الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لقاء الأعداء.. هل تغيرت سياسة واشنطن تجاه طالبان؟

فى التاسع من أكتوبر الحالى، أجرى وفد أمريكى رفيع المستوى أول لقاءاته مع جماعة طالبان منذ انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.. فى خطوة تحمل العديد من علامات الاستفهام والتساؤلات حول هذا اللقاء.. وما يحمله من رسائل للمجتمع الدولى؟ هل بدأت واشنطن أولى خطواتها للاعتراف بإدارة طالبان؟ أم تسعى فقط لضمانة التوصل لاتفاق لإجلاء باقى المواطنين الأمريكان من الأراضى الأفغانية؟ وإلى أى مدى يمكن أن يؤمن هذا اللقاء تأسيس قناة تمثيل أمنى وسياسى بين الجانبين خصوصًا فى المجالات الأمنية ومحاربة تنظيم داعش الإرهابى؟ 



 أعداء الماضى

فى مطلع الأسبوع الماضى، أفادت وزارة الخارجية الأمريكية عن لقاء رفيع المستوى بين أعضاء من الإدارة الأمريكية برئاسة نائب مدير وكالة المخابرات المركزية ومسئولين من وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومجتمع المخابرات الأمريكية، ووفد طالبان برئاسة وزير الخارجية بالوكالة أمير خان متقى، مدير المخابرات بالإنابة عبد الحق وصيق، ونائب وزير الداخلية مولوى نور جلال، وكلهم جزء من الحكومة المؤقتة التى هى  قلة من الأعضاء من خارج طالبان، فى العاصمة القطرية الدوحة على مدار يومين (السبت 10 أكتوبر والأحد 11أكتوبر)، وذلك للمرة الأولى منذ انسحاب القوات الأمريكية فى أغسطس الماضى، بعد انتقادات قوية واجهت الإدارة الأمريكية والرئيس جو بايدن خارجيًا بين حلفاء بلاده وفى حلف الناتو تحديدًا من توقيت الانسحاب الذى جاء دون تنسيق مع قوات الحلف، وداخليًا حيث تعرض المسئولون الأمريكان لانتقادات من الكونجرس (بغرفتيه) واستجوابات عن خطة بايدن لتأمين خروج الرعايا الأمريكيين، وتحمل مسئولية استشهاد 10 أفراد من الجنود فى تفجيرات أثناء عملية الإجلاء، فى فترة يستعد الكونجرس لانتخابات التجديد النصفى فى بداية العام المقبل، والتى يمكن أن تحمل تغييرًا جوهريًا فى إدارة جو بايدن وحزبه الديمقراطى.

من جهة أخرى أشارت تقديرات إلى أنه رغم تأكيد تنظيم طالبان أن سياسته قد تغيرت وأنه يسعى لفتح صفحة جديدة مع أمريكا ودول الغرب فإن مراقبين يرون أن نسخة طالبان التى سيطرت على أفغانستان عام 1996هى ذاتها نسخة طالبان التى سيطرت مرة أخرى على أفغانستان عام 2021، خاصة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان والمرأة ولا يمكن أن ننسى الصورة المرعبة لعدد من الشعب الأفغانى وهو يفضل التحليق على سطح طائرة وإنهاء حياته بعد وصول طالبان لسدة الحكم.

ووفقًا لبيان وزارة الخارجية الأمريكية، فقد تركز اللقاء، المثير للدهشة، على الخروج الآمن من أفغانستان للأمريكيين المتبقين هناك، وغيرهم من الرعايا الأجانب، إلى جانب الأفغان المعرضين للخطر؛ وكذلك مطالبة واشنطن لحركة طالبان بتشكيل حكومة شاملة واحترام حقوق المرأة، والإفراج عن المواطن الأمريكى المختطف مارك فريريتش.

المطالب والالتزامات

نقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن مسئول فى الإدارة الأمريكية أوضح أن هذا الاجتماع هو استمرار للالتزامات البراجماتية مع طالبان التى أجريت بشأن مسائل ذات أهمية وطنية حيوية، وكانت الأولوية القصوى الأخرى هى إلزام طالبان بالتزامها بأنها لن تسمح لأفغانستان بأن تصبح مرة أخرى مرتعًا للقاعدة أو غيرهم من المتطرفين.

