الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ساهم بقيادته الحكيمة فى العبور بالبلاد إلى بَرّ الأمان فى مرحلة تاريخية حرجة المشيــر القائـــد الأسطورى رحلة عطاء و تضحية

سيظل اسم المشير «حسين طنطاوى» خالدًا فى ذاكرة هذا الوطن ورمزًا من رموز المؤسَّسة العسكرية الذى وهب حياته لخدمة وطنه لأكثر من نصف قرن، تدرَّج فى المناصب حتى أصبح القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى.



كان المشير «حسين طنطاوى» بطلاً من أبطال حرب أكتوبر المجيدة الذين ساهموا بجهدهم المخلص فى صُنع السلام، والأمجاد والبطولات التى سُجلت بحروف من نور فى التاريخ المصرى، كما ساهم بقيادته الحكيمة فى العبور بالبلاد إلى بَرّ الأمان فى مرحلة تاريخية شديدة الدقة شابتها ظروف استثنائية كادت تحدق بالوطن ومقدراته.

فى صباح يوم 31 أكتوبر عام 1935 شهدت منطقة عابدين بوسط القاهرة مَولد «محمد حسين طنطاوى» لأسرة نوبية من أسوان، وترعرع بين شوارعها وحواريها، تعلم القرآن فى الكتّاب وواصل دراسته حتى حصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية عام 1956، كما درس فى كلية القيادة والأركان عام 1971، وفى كلية الحرب العليا عام 1982.

 بطل عسكرى 

وقد لا يعرف الكثيرون أن المشير «طنطاوى» هو بطل عسكرى من طراز خاص، خاض أربع حروب دخلتها مصر ضد إسرائيل، فكان أحد أبطال حرب 56، وشارك فى حرب النكسة سنة 1967، وبَعدها فى حرب الاستنزاف، ومن أقواله إن حرب الاستنزاف كانت فترة زاهرة فى تاريخ القوات المسلحة المصرية؛ حيث كان الجيش يقاتل ويستعد ويعيد بناء القوات فى نفس الوقت، فقد أعطت الحرب الجنود والضباط الثقة بالنفس، كما منحت الشعب الثقة فى الجيش.

 حرب أكتوبر 

كان أحد أبطال حرب أكتوبر 1973المجيدة؛ حيث كان قائدًا للكتيبة 16 مشاة، التى حققت بطولات كبيرة خلال مَلحمة عبور قناة السويس وتحرير سيناء، فقد دخل المشير «طنطاوى» فى مواجهة مباشرة مع القوات الإسرائيلية وتحديدًا مع «أرييل شارون» أثناء حرب أكتوبر73، ففى يوم12 أكتوبر تم دفع إحدى الوحدات التى كان يقودها «طنطاوى» لتأمين الجانب الأيمَن للفرقة لمسافة 3 كيلومترات، كانت الفرقة قد تم إخراجها منها، وتمكنت الوحدة بقيادة «طنطاوى» من الاستيلاء على نقطة حصينة على الطرف الشمالى الشرقى من البحيرات المُرّة، وكان جنود هذه النقطة من الإسرائيليين قد اضطروا للهرَب منها تحت جنح الظلام، وفى مساء يوم15 أكتوبر كان المقدم «طنطاوى» وقتها قائدًا للكتيبة 16 مشاة التى أحبطت عملية «الغزالة المطورة» الإسرائيلية؛ حيث تصدّت بالمقاومة العنيفة لمجموعة «شارون» ضمن فرقتَىْ مشاة ومدرعات مصريتين فى الضفة الشرقية، حدث هذا فى منطقة مزرعة الجلاء المعروفة باسم «المزرعة الصينية»؛ حيث كبّدت الكتيبة بقيادة العميد «طنطاوى» الإسرائيليين خسائر فادحة.

«العميد أركان حرب محمد حسين طنطاوى قائد الكتيبة 16 مشاة فى حرب أكتوبر».. بتلك الكلمات عرَّف «طنطاوى» نفسَه بعد انتهاء الحرب بسنوات ليروى بطولات كتيبته فى تسجيل تليفزيونى نادر. وقد تجلى ذكاء وتخطيط «طنطاوى» عندما هاجمته مدرعات العدو.. عندها لم يكشف الرجل أوراقه، وقرر التحلى بالصبر، وكتم أنفاسه حتى آخر لحظة وحبس نيران مدفعيته لحين معاينة وتقدير القوة المعادية على الطبيعة، وفى اللحظة المناسبة انطلقت نيران أسلحته وقذائف مدفعيته.. انطلق رجال كتيبته على مدرعات ومجنزرات العدو، فجعلوها أثرًا بَعد عين، وقد فشل هجوم العدو فى الوصول للقناة، وأخذ يبحث عن مكان آخر بعيدًا عن رجال الفرقة 16 مشاة التى كان يقودها العميد «عبدرب النبى حافظ» والكتيبة 16 مشاة التى كان يقودها المقدم «محمد حسين طنطاوى».

