الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

منحها الرئيس عبدالفتاح السيسى وسام الكمال على مشوارها الطويل: جيهان السادات...شريكة وطن

ونحن لا نزال نحتفل بانتصارات أكتوبر، لا يمكن أن نغفل دور العظيمة «جيهان السادات» التى قدّمت نموذجًا للمرأة المصرية فى مساندة زوجها فى ظل أصعب الظروف وأدقها، حتى قاد البلاد لتحقيق النصر التاريخى فى حرب أكتوبر 1973، والتى  منحها الرئيس «عبدالفتاح السيسى» وسام الكمال، وأقام لها جنازة عسكرية مهيبة فى 9 يوليو 2021 قبل أن تحضر الذكرى الـ48 لحرب أكتوبر المجيد، وتحكى لنا كعادتها كواليس اللحظات الأخيرة قبل دقة ساعة  الحرب.



كان بإمكان «جيهان السادات» أن تختفى عن الأنظار فى أحداث وتواريخ عديدة أعقبت استشهاد الرئيس «السادات»؛ لكنها احتفظت لنفسها بمكانة خاصة، فى نفوس المصريين على الدوام، اكتسبتها عبر مواقف إنسانية مؤثرة؛ خصوصًا عندما أطلق عليها مصابو العمليات الحربية فى حرب أكتوبر المجيدة لقب «أمّ الأبطال».

وخلال الحرب ترأست «جيهان السادات» جمعية الهلال الأحمر المصرى وجمعية بنك الدم المصرى، وتولت بعدها الرئاسة الفخرية للمجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، والجمعية المصرية لمرضى السرطان، وتنوَّع دورُها المجتمعى، فترأست جمعية الحفاظ على الآثار المصرية، والجمعية العلمية للمرأة المصرية، وجمعية رعاية طلاب الجامعات والمعاهد العليا. كان بإمكان «جيهان السادات» أن تتفرغ للرد على كل الحملات المغرضة التى استهدفت بطل مصر بعد رحيله؛ لكنها كانت تتحدث فى الوقت المناسب فقط، وتتحرك وقتما يحتاجها وطنها الكبير.

وخلال مسيرة سنوات عمرها الأولى، اهتمت «جيهان» بالتعليم؛ حيث التحقت فى صغرها بمدرسة الإرسالية المسيحية خلال الأربعينيات، ثم درست بمدرسة الجيزة الثانوية فى سن 11 عامًا، وحصلت على تعليم ممتاز، وتعلمت اللغتين الإنجليزية والعربية الفصحى والرياضيات والعلوم، وبعد ذلك، وفى سن الـ44 حصلت على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة عام 1977، وفى عام 1980 حصلت على ماچستير فى الأدب المقارن، ثم نالت الدكتوراه عام 1986، وعملت بهيئة التدريس فى جامعة القاهرة، وفق ما يذكر موقع الرئيس محمد أنور السادات الذى أنشأته مكتبة الإسكندرية.

 محطات فى حياة  جيهان السادات

على مدار عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، التى شهدت تحولات كبيرة وواسعة فى التاريخ المصرى، كانت «جيهان» شريكة الرئيس الراحل فى أغلب الأحداث المهمة، بدءًا من ثورة 23 يوليو  1952، مرورًا بالصراعات التى قامت داخل مجلس قيادة الثورة والمناصب المختلفة التى تولاها «السادات» أثناء رئاسة «عبدالناصر» لمصر، وحرب أكتوبر 1973، ومحطات السلام مع إسرائيل، وحتى اغتياله فى السادس من أكتوبر عام 1981.

وبحسب موقع أنور السادات بمكتبة الإسكندرية؛ «فإن جيهان التى كانت أول سيدة فى تاريخ البلاد  تلعب دورًا بارزًا فى العمل العام، وانخرطت فى النشاط العام بداية الستينيات وبدأ دورها يتبلور بعد تعيين السادات نائبًا للرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى التاسع عشر من ديسمبر  1969، ولاحقًا مع اختياره رئيسًا للبلاد بعد وفاة عبدالناصر فى 28 من سبتمبر  1970».

