الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ياحبيب المساء سأعلمك السيطرة على النساء!  "الحكاية الثانية 2-2"

على صفحات المَجَلّة التى شهدت معاركه وتجربتَه الفريدة، نستعيد مع الأستاذ «عادل حمودة» أحدَ أهَمّ تحقيقاته الصحفية «ستيك هاوس.. شخصيات لامعة فى زنزانة الجنس الانفرادى».



هنا تصبح الكلماتُ بساطًا سحريًا ينقلك لتعرف الكثيرَ من الخبايا خلف الأبواب المغلقة، والبيوت التى ربما نَمُرّ أمامَها كل يوم لكن لا نعرف أىَّ شىء عمّا يدور بداخلها، يغزل بحكاياته الوجه الآخر لمشاهير وصعاليق.. فنانين وكُتّاب.

استطاع بحسّه الصحفى الذى لم يغادره أبدًا أن يغوص بنا فى أعماق وتفاصيل مجتمع «الشخصيات اللامعة»؛ ليظهر لنا جوانب حياتهم التى جاهدوا لبقائها بعيدة عن الأضواء.

ينتقل الأستاذ «عادل» من دراسة أسباب انتشار ظاهرة «زنَى المَحارم» فى العشوائيات وقتها، إلى قصر أحد الدعاة الذى تورّط فى علاقة مُحرّمة مع شقيقة زوجته.

أيضًا تكشف حكايات الكتاب الكثيرَ من التناقضات فى المجتمع وقتها فيما يخص علاقتنا بالدِّين؛ حيث يكشف تفاصيل قضية رشوة تورّطت فيها مهندسة مع مقاول شهير، ودخلت معه فى علاقة جنسية «لكنها لشدة تدَيُّنها كانت ترفض أن تلقاه يومَىْ الاثنين والخميس لأنها تصومهما»!

بين العشوائيات والقصور، نتعرّف خلال الحلقات المنشورة على حكايات لم نعلم عنها شيئًا.. حكايات مدهشة رُغْمَ مرور سنوات عليها.. وتفاصيل تؤكد أن فنون العمل الصحفى لا يزال لها بريقُها الخاص وأهميتُها فى رصْد ظواهر المجتمع بشكل محترف حتى فى زمن السوشيال ميديا.. 

 

 جاءت بأجهزة ومعدات من محلات  الجنس «سيكس شوب» وراحت تجربها معه ليشعرها بالألم الذى يسبق انفجار ذروة المتعة.  أقنعته بأن تلك الذروة لا تخرج إلا من شدة الوجع، العذاب يسبق النشوة، وزهرة الصبار التى تخرج من بين الأشواك أجمل الزهور. 

شعر بأنه فى عالم آخر غير الذى تصوره بخياله البسيط، أحَس بأنه أصبح أكبر من عمره بعشرين سنة، ما كل هذه الخبايا التى تجلت أمامه دون أن يتصور وجودها ؟ ما هذه المرأة تتغير كل ساعة بل كل دقيقة، وكأنها  ألف امرأة وامرأة فى واحدة؟  امتد أسبوع باريس شهرًا وقبل عودتهما إلى القاهرة سألته:

- هل تحب أن تعيش هنا دائمًا؟

 كانت لهجتها سهلة وكأنها تسأله عن طريقة تجهيز البيض للإفطار.

وأمام دهشته أضافت:

- إنا أمتلك حسابات زوجى فى بنوك سويسرا وفيها من المال ما يجعلنا نعيش ملوكًا، ولكن افضل أن تكمل تعليمك، وفى الوقت نفسه نفتتح مطعمًا نستثمر فيه بعضًا مما نملك ليصبح فيما بعد سلسلة من المطاعم ولو شئت أن نمارس نشاطًا آخر فلن أرفض. 

سألها فى استغراب: 

- كيف نجحت فى تهريب المال والنظام يجرم من يمسك فى يده بدولار أو فرنك أو مارك؟

أجابت: 

- كلما عانت بلد مما يجرى على سطحها تضاعف عدد من يكسبون فى بطنها.

  - لم أفهمك؟ 

- هرّبت أموالى بعد أن تنازلت عن ربعها ولن تصدق أن العصابة التى نفذت العملية أرسلت لى الإشعار مع صبى صغير بعد أن كسبت وهدأت وكفت عن مطاردتى.