أمّا فرقتا «شارون وآدن» اللتان قامتا بالمجهود الرئيسى فى إحداث الثغرة ففقدتا أكثر من 500 جندى، بالإضافة إلى قتل ضباط الصفين الأول والثانى من قادة الألوية والسرايا، وهو ما اعترف به قادة إسرائيل فيما بعد، مؤكدين أن شراسة معارك الثغرة لم تحدث فى تاريخ الحروب بعد تلاحم المدرعات المصرية والإسرائيلية، وحرق المئات من العربات المدرعة والمجنزرات».

ويختتم «طنطاوى» حديثه عن حكايات أبطال أفراد الكتيبة بقوله: «كل همّى إن أنا مرجعش ولا فرد من الأفراد اللى جم الموقع حى، تلك هى معركة من المعارك التى خاضتها الكتيبة منذ العبور حتى إيقاف إطلاق النار، يكفينا فخرًا أن الكتيبة لم تتكلف فى العبور إلا شهيدًا واحدًا وهو «عادل بصاروف».

هكذا روى البطل المشير «محمد حسين طنطاوى» جزءًا من مَلحمة جمعته مع أبطال القوات المسلحة على جبهة القتال حتى استطاعوا تحقيق النصر واسترداد سيناء الحبيبة بعد أن دنسها الاحتلال.

شغل «طنطاوى» مناصب قيادية عديدة فى القوات المسلحة قبل تكليفه بتولى مسئولية القيادة العامة للقوات المسلحة. أبرزها قائد الجيش الثانى الميدانى 1987، ثم قائد الحرس الجمهورى 1988، ثم قائد عامّ للقوات المسلحة ووزير للدفاع فى 1991 برتبة فريق، ثم بَعدها بشهر صدر قرار بترقيته إلى رتبة الفريق أول. وفى 4 أكتوبر سنة 1993 صدر قرار جمهورى بترقيته إلى رتبة المشير.

حصل المشير «طنطاوى» على العديد من الأوسمة والأنواط العسكرية، منها نوط الشجاعة العسكرى من الطبقة الثانية بعد حرب أكتوبر 1973، وسام التحرير وهو وسام عسكرى مصرى أنشئ فى 29 أغسطس 1952 ويمنح لضباط القوات المسلحة العاملين فى 23 يوليو 1952.

كما حصل على وسام ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة، ونوط الجلاء العسكرى، ونوط الاستقلال العسكرى، ونوط النصر، ونوط تحرير سيناء 25 أبريل، ونوط الواجب العسكرى من الطبقة الثانية، ونوط التدريب ونوط الخدمة الممتازة، وميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحَسنة الطبقة الأولى، بالإضافة إلى ميدالية يوم الجيش، وميدالية جرحى الحرب، وميدالية العيد العاشر للثورة، وميدالية 6 أكتوبر 1973، وميدالية تحرير الكويت، ووسام تحرير الكويت ونوط المعركة من السعودية.

ويرتبط المشير «حسين طنطاوى» بذكريات خاصة مع الكويت؛ إذ شارك فى حرب التحرير عام 1991، شاغلاً منصب رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة المصرية، ونجحت القوات المصرية تحت قيادته فى خوض معارك شرسة، وحققت انتصارات ساحقة على محور حفر الباطن ومطار على السالم ومدينة الكويت. وتقديرًا لجهوده، حصل على وسام تحرير الكويت، ونوط المعركة، وميدالية تحرير الكويت.

لم تقف بطولات المشير «طنطاوى» عند حدود خوض المعارك وحمْل السلاح فى وجه أعداء الخارج فقط؛ وإنما استطاع الرجل بمنتهى الحكمة والقدرة والكفاءة أن يحافظ على سفينة الوطن من الغرق فى الفترة التى واكبت أحداث ثورة 25 يناير، بعد أن تنحى «مبارك» نتيجة للضغط والغضب الشعبى، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، وبموجب البيان الخامس الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، أصبح المشير «محمد حسين طنطاوى» الحاكم الفعلى لمصر عقب ثورة 25 ينايروممثلاً للجمهورية فى الداخل والخارج.

