الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هيكل و«روزاليوسف» بدايـــة ونهايـــة النهاية رواها عادل حمودة عودة هيكل لـ«روزاليوسف»

فى 19 سبتمبر 2000 نَشر الأستاذ عادل حمودة مقالاً كان عبارة عن حلقة من سلسلة مقالات فى جريدة عربية عن كواليس إعادة الأستاذ هيكل لصفحات مجلة «روزاليوسف» وتبعات ذلك على كليهما، ولأن المقال كبير وتطرّق لأشياء أخرى نستدعى منه ما يخص إجابة سؤال: كيف ولماذا عاد هيكل من خلال مجلة «روزاليوسف» فى التسعينيات من القرن الماضى؟.



يقول عادل حمودة (عرفت هيكل عن قرب ولكن فى سنوات متأخرة, فى فبراير 1993, بعد حوالى 50 سنة من بدايته الصحافية وبعد حوالى 20 سنة على تركه رئاسة تحرير (الأهرام) وبعد أن أصبح كاتبًا مستقلاً يعتمد فى قوته على ما يكتب, وعلى ما يعرف, و(ليس فى يده شىء) فى الهواء الطلق (على حد تعبيره عن نفسه فى كتاب (بين الصحافة والسياسة). فى ذلك الوقت كان هيكل لا ينشر كتاباته فى مطبوعة عربية, لكنه كان يقول ما عنده مباشرة للناس, مرة كل سنة, فى لقاء مفتوح فى معرض الكتاب, وكان الجمهور الذى يتزاحم على هذا اللقاء ينافس جمهور كرة القدم فى العدد, ويتجاوزه فى القيمة. لكن فى آخر لقاء له بجمهور المعرض قال بصراحة ما جعل توجيه دعوة جديدة له مسألة مستحيلة, وهكذا انتقل التربص بهيكل من الرأى المنشور إلى الرأى المنطوق, من التعبير بالقلم إلى التعبير باللسان, ولم تستمر تجربة المعرض, فقد وجدت من يخشاها, وكان أن وجدتها فرصة لأن أنقل جمهور المعرض إلى قراء مجلة (روزاليوسف) وأفتح حوارا على فترات وكلما دعت الظروف معه, وكان ذلك خلال الفترة التى توليت فيها مسئولية تحرير (روزاليوسف) من فبراير 1992 إلى أبريل 1998. كان هيكل قد قال لجمهور المعرض, فى آخر لقاء به, إن معدل النمو فى مصر بالناقص, ومن ثم فإن مصر بدأت تأكل من لحمها الحى, وكشف عن أن متوسط دخل الفرد تراجع بنحو 60 دولاراً, وهو ما ضاعف من قسوة المعيشة, وفي الوقت نفسه وصل رقم البطالة الواعية والمتعلمة فى مصر إلى مليون وثمانمئة ألف من خريجى الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة, وزاد التناقض بين الغنى والفقير وهو تناقض صارخ يصعب تجاهله, وفيما بينهما أصبحت الطبقة الوسطى ـ وهى مستودع الحيوية الاجتماعية القادر على دفع موجات التقدم ـ مضغوطة ومحاصرة, وهو ما جعلها تتوقف عن الحركة وتعجز عن النهوض. وتمنى هيكل أن تخرج مصر من أزمتها, (وأضاف هيكل: (إن هناك حاجة ماسة إلى عقد اجتماعى جديد فيه نص صريح على حقوق الإنسان بالمفهوم الشامل الذى توصلت إليه الأمم المتحدة, من التعبير إلى التعليم والصحة والعمل والديمقراطية والثقافة وحتى السعادة أيضا). 

