بعد 65 عامًا من استخدام «الطوارئ».. كيف نجح الرئيس فى تغيير استراتيچيات الحفاظ على أمن وسلامة الشعب المصرى
أحمد عبدالعظيم
جاء قرارُ الرئيس «عبدالفتاح السيسى» بإلغاء قانون الطوارئ ليكون إحدى الركائز المهمة لبناء الجمهورية الجديدة بعد 65 عامًا من بداية تنفيذها فى مصر، والتى كانت دائمًا ما تُفرَض فى ظروف استثنائية تمر بها البلادُ لضمان فرض الاستقرار؛ خصوصًا فى حالات الاستهداف الخارجى لسلامة وأمن الدولة.
حالات تطبيق القانون
وفقًا للدستور فإن الحالات التى يتوجّب الاستنادُ إليها لفرض الطوارئ، تشمل الحرب أو حالة تهدد بوقوع حرب، وحدوث اضطرابات داخلية أو كوارث عامة أو انتشار وباء، ما يعنى تعرُّض الأمن العام فى أراضى الجمهورية أو مناطق منها للخطر.
وتنص المادة 152 من الدستور المصرى على إعلان حال الطوارئ فى البلاد؛ استنادًا إلى قانون الطوارئ رقم 162 الذى صدر العام 1958، إذ تخوّل لرئيس الجمهورية إعلانها بعد أخذ رأى مجلس الوزراء، مع إلزامه بعرضها لاحقًا، خلال مدة لا تتجاوز السبعة أيام، على مجلس النواب وموافقة غالبية أعضاء المجلس لتمريرها.
كما تقتضى أن تعلن حال الطوارئ لمدة محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهُر، وألا تجدد إلا لمدة مماثلة بعد موافقة ثلثَىْ نواب الشعب. موضحة أن رئيس الجمهورية هو مَن يعلن حالة الطوارئ، وهو مَن يعلن انتهاءَها، كما ينتهى العمل بها إذا رفض البرلمان إقرارَها.
تسلسُل زمنى للتطبيق
أمّا التسلسُل الزمنى لفرض «حالة الطوارئ» فتمّت للمرة الأولى مع بدء العدوان الثلاثى على مصر فى عام 1956، والذى شنته القوات البريطانية والإسرائيلية والفرنسية؛ عقابًا لمصر بعد تأميم قناة السويس التى كانت تديرها بريطانيا، لكن قبل العدوان الثلاثى كانت هناك قوانين استثنائية لا تزال قائمة منذ العقد الثانى من القرن الماضى، تحت ما يُعرف بـ«الأحكام العُرفية»، فمع اندلاع الحرب العالمية فرض الاحتلال البريطانى تلك الأحكام فى مصر للمرة الأولى، وعَيّن حاكمًا عسكريًا للبلاد، وتضمّن دستور البلاد 1923 النص الأول الذى ينظم تلك الأحكام العُرفية؛ حيث نصت المادة (45) من الدستور على أن يكون المَلك هو مَن يعلن الأحكام العرفية، مع ضرورة عرضها فورًا على مجلس الأمة؛ ليقرر استمرارَها أو إلغاءَها.
بين عامَىْ 1939 و1943 أُعيد فرض الأحكام العُرفية مجددًا فى البلاد، وبقيت سنوات مفروضة نظرًا إلى الظروف حينها، ففى الحالة الأولى جرى فرضها على إثر الحرب العالمية الثانية، وبقيت طوال فترة الحرب، والثانية كانت بعد دخول الجيش المصرى فى حرب فلسطين، وبقيت نحو سبع سنوات، الأمْرُ ذاته تكرّر فى يناير 1952، عقب أحداث حريق القاهرة، قبل أشهُر قليلة من ثورة يوليو 1952، بقيادة الضباط الأحرار ومباركة شعبية كبرى، واستمرت طوال السنوات الأولى من عُمْر الثورة.
عقب ذلك تحولت المسميات من الأحكام العُرفية إلى حالة الطوارئ، فمع شن العدوان الثلاثى ضد مصر، بدأت رحلة «قانون الطوارئ» التى استمرت لسنوات وعقود طويلة لاحقة حتى عام 2021 الجارى.