وفور تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير «طنطاوى» مسئولية السُّلطة فى البلاد، استطاع فى وقت قصير الحفاظ على هيبة ومكانة القوات المسلحة المصرية فى العالم، وكان الضامن الأمين للتطور الديمقراطى فى مصر، لِمَ لا وهو الرجل الذى يتمتع بثقة كبيرة فى الداخل والخارج؟!، وألقى عليه أعباء عهد جديد على مصر والمنطقة، وقد نجح فى كل الاختبارات التى تعرّض لها بنجاح منقطع النظير، ورُغم كل محاولات الاستفزاز التى تعرّض لها الرجل وتعرّضت لها القوات المسلحة فى تلك الفترة الدقيقة؛ فإنه كان بمثابة حائط الصد و«القميص الواقى» الذى يتلقى الضربات عن الشعب.

ومنذ تولى الرئيس «عبدالفتاح السيسى» وزيرًا للدفاع والإنتاج الحربى، وحتى تولى رئاسة مصر كان دائمًا فى كل التكريمات والاحتفالات يشيد بدور المشير «محمد حسين طنطاوى»، وزير الدفاع الأسبق.

وفى كل مناسبة خاصة بالدولة المصرية، يذكر الرئيسُ «عبدالفتاح السيسى» قادةَ الجيش المصرى الذين لهم جهود وبطولات فى حماية مصر على مدار تاريخها، ولكنه طالما أعطى مساحة كبيرة للمشير «طنطاوى» ودوره فى تولى إدارة مصر فى ظروف قاسية حتى عبر بها بَرّ الأمان.

وفى احتفالية القوات المسلحة فى الذكرى الـ42 لانتصارات أكتوبر، وجَّه الرئيس «عبدالفتاح السيسى» التحية «لوحده» للمشير «حسين طنطاوى»، هكذا عبّر الرئيس «السيسى» عن شكره لدور المشير «طنطاوى» فى قيادة القوات المسلحة.

وفى ذكرى انتصارات العاشر من رمضان، وخلال حضوره حفل الإفطار، أشاد الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، بوزير الدفاع الأسبق، المشير «محمد حسين طنطاوى»، قائلًا: «إنه تولى المسئولية فى ظروف فى منتهى القسوة فى عام 2011، وتجاوز بمصر فى مدة قاسية خلال سنة ونصف، وكانت هناك مرحلة صعبة تولاها الرئيس عدلى منصور».

وخلال الندوة التثقيفية التى عُقدت فى 13 أكتوبر 2019، أثنى الرئيس «السيسى» على دور «طنطاوى»، قائلًا: «الفريق عبدربه، اتكلم عن الفرقة 16 مشاة (خلال حرب أكتوبر)، معانا قائد الكتيبة 16 سيادة المشير حسين طنطاوى، الرجل العظيم اللى قاد مصر فى أصعب الفترات».

«اسمحوا لى أوجِّه التحية ليه لوحده.. سيادة المشير حسين طنطاوى».. بهذه الجملة وجَّه الرئيس «عبدالفتاح السيسى» تحية خاصة، إلى المشير «محمد حسين طنطاوى»، فى أثناء الاحتفالية الـ 42 لذكرى انتصار أكتوبر؛ تعبيرًا عن التقدير لدوره الوطنى.

جاءت تحية الرئيس للمشير فى سياق كشف، أن رجال الجيش المصرى ظلوا 20 عامًا يتقاضون نصف رواتبهم لتحقيق قدرة اقتصادية تساعد الجيش. موضحًا وكاشفًا للمرة الأولى أن المشير «طنطاوى» هو صاحب هذه الفكرة.

كان المشير «محمد حسين طنطاوى» مؤمنًا بأن الدولة المصرية تعرف السلام دائمًا، وأنها ليس لديها عدائيات مباشرة، إلا أنه كان يتبع استراتيچية تؤكد أن القوات المسلحة تمتلك الجاهزية الدائمة للدفاع عن أرضها فى أى وقت، فأصبح الحفاظ على أمن مصر القومى بمفهومه الشامل وسلامة وقدسية أراضيها ومصالح شعبها هو المهمة الرئيسية للقوات المسلحة، ويجب أن تكون على يقظة تامة لمواجهة المخاطر التى تحاك لها فى الخفاء.

وداعًا المشير «طنطاوى»، وستظل فى قلوب كل المصريين خالدًا بذكراك العطرة.. إلى جنة الخلد.