الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الباشا والثورة ياحبيب المساء سأعلمك السيطرة على النساء "الحكاية الثانية" 1-2

على صفحات المَجَلّة التى شهدت معاركه وتجربتَه الفريدة، نستعيد مع الأستاذ «عادل حمودة» أحدَ أهَمّ تحقيقاته الصحفية «ستيك هاوس.. شخصيات لامعة فى زنزانة الجنس الانفرادى».



هنا تصبح الكلماتُ بساطًا سحريًا ينقلك لتعرف الكثيرَ من الخبايا خلف الأبواب المغلقة، والبيوت التى ربما نَمُرّ أمامَها كل يوم لكن لا نعرف أىَّ شىء عمّا يدور بداخلها، يغزل بحكاياته الوجه الآخر لمشاهير وصعاليق.. فنانين وكُتّاب.

استطاع بحسّه الصحفى الذى لم يغادره أبدًا أن يغوص بنا فى أعماق وتفاصيل مجتمع «الشخصيات اللامعة»؛ ليظهر لنا جوانب حياتهم التى جاهدوا لبقائها بعيدة عن الأضواء.

ينتقل الأستاذ «عادل» من دراسة أسباب انتشار ظاهرة «زنَى المَحارم» فى العشوائيات وقتها، إلى قصر أحد الدعاة الذى تورّط فى علاقة مُحرّمة مع شقيقة زوجته.

أيضًا تكشف حكايات الكتاب الكثيرَ من التناقضات فى المجتمع وقتها فيما يخص علاقتنا بالدِّين؛ حيث يكشف تفاصيل قضية رشوة تورّطت فيها مهندسة مع مقاول شهير، ودخلت معه فى علاقة جنسية «لكنها لشدة تدَيُّنها كانت ترفض أن تلقاه يومَىْ الاثنين والخميس لأنها تصومهما»!

بين العشوائيات والقصور، نتعرّف خلال الحلقات المنشورة على حكايات لم نعلم عنها شيئًا.. حكايات مدهشة رُغْمَ مرور سنوات عليها.. وتفاصيل تؤكد أن فنون العمل الصحفى لا يزال لها بريقُها الخاص وأهميتُها فى رصْد ظواهر المجتمع بشكل محترف حتى فى زمن السوشيال ميديا.. 

 

 كان  جائعًَا فلم تتردد فى أن تُعرّى نهدَيْها لتطعمَه. 

كان منجمًا من الرغبة فابتسمت فى شراهة قبل أن تستنزف موارده.

كان بريئًا ساذجًا جاهلاً بأسرار السرير فلم تتركه إلا بَعد أن أصبح متحكمًا مسيطرًا قاسيًا.

يمكن أن نُلخص  الحكاية فى هذه الحفنة من الكلمات المكثفة ولكن الحقيقة أن التفاصيل الصغيرة مثيرة يصعب على كاتب عايشها أن يتجاهلها.

ثم ألا يتسلل الشيطانُ إلينا من تلك التفاصيل ولولاه ما أكل الأدباء خبزًا وما شربوا حليبًا وما أبدوا عملاً؟

 كنا فى نهاية المرحلة الثانوية عندما اختارونا  لحضور معسكر صيفى فى الإسكندرية، ولم أتحمّس للسَّفر  إليه، ولكن أكثر أصدقائى  مرحًا محمود وعدنى بأن نستمتع بصحبة البنات فى أوقات الجولات الحُرّة، كما أنها السَّنة الأخيرة لنا معًا، سنتشتت بَعدها فى الجامعات، وربما لا نلتقى إلا صُدفة. 

 كان العرض بالتأكيد مغريًا لمراهقين أمثالنا يعانون من ضغوط البلوغ عليهم، ويشعرون بأن شيئا ما فى أجسادهم يؤلمهم، ويرون فى كل امرأة مَهما كانت قبيحة أمنية غالية، ويمكن أن يشكلوا خطرًا على قطط الجيران. 

على أننا ما إن وصلنا محطة قطار «سيدى جابر» حتى وجدنا ضابطَا بَحريًا ينتظر محمود على الرصيف واستأذن فى أن يقضى معه يومين قبل بدء المعسكر  ووعد بتوصيله إلى حيث مكاننا فى «أبوقير» قبل طابور الصباح. 

لم يكن محمود سعيدًا بذلك  الاختطاف العائلى ولكنه لم يشأ أن يغضب أمّه التى أوصت شقيقها به فلم يتردد فى طاعتها. 

وقبل أن نفترق دس فى يدى ورقة بها رقم تليفون خاله، وفى تلك اللحظة شعرت بأن مسألة  البنات تبخرت أو تأجلت فأكثرنا جرأة وموهبة فى التعرف عليهن أصبح مقيدًا.

بدأ المعسكر ولم يأت محمود.

 تصورت  أنه مريض، لكننى عجزت عن الاتصال به لعدم توافر تليفونات عامة فى المعسكر.

وأول يوم سُمح لنا فيه بجولة حُرة اتصلت به من مطعم سمك ولكن لا أحد يرد، وتكرر ذلك أكثر من مرة حتى يأستُ من أن نلتقى فى الإسكندرية، ولم أجد أمامى سوى الجلوس فى مقهى يقابل شاطئ سان ستيفانو لمشاهدة النساء وهن يعبرن الطريق إلى البحر بملابس العوم أحيانًا، لم تكن دعوات التشدد قد بدأت، ولم تكن المرأة هدفًًا  ينال منه كل مَن صعد منبرًا أو أمسك بميكرفون أو أطلق لحية، وما يثير الدهشة أننا لم نعرف التحرش فى ذلك الوقت، وكان الغَزَل من بعيد بالكلمات قبل أن يصبح - فى زمن التنظيمات المتطرفة- غصبًا باللكمات. 

عُدنا إلى القاهرة ولم يعد محمود. 

بل إن الدراسة بدأت ولكنه لم يأت، ما الذى جرى له؟ لِمَ اختفى؟ هل غرق فى البحر؟ هل خطفته جنّيّة من ساكنات الشُّعَب المرجانية وأقنعته بالعيش معها؟

وما ضاعف من الحيرة أن تليفون شقة خاله يرن ولا أحد يرد. 

ولم يكن أمامى للاطمئنان عليه سوى زيارة والدته فى بيتها القريب من بيتنا فى العباسية، فيلا محاطة بسور حديد مدبب فى شارع «بين السرايات» الهادئ، يقف عليها حارس، وتبدو مظلمة طوال اليوم وإن تتألق  أنوارها ليلاً.

لم تكن أمّه مثل أمهاتنا،  كانت رشيقة، ترتدى ثوبًا ضيقًا مفتوحًا من جميع الجهات، تدخن، وربما كان كأس المشروب الشفاف  الذى بين يديها نوعًا من الخمر، ولم تمنع نفسها وهى تتحدث من الاهتزاز على صوت الموسيقى المنبعثة من جهاز تسجيل فى الصالة، ولحق بها رجُل أنيق يمسك بسيجار غير مشتعل، تفحّصنى فى صمت بنظرة غير مريحة وكأننى لص أخطط لسرقتهم. 

إنه زوجها الثالث، الأول والد محمود، والثانى والد أخيه غير الشقيق على، والثالث يبدو أصغر منها وارتبطت به بعد أن تجاوزت سن الإنجاب.

قالت بحدة : 

- الكلب لا يريد العيش معنا!

كانت تقصد