السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

باريس تلقت صفعة قوية فى صفقة تسليح أستراليا المليارية: الغواصات النووية تدمر العلاقات الأمريكية - الأوروبية

فيما كانت تستعد فرنسا للاحتفال مع الولايات المتحدة بالذكرى الـ240 لمعركة خليج تشيسابيك فى السابع عشر من شهر سبتمبر الجارى، وهى المعركة الشهيرة والحاسمة فى حرب الاستقلال الأمريكية التى وقعت فى سبتمبر عام 1781، ومثلت انتصارًا استراتيچيًا للفرنسيين والأمريكيين معًا، فاجأت واشنطن باريس قبل يوم واحد من هذا الاحتفال بطعنة فى الظهْر، بالإعلان عن إنشاء تحالف ثلاثى أمنى حول المحيطَين الهندى والهادئ مع كل من بريطانيا وأستراليا وتوقيع اتفاقية تحمل اسم «أوكواس»،  فى اجتماع افتراضى جمع الرئيس الأمريكى «چو بايدن» ورئيس وزراء بريطانيا «بوريس چونسون» ورئيس الوزراء الأسترالى «سكوت موريسون»  من أجل تبادل تكنولوچيا وتصنيع الغواصات النووية بهدف مواجهة الصين.



 

أدى هذا التحالف إلى إلغاء صفقة الغواصات الضخمة الموقّعة بين فرنسا وأستراليا، بقيمة 56 مليار يورو، فغضبت باريس وأوقفت مشاركتها فى الاحتفال معتبرة أن ما حدث يُعد مثالًا آخر لخيانة الولايات المتحدة لحلفائها، فمن التنصُّت على نطاق واسع على السياسيين الأوروبيين لسنوات، إلى اعتراض الإمدادات الأوروبية لمكافحة وباء كورونا المستجَد، حتى سحْب قواتها المفاجئ من أفغانستان دون النظر لحلفائها، الذين عانوا كثيرًا من هذه السياسات، وبات التحالف الذى بنته واشنطن مع أوروبا أكثر تفككًا فى ظل شعار «أمريكا أولًا».

وساهمت هذه الخطوة الأمريكية فى زيادة عمق الشرخ فى العلاقات «الأوروبية- الأمريكية» الذى أعقب الانسحاب الأمريكى من أفغانستان؛ حيث لم تطلعهم واشنطن على موعد وخطوات الانسحاب، مما أثار موجة من الاستياء، ودفع أوروبا إلى إعادة طرح بناء جيشها الخاص والمستقل عن الولايات المتحدة وحلف الناتو. 

وكان وقْعُ الإعلان عن التحالف الثلاثى الجديد أشد إيلامًا لفرنسا؛ لأنه ترافق مع إعلان أستراليا عن اتفاقها مع الولايات المتحدة على شراء غواصات أمريكية تعمل بمحركات نووية، وإلغاء عَقدها مع فرنسا لشراء 30 غواصة، قيمتها 56 مليار يورو، مما أساء لسمعة السلاح الفرنسى وكشف فشلًا ملحوظًا للسياسة الخارجية الفرنسية وخسارة أكثر من 90 مليار دولار كانت ستُخرج فرنسا من ركودها الاقتصادى.

دفع هذا الأمر فرنسا لاستدعاء سفيريها من البلدَيْن احتجاجًا على هذا الاتفاق الأمنى الثلاثى، ووصف الإعلان عن التحالف بأنه «طعنة فى الظهْر»؛ حيث قال وزير الخارجية الفرنسى چان إيف لودريان «إنها حقًا طعنة فى الظهر»، «أقمنا علاقة مبنية على الثقة، وهذه الثقة تعرضت للخيانة»، ووصف الاتفاق بين أستراليا والولايات المتحدة بأنه «قرار أحادى ومفاجئ، يشبه كثيرًا ما كان يفعله ترامب».

وفى تطور آخر ، ألغت فرنسا اجتماعًا بين وزيرتها للقوات المسلحة «فلورنس بارلى» ونظيرها البريطانى، الذى كان مقررًا انعقاده هذا الأسبوع، فيما رأى مراقبون أن ما حدث يمثل هزيمة استراتيچية لفرنسا أمام الولايات المتحدة بخسران صفقة أصبح الرابح فيها الحلف العسكرى الثلاثى الجديد المعلن عنه يوم 15 سبتمبر بين الدول الثلاث؛ حيث لم تتمكن الحكومة الفرنسية ولا مخابراتها من رصد تحركات أو نيّة واشنطن حتى اللحظة الأخيرة؛ بل علمت بالخبر عبر وسائل الإعلام أثناء المؤتمر الصحفى الافتراضى للرئيس الأمريكى «چو بايدن».

ودون أن تكترث كل من واشنطن أو لندن بالحليفة فرنسا، فعلت أستراليا التى قال رئيس وزرائها: إن عرض الأمريكيين لا يمكن أن يقاوَم وإنه يلبى حاجتهم بنسبة مائة فى المائة، فلقد مكنهم من التكنولوچيا النووية ووضعهم على أعتاب دخول النادى النووى.