وهكذا سعيت لإشباع حاجة مهنية للقارئ, هى أن يقرأ ويسمع هيكل فى حوار صحافى معه إذا لم يستطع أن يقرأ مقالة له. إنها مأساة بكل المقاييس أن لا يجد هيكل فى مصر من يدعوه للكتابة, وقد فعلت ذلك, لكنه كان يفضل أن يصل للقارئ عبر (روزاليوسف) من خلال الحوارات الصحافية. وكان أن اقتسمنا المسئولية, لا أقول الشجاعة, هو بما يقول, ونحن بما ننشر, وكان أن بدأ محترفو التقارير السرية وأنصار نظرية المؤامرة فى التحرك فى الخفاء, وبدأ سوء الفهم يسيطر على العقول. 

وتكررت دعوة هيكل للحوار على صفحات (روزاليوسف) فى مناسبات مختلفة كان الناس فيها ينتظرون رأيه, مناسبة ذكرى ثورة يوليو وما تبقى منها, مناسبة تأسيس حزب ناصرى وموقف هيكل منه, مناسبة مرور 20 سنة على زيارة السادات للقدس وما توقعه هيكل وما تحقق منه, مناسبة محاولة اغتيال الرئيس حسنى مبارك فى (أديس أبابا) فى يونيو 1995 وكيف حولنا الاحتفال بنجاته إلى مولد مزدحم من دون الاستفادة من الحب الشعبي الجارف لهذه النجاة, مناسبة حصار العراق وضربه والواقع العربى بكل ما فيه من أحزان وغثيان, والفلسطينيون وما جرى لهم.   

أما الأستاذ هيكل فقد كتب عن محاولات الأستاذ عادل حمودة إعادته للكتابة من خلال «روزاليوسف» وكيف فضلها عن شبكة أخبار أمريكية عالمية للعودة، ففى مقدمة الطبعة الجديدة من كتابه (حديث المبادرة) والتى نشرت بمناسبة مرور 20 سنة على زيارة السادات للقدس كتب هيكل: (كانت شبكة قنوات الأخبار التليفزيونية الأمريكية سى. إن. إن أول من نبهنى إلى أن عشرين سنة مضت على الزيارة الشهيرة التى قام بها الرئيس أنور السادات إلى القدس فى شهر نوفمبر 1977 والتى داهمت العالم مثل زلزال تتوالى حتى اليوم توابعه. (وفى مناسبة الذكرى العشرين لتلك المفاجأة السياسية ـ نوفمبر 1977 ـ فإن شبكة قنوات الأخبار التليفزيونية الأمريكية اتصلت تدعونى للحديث أمام مشاهديها فى العالم عن النتائج والآثار التى توالت وتداعت على العالم العربى والشرق الأوسط من يومها حتى الآن.

يكمل هيكل (واعتذرت لشبكة التليفزيون الأمريكية وشعورى أنه ليس هناك داع لتقليب مواجع مصرية وعربية أمام جمهور عالمى، وفي اليوم التالى مباشرة جاءتنى «روزاليوسف» ممثلة فى نائب رئيس تحريرها الأستاذ عادل حمودة وكان طلبه هو نفس الطلب الذى اعتذرت عن تلبيته لشبكة التليفزيون الأمريكية وأفضيت للزميل الصديق بما لم أقله لغيره لأن عرض الأشجان على الغرباء هوان. (لكن الزميل الصديق لم يقتنع ـ أو حسب ظنه ـ أن الحديث أمام جمهور مصرى وعربى ليس تقليبا للمواجع وإنما هو فحص جديد بالدرس لتجربة غير مسبوقة ولعلها غير ملحوقة فى تاريخنا. 

وكان عادل حمودة يحمل معه نسخة من كتاب صدر لى قبل عشرين عامًا تقريبًا بعنوان (حديث المبادرة) وكان يراجع صفحات منه أثناء لقائنا وحديثنا ـ والكتاب يحوى مجموعة مقالات بدأت نشرها بعد أربعة شهور من الزلزال ثم ضمها جميعاً غلاف ظهرت به بيروت أوائل مايو 1978 ـ أى بعد ستة شهور بالضبط. وهكذا فإن شبكة سي. إن .إن ذكرتنى بالمبادرة.. ثم إن مجلة «روزاليوسف» ذكرتنى بحديث المبادرة) . 