على مدَى 13 سنة بقيت البلادُ فى حالة طوارئ منذ العدوان الإسرائيلى على مصر فى يونيو 1967، ورُغم رفعها فى نهاية عهد الرئيس الراحل «محمد أنور السادات» 18 شهرًا؛ فإنها عادت مجددًا بعد اغتياله فى أكتوبر 1981، واستمر العمل بها طوال فترة حُكم خلفه الرئيس الراحل «حسنى مبارك» على مدَى 30 سنة، وهو الأمر الذى كان مثار استنكار من جهات حقوقية محلية وعالمية آنذاك.
وحالة الطوارئ فى عهد الرئيس الأسبق «محمد حسنى مبارك» كانت تجدد سنويًا، ولاحقًا حدد مجلس الشعب تجديدها ثلاث سنوات حتى 2010، حين قرّر البرلمان فى مايو 2010 تجديدَها لمدة سنتين فقط.
وعقب أحداث يناير 2011 وتنازل «مبارك» عن السُّلطة جرى تجديد العمل بالطوارئ فى الفترة من سبتمر من العام ذاته حتى مايو 2012 (أعلن حينها رسميًا إيقاف العمل بالطوارئ) فى نهاية عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى تولى قيادة البلاد منذ تنحّى «مبارك» عن السُّلطة فى فبراير 2011.
عاد فرض قانون الطوارئ مع أحداث العنف التى شهدتها البلاد عقب ثورة 2013، وجاء أول فرض لها مجددًا فى أغسطس 2013 فى أعقاب فض اعتصامَىْ رابعة والنهضة فى عهد الرئيس السابق «عدلى منصور»، وبقيت شهرًا أيضًا.
مواجهة الإرهاب
على إثر ارتفاع منسوب العنف والإرهاب فى البلاد، فرض الرئيس «عبدالفتاح السيسى» حالة الطوارئ فى سيناء منذ نهاية 2014، واتسعت لتشمل كل أراضى الجمهورية منذ أبريل 2017، وتحديدًا بعد حادثة استهداف كنيستين بالإسكندرية وطنطا، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، ومنذ ذلك الحين يجرى تجديدها كل ثلاثة أشهُر بموافقة مجلس النواب. القرار الذى يحمل رقم (174) لسنة 2021، ويخول للقوات المسلحة والشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب، وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين؛ تم تمديدُه وتجديدُه 18 مرة على مدى السنوات الخمس الأخيرة.
وجاء قرار الرئيس «السيسى» الذى صدر يوم 25 أكتوبر الماضى بإلغاء حالة الطوارئ ليكون بمثابة إعلان نجاح الدولة فى فرض السيطرة الأمنية وتتويجًا لتضحيات رجالنا فى الجيش والشرطة فى حربهما على الإرهاب خلال الفترات الماضية وصولاً لحالة الاستقرار التى نعيشها حاليًا.
رد فعل القوات المسلحة
وفى أول رد من المؤسَّسة العسكرية على قرار إلغاء حالة الطوارئ، قال العقيد أركان حرب «غريب عبدالحافظ غريب»، المتحدث العسكرى للقوات المسلحة، إنه يبارك للشعب المصرى جنى ثمار بإلغاء الرئيس «عبدالفتاح السيسى» مَد حالة الطوارئ فى البلاد. وتابع: «قرارٌ جَلل لإنجازات عظيمة تليق بما دفع فيها من ثمن غالٍ من أرواح شهدائنا الأبرار».
الخبراء العسكريون
وكذلك رحّب الخبراء العسكريون بالخطوة التى قام بها رئيس الجمهورية؛ حيث وصف اللواء «سمير فرج» مدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق، قرار الرئيس «عبدالفتاح السيسى» بإلغاء حالة الطوارئ بأنه تاريخى.
وأوضح: إن الإلغاء يترتب عليه جذب المستثمرين سريعًا لعدم وجود قانون طوارئ من الممكن أن يؤثر بالسلب على أعماله أو إيقاف نشاطه، وسيؤثر أيضًا على جذب السائحين بأعداد كبيرة إلى مصر.
