الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إطالة أمد الأزمة يُنذر بفوضى عارمة قد تتجاوز الحدود السودانية إلى الإقليم بالكامل الســودان على مفترق طرق مصيرى.. ولا بديل عن التوافق الوطنى

أجواء توتر وترقب كبير لسَير الأحداث فى السودان الشقيق، الذى يعيش الآن لحظات فارقة وتوازنات حرجة، تزيد من ضبابية مستقبل الدولة السودانية.



إذ تتسارع الأحداث فى البلاد التى تشهد احتجاجات كبيرة منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضى، بعدما أعلن الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السودانى والقائد العام للقوات المسلحة السودانية حالة الطوارئ فى جميع أنحاء البلاد وحل مجلس السيادة الانتقالى وإعفاء أعضائه، بجانب حل مجلس الوزراء، وإنهاء تكليف ولاة الولايات.

وتعليق بعض مواد الوثيقة الدستورية مع الالتزام بها واتفاق السلام.

فمنذ الإعلان عن تشكيل المجلس السيادى فى السودان فى أغسطس 2019، بحسب الوثيقة الدستورية الموقعة بين المجلس العسكرى الانتقالى وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير الذى يمثل أحزاب المعارضة السودانية، والذى كان من صلاحياته تولى قيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية التى ستمتد لمدة 39 شهرًا من تاريخ التوقيع عليها، ليعقبها إجراء انتخابات عامة- شهدت السودان حالة من الاحتقان السياسى والخلاف بين أعضاء المجلس وتبادل التهم المختلفة. 

 أزمة ثقة عميقة  

إلا أن حدة هذا الخلاف تصاعدت بشكل كبير منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، التى أعلنت عنها السُّلطات السودانية، فى سبتمبر الماضى، وتبادل المدنيون والعسكريون الاتهامات، بالسعى للانفراد بالسُّلطة، كما أن الفريق «البرهان»، قد تحدّث عقب هذه  المحاولة وقال إن القوات النظامية هى التى أجهضتها، وأن الجيش هو الوصى على البلاد، وأن شعارات الثورة ضاعت وسط صراع السياسيين على السُّلطة، وقد أثارت تصريحات «البرهان»، بشأن وصاية الجيش على البلاد، ومهاجمته للمدنيين فى مجلس السيادة الحاكم، اعتراضات ومخاوف كثيرة بشأن نوايا المكون العسكرى فى المجلس، الذى يقود المرحلة الانتقالية. 

وفى المقابل؛ اعتبر البعض التشكيك فى نوايا المكون العسكرى شائعات مغرضة تحاول أحزاب المعارضة من خلالها إلصاق اتهامات وتشويه صورة الجيش، مؤكدين على أن السُّلطة فى السودان قائمة على شراكة شهدها العالم عبر الوثيقة الدستورية التى شارك بها الجيش كشريك فى السُّلطة، إلى جانب المكون المدنى الموجود فى السُّلطة التنفيذية الذي وقّع على تلك الوثيقة الدستورية، وأن الحديث عن أن الجيش ليس شريكا، يتنافى مع ما تم الاتفاق عليه فى احتفال كبير بين المجلس العسكرى وقوى الحرية والتغيير، وكل مؤسّسات السُّلطة الحالية قائمة على تلك الوثيقة الدستورية، التى ينبغى الالتزام بها بدلاً من التنكر لتلك الشراكة وبث الكراهية بين القوات المسلحة والمواطنين. 

فيما يرى مراقبون أن الأزمة السياسية فى السودان تعكس أزمة ثقة عميقة بين المكون المدنى والعسكرى، وأن إطالة أمدها يُنذر بفوضى عارمة قد تتجاوز الحدود السودانية إلى الإقليم بالكامل. 

 صراع مصالح وأبعاد دولية

و يشيرون إلى أن الأزمة السودانية هى أيضًا أزمة داخلية ذات أبعاد دولية، ويعكس ذلك فشل مجلس الأمن الدولى فى إصدار موقف موحد إزاء الأزمة الراهنة بسبب تباين الآراء بين أعضائه الصين وروسيا من جانب والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جانب آخر، بحيث بدى البيان الصادر من المجلس وكأنه يعبر عن ذروة الصراع الاستراتيچى الدولى على منطقة القرن الإفريقى بصفة عامة والسودان التى تحتل موقعًا استراتيچيًا مُهمًا فيها من حيث كونها منصة انطلاق أمريكية لمقاومة الوجود والنفوذين الصينى والروسى فى تلك المنطقة. 

ومن هنا، يذهب محللون عسكريون إلى أن التداعيات التى شهدتها الساحة السودانية منذ الخامس والعشرين من أكتوبر، كشفت عن وجود تقاطعات دولية فى الأزمة السودانية ومصالح استراتيچية متعلقة بمحاولات إعادة سيناريو القطبية الثنائية، وذلك بالنظر إلى المواقف التى اتخذتها كل من موسكو وبكين، فى مقابل مواقف كل من واشنطن وباريس وبريطانيا، وهذه التقاطعات الدولية تنسحب بدورها على المشهد الداخلى فى السودان.

لافتين إلى سعى بعض القوى الخارجية إلى زعزعة الصيغة بين المكونين المدنى والعسكرى فى البلاد، وبلورة صياغات جديدة للمشهد السياسى السودانى بما يضمن تحقيق مصالحها.