خلال حُكم زوجها (فى الفترة ما بين 1970 و1981)، ترأست «جيهان السادات» نحو 30 منظمة وجمعية خيرية؛ أبرزها الهلال الأحمر، وجمعية بنك الدم، ورئيس شرف لتنظيم الأسرة، والجمعية المصرية لمرضى السرطان، وجمعية الخدمات الجامعية، وأنشأت مركزًا للعناية بذوى الاحتياجات الخاصة 1972، ومركز تدريب لتأهيل المحاربين القدماء أطلقت عليه اسم «مدينة الوفاء والأمل»، ولرعاية مرضى السرطان، وتم افتتاح أول قرية أطفال لتسع 300 طفل فى القاهرة وأخرى بالإسكندرية وثالثة بطنطا، ومشروع لكفالة الطفل اليتيم، ومن أهم نشاطاتها شن حملة قوية، رُغم المعارضة، من أجل حقوق النساء. كما اهتمت «جيهان السادات»  بالمرأة الريفية من خلال مشروع «جمعية تلا التعاونية لتعليم القرويات الحياكة والتريكو»، فكانت بداية لسيدات الأعمال الريفيات، مع إقامة معارض لتسويق الإنتاج، وفى حرب أكتوبر 1973، برز دورها بصورة أوسع، إذ اصطحبت السيدات المتطوعات للخدمة بالمستشفيات إلى منطقة القناة لتشكر الجنود المرابطين هناك، وكانت تترأس الهلال الأحمر المصرى وجمعية بنك الدم المصرى، وكانت الرئيس الفخرى للمجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، كما كانت رئيسة الجمعية المصرية لمرضى السرطان، وجمعية الحفاظ على الآثار المصرية، والجمعية العلمية للمرأة المصرية، وجمعية رعاية طلاب الجامعات والمعاهد العليا.

وفى عام 1974 رشحت نفسها كـ«مستقلة» للحصول على مقعد فى المجلس الشعبى بالمنوفية الذى يضم ممثلى 300 قرية بهدف إظهار دور المرأة السياسى وإفساح الفرصة للنساء الريفيات للمساهمة فى السياسة، وأعيد انتخابها عام 1978، وخدمت 3 سنوات كأول سيدة رئيس لمجلس شعبى فى مصر، وقادت الدعوة لتنظيم الأسرة، وسعت لتعديل قانون الأحوال الشخصية لصالح المرأة على رأسها قانون الأحوال الشخصية لصالح المرأة، والذى لا يزال يُعرَف فى مصر حتى الآن بـ«قانون جيهان»، ويلزم الزوج بإبلاغ زوجته قبل تسجيل الطلاق، والحق فى تحريك دعوى قضائية للمطالبة بالنفقة.

 اغتيال السادات

كان من بين أصعب المحطات التى مرت بها «جيهان السادات» خلال حياتها، لحظة اغتيال زوجها خلال العرض العسكرى فى ذكرى حرب أكتوبر عام 1981، وبحسب ما كتبته فى مذكراتها (سيدة من مصر): «كنت أجلس على بُعد 25 ياردة من الرئيس، ولم أسمع وقتها سوى أصوات تقول (انزل، انزل)، فى إشارة للجميع بأن ينبطحوا على الأرض حتى لا تصيبهم طلقات الرصاص». موضحة: «كنت أرى فقط كراسى يتم إلقاؤها أمام الرصاص، وفوق الأجساد؛ حيث كانت الوسيلة الوحيدة للحماية».

تابعت: «نقلونى بعد لحظات قليلة إلى مستشفى المعادى العسكرى على متن طائرة خاصة، وكنت لا أعلم ماذا حدث لزوجى، كنت أدعو الله طوال الطريق أن يكون بخير، صليت وتوسلت إلى الله فى المستشفى، وأنا أنتظر أن يُطمئنى أى شخص عن حالته، حتى جاء صحافى كبير من المقربين، وقبل أن يبلغنى الخبر، قلت له لا، لا تقل أى شىء، ثم نظرت إلى غرفة الجراحة، فوجدت السادات نائمًا؛ حيت تم قطع ذراع بذلته العسكرية فقط، والدم متجلط فوق بقية البذلة، ولم أشعر بنفسى إلا وأنا أقبّل وجهه ويديه، ودموعى تنهمر فوقه». وبحسب «جيهان» فى مذكراتها: «بينما أعلن نبأ رحيل السادات من داخل المستشفى، وكان نائب الرئيس آنذاك حسنى مبارك فى إحدى الحجرات، وقد ضمد يده بعد تعرضه للإصابة وبعض الخدوش؛ حيث دخلت إليه وسط صمت الحاضرين لتعلن له أحقيته فى قيادة الأمّة بعد وفاة زوجها».

وقالت جيهان: «طلبت ألا يعلن موت السادات حتى نعرف ما هو الموقف فى البلاد، وكيف يمكن السيطرة عليه؟»، وعليه ظل خبر وفاة الرئيس السادات سرًا على من كانوا داخل المستشفى، ولم يعلن وفاته للشعب إلا بعد سبع ساعات حين وقف مبارك «فى خشوع على شاشة التليفزيون ليعلن موت زوجى»- كما تروى «جيهان».

