السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الاستراتيچية الأمريكية تجاه الإسلام السياسى: هل يُعتبـر «بايــدن» فرصة لتصحيح أخطاء الماضى؟

قبل خوض السباق الرئاسى فى الولايات المتحدة، عملت جماعة الإخوان الإرهابية وأتباعها فى الدفع بالمرشح الديمقراطى چو بايدن للنجاح لدخول المكتب البيضاوى، فمنذ خمسينيات القرن الماضى وتعمل الجماعة الإرهابية فى التوغل داخل المجتمع الأمريكى ومراكز صنع القرار فأصبحت تمتلك العديد من الشركات الدعائية والقنوات الإعلامية التى تقدم توجهاتها للشعب الأمريكى والجاليات العربية.



هدف الجماعة الإرهابية كان واضحًا، فهى تسعى للرجوع للمشهد السياسى مرة أخرى بعد أن توالت الضربات فى الشرق العربى والغرب الأوروبى لنحرها عن أچنداتها السياسية، كما أن بايدن كما يقال أن فترة رئاسته هى «فترة ثالثة لرئاسة أوباما» الداعم القوى لتوغل الإخوان وجماعات الإسلام السياسى فى الوطن العربى، إلا أن ثورة 30 يونيو فى مصر كانت الضربة القاضية لأچندة أوباما وأتباعه، وكانت مذكرات هيلارى كلينتون «خيارات صعبة» وما تبعها من تسريبات لبريدها الإلكترونى دليلاً واضحًا على ما كانت تسعى إليه الإدارة الأمريكية خلال فترة «الخريف العربى».. وعلى مدار أعوام توالت الضربات لهذه الجماعات المتطرفة، فى تونس ثم المغرب ويليها الاتجاه الأوروبى بحظر جماعة الإخوان ومصادرة أموالها.. ضربات قوية لم تكن متوقع سرعتها ولا تأثيرها لتدخل جماعات الإسلام السياسى وعلى رأسها الإخوان لنفق مظلم تهدد بقاءها على الساحة السياسية العالمية.

الأجندة الأمريكية قبل بايدن

عقب تولى چو بايدن الحكم الأمريكى  اتجهت الأنظار لأچندته الخارجية؛ خصوصًا أن إرثه من سلفه دونالد ترامب كان كبيرًا، فقد كان ترامب من أشد معارضى حكم باراك أوباما، الرئيس الأمريكى الأسبق، فعمل ترامب على مدار سنوات حكمه للضرب بجميع قرارات أوباما بعرض الحائط، من خروجه من الاتفاق النووى الإيرانى، وتوتر العلاقات مع حلف الناتو وحلفاء أمريكا فى الاتحاد الأوروبى، ثم معارضته للتدخل فى الشئون الداخلية لبلدان الوطن العربى، وغيرها من القرارات التى رسمت خريطة سياسيات أمريكا الخارجية بصورة جديدة تعمل فقط على فرض المصالح الأمريكية وتتبع مبدأ «أمريكا أولًا».

وقبل أيام من حفل تنصيب چو بايدن الرئاسى، أصدرت الخارجية الأمريكية فى 15 يناير 2021 قرارًا تاريخيًا بوضع جماعة «حسم» و«ولاية سيناء» رسميًا على قوائم التنظيمات الإرهابية الأجنبية، وفقًا للقسم 219 من قانون الهجرة والجنسية، والذى بموجبه يعتبر تقديم أى دعم مالى أو موارد لهذه الجماعات أو التواطؤ معها، بمثابة جرم اتحادى لكونها مدرجة كمنظمة إرهابية أجنبية، كما أدرجت  وزارة الخزانة الأمريكية جماعة «أنصار بيت المقدس» المرتبطة بتنظيم داعش فى شمال سيناء و«حركة سواعد مصر» المعروفة اختصارًا بكلمة «حسم» التابعة لتنظيم الإخوان ضمن قوائم الإرهاب، وأوضحت الخزانة الأمريكية أن هذا القرار يهدف إلى حرمان الجماعات وقياداتها من مصادرها اللازمة لتنفيذ هجمات إرهابية، إضافة إلى حظر تعامل الأمريكيين معها. كانت هذه الخبطات هى خطوة أولى اتخذها الرئيس ترامب قبل رحيله بأيام لوضع سور قوى ومنيع أمام جماعة الإخوان وأتباعها، ووفق تقارير أمريكية فقد حاول الرئيس الأمريكى السابق أن يضع جماعة الإخوان ضمن قوائم التنظيمات الإرهابية عدة مرات خلال فترة حكمه، لكن هذه الخطوة كانت دائمًا ما تصطدم بعراقيل تحبطها إمّا فى مهدها وإمّا فى لحظاتها الأخيرة، ففى مارس 2017، ومع بدايات حكم ترامب، كان هناك توجه قوى من الإدارة الأمريكية نحو تسمية جماعة الإخوان «منظمة إرهابية»، لكن الإدارة تراجعت عن مسعاها هذا بعد مذكرة لوزارة الخارجية الأمريكية نصحت فيها بعدم الإقدام على هذه الخطوة بحجة أن «بنية جماعة الإخوان بنية متراصة»، وأنه «ليست هناك جماعة واحدة من الإخوان المسلمين. وحتى إن كانت بعض التيارات المنتمية لهذه الجماعة على صلة وعلاقة مع حركة حماس، فهى تمارس أنشطة سياسية تحمل طابع الشرعية، كما أن لها حضورًا فى الشرق الأوسط، ولها أحزاب وقوى فاعلة فى المشهد السياسى بعدة دول مثل: المغرب والأردن وتونس وعدد من الدول ذات الأغلبية المسلمة».