يواصل عادل حمودة تذكر حواراته مع هيكل، ومنها سلسلة «ماذا لو..؟» على مدى ثلاثه أسابيع.. فى الفترة من 17 ـ 31 يوليو 1995 نشرت حوارًا مع هيكل بعد محاولة الاعتداء على الرئيس مبارك فى أديس أبابا.. 

كانت لهذه السلسلة من المقالات الكثير من الآثار والتبعات التى عادت على كليهما، فيقول عادل حمودة (لقد أجريت الحوار معه – يقصد هيكل - وهو فى قرية (الرواد) فى الساحل الشمالى, كان يراجع بروفات الطبعة العربية من كتابه (المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل) تمهيداً لنشرها فى أكتوبر التالى ـ أكتوبر 1995 ـ بعد 3 أشهر على نشر الحوار ـ الأزمة, وكان قد اتفق على أن تقوم مؤسسة الأهرام بالنشر كما جرت العادة بعد أن أصبح نشر كتبه مباحاً فى مصر, لكن الكتاب صدر عن دار نشر أخرى.. قطاع خاص. وفى مقدمة الطبعة العربية التى نشرتها دار الشروق اعترف هيكل بأن هذه الطبعة (واجهت ظروفاً غير مألوفة أو على الأقل غير عادية).

أمّا ما طال الأستاذ عادل حمودة جراء ذلك فيقول فى نهاية مقالة (سر لا يعرفه هيكل ربما يكون مثيراً للدهشة أن أكشف سراً ربما لا يعرفه هيكل بعد ذلك الحوار ـ المشكلة معه, لقد رفع أحد كتبة التقارير السرية تقريراً يتهمه فيه بتشكيل تنظيم غير معلن فى الصحافة المصرية, أنا واحد من أعضائه, ولم يقل التقرير ما هدف هذا التنظيم, ولا كيف يعمل. ولا متى يلتقى أعضاؤه؟ وقد رفض العقلاء فى السلطة هذه (التخاريف) وكان ردهم: إن هيكل شخصية صحافية لامعة ومؤثرة ولا بُد للأجيال الجديدة أن تقترب منه لتفهم وتتعلم وتستفيد, أن الحلاقين والكناسين والنحاسين والفحامين لهم كبير, فلماذا نستكثر على الصحافيين ذلك؟ لكن فيما بعد, بعد أن تركت موقعى فى «روزاليوسف» كان هناك من يلمح إلى أن الأحاديث التى أجريتها ونشرتها فى (روز اليوسف) مع هيكل كانت أحد أسباب الغضب الرسمى ـ ولو بأثر رجعى ـ منّى, ولم أشأ أن أصدق, وكنت أميل لتفسير هيكل الذى قاله فى حواره مع محمد عبدالقدوس فى جريدة (الشعب) عقب خروجى غير المفهوم من «روزاليوسف»: (إن عادل حمودة من ألمع الصحافيين المصريين الذين ظهروا فى الفترة الأخيرة بصرف النظر عن اختلاف البعض معه فى أسلوبه وآرائه, ومن مميزاته أنه أعطى هامشا من الحرية يزيد عما هو مألوف, وهذه إيجابية لصالحه، فمهمة الصحافى باستمرار أن يعمل على توسيع هامش الحرية المسموح له بها بحكم الظروف وواقع الحال الذى لا يمكن إنكاره, ولست فى الحقيقة أعرف الدوافع والأسباب التى أدت إلى انتقاله من «روزاليوسف» إلى الأهرام, وما تم إعلانه فى هذا الصدد لا يبدو لى مقنعاً, لكن يبقى أنه انتقل إلى الأهرام، واعتقادى أن عمله هناك يمكن أن يكون بداية ممتازة لنقلة أخرى نوعية فى عمل صحافى لامع)