الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«الميتافيرس» التحدى القادم للخطاب الدينى

مع إعلان مؤسّس وصاحب شركة فيسبوك مارك زوكروبيرج عن تحويل اسم شركته فيسبوك إلى اسم ميتا والمشتقة من كلمة ميتافيرس، التى تتكون من شقين الأول «meta» بمعنى ما وراء والثانى «Verse» مُصَاغ من «الكون» «الكون الماورائى»، ظهر تحدٍّ كبير أمام مواجهة ما يمكن أن يمثل خطورة على التكوين الفكرى للأجيال، واستغلال جماعات الفكر المتطرف أو الداعين للتحلل من القيم هذه التقنية فى جعل المتفاعل يعايش واقع تلك الجماعات.



 

وتنبع خطورة هذا الواقع الجديد للفيس بوك على مستقبل مجتماعتنا من أن هذه التقنية تسمح لمستخدميها بالتلاقى والعمل والتعليم والترفيه بداخله، مع توفير تجربة تسمح لهم ليس فقط بالمُشاهَدة عن بُعد عبر الأجهزة الذكية كما يحدث حاليًا؛ ولكن بالدخول إلى هذا العالم فى شكل ثلاثى الأبعاد عبر تقنيات الواقع الافتراضى بما يمثل معايشة كاملة.

صياغة هذا الواقع يضع أمام الخطاب الدينى والقيمى لمجتمعنا تحديات أكثر خطورة؛ لا سيما أن جماعات التشدد تعمل بنشاط ملحوظ فى استغلال التطور التكنولوچى لبحث خطابهم المتطرف، ونقل تجربتهم بصورة تُحَفز الشباب بصورة خاصة على التفاعُل معها.

وعن موقف وزارة الأوقاف من هذا التطور وكيفية مواجهة مخاطر التحدى التكنولوچى فى فرض أفكار متطرفة يؤكد د.محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، قائلاً: لدينا قناعة بأن وسائل التواصل الاجتماعى من أهم وسائل التفاعُل فى عصرنا الحاضر؛ لأنها تمتلك السرعة فى نقل المعلومات، لذلك أطلقنا دورات السوشيال ميديا بالمديريات الإقليمية؛ ليتمكن الإمامُ من التعامُل مع مواقع التواصل الاجتماعى فى شتى مناحى الحياة، حتى يستطيعوا مواكبة العصر.

وبلهجة شديدة يستطرد قائلاً: إن تضييق الفضاء الإلكترونى على المتطرفين أحد أولوياتنا فى المرحلة الراهنة.

فبَعد أن أحكمنا السيطرة على المَساجد وغللنا يد المتطرفين عنها رأينا لزامًا علينا مواجهة المتطرفين عبر الفضاء الإلكترونى، فعَقدنا دورات لأكثر من ثلاثين ألف إمام بالمديريات الإقليمية، وفتحنا مركزًا خاصًا للتدريب ومنح الأئمة والواعظات رخصة الحاسب الآلى والتسوق الرقمى فيما يتصل بالجانب الثقافى وتجاوَز عددُ الحاصلين على رخصة الحاسب الآلى الدولى سبعمائة إمام وواعظة وإداريى

أضاف: إن الأوقاف جعلت التواصُل التكنولوچى أحد أهم مَواقع التواصُل والتثقيف فأنشأت (28) صفحة وموقعًا وقناة منها الصفحة الرسمية لوزارة الأوقاف المصرية، وصفحة أطفالنا، وصفحة وعى، وصفحة محبى العالم الجليل أ.دمحمد مختار جمعة، إضافة إلى القنوات التابعة لوزارة الأوقاف على (يوتيوب) كقناة منبر التجديد، وكذلك التطبيقات الإلكترونية كتطبيق وعى لأجهزة الأندرويد.

 موقف الافتاء 

من جهته يوضح د.أحمد رجب أبوالعزم، مدير مواقع التواصل الاجتماعى بدار الإفتاء المصرية، أن ما أعلنه «مارك زوكربيرج» مؤسّس الفيسبوك عن «الميتافيرس» وعن التطوير الذى يحدث ومن خلال المتابعة دائمًا لكل ما هو جديد، وجدنا أن هذه الفكرة ليست بالجديدة ولها أصول سابقة، ففى عام 2003 أطلقت لعبة تسمى «سكندلايف» وهى تعتمد على الواقع الافتراضى ويمكن فيها إنشاء أشخاص موازية وكذلك منشأة خاصة بشركات أو مؤسّسات ولكنها كانت فى نطاق لعبة، وكذلك يوجد فيلم باسم (Ready player one) يعالج الفكرة نفسَها التى تم طرحها.

ولفت إلى أن نشر ثقافة الوعى لمواجهة تحدى «الميتافيرس» لا يكون من خلال توضيح هل يمكن الاشتراك فى مثل هذه التطبيقات أمْ لا من حيث الحلال والحرام، فاستخدام أى تطبيق هو سلاح ذو حدين يمكن أن يكون مفيدًا ويمكن أن يكون ضارًا وبالتالى فلا بُدّ من تعظيم الاستفادة، ووضع الضوابط والمعايير والأخلاقيات فى التعامُل مثل عدم الخوض فيما يجهله الشخص أو لا يحسنه وضرورة المحافظة على الوقت.

