الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بمناسبة مرور 228 سنة على إعدامها بالمقصلة: «روز اليوسف» من داخل قصر فرساى.. هل مارى انطوانيت مفترى عليها؟

لا تزال آخر مَلكات فرنسا قبل الثورة، مارى انطوانيت، تثير جدلاً حتى الآن رُغْمَ مرور 228 سنة على إعدامها فى أكتوبر الحالى، أمورٌ عدة لا تزال غير واضحة ومشوشة عن المَلكة ونمط حياتها ومقولات وعبارات شهيرة نُسبت لها، قد تسببت إحداها فى إسقاط عرش زوجها لويس السادس عشر وإعدامهما، ونهاية المَلكية، وذلك من خلال مقولة نُسبت لها ولم يثبت ذلك حتى الآن، وهى عبارة صُنفت على أنها أكثر عبارة استفزازية فى التاريخ، بالقول: «دعهم يأكلون الكعك»، عندما علمت أن الفلاحين ليس لديهم خبز، وهى العبارة التى حُرِّفت بعدة روايات وثقافات أخرى فى نقلها من بلد إلى آخر، وتمت ترجمة هذه العبارة بشكل أكثر دقة على أنها «دعهم يأكلون البريوش»؛ حيث لا تحتوى العبارة الفرنسية الأصلية على أى ذكر للكعك، وخبز «البريوش» مخصب بالزبدة والبيض، يُعتبر آنذاك طعامًا فاخرًا، وهى أيضًا العبارة التى وصلت فى بعض جُمَل عاميّة على أنها: «إذا لم يجدوا الخبز.. فليأكلوا الجاتوه».



 العبارة من خيال «روسو»

تحريفات عدة نالت العبارة، التى يرى كُتّابٌ ومؤرخون، أنه تم الافتراء بها على «مارى انطوانيت»؛ خصوصًا أنه لا توجد وثيقة تثبت مقولتها لهذه العبارة التى قضت على حياتها، ولكن توجد وثائق تثبت عكس ذلك، بعدم نسبها لـ«انطوانيت»؛ حيث تظهر هذه العبارة فى الكتاب السادس من اعترافات چان چاك روسو، التى كتبت عام 1765، عندما كانت مارى أنطوانيت ذات 9 سنوات وتعيش فى بلاط الحُكم فى فيينا كـ«أميرة» صغيرة، فى حين أن «روسو» نَسَب وقتئذٍ العبارة لـ«أميرة عظيمة»، بالإضافة إلى ذلك؛ فإن بعض الكتّاب ذهبوا بعد ذلك، عند البحث عن حقيقة العبارة، إلى أنه ربما يكون قد اخترع «روسو» هذه الحكاية؛ لأن الاعترافات لا تُعتبر واقعية بالكامل.

الحديث عن الافتراء على «مارى انطوانيت» بهذه العبارة، لا يعنى أن حياتها كانت بريئة؛ ولكن ما يراه بعض الكتّاب والمؤرخين من افتراء عليها، هو نسب عبارة استفزازية لها قُتلت بسببها.

 بريئة ولكن مسرفة ببذخ

وتتحدث عضو المجلس المَحلى لمدينة فرساى المَلكية، د.جيهان جادو، بالقول إن عبارة «الخبز والكعك» الشهيرة المنسوبة لـ«انطوانيت»، تحمل عدة روايات، ولكن إلى الآن لم يثبت أنها قالت هذه العبارة، والظهور المثبت لهذه الجملة، فى كتاب «الاعتراف» للفيلسوف والأديب «چان چاك روسو»، وقال فيه إن نبيلة من النبيلات هى مَن قالت هذه العبارة، وحتى ما نَسَبه «روسو» للنبيلة التى لم يذكرها، وصفها البعض بالتكهنات، والأهم من ذلك، أن هذه الجملة عندما دَوّنها «روسو»، كانت «انطوانيت» وقتها طفلة فى بلاط حُكم أبيها فى النمسا.

وتوضح «جادو» أن الحديث عن براءة «انطوانيت» من هذه العبارة لا يعنى براءتها من البذخ الجنونى. لافتة إلى أنه كانت مسيطرة بشكل كبير فى القصر عند الزواج، ولكن الزوج أغلق عليها أى مساحة تتعلق بالتدخل فى شئون الحُكم، ولكنها كانت مسرفة فى الحفلات التى كانت تقيمها، لدرجة أن المسئولين عن ميزانية القصر كانوا يُحذرونها من هذا الإسراف، حتى وصل الأمْرُ بأنه أصبح هناك ديون على القصر، مما أثار غضب الفرنسيين فى وقت يعيش فيه الشعب فى فقر.

