الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تيار أمريكى يطالب بإعادة النظر فى تريليون دولار ستنفق على ترسانتها النووية هل سيوقِف بايدن إدمان واشنطن للحروب واستخدام القوة؟

فى ظل تفاقم الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران وتصاعُد وتيرة التهديد بينهما، وبالتزامن مع نهاية مخزية للحرب الأمريكية على أفغانستان، تعالت الأصوات لمطالبة واشنطن بمواجهة إدمانها لاستخدام القوة والحروب، تلك الأصوات استعانت بتصريحات الرئيس الأمريكى چو بايدن نفسه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضى؛ حيث قال إنه من الآن فصاعدًا لن تتعامل الولايات المتحدة مع القوة العسكرية على أنها إجابة لكل مشكلة تواجهها فى جميع أنحاء العالم.



 واعتبروا أن هذه الكلمة بمثابة اعتراف بأنه فى العقود الأخيرة لم تستخدم الولايات المتحدة القوة كملاذ أخير؛ بل أصبح الاستخدام المفرط للقوة سمة مميزة للحكم الأمريكى، لدرجة أن عبارات مثل «الحرب التى لا نهاية لها» و«الحروب الأبدية»، أصبحت من العناصر الأساسية فى الخطاب الأمريكى السياسى اليومى.. ومن هنا تنامَى داخل واشنطن تيار يرفع شعار «حان الوقت لإنهاء الحروب الطويلة»؛ وذلك باتباع سياسات جديدة تبدأ من تخفيض الوجود العسكرى فى جميع أنحاء العالم، وإعادة النظر فى تريليون دولار تخطط الولايات المتحدة لإنفاقها على ترسانتها النووية على مدى السنوات العديدة المقبلة.

التيار الداعم لإنهاء الإدمان الأمريكى للحروب، يتبنّى ما جادل حوله بايدن، بأن الرد على هجمات الحادى عشر من سبتمبر بالانتشار العسكرى الكبير والاحتلال كان اختيارًا خاطئًا وإن مثل هذه الحروب تستنزف طاقات الولايات المتحدة واهتمام صانعى السياسة بينما تضع أعباءً لا تطاق على الجيش، ويرى أن التاريخ سوف يسجل خطاب بايدن فى الأمم المتحدة هذا العام كواحد من أكثر الخطابات المعادية للحرب التى ألقاها رئيس أمريكى على الإطلاق؛ لأن أمريكا اعتادت على الخطاب العسكرى والدعوات للتضحية، وفى إطار ذلك تتمثل مهمة بايدن الآن فى تقليل الضرر البشرى والاستراتيچى للنهاية غير المنضبطة لعصر طويل من الحرب والوفاء بوعده بعصر جديد يتم فيه استخدام القوة الأمريكية بشكل أكثر حكمة وفعالية وبأوهام أقل.

ولكن هل سيتمسك بايدن المتأثر بكونه أبًا لابن قاتل فى العراق- كما يرى البعض- بهذا الاختيار، فيما يخص الصراع «الأمريكى- الإيرانى» فى ظل ظروف وملابسات غاية فى التعقيد وفى مقدمتها الضغط الإسرائيلى لمواجهة إيران؟ الإجابة البديهية بالتأكيد لا، لذلك يرى البعض أنه يجب على بايدن تحويل هذه العقيدة المؤقتة إلى واقع ملموس إذا كان يعنى حقًا ما قاله فى الأمم المتحدة، وأنه يحتاج إلى بناء سياسات جديدة لإدارته وإعادة ترتيب خيارات وأولويات الإنفاق وأنه يجب على الولايات المتحدة أن تلتزم بنفس القواعد التى تحكم استخدام القوة والتى تطالب بها الدول الأخرى ولا تعمل بها وأن تمتثل للمعايير الموجودة مسبقًا والتى استثنت نفسها منها؛ خصوصًا فى السنوات التى أعقبت هجمات الحادى عشر من سبتمبر، وهذا يعنى أن على واشنطن التخلى تمامًا عن فكرة الحرب الوقائية.