وبالفعل لم يكن مجمع لافال الفرنسى الذى فاوض بشأن الصفقة منذ سنة 2016 ووقعها فى 2019 قادرًا على أن يمكن الأستراليين من غواصات تعمل بالوقود النووى وأقصى ما قدّمه الفرنسيون بناء غواصات تعمل بالوقود التقليدى أى الديزل يشرع فى تسليمها فى حدود سنة 2030 لكنَّ الأمريكيين قرَّروا خلاف ذلك، لتجد فرنسا نفسَها خارج المعادلة تمامًا وكأنها دولة من دول العالم الثالث.

وبالإعلان عن التحالف الجديد عرف العالم أنه إذا كانت معضلة واشنطن الاستراتيچية اليوم هى الصين؛ فإنها لم تعد تعول فى شىء على شركائها الأوروبيين وأولهم فرنسا، فلقد أنشأت حلفها العسكرى الثلاثى الجديد: الأوكوس AUKUS: «أستراليا- المملكة المتحدة- الولايات المتحدة»، وأنها خلال سبتمبر الجارى ستعيد تطوير حلفها العسكرى الرباعى المعروف بـ QUAD  الحوار الأمنى الرباعى: «الولايات المتحدة- اليابان- الهند- أستراليا»، الذى نشأ فى 2007 ولا وجود لفرنسا أو الاتحاد الأوروبى فيه، فلقد أنهت أمريكا التحالف معهم فى أفغانستان، وها هى اليوم تعود إلى زمن الأنجلوساكسونى بتمكين أستراليا من التكنولوچيا النووية بعد أن فعلتها مع بريطانيا سنة 1958 ونتيجة هذا القرار ستحوذ أستراليا كميات من الوقود النووى المستخلص من يورانيوم 235 المشبَّع بنسبة 90 فى المائة، أى نفس اليورانيوم الذى تُصنَع منه القنبلة النووية، وهكذا تكون قد أضعفت موقف الفرنسيين ومعه موقف الأوروبيين إلى أبعد الحدود وقللت من مكانتهم الاستراتيچية على الصعيد العالمى وشككت فى قدراتهم ونيّاتهم فى التعاون مع الآخرين وفى مدى استعدادهم لنقل التكنولوچيا المتقدمة إلى حلفائهم.

ولهذه الأسباب يرى محللون أن إعلان التحالف الثلاثى حدثٌ غير مسبوق، سيكون له تداعياته على العلاقات «الأمريكية- الأوروبية»، فهو الحلف الأمريكى الوحيد الذى يستبعد أوروبا، ويضم فقط بريطانيا الخارجة من الاتحاد الأوروبى، إلى جانب أستراليا، ولم يضم اليابان أو كوريا الجنوبية أو الحلفاء التقليديين فى آسيا، كما أن الحلف يستهدف الصين بالطبع. 

ويرجّحون بأن النتائج المترتبة على ذلك ستكون التدهور المستمر لمكانة فرنسا والاتحاد الأوروبى مقارنة بالحلف الأنجلوساكسونى القائم، كما أن مكانة هذا الأخير فى تدهور مستمر مقارنة بتطور دول منظمة شنغهاى للتعاون بقيادة الصين وروسيا وستضطر الهند مستقبلا إلى اختيار أحد المعسكرَيْن.

ولن يكون الصراع فى المستقبل بين تلك الأقطاب فوق الأرض وعلى سطح الماء وفى الفضاء فقط؛ لكن أيضًا تحت الماء؛ حيث لم يبقَ لحلف الأوكوس سوى أعماق المحيطات لتعديل ميزان القوة مع الصين ومواجهة مشروع الحزام والطريق الصينى.

من جانبها، تراقب بكين عن كثب تلك التحركات الأمريكية الرامية لإيجاد أشكال من التحالفات المختلفة لمحاصرتها، وهى تدرك جيدًا أن التحالف الجديد لن يلغى التحالف الأمريكى مع الهند واليابان، الذى سيعاد تفعيله بشكل رباعى نهاية الشهر الجارى كما سبق أن ذكرنا مع أستراليا تحت مسمى «كواد». وأنها كلها تحركات تستهدف إحكام الطوق عليها وإفشال مشروعها الكبير «طريق الحرير».

لذلك انتقدت الصين بشدة تحالف الدول الثلاث، واعتبرته تحالفًا نوويًا ثلاثيًا يقوّض السلامَ والاستقرارَ فى المنطقة، مؤكدة على أنه سيؤدى إلى الإسراع فى وتيرة سباق التسلح بين القوى الإقليمية، كما أنه سيقوّض الجهودَ الدولية الخاصة بالحد من التسلح.

ويشير المراقبون أيضًا إلى أن كلاً من الصين وروسيا والهند ليسوا بمنأى عن ذلك وأن هذه الدول الثلاث  تراقب هذه التطورات باهتمام وحذر؛ حيث يتأهب النظام العالمى الجديد وأقطابه الجُدُد وتوازناته وتحالفاته التى تتطور الآن إقليميًا وعالميًا لحقبة جديدة ولكن  بأجواء مماثلة لتلك التى سبقت اندلاع الحربَيْن العالميتَيْن الكبرَيَيْن.