وقبل أن يسترسل فى أسئلته أخذته فى حضنها وليغيبا بعيدًا عمّا حولهما. 

لم يكن لديه ما يغريه بالعودة إلى مصر، وبدت الحياة  فى أوروبا مثيرة، ممتعة، ونجحت شيرين فى تنفيذ خطتها، علمته ما تعرف من لغات قبل أن ينضم إلى مدرسة ثانوية حرة، ونجحت فى تشغيل مطعم للمأكولات اللبنانية، وأنشأت شركة استيراد كل ما يلزم العرب المقيمين فى فرنسا من بلادهم الأصلية. 

والملفت للنظر أن محمود تفوّق فى الدراسة وأبدى براعة فى البيزنس ولم يتوقعها فى نفسه وربما كان السبب جفاف المشاعر الذى أصابه، والغريب أنه لم يفكر فى امرأة أخرى غير شيرين رغم كل ما حوله من نساء يصعب على أكثر الرجال زهدًا وخمولاً المقاومة. 

هنا أدرك محمود ما فعلت به شيرين، جففت قلبه حتى لا يهجرها، جعلت المتعة متجددة ومسيطرة، ودفعت به إلى النجاح الذى يريده الرجال ولو كانوا فى عمره، ولكنه بعد أن فسّر حالته أسعده أنه يكون عليها، الحب  ضعف، وعدم الإشباع  فى الجنس يفقد الإنسان تركيزه ويفسد مستقبله ويدفعه إلى اختيارات خاطئة. 

وقطع محمود جذوره من تربته المصرية حتى إنه لم يتألم لوفاة أمّه ولم يفكر فى أن يعود لزيارة قبرها مكتفيًا بإرسال زهور لتوضع عليه مثله مثل الغرباء؛ بل إنه لم يسعَ إلى الحصول على ميراثه منها، وكلف محاميًا بتلك المهمة، ومنحه نصف تركته بعد أن هرب النصف الآخر إليه من وراء السُّلطات الرسمية التى لم تكن تسمح بخروج ما يزيد على خمسين دولارًا من النقد الأجنبى. 

ولكن الزمن لم يكن فى صالح شيرين؛ فقد أصيبت بسرطان فى الدم وعانت كثيرًا من العلاج الكيماوى بعد عَشَر سنوات من إقامتهما فى باريس، على أنها لم تتردد فى توظيف سكرتيرة لمحمود دفعت لها مقابل أن تنام معه، ليتذكر درس السيطرة، جنسًا فقط بلا حب، ولم يكن من الصعب عليه اكتشاف ما فعلته، إنها لم تعد قادرة، ولكنها لا تزال متحكمة. 

ومن شدة ثقتها فى نفسها كتبت شيرين نصيبها من المطعم والشركة إلى محمود الذى ظل مشدودًا إليها، مستسلمًا لما تريد، مستمتعًا بما توافق عليه من نساء دون أن يفرّق بينهن، أو يشتاق لواحدة منهن، ماكينة، مجرد ماكينة. 

وذات يوم كان محمود وشيرين يتناولان طعام العَشاء فى مطعمهما القريب من الشانزليزيه  عندما فوجئا بحالة صخب فى المدخل، رجل يبدو مُهمًا تسبقه حاشيته، يريد مائدة دون حجز مسبق، وقام محمود غاضبًا لطردهم، ولكنه عاد والرجل وحاشيته معه بعد أن دعاهم إلى مائدته. 

كان من السهل معرفة الرجل المهم، هو تاجر سلاح مصرى شهير يعيش فى بريطانيا، خرج من تحت يديه رجال أعمال نجحوا فى مصر وسيطروا على اقتصادها فيما بعد، هو نفسه عاد إلى القاهرة بعد حرب أكتوبر ليهدى السادات عَشر سيارات مرسيدس ليستخدمها فى تنقلاته بعد أن لاحظ أن السيارات الرسمية غير لائقة لموكب رئيس، وفى  المقابل سمح له السادات بمشروع تنمية عقارية كسب من ورائه الملايين بجانب ملايين أخرى كسبها من كازينوهات  القمار التى دخلت مصر لأول مرة على يديه. 

بل إن رامى صدقى اعتبره الأقرب إليه بعد أن فقد ابنه فى حادث تحطم طائرته الخاصة. 