وفى اتفاق الانسحاب الذى وقعته إدارة ترامب مع الحركة فى عام 2020، تعهدت طالبان بقطع علاقاتها مع فرع القاعدة الصغير نسبيًا فى البلاد، لكن وفقًا للمخابرات الأمريكية، لم تفعل طالبان ذلك بعد.

من جهة أخرى، قال بيان الخارجية الأمريكية، إن «هذا الاجتماع لا يتعلق بمنح الاعتراف أو إضفاء الشرعية، ما زلنا واضحين أن أى شرعية يجب أن تكتسب من خلال تصرفات طالبان نفسها. إنهم بحاجة إلى إنشاء سجل إنجازات مستدام، وسيتم تقييم الحركة وفقاً للأفعال وليس الأقوال».

تبادل المصالح

تختلف أهداف كل من واشنطن وطالبان من إجراء مثل هذه المباحثات، حيث تسعى حركة طالبان إلى كسب شرعية دولية، فالمباحثات مع واشنطن تأتى بالتزامن مع الاتصالات بين طالبان وبريطانيا وروسيا والصين، على خلفية مشاكل إنسانية وأمنية متزايدة، ورغم أن التحركات الدولية لا تعنى الشرعية الدولية لطالبان، فإن الحركة كما يبدو تريد فتح قنوات اتصال قد تساعدها لاحقًا فى كسب شرعية دولية.

من ناحية أخرى، تريد طالبان أن ترسل رسائل بأنها المتحكم الوحيد فى أفغانستان، حيث أعلنت أنها رافضة لفكرة تدخل الإدارة الأمريكية فى محاربة تنظيم «داعش» عدو طالبان وواشنطن معًا، معتبرة أن ذلك تدخل فى شئون الدولة، بينما قالت واشنطن إنها ستواصل عمليات مكافحة الإرهاب فى أفغانستان بقدرات «فى الأفق» تنطلق من خارج البلاد، وهو ما تحتاجه واشنطن حتى «تجمل صورة الانسحاب» بأنها لم تترك أفغانستان لتصبح ساحة للجماعات الإرهابية المهددة لاستقرار واشنطن وحلفائها الأوربيين، بل ستستمر فى دورها ولكن من الخارج.

من جهة أخرى، ترى الولايات المتحدة أن الجلوس على طاولة التفاوض مع طالبان وفتح «صفحة جديدة»، حسب وصف الإعلام الأمريكى، يقف خلفه رغبة واشنطن فى التضييق على الصين، التى عزمت على إقامة موطئ قدم جيوستراتيجى فى أفغانستان الجديدة بقيادة طالبان، مستغلة الفراغ الناشئ من الانسحاب الأمريكى، فى الوقت الذى أطلقت فيه طالبان على الصين لقب «الشريك الأكثر أهمية» و«الصديق الذى يمكن الاعتماد عليه» فى المساعدات والاستثمارات ومشاريع البنية التحتية.

أدوات القوة

يرى جوزيف سيرينسونى، عضو المجلس الاستشارى لوزير الخارجية الأمريكى وعضو المجلس الاستشارى للأمن القومى الأمريكى، وكبير الباحثين فى معهد «كونسى» أن واشنطن لديها العديد من كروت الضغط على طالبان للامتثال لمطالبها المتمثلة فى ضمان الخروج الآمن للأمريكيين وغيرهم من الأجانب، كذلك المواطنين الأفغان التى ترى واشنطن أن لديها التزامات خاصة لتأمينهم.

كذلك دفع طالبان بالوفاء بتعهداتها بعدم السماح للجماعات الإرهابية باستخدام الأراضى الأفغانية لتهديد أمن وسلامة واشنطن وحلفائها، وأيضًا لضمان حقوق حرية الإنسان والمرأة بشكل خاص.

ويرى الباحث الأمريكى، أن أهم الأدوات التى تمتلكها واشنطن تجاه طالبان، هى استمرار المساعدات الأمريكية خاصة فى هذه المرحلة الحرجة التى تواجه فيها البلاد تفشى فيروس كورونا وتردى الأوضاع الصحية والاقتصادية (فقد ساهمت المساعدات الأمريكية الاقتصاد الأفغانى بنحو 70 % حتى انسحاب القوات الأمريكية) كذلك الوضع الأمنى، فعودة تنظيم داعش يمثل خطرًا على إدارة طالبان أيضًا وليس على الدول الغربية فقط.