 الموقف المصرى

وفى مقابل تبايُن مواقف الأطراف الدولية التى تربط موقفها من الأزمة الداخلية فى السودان بمصالحها فى المنطقة، تتابع مصر عن كثب التطورات الأخيرة فى السودان الشقيق، مؤكدة على أهمية تحقيق الاستقرار والأمن للشعب السودانى والحفاظ على مقدراته والتعامل مع التحديات الراهنة بالشكل الذى يضمن سلامة هذا البلد الشقيق، ومشددة على أن «أمن واستقرار السودان جزءٌ لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والمنطقة». 

جاء ذلك فى بيان وزارة الخارجية المصرية، الذى أكد أن مصر تدعو جميع الأطراف السودانية الشقيقة، فى إطار المسئولية وضبط النفس؛ لتغليب المصلحة العليا للوطن والتوافق الوطنى.

بيان الخارجية يُعبر عن موقف مصرى جاد يهمه فى المقام الأول مصلحة السودان الذى يُعتبر عمقًا استراتيچيًا وأمنًا قوميًا لمصر، وامتدادًا جغرافيًا لوادى النيل بشعبه ومفكريه ومثقفيه الذين احتضنهم البلدان.

ولهذا ومن أجل مصلحة السودان ومستقبله، تدعو القاهرة جميع الأطراف السودانية العمل من أجل الحفاظ على وحدة التراب السودانى ووحدة الشعب السودانى، فى الوقت الذى تستغل فيه دول أخرى مثل إثيوبيا الأزمة ولعب دور خطير لإشعال السودان وإحداث انقسامات وحرب أهلية داخلية؛ خصوصًا أن مشكلة الحدود بينها وبين السودان مشتعلة، وكذلك قضية سد النهضة. وفيما يتعلق بالموقف المصرى من التطورات فى السودان، أكد المهندس الدكتور محمد عليوة، الباحث فى العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، أن هناك حقائق لا يجوز المناقشة فى صحتها وأولاها أن الاعتبار الأول والأهم بالنسبة للدولة المصرية هو ضمان وحدة وسلامة السودان الشقيق، فالخطورة بالنسبة لمصر تتمثل فى انهيار الدولة السودانية؛ لأن انهيار الدولة السودانية لا قدر الله لن تتوقف تداعياته على ملف السد الإثيوبى وحسب؛ بل سيكون له تداعيات أخرى خطيرة لا تقل عن التأثير على ملف السد الإثيوبى، لذلك الاعتبار الأول والأهم هو ضمان وحدة وسلامة السودان الشقيق، وهذا هو جوهر التحرك المصرى فيما سبق وفيما يحدث وفيما هو آتٍ.

قائلا: مصر ترى أن من يحكم السودان يقرره السودانيون، وهو خيار الشعب السودانى دون سواه. لافتًا إلى أن علاقات الدول تحكمها فقط  لغة المصالح، والمصلحة المصرية فى العلاقة مع السودان الشقيق تتلخص فى هدف واحد يتمثل فى (وحدة واستقرار السودان)، لأن أمن واستقرار السودان هو امتداد لأمن واستقرار الدولة المصرية. 

وأضاف: ومن يطالب ببيانات ترفض أو تشجب أو تتوافق مع ما يحدث فى السودان الشقيق لا يعلم طبيعة المنطقة وتفاعلاتها وتعقيداتها، وبأن البيانات التى صدرت عن بعض القوى الإقليمية والدولية؛ إنما هى تعبيرٌ عن صراع النفوذ والمصالح الذى لا يضع فى اعتباره سوى أهدافه ومصالحه دون سواها. 

وتابع: مصر تأمل أن يتم التوافق سريعًا بين مكونات الشعب السودانى للخروج من هذا المأزق الخطير وبغض النظر عمن يقود السودان فى هذه المرحلة أو من الذى يحكم، ففى النهاية الذى يدفع الثمَن هو المواطن، بدمه وروحه وانتمائه، ولذلك فإن سرعة تشكيل حكومة وطنية تشمل كل الأطياف والمكونات السياسية هى المَخرج الوحيد والضرورى من هذه الأزمة التى هزت الشارع المصرى قبل السودانى، فالاتفاق والتفاوض هما السبيل الوحيد للخروج من بوتقة اشتعال الموقف الداخلى. 

وعن السيناريوهات المتوقعة لخروج السودان من أزمته السياسية الحالية وسط الانقسامات والصراعات المعقدة، ومواصلة المحتجين على قرارات قائد الجيش إغلاق بعض الطرق فى الخرطوم، والدعوات لتصعيد الاحتجاج، يرجّح محللون سودانيون أن تتجه الأزمة السودانية إلى تسوية بين الفرقاء قد يتم بموجبها عودة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك إلى منصبه.

ويتوقعون أن تنتهى الأزمة بتسوية على وقع جهود أممية وأخرى إفريقية للوساطة بين الأطراف السودانية فمن الصعب أن تبتعد المؤسّسة العسكرية عن المشهد؛ وذلك من أجل حماية البلاد، كما أنها جادة فى إصلاح المسار دون انفرادها بتسيير الأمور، لذلك من المرجح أن يعود رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لمنصبه وأن يقود مرحلة انتقالية بحكومة كفاءات تُعد البلاد للانتخابات خلال عامين.