أصبح محمود من رجال رامى صدقى الذى اختبره فى صفقات سلاح بسيطة باعها لطرفى حرب أهلية فى دولة إفريقية ثم تركه ينفذ صفقات أكبر لدول شرق أوسطية متخاصمة دينيًا وسياسيًا ليثبت له أن تاجر السلاح مثل الصيدلى يبيع الدواء لكل الزبائن دون تفرقة بينهم ما داموا يسددون ثمَن الروشتة. 

تدهورت صحة شيرين حتى شعرت بأنفاس الموت تلسع وجهها، طلبت من محمود أن يعيدها إلى الإسكندرية لتقضى أيامها الأخيرة فى شقة تطل على البحر الذى لم تمل من النظر إليه وكأنها تنتظر أن تخرج معجزة من بين أمواجه تعيد  إليها الحياة التى كانت عليها. 

ولكنها لم تكن لتمل من أن تعبر لمحمود عن امتنانها لسنوات المتعة التى قضتها معه، لقد أحبته إلى درجة التسامح فى خطاياه؛ بل ربما ساعدته على ارتكابها حتى لا يجبر على إخفائها عنها مثل غالبية الرجال. 

وجاءت لحظة الرحيل متفجرة بدراما لم تحتملها، تجمدت أنفاسها وتوقف قلبها وسقطت على الأرض ميتة عندما عرفت أن زوجها السابق أطلق على محمود الرصاص بعد أن خرج من السجن وإكرامًا لها لم يبلغ محمود الشرطة عنه. 

 دُفنت شيرين فى مقام من رخام بناه محمود وحوّطه بأشجار نادرة جلبها من الهند لتفوح منها رائحة عطرة حتى تصوَّر الناس أنها رائحة تخرج من القبر فآمنوا بأن من فيه سيدة صالحة من أولياء الله الطيبين المحسنين الصالحين. 

ولم نتوقف مجتمعات الإسكندرية ونواديها وسهراتها عن نسج الخرافات حول محمود وشيرين بعضها يصفهما برومانسية مفرطة والبعض الآخر يطعنهما بجرائم مجحفة. 

وعاش محمود بعد شيرين بلا قلب كما دربته، وكان جمود مشاعره وراء نجاحه غير المسبوق فى البيزنس حتى أصبح فى قائمة الأكثر ثراءً فى مصر. 

كان يُغَير النساء كما يُغَير أحذيته، ومَهما تمتعت المرأة من مواصفات اجتماعية وشخصية فإنها فى عينيه عاهرة يدفع لها على قدر ما تمتعه، والغريب أنه وجد طابورًا طويلاً فى انتظاره. 

على أن الإسكندرية التى لم تكف عن النميمة عنه فوجئت به يتجاوز كل ما عرفت  من حكايات مثيرة بقصته التى لم تنس مع سوسن المصرى. 

فى الصيف التالى على وفاة شيرين صادف محمود على شاطئ المنتزه امرأة لم يبعد نظره عنها، كانت على رمال الشاطئ بمايوه «فرنش كات» زاد من إبراز مفاتنها بجانب ابتسامة ساحرة تفتح أشد القلوب غلاظة، وفى الحال طلب من مساعده عميد الشرطة السابق معرفة كل شىء عنها، وبعد ساعتين كان أمامه ملف مصور عنها. 

سوسن المصرى، موظفة فى بنك أجنبى، تحت الثلاثين، زوجها طبيب فى مستشفى حكومى للرمد، تزوَّجا منذ خمس سنوات تقريبًا، لم ينجبا، يعيشان معًا فى شقة ضيقة مستأجرة فى حى «محرم بك»، يمتلكان سيارة فيات صغيرة، كانا فى المنتزه بدعوة من صديقة المَدرسة المتزوجة من مالك مصنع لمقطورات لوريات النقل. 

لم يتردد محمود فيما فكر فيه، ذهب إلى الزوج فى مستشفاه وعرَّفه بنفسه، ودون مقدمات قال له: 

- أريد أن أتزوج زوجتك!

- هل أنت مجنون أمْ أبله؟ 

- سأدفع لك مليون جنيه!

- اخرج قبل أن أقتلك.

- فكّر فى العرض واتصل بى على رقم التليفون فى الكارت الذى وضعته أمامك على مكتبك. 