وعمّا يمكن أن تتخذه دار الافتاء من إجراءات فى مواجهة تحدى «الميتافيرس» قال «رجب»: نحن فى دار الإفتاء المصرية دائمًا ما نتابع كل ما هو جديد ونستخدم جميع الوسائل الحديثة للتواصل مع الجمهور والوصول إلى الناس بأسهل الطرُق لهم فى التواصل حتى نُيَسّر عليهم، وفى وقت قريب مثلاً أنشأنا حسابًا على تطبيق «تيك توك» وكذلك على «كلوبهاوس»، وبطبيعة الحال بعد ظهور «الميتافيرس» يمكن الدخول فيه ولكن بعد دراسة الأمر أولًا ولا يمكن عمل هذا فى الوقت الحالى نظرًا لعدم اكتمال الصورة بشكل واضح.

 الخطاب المقولب لا يصلح

ورُغْمَ أن حديث وزير الاوقاف حول مواجهة التطور التكنولوچى وقيام الأوقاف بعمل دورات تدريبية متطورة؛ فإنه كانت هناك آراءٌ تُظهر العديد من التخوفات لمواجهة الخطاب الدينى لتطور الفيس بوك وتحوله لميتا فيرس، وكان من بين تلك الآراء رأى الشيخ أحمد ترك من علماء الأوقاف الذى يعتبر أن خطورة تقنية «ميتا» الجديدة تنبع من أنه يمكن أن يدخل الشاب إلى غرفة فى «الميتافيرس» ليجد «داعش» بكامل فكرها ونشاطها، وسيجد جماعات الفكر الضال بكل قواهم، كما سيجد الإباحية والإلحاد وكل الموبقات.

ويتساءل «ترك» قائلاً: هل سنواجه هذه التحديات بالمَنابر وخطبة الجمعة؟ والخطاب الشعائرى المقولب والمتقعر؟ وإذا كنا قد تأخرنا فى تجديد الخطاب الدينى لمسايرة الواقع الافتراضى الحالى؛ فكيف الاستعداد لمواجهة الواقع الماورائى هذا بتقنية ثلاثى الأبعاد؟  أمْ سنسبق الجميع ونحجز أمكنة هناك لإنارة الشباب ومحاولة تحصينهم من الشرور المقبل؟ وماذا عن الأسئلة الفقهية التى ستظهر بعد استخدام الميتافيرس؟ وأتوقع بعضها على النحو التالى: 

- لقد قابلت زوجتى فى غرفة على الميتافيرس وقلت لها أنت طالق؟ فهل يقع الطلاق؟ 

- قابلت فتاة على الميتافيرس وتزوجتها عُرفيًا بشهود؟ فهل ينعقد الزواج؟ 

وعن كيفية المواجهة يقترح «ترك» تشكيل لجان متخصصة للدراسة ووضع استراتيچية كاملة واضحة المَعالم لمواجهة المَخاطر المحتملة ووضع الحلول القابلة للتطبيق. ويضيف قائلاً: «أمّا على المستوى الدينى والفكرى؛ فلا بُدّ من التعجيل بعمل دورات تدريبية لشباب الأئمة والوعاظ على منهج تدريبى يتم وضعه مسبقًا بعيدًا عن الأطر الوظيفية الجامدة.

 كوادر دعوية متطورة

د.علاء الشال، من علماء الأزهر، يرى من جانبه أن خطورة «ميتا» تنبع من أن الإنسان سيعيش فى الواقع الافتراضى منعزلاً تمامًا عن الواقع؛ حيث تقوم الفكرة الأساسية لميتافيرس على تحرير الثقافات ومزجها ببعض عن طريق تفاعُل سهل وسريع بين سكان القارات المختلفة، ما يعنى سهولة أكبر لاطلاع المستخدمين العاديين على بيانات أكبر للمستخدمين الآخرين، فالأمر لن يقف عند حد الاطلاع على البيانات الشخصية والصور فقط؛ بل ستكون تفاصيل الحياة فى العالم الافتراضى، والتى تحاكى الواقع، متاحة للجميع.

ويوضح، أن من مَخاطر عالم «ميتا» الافتراضى مراقبة الزائرين مع استهدافهم بالإعلانات وإمكانية سرقة بياناتهم من المحتالين والمتاجرين بالبشر، كما ستزيد فرص وجود نشر الإباحية، ونشر أفكار إلحادية وأخرى متطرفة لا حصر لها.

وحول كيف يمكن للمؤسّسات الدينية أن تتابع التطورات المتلاحقة لعالم ميتافيرس، يرى «الشال» أنه لا بُدّ من تطوير كوادر شبابية دعوية مثقفة وذات إلمام واسع بعالم التكنولوچيا واللغات لتكون الطليعة الدعوية المهذبة فى معايشة الناس واقعًا دعويًا منفتحًا على الآخر.

أضاف: إنه يلزم على المؤسّسات الدينية من الآن اهتمام أكبر والتواصل مع كليات الحاسبات وتقنية المعلومات لتقديم أفكار تبادلية لتعزيز قيم الانتماء والتواصل الأسرَى وحب الوطن وتقديمها باللغتين العربية والإنجليزى.