وتابعت:«قامت ببناء قصر تريانون فى حدائق قصر فرساى، كان قصرًا خاصًا بها فى وقت كان هناك نفور بينها وبين زوجها، واستقلت بعض الشىء».

 حقيقة ميلها للجنس المثلى

وأردفت فى هذا الصدد: «هناك أقاويل أخرى أنها لم تحب زوجها وأنها كانت تميل للجنس المثلى، ولكن وجد أن أمورًا مثل هذه حملت تحريفًا وكانت بمثابة افتراءات لتشويهها دينيًا أيضًا».

وأشارت «جادو» إلى أن «انطوانيت» كانت أمًّا لطفل وطفلة، وكانت مهملة لهما، لدرجة أن القاضى وقت محاكمتها وجَّه لها تهمة أنها أمٌّ سيئة، فردت بأنه لا توجد أمٌّ فى الدنيا تعذب أبناءها، وتعاطف معها هنا أمّهات حاضرات فى القاعة من الشعب، وتعاطفن معها، وقمن بالتصفيق لها رُغم أنهن ثرن ضدها.

وعن مدينة «فرساى» التاريخية، تقول إنها وقت الأسرة المالكة كانت مدينة الملك لوجود القصر الذى كان مقر الحُكم، وكمدينة لها وضعية خاصة عند الفرنسيين، وكل الرؤساء يفضلون هذه المدينة لما يشعرون أنها تحمل تاريخًا كبيرًا لوطنهم، وهناك مقر رئاسى بالمدينة فى نهاية حديقة القصر.

ولفتت إلى أن القصر تحوَّل منذ عقود وحقب إلى مزار سياحى يقبل عليه الملايين من جميع أنحاء العالم، ويصنف على أنه من أكبر الأماكن السياحية فى العالم، فهناك عدة متاحف وأجنحة وحديقة خاصة يأتى السياح خصيصًا لزيارتها؛ لا سيما أنها أماكن تحمل قصصًا مثيرة. مشيرة إلى أن أكثر الجنسيات التى تزور القصر من الولايات المتحدة؛ للتطلع على غرفة المَعارك، يليهم الألمان والإيطاليون، وجمهور كبير أيضًا من كوريا الجنوبية.

 قطع نَسْل العائلة

أمّا الأستاذ الباحث فى الاقتصاد السياسى والعلاقات الدولية بجامعة باسكوال باولى الفرنسية، حسان القبى، فيقول إن «مارى انطوانيت» أعدمت بسبب هذه العبارة المستفزة، رُغْمَ أنها كانت بعيدة عن الحُكم، إلا أنها ظلمت لأن هذه العبارة التى نُسبت لها، تم تصديرها فى شكل أنها كانت متداخلة فى الحُكم وفاعله، وهذا غير صحيح؛ فهى كانت تعيش فى بذخ مثلها مثل مَلكات وأميرات أوروبا فى هذا التوقيت، فى وقت كان يعانى فيه الشعب، ولكنها لم يكن لها علاقة بأمور الحُكم حتى تكون صاحبة تأثير على مجريات حياة الشعب ومعيشته التى كانت متعبة وقاسية فى تلك الفترة.

وفيما يخص هذه العبارة؛ يوضح «القبى» إن الملكة كانت تعتقد أن «البريوش» المحشى بالشيكولاتة، متوافر لدى لشعب؛ لا سيما أنه كان متداولاً عند الكثير من الفرنسيين فى الإفطار اليومى، وعندما قالتها لم يكن بنبرة استهزاء؛ ولكن مع ذلك، فهى لم تكن بريئة من الإنفاق الجنونى والانشغال والتلاهى والأزياء والموسيقى والحفلات.

وتابع: «حاولتْ أن تهرب هى وأسرتها وقت الثورة وكشف الأمر ودخلت السجن، وقدمت أمام المَحاكم الثورية التى كان قادتها منشغلين بتصفية بعضهم البعض، وفى الأدب والثقافة الفرنسية قدموا عنها أعمالاً، فهى أكثر مَلكة قدّم عنها أعمال فنية، هناك من وجدها مظلومة، وهناك من وجد أنها تعيش فى بذخ على حساب الشعب، ولكن الطبيعى أن ملوك فرنسا كانوا يعيشون فى بذخ غير عادى بطبيعة الحال فى وقت المَلكية».

وعن إعدام أطفالها، يرى «القبى» أن الأحداث كان يسيطر عليها عملية تطهير وتخلص من العائلة المالكة، وهناك مراجعات من ساسة وكتّاب محسوبين على الثورة، وصفوها بأنها ثورة دموية، من الممكن أن يكون التعامل مع إعدام أطفالها بمنطق أن هذا الطفل سيكبر ومن الممكن أن يعود ويطالب بالحُكم، فينقطع نَسل كل العائلة».

