام الإسلامى ومن حقها أن تغزو العالم كله. 

كلهم ينفذون مهمة سيد الخبيثة «بإعادة إنشاء الإسلام فى الأرض والفصل الحاسم بين الإخوان والعالم باعتبارهم كينونة جديدة تنشأ منفصلة عن جميع التشكيلات الوطنية أو القومية أو العالمية».