أما طالبان فترى أن التدخل العسكرى الأمريكى يمثل تدخلاً فى شأنها الداخلى، وأن مطالبها تجاه حرية المرأة وحقوق الإنسان غير منطقى، فهو أمر يعود اختصاصه لقوانين الدولة التشريعية، وهو وفق طالبان فإن المرجعية التشريعية للدولة ستكون «إسلامية»، وفق تعبيرهم، لا ديمقراطية أو غربية.. رغم تأكيد الحكومة الأفغانية أنها ستعمل على إضفاء مزيد من حرية المرأة فى التعليم والعمل.. لكن ذلك قد يكون لفترة وجيزة ومع ضوابط غير معلومة حتى الآن.. وهو الأمر الذى تخشاه الإدارة الأمريكية.

أما فيما يتعلق بكروت الضغط الأفغانية فيكفى تصريحات قادتها بالامتثال للمربع الصينى والروسى ليصنع مزيدًا من التوترات الأمريكية فى منطقة تشهد توترًا قويًا أو حربًا باردة لفرض القوى بين بكين وواشنطن.. ولهذا اتجهت أمريكا لعقد مزيد من التحالفات مع الدول فى شرق آسيا آخرها تحالف «أوكوس» مع بريطانيا وأستراليا، كذلك إحياء تحالف «كواد» الذى يضم اليابان والهند وأستراليا مع واشنطن.

دلالات المباحثات

وفق تقارير أمريكية، نرى أن لقاء إدارة بايدن مع طالبان يعكس تثبيت حالة الانسحاب ومحاولة لإضفاء مكتسبات للفترة المقبلة بالنسبة لواشنطن، من حيث السيطرة الأمنية وضمان عدم مواجهة هجمات إرهابية أخرى.

كما يهدف اللقاء إلى إضفاء مزيد من القوة على إدارة بايدن فى التعامل مع الملف الأفغانى، ونجاحها فى فرض رؤيتها على سلطة طالبان، وهو أمر يساعد الرئيس الأمريكى وإدارته فى مواجهة الانتقادات والضغوطات فى الداخل الأمريكى، خاصة بعد جلسات الاستماع داخل الكونجرس للمعنيين بالانسحاب الأمريكى من أفغانستان، والتى أكدت عن وجود توتر داخلى فى الإدارة الأمريكية خاصة ونحن على أعتاب انتخابات التجديد النصفى مطلع العام القادم.

لذلك يعكس لنا لقاء «أعداء الماضى» بعض النقاط المهمة التى تعكس اتجاه الاستراتيجية الأمريكية خلال المرحلة المقبلة منها:

أولًا: أن التفاوض سابقًا بين طالبان والولايات المتحدة على انسحاب القوات الأمريكية ونقل السلطة إلى طالبان، أشار فى حينه إلى أن الولايات المتحدة لم تعد نفس القوة المهيمنة التى ترفض «التفاوض مع الإرهابيين» مثل طالبان، وهو الخط الدبلوماسى الذى انتهجته الدبلوماسية الأمريكية لسنوات عديدة، ولكن بدء المفاوضات يثبت أن تلك الدبلوماسية قد تغيرت، والمباحثات المباشرة الحالية تؤكد هذا.

ثانيًا: دخول طالبان للمباحثات يعكس تبنى الحركة فلسفة سياسية مختلفة، تعطى الأولوية للوسائل الدبلوماسية - وليس العسكرية، وهو خط يختلف عن النهج الذى اتبعته الحركة فى التسعينيات.

ثالثًا: تريد واشنطن إرسال رسائل حول انسحابها من أفغانستان، بأنه ليس «تخليًا» عن الحكومة الأفغانية، بل إنها ستستمر فى حماية الأفغان وتقديم المساعدات للحكومة الأفغانية، وهى محاولة لمواجهة الانتقادات بأن واشنطن تتخلى عن حلفائها الأوروبيين والأكراد.

رابعًا: اختيار قطر (المعروفة بتحالفها مع إيران) كمكان لإجراء المفاوضات، يدل على أن الأمريكيين قبلوا ليس فقط بالقطريين، بل بالإيرانيين أيضًا، كوسطاء وشركاء محتملين، وكما يبدو أيضًا أن الإيرانيين قبلوا أيضاً بطالبان رغم اختلافهم الأيديولوجى العميق، إذ امتنعت إيران عن انتقاد استضافة قطر للمفاوضات.