أعرف أن هناك مَن سيشكك فى هذه الرواية التى ظهرت  فيما بعد فى فيلم (عرض مهين) مثلته ديمى مور أمام وودى هارلون وروبرت ريدفورد  وإن كان المبلغ مليون دولار مقابل ليلة واحدة يقضيها الثرى مع الزوجة الساحرة، ولست أشك فى أن قصة الفيلم مستوحاة من هذه الواقعة التى تأكدت من صحتها بعد أن نشرتها دون أسماء فى «روزاليوسف» دون أن أعرف أن بطلها هو محمود صديق المَدرسة الثانوية الذى اتصل بى على تليفون المجلة ليؤكد صحة الواقعة وكانت فرصة لإعادة المياه إلى مجاريها بيننا. 

المفاجأة أن الطبيب وافق على الطلاق وقبض المليون جنيه وترك الإسكندرية واختفى، والحقيقة أنه تمسَّك بزوجته حتى آخر لحظة، ولكنها أحالت حياته إلى جحيم فلم تكن لتصدق أنها يمكن أن تتزوج مليونيرًا شديد الثراء مثل محمود يحقق لها كل ما تريد دون جهد أو مشقة، كل ما عليها أن تفكر فى شىء حتى تجده أمامها.

لم يعرف أحد أين اختفى الزوج الذى باع زوجته بذلك المبلغ الذى كان وقتها يضع من يمتلكه فى خانة عليا من الثراء؟ ولكن صدفة ما كشفت ما خفى من سيرته. 

بعد نحو عشر سنين من الصفقة التى عقدها الزوج مع محمود طلبت منّى نجمة مسرحية شهيرة أن أتعرف على مالك مستشفى للعيون فى القاهرة وأبدى رأيى فيه بعد أن عرض عليها الزواج، وانضمت إلينا على العَشاء نجمة سينمائية أكثر شهرة ووجد الرجل نفسه وسط شعلتين من الضوء المبهر فلم يصدق نفسه وراح يحتسى النبيذ منتشيًا حتى فكت عقدة لسانه وإن ابتعد عن الحقيقة فيما روى. 

تحدث عن مجنون عرض عليه مليون جنيه لينقل ملكية زوجته إليه، ثم قام من مكانه ليمثل كيف رفض العرض المهين لرجولته وكرامته، ثم تصور نفسه على مسرح وراح يشير بيده إلى زوجته- وكأنها أمامه- لتخرج من البيت طالق بعد أن جنت بمحمود.  لم أشأ أن أفسد عليه اللحظة التى تقمص فيها صفة ليست فيه، ولم أشأ أن أسأله لِمَ ترك الإسكندرية وتوارى فى عيادة افتتحها بالمليون جنيه فى إحدى مدن القناة قبل أن تصبح مستشفى فى القاهرة. 

ما صدمنى أكثر أننى عندما كشفت الحقيقة لصديقتى الممثلة التى يطلب يدها قالت بلا مبالاة: 

- باع زوجته ليشترينى، المهم كم سيدفع؟ 

- كم تطلبين؟

- مليون جنيه طبعًا!

لم يدم الزواج أكثر من ستة أشهُر طلبت بعدها الطلاق قائلة:

- لم أعد أطيقه.

لم تحتمل سوسن المصرى هى أيضًا الزواج من محمود طويلاً.

أسعدها فى البداية ما تحصل عليه من أشياء ثمينة لم تكن لتحلم بها، ولكنها فى الوقت نفسه لم تتصور أن الثمَن الذى ستدفعه أعلى من قيمة تلك الأشياء.

طلب منها أن تقبل بوجود امرأة أخرى فى فراشهما وأمام بريق عقد الماس الذى وضعه أمام عينيها وافقت. 

وأجبرها على مشاهدته وهو مع امرأة  غيرها فى غرفة نومهما ولم تعترض بعد أن وجدت مفاتيح سيارة مرسيدس فى يدها.

لم يكن يفكر فى إذلالها ولكنه يتصرف على طبيعته التى شكلتها شيرين حتى يسيطر على النساء وربما لكى لا يحب غيرها ولو بعد أن ماتت. 

إنها فى الحقيقة التى تسيطر عليه من العالم الآخر.

ولكن تحمُّل سوسن تجاوز قدرتها كما أن ما ملكت من مجوهرات وثياب وسيارات جعلها تفقد رغبتها فى امتلاك المزيد  منها. 