وأشار إلى أنه سبق أن طلبت مصر من بريطانيا رفع القيود للسفر والسياحة لكنها رفضت لوجود حالة الطوارئ.
وقال إن اللواء «سمير فرج» الخبير العسكرى والاستراتيچى، أكد على أن إلغاء حالة الطوارئ رسالة للعالم أجمع أن مصر آمنة وقادرة على دحر الإرهاب ولدينا تأمين قوى للحدود ولا نعانى من مشاكل أمنية، الأمر الذى يعظم من صورة مصر بين الدول العُظمَى التى تعيش حياة طبيعية.
وأوضح اللواء طيار «هشام الحلبى»، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، أن قرار الرئيس «عبدالفتاح السيسى» بإلغاء حالة الطوارئ فى البلاد مهم للغاية؛ لأنه مؤشر لاستقرار مصر؛ حيث فرضت الظروف والوضع الأمنى لفرض حالة الطوارئ لتأمين الدولة والمواطنين، وبذل جهد كبير من القوات المسلحة والشرطة والمواطنين.
وأكد «الحلبى» أن الدولة المصرية حققت هدفًا كبيرًا وهو الأمن والاستقرار فى ظل إقليم مشتعل والأمن به ضعيف والإرهاب عابر للحدود. مضيفًا: إن القوات المسلحة قادرة على السيطرة على الحدود الاستراتيچية الأربعة، وهو ما دفع الرئيس «السيسى» لاتخاذ هذا القرار.
وأضاف: إن الغرض من الطوارئ كان أن يكون أداة لمواجهة الإرهاب، ما يعطى مصداقية للقيادة السياسية المصرية، أن الهدف من الطوارئ كان حماية المواطنين والأمن القومى للبلاد، وعندما تحقق ذلك ألغيت الطوارئ، وهو مؤشر جيد على مستوى قيادة الدولة والأمن والاستقرار والاستثمار بها وشكل مصر أمام العالم الخارجى.
وأشار إلى أن حالة الطوارئ كانت لازمة فى ظل حالة الإرهاب الذى استوجب اتخاذ إجراءات حازمة فى يد قوات الأمن والدولة المصرية لمكافحته. مؤكدًا أن الإرهاب وضعٌ استثنائىٌ كان يحتاج لقرارات استثنائية، وهذا لا يعيب مصر، فهذه القرارات مكنت البلاد من مكافحته وتقليصه حتى إنهائه بصورة كبيرة.
تقدير موقف:
القرارُ التاريخىُ للرئيس «السيسى» بإلغاء حالة الطوارئ من وجهة نظرى يعكس عدة نقاط مهمة:
أولًا: نجاح القيادة السياسية فى التنسيق التام بين أجهزة الدولة المختلفة لمواجهة العدائيات التى شهدتها الدولة المصرية منذ 2011 تحديدًا وحتى وقت قريب. ثانيًا: الأمرُ يعكس تطورَ الفكر فى مواجهة الأساليب العدائية وتفويت الفرص على المتربصين بالدولة لوضعها دائمًا فى حالة طوارئ، وهو أمرٌ مكلف أمنيًا واقتصاديًا.
ثالثًا: رُغْمَ ما شهدته الدولة من حرب شرسة لتجفيف منابع الإرهاب.. فإنه بالتزامن معها كانت عمليات التنمية تتم فى كل ربوع الدولة؛ خصوصًا فى سيناء التى كانت تسعى الجماعات العدائية إلى تحويلها لساحة معارك.
رابعًا: التأكيد على أن الشعب المصرى يقف خلفَ قيادته السياسية وقواتها المسلحة والأمنية طالما تسير بخطوات واضحة من أجل تحقيق الاستقرار، وهو ما جعل أهالى العديد من المناطق؛ وبخاصة فى سيناء يتحملون تبعيات تطبيق حالة الطوارئ.
خامسًا: الفترة المقبلة من المتوقع أن تشهد تعاملًا بأساليب جديدة مبتكرة للتصدى لأى محاولات المساس باستقرار الدولة.