دعم الفوز

تدرك جماعة الإخوان جيدًا أنها غير مُرحّب بها من قِبَل الحزب الجمهورى ومرشحه فى الانتخابات الرئاسية دونالد ترامب، ولذلك انصب كل اهتمام أذرع الجماعة وتحديدًا منظمتَىْ (إسنا) و(كير) فى الولايات المتحدة على دعم الحزب الديمقراطى، إذ قامت الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (إسنا) والتى تعد أحد أكبر التجمعات لمسلمى أمريكا بتوجيه الدعوة لچو بايدن لإلقاء كلمة أمام المؤتمر السنوى العام 57 فى سبتمبر 2020، وهو ما وافق عليه بايدن.

وحرص المؤسّسات التابعة للجماعة ومنها مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) على الترويج لچو بايدن بين أوساط المسلمين الأمريكيين والترويج من خلال استطلاعات الرأى لشعبية بايدن بين أوساطهم، إذ أشار أحد الاستطلاعات التى أجريت عقب المناظرة الانتخابية الأولى فى 29 سبتمبر 2020 إلى عزم 71 % من الجالية المسلمة التصويت لبايدن مقابل 18 % لصالح المرشح الجمهورى دونالد ترامب، وأشار الاستطلاع أيضًا إلى أن 89 % من الناخبين المسلمين المسجلين يعـتزمون المشاركة فى التصويت مقابل 11 % مترددين بشأن المشاركة.

وعقب فوز چو بايدن بالانتخابات كانت الجماعة الإرهابية فى مقدمة المهنئين له عبر بيان رسمى حمل توقيع نائب المرشد العام للجماعة «إبراهيم منير»، أعربت فيه عن تمنياتها بدوام العيش الكريم للرئيس الجديد وطالبت بمراجعة سياسات دعم ومساندة لبعض الدول، وأكدت أن بناء العلاقات مع بعض المؤسّسات فى دول بعينها ستكون اختيارًا فى غير محله.

ضربات استباقية

فى فبراير 2021 أعلن بايدن شطب جماعة الحوثيين فى اليمن من القائمة السوداء لـ«المنظمات الإرهابية»، وكانت هذه خطوة ربما تمنى منها الإخوان أن تكون سابقة تليها التراجع عن قرارات ترامب نحو التضييق عن أذرع الجماعة وأتباعها؛ خصوصًا أن بايدن قدّم بعض الخطوات التى قد تنم عن استكمال سياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما نحو جماعات الإسلام السياسى،  فقد رشح الرئيس الأمريكى، رشاد حسين لمنصب سفير متجول لشئون الحريات الدينية الدولية أواخر يوليو الماضى، وأشار هذا الترشيح إلى احتمالية رغبة الإدارة الأمريكية الجديدة فى فتح قناة اتصال «دافئة» مع الجماعة لاستخدامها حال اقتضت الضرورة، فضلاً عن أنه يعد تأكيدًا على استيعابها لجميع الأطياف فى الداخل الأمريكى، كما قام بتعيين كولن كال فى منصب نائب وزير الدفاع لرسم السياسات للجيش الأمريكى، والمعروف بتأييده لأنشطة جماعة الإخوان فى المنطقة، إذ يروج لنظرية خاطئة ملخصها أن تولى الإسلاميين السُّلطة يمنعهم من الانخراط فى أعمال جهادية. 