وهذا معناه أيضًا أن الرئيس الأمريكى لو كان جادًا بشأن القيادة بالقدوة فعليه تجديد التزام الولايات المتحدة بميثاق الأمم المتحدة، الذى تمّت المصادقة عليه بأغلبية مجلس الشيوخ الأمريكى فى 28 يوليو 1945، والذى تنص المادة (2) منه، على ضرورة التزام جميع الأعضاء بالامتناع فى علاقاتهم الدولية عن التهديد أو استخدام القوة بأى طريقة لا تتفق مع مبادئ الأمم المتحدة، ومع ذلك تجاهلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة هذا الشرط، وكذلك عليه احترام شروط اتفاقية ‍چنيف الرابعة، التى صادق عليها مجلس الشيوخ الأمريكى فى عام 1949، والتى تعرّف العقوبة الجماعية على أنها جريمة حرب ولذلك وفقًا لهذا المعيار؛ تعتبر العقوبات الاقتصادية الأمريكية التى استهدفت دولًا مثل كوبا وفنزويلا وغيرهما غير قانونية وغير أخلاقية وثبت أنها تضغط على الشعوب وتقتل الأبرياء كما هو الحال مع الحرب واستخدام القوة.

 مجلة «فورين أفيرز» كتبت إن هناك تحركًا بمجلس الشيوخ لدعم هذا الاتجاه بموافقة غير معلنة من بايدن، والذى اعتبرت تصريحاته بشأن القيادة بالقدوة جوفاء ولا معنى لها فى حين استمرار الولايات المتحدة فى رفض التوقيع على أو احترام الجوانب الرئيسية للقانون الدولى، وكذلك معارضة أو تجاهل أى اتفاقية دولية تمنع حريتها فى الإكراه، كما رأت المجلة أنه على الرئيس الأمريكى إلغاء سياسات بوش، وإعادة الردع باعتباره حَجَر الزاوية فى السياسة العسكرية الأمريكية.. وأضافت إنه لفترة طويلة تصورت الإدارات المتعاقبة أن القوة العسكرية هى الوسيلة المناسبة لحل المشاكل والإطاحة بالأنظمة وكل من تعتبرهم واشنطن مصدر تهديد وأنه يجب على بايدن أن يتخلى عن هذا الخيال؛ لأن الولايات المتحدة اليوم لديها المزيد من الأعداء بسبب إساءة استخدامها السابق للقوة العسكرية ومَهما كانت الصعوبات الحالية مع طهران وبيونغ يانغ فلن يوفر الصراع المسلح حلًا فعالًا. فى السياق نفسه؛ كتب المبعوث الأمريكى السابق للشرق الأوسط مارتن إنديك مقالًا بعنوان النظام قبل السلام.. دروس مستفادة من دبلوماسية كيسنجر بالشرق الأوسط، دعم خلاله نفس التوجه؛ حيث قال من المفترض أن تكون واشنطن قد تعلمت من تجاربها ألا تحاول إعادة صياغة منطقة الشرق الأوسط وفق تصورها هى، وأن الزعماء الأمريكيين إذا كانوا يميلون إلى افتعال حرب مرة أخرى فلن يحظوا بتأييد شعبى، وأنه على الولايات المتحدة صياغة استراتيچية ما بعد أفغانستان لتقوية النظام فى الشرق الأوسط حتى إن عمدت إلى توجيه اهتمامها نحو أولويات أخرى. ونصح إنديك واشنطن بأن تسترشد فى صياغة استراتيچيتها للشرق الأوسط بخبرة وزير الخارجية الأسبق هنرى كيسنجر الذى أشرف على جهود موفقة فى إرساء نظام شرق أوسطى مستقر دام زهاء 30 عامًا، حسب رأيه.. مضيفًا إن كيسنجر تمكن من تحقيق ذلك فى حين كانت الولايات المتحدة منهمكة فى سَحب كل قواتها من فيتنام والتراجع من جنوب آسيا؛ حيث حلّت الدبلوماسية وقتها محل اللجوء إلى القوة.