وذكرت السيدة «جيهان السادات» فى هذه الأثناء، ظلت أسئلة كيفية اغتيال السادات تطاردها حتى جاء موعد دفن الجثمان، حينها سألها «أين ندفن أنور؟»؛ حيث كان يرغب السادات، وفق روايتها، فى «الدفن إمّا فى مسقط رأسه بقرية ميت أبو الكوم فى المنوفية (شمال)، أو عند سفح جبل سيناء عند دير سانت كاترين؛ حيث كان سيبنى جامعًا ومَعبدًا يهوديًا كدليل على التسامح والتعايش بين أتباع الديانات المختلفة»، إلا أن «جيهان» فى لحظة واحدة تجاهلت هذه الرغبة. وقلت «لقد كان السادات رجلًا عظيمًا، وليس عاديًا، فلماذا ندفنه فى مكان يصعب على الناس زيارته، لِمَ لا ندفنه حيث لقى حتفه، إنه مكان عسكرى؟ وكان الرئيس الراحل السادات يستمتع بذهابه يوم 6 أكتوبر كل عام إلى قبر الجندى المجهول. إن دفنه هناك سيُذَكّر الجميع بكل ما فعله من أجل بلدنا، وكل عام أثناء استعراض 6 أكتوبر سيمر كل جندى وكل ضابط على قبره ويعرف أن السادات هناك، ويُحَيّيه».

وبحسب «واشنطن بوست» ظلت جيهان السادات تحتفظ فى غرفة معيشتها بأتعس صورة على الإطلاق، وهى الصورة التى التقطت للرئيس الراحل أنور السادات، فى 5 أكتوبر 1981، أى قبل اغتياله بـ24 ساعة؛ حيث كان يجلس فى حديقة القصر الرئاسى؛ ليراجع خطابه الذى سيلقيه فى اليوم التالى، خلال احتفالات نصر أكتوبر، وكان ينظر إلى حفيدته الصغيرة «ياسمين».

لقد تفرغت «جيهان السادات» بعد وفاة زوجها لتربية أبنائها الذين أحسنت تنشئتهم وغرست فيهم الأخلاق والقيم والانتماء والوطنية، فلم نسمع عنهم شيئًا شائنًا على الإطلاق؛ بل انخرطوا فى الحياة كجزء لا يتجزأ من چينات هذا الشعب العظيم. رُغم أن «جيهان السادات» منذ سنوات قليلة كان زعماء العالم ينبهرون بثقافتها وتعليمها ونشاطاتها والتى عبر عنها «هيلموت شميت»، المستشار الألمانى الأسبق، بقوله إنها تستحق فعلًا أن تكون زوجة للرئيس محمد أنور السادات.

بعد وفاة «السادات» فى عام 1981، حافظت «جيهان السادات» على شعبيتها فى الأوساط المصرية، وكذلك خلال عملها الأكاديمى فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومُحَاضرة فى الولايات المتحدة. كما برز دورها من خلال العديد من الجوائز الوطنية والدولية التى حصلت عليها تكريمًا لما قدمته من جهود إنسانية ودعم للنساء والأطفال، فضلًا عن أنها تلقت أكثر من 20 درجة دكتوراه فخرية فى جامعات وطنية ودولية فى مختلف أنحاء العالم.

وفى عام 1993 تلقت جائزة مجتمع المسيح الدولية للسلام، كما فازت عام 2001 بجائزة بيرل باك الدولية، وكرمتها الدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة فى أكثر من مناسبة. ومن أشهَر المؤلفات التى تركتها «جيهان» مذكراتها المنشورة حديثًا بعنوان «سيدة من مصر»، والتى تروى فيه قصتها وتجاربها، من خلال العمل السياسى كسيدة أولى وقرينة للرئيس السادات، وكتاب لها نشر فى عام 2009، بعنون «أملى فى السلام»، قدمت فيه رؤيتها لما تشهده منطقة الشرق الأوسط، وطرُق التوصل إلى سلام منشود وحقيقى. لقبتها أسر شهداء حرب أكتوبر ومصابى العمليات الحربية بـ«أم الأبطال»؛ نظرًا لجهدها الكبير وما قدمته لرعايتهم وتعويضهم من خلال مشروعات من أبرزها تأسيس جمعية الوفاء والأمل التى قدمت الخدمات الطبية وإعادة التأهيل والتدريب المهنى للمحاربين القدامى من ذوى الإعاقة، ويتم دعم المركز من خلال تبرعات من جميع أنحاء العالم.