وهو الأمر الذى واجه العديد من الانتقادات فى الداخل الأمريكى؛ حيث قال الباحث الأمريكى فى شئون الإرهاب چون روسوماندو، فى تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية، إن تعيين كال، وهو كان المساعد لبايدن خلال إدارة باراك أوباما، واتجاه نحو وجود الإخوان يمكن تخدم مصالح أمريكا لأنها قد توازى نفوذ إيران فى منطقة الشرق الأوسط، كما أعلن أن الجماعة تنجح فى حفظ التهدئة بين إسرائيل وحماس فى قطاع غزة، أمر ثبت خطأه على مدار أعوام؛ خصوصًا بعد فشل الجماعة وأتباعها لكسب قاعدة جماهيرية فى الشرق الأوسط؛ بل أصبحت منبوذة شعبيًا فى أكثر من دولة عربية.

وأوضح الباحث الأمريكى أن هناك اتجاهًا فى الكونجرس لوقف نشاط جماعات الإسلام السياسى فى البلاد، ففى ديسمبر 2020 أعاد السيناتور الجمهورى، تيد كروز تقديم مشروع قانون يصنف الإخوان جماعة إرهابية، وهو قانون يحث وزارة الخارجية الأمريكية على استخدام سُلطتها لتحديد الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية.

من جهة أخرى، لم يقدم الرئيس الأمريكى أى خطوات نحو جماعات الإسلام السياسى ولم يقدم أى دعم لهم؛ بل على النقيض عمل على ترك الساحة العربية ولم يقدم لها أى اهتمام يُذكر مثلما فعل أسلافه.. واتجه چو بايدن إلى الشرق الآسيوى وإفريقيا وصب جميع اهتماماته لمحاربة التوغل الصينى والروسى.

هل بايدن حليف جماعة الإخوان؟

رغم تفاؤل الجماعة بنجاح چو بايدن؛ فقد اعتبرته طوق النجاة لها بعد فشلها فى الشرق الأوسط، إلا أنه وفق خبراء فإن الإدارة الحالية قد أدركت خطورة جماعات الإسلام السياسى؛ خصوصًا الإخوان، وأن التحالف معها سيواجه العديد من الصعوبات، أهمها:

تغير الظروف السياسية مقارنة بفترة الرئيس الأسبق باراك أوباما، إذ شهدت السنوات الماضية تطورات متعددة تجعل من الصعب تطبيق نموذج أوباما فى دعم الإخوان، فالإدارة الأمريكية الجديدة تواجه عددًا من التحديات الخارجية يأتى فى مقدمتها تطورات أفغانستان ومحادثات الملف النووى الإيرانى، هذا بالاضافة إلى أزمتها الداخلية.

ثانيًا: انكشاف الجماعة فى دول الشرق الأوسط واندثار التأييد الشعبى لها، كشف الوجه الحقيقى للإخوان وأتباعها أمام قطاع ضخم من الشعوب العربية، ويعد انهيار الجماعة فى مصر ضربة البداية لتداعيها فى باقى البلاد التى شهدت صعودًا لها وكان آخرها فى تونس والمغرب، ما يؤكد فشل الرهان الأمريكى السابق على الجماعة بوصفها نموذجًا للحكم الإسلامى الرشيد.

ثالثًا: العلاقة الاستراتيچية بين مصر والولايات المتحدة وثيقة على مدار سنين ولم تهتز تلك العلاقة سوى فى فترة حكم الرئيس الأسبق أوباما، وتسعى الإدارة الجديدة إلى الحفاظ على استراتيچية هذه العلاقات ومتانتها انطلاقًا من الدور المصرى الفاعل فى المنطقة، وهو ما اتضح بشكل جلىّ خلال حرب غزة الأخيرة فى شهر مايو 2021.

رابعًا: محاصرة أوروبا لأنشطة الإخوان، كذلك  تصنيفها كجماعة إرهابية فى عدد من دول المنطقة، مصر والسعودية والإمارات والبحرين والأردن، أمر يصعِّب من عملية الدعم الذى تسعى جماعة الإخوان للحصول عليه من الرئيس الأمريكى چو بايدن.