فوجئت به يكبلها بأغلال مثل أفلام الجنس الأوروبية والأمريكية ويقيد حركتها فى الفراش ثم بدأ يضربها بكرباج متعدد الشرائط ورغم صراخها وشدة ألمها لم يتوقف بل إن الألم كان يزيده عنفًا ورغم أنها اعترفت لنفسها أنها لم تصل للنشوة التى ذاقتها من قبل إلا إنها أحست  بأنها مجرد دمية جنسية لا يتعامل معها إلا إذا شاء وبالطريقة التى تحلو له. 

وفكرتْ أكثر من مرة أن تتركه، ولكنها بدت بلا سَند فى الحياة بعد أن أخرجها من البنك لتتفرغ له، كما أنه أقنعها ببيع شقتها القديمة وسيارتها الصغيرة فلم تعد فى حاجة إليهما، بجانب أنها تعودت على الحياة  المترفة وأدمنتها وصعب عليها الشفاء منها. 

على أنها استيقظت ذات صباح وهى تقرر طلب الطلاق ولو جردها من كل ما منحه إليها. 

- أشعر أننا بلا كرامة كلما اقتربت منّى. 

- تريدين الطلاق؟ 

- نعم. 

- أنت طالق!

هكذا ببساطة انفصلا. 

 ورغم أنه لم يحرمها مما اشتراه لها فإنها اكتفت بحقيبة صغيرة من الملابس وقليل من المال، لم تشأ أن تحمل معها دليل إهانتها لنفسها. 

- لك كل ما تملكين. 

-  لا أريد سوى هذه الأشياء البسيطة!

- أين ستذهبين؟

- سأبحث عن عمل فى مدينة أخرى لا يعرف أحد فيها حكايتى. 

- لم أخدعك!

- وأنا لم أتحمل ما تفعل وأريد أن أتحرر من سيطرتك!

ظلت سوسن شهرًا كاملاً فى بيت صديقتها زوجة صاحب مصنع مقطورات النقل ولكنها شعرت بنظرات زوجها غير المريحة فقررت أن تبحث لها عن مكان آخر.

فتشت فى دفاترها القديمة فلم تجد أفضل من السفر إلى أسيوط لتعيش هناك مع أمّها الثانية تريزا.

كانت تريزا جارتهما فى حى جليم، وُلدت سوسن على يديها، بل رضعت من ثديها لتشارك ابنها شريف فى طعامه، وشاركته أيضًا فى صناعة الطائرات الورقية التى اشتهرت بها الإسكندرية،  وشاركته كذلك فى الدروس الخصوصية، ولكنها لم تشاركه فى الهجرة إلى كندا ليلحق بشقيقته الكبرى تاركًا أمّه وحيدة بعد أن قُتل أبيه خطأ فى جريمة ثأر.

وما إن وجدت تريزا نفسها بمفردها حتى قررت العودة إلى بيت عائلتها فى أسيوط بعد أن أصبح مهجورًا وباعت ما تركت العائلة من عقارات متفرقة فى المدينة لتنفق ثمنها على جمعية قبطية تساعد المحتاجين وتعالج المدمنين وتعلم الأميين وتأوى المشردين دون أن تنظر إلى خانة الديانة فى البطاقة الشخصية مما رفع من مكانتها فجاءت إليها تبرعات سخية من مصريين يعيشون فى الخارج والداخل. 

لم تصدق تريزا نفسها وهى تفاجأ بسوسن على باب بيتها، ردت الروح إليها، وبعد أن كانت تنتظر الموت، استردت رغبتها فى الحياة من جديد، وما إن سمعت ما جرى لها حتى أخذتها فى حضنها وهى تهمس لها: 

- ربنا نجاك من الشيطان!

- قسمة ونصيب!

 - بكره نذهب إلى الدير ونباركك بالزيت المقدس! 

 لم تكتف سوسن بزيارة الدير وإنما اقتنعت بالعمل محاسبة للجمعية الخيرية  ولم تمر سوى سنة واحدة حتى اختيرت مديرة لها.