 ما بين القصر والمَلكة أساطير وأشباح

وما بين «مارى أنطوانيت» وقصر «فرساى» حكايات وقصص وأحيانًا أساطير، وفى بعض القصص أشباح لـ«الملكة» وادعاءات بالسفر عبر الزمن.

مارى أنطوانيت أو ماريا أنطونيا چوزيفينا يوحنا، وُلدت فى 2 نوفمبر عام 1755 فى القصر الإمبراطورى بفيينا النمساوية، ثم انتقلت إلى فرنسا لتتزوج من لويس السادس عشر فى سن الرابعة عشرة من عمرها وكان هو يكبرها بعام، وأبوها الإمبراطور فرانتس الأول، وهى أصغر أبناء الملكة ماريا تيريزا، وكانت ملكة لفرنسا من 10 مايو 1774 إلى 21 سبتمبر 1792، أعدمت بالمقصلة فى 16 أكتوبر 1793، وكان عمرها 37 سنة، بميدان الكونكورد بالعاصمة باريس

أمّا «فرساى» فهو أهم القصور المَلكية فى فرنسا ويقع بالمدينة التى تحمل الاسم نفسه، وتبعد 25 كيلومترًا غرب وسط باريس، وجاءت حكايته عندما أمَرَ لويس الثالث عشر عام 1624 ببناء منزل صغير للصيد على تل قريب من قرية فرساى، كون الأدغال القريبة وافرة الصيد، وفى 1632 أمَر بتوسيع المنزل، وفى فترة حُكم لويس الرابع عشر شيد القصر محل المنزل، وظل مَقر الإقامة المَلكية حتى اضطرت الأسرة الحاكمة إلى العودة إلى باريس فى 1789؛ حيث كان يسكنه الملك لويس السادس عشر وزوجته الملكة مارى انطوانيت اللذان أجبرتهما الثورة الفرنسية على مغادرة القصر، ومن ثم تم إعدامهما بالمقصلة فى وقت لاحق.

ويُعد قصر فرساى أشهَر بناء فى الفن الكلاسيكى الفرنسى ومن أشهَر القصور الفرنسية التى تشهد على روعة المعمار الفرنسى وقطع الأثاث والديكور والأسقف فيه مصنوعة من الذهب، فضلاً عن تنسيق حدائقه الواسعة والشهيرة، ويتكون من عدة مبانٍ متقابلة ومطلة على ساحة فى الوسط.

وهناك العديد من الأحداث السياسية شهدها هذا القصر، التى غيرت مسار وتاريخ الحُكم، ليس فى فرنسا فقط؛ ولكن فى أوروبا، بجانب نهاية حُكم وعائلة مَلك فرنسا لويس السادس ومارى أنطوانيت، ففى هذا القصر أيضًا حدث أهم لألمانيا، عندما تأسس الرايخ الألمانى الثانى فى قاعة المرايا بعد أن أُعلن مَلك بروسيا «ألمانيا» فيلهلم الأول قيصرًا للإمبراطورية الألمانية فى 1871 بعد الانتصار السريع للقوات الألمانية فى الحرب مع فرنسا.

 السفر عبر الزمن

وما بين فرساى وانطوانيت، قصص  وأشباح وسفر عبر الزمن، ففى نهاية القصر المَلكى، بنت «مارى» قصرًا صغيرًا لها هو «تريانون»، تعيش فيه حياتها بعيدًا عن زوجها المَلك فى ظل الفتور القائم بينهما.

وفى عام 1911، نشرت الكاتبتان شارلوت آن موبرلى وإليانور جوردان، كتابًا بعنوان مغامرة جاءت ضمن زيارة قامتا بها إلى قصر تريانون؛ حيث زعمتا أنهما شاهدا الحدائق كما كانت فى أواخر القرن الثامن عشر بالإضافة إلى ظهور أشباح، كانت لـ«مارى أنطوانيت» وآخرين من هذا الزمن.

حيث قالت «موبرلى» إنها شاهدت فى حديقة القصر، سيدة ترسم على العُشب نظرت إليها، كانت ترتدى فستانًا صيفيًا خفيفًا وقبّعة بيضاء مُظللة بها الكثير من الشعر الفاتح، اعتقدت فى البداية أنها كانت سائحة، لكن مع الفستان قديم الطراز، وبالقرب منها وجدتها بنفس ملامح وتفاصيل مارى انطوانيت المذكورة والمرسومة أيضًا فى لوحات، ومع الاقتراب منها اختفت هذه السيدة. 