لم يكتشف أحد حكايتها ولمزيد من الاطمئنان غطت رأسها بإيشارب كان محمود اشتراه لها من باريس، ولكن رغم ذلك لم تنجح فى إخفاء جمالها فلم يتردد الرجال فى طلب الزواج منها، على أنها لم تتصور نفسها فى فراش أحدهم، هل لا تزال تشاق إلى محمود؟

سؤال كانت تبتعد عنه كلما خطر على بالها؛ خصوصًا فى الليل عندما تصبح وحيدة إلا من مشاعرها وذكرياتها.

ولو صارحت نفسها لاعترفت بأنها تحبه وبأن ابتعادها عنه أصابها بالخوف والبرد والغربة، لكنها كلما اقتربت من هذا الاعتراف تتذكر شعورها بالإهانة مما يفعل بها دون مشاعر أو أحاسيس وكأنها جسد بلا روح. 

لكن ما لم يخطر على بالها أن محمود لم ينسها، صحيح أنه عاملها مثلما يعامل العاهرات وصحيح أنه اشتراها بماله، وصحيح أنه طلقها فى ثوان، ولكن صحيح أيضًا أنه بعد أسابيع قليلة افتقدها، ورغم أنه حاول نسيانها بأحضان غيرها إلا أنه سرعان ما أصابه المَلل من معاشرة النساء وكأنه فقد قدرته على ذلك. 

ذات مساء وجدته أمامى فى مكتبى، بدا متوترًا، مرهقًا، وكأنه لم ينم منذ سنة، سألنى: 

- هناك حب حقيقى أمْ أنه كلمة تتوارى وراء رغبة تفقد معناها بعد الإشباع؟

- الحب الحقيقى لا ينتهى بالإشباع بل يزيد بعده. 

- تجاوزت الأربعين ولم أشعر به إلا بعد أن تركتنى سوسن. 

- الرجل يحتاج دقيقة واحدة ليعشق امرأة ويحتاج عصورًا لينساها. 

- لا أريد ان أنساها، أريد أن أراها، سأطلب منها أن تسامحنى ولن أعود إلى همجيتى معها بل سنقرأ معًا الشعر ونستمع إلى الموسيقى ونسافر إلى أكثر المدن نعومة. 

-  يبدو أن القلب المتفحم استرد جذوة النار. 

- أريدك أن تساعدنى فى استعادتها. 

- لكنى لا أعرف أين أختفت. 

- عرفت أنها فى أسيوط وعندى عنوانها ولكننى أخشى أن ترفضنى وساعتها  لن أحتمل الصدمة، صدقنى لا أستطيع العيش  من دونها.

سافرت إلى أسيوط واتجهت مباشرة إلى مكتبها فى الجمعية وما إن رأتنى حتى ابتسمت قائلة:

- قطعًا جئت لتكشف لقرائك أين اختفت بطلة الفضيحة؟ 

- يبدو أن البطلة أصبحت قديسة.

- كل مساء بعد أن أصلى  العِشاء أدعو السيدة العذراء أن تلهمنى الصواب. 

- ولعلها استجابت.

ورحت بكل ما أملك من قدرة على الإقناع أحثها على الجلوس ولو مرّة واحدة مع محمود لتتأكد من أنه يحبها ولا يستطيع الاستغناء عنها، وبعد طول صبر نجحت وكان شرطها أن نلتقى جميعًا فى بيت تريزا. 

كانت على يقين بأن تريزا بشفافيتها وبصيرتها ستكتشف ما يبطنه محمود، هل تغير فعلا؟ هل يحبها أمْ يشتاق إليها؟ هل ستصبح فى عينيه كل النساء؟ هل تحول من شيطان إلى إنسان؟ 

والحقيقة أننى لم أفاجأ بما جرى. 

ما إن جلس محمود وسوسن فى حديقة البيت دقائق معدودات حتى  وجدناهما يعلنان تجديد زواجهما.

كان شرط سوسن الوحيد أن تعيش حياة طبيعية معه دون قهر أو سيطرة أو سلوكيات لا تقبل بها ولا ترضى عنها، ووافق محمود على الفور. 

وكان على محمود  أيضًا  أن ينتقل إلى القاهرة حتى يعفى سوسن من الفضيحة السابقة، ووجد محمود فيلا مناسبة على المريوطية وأسماها «السوسن».

التزم محمود بما وعد به ولكن بعد شهر واحد طلبت منه سوسن أن يقيدها ويجلدها ويعذبها كما كان. 

 ولم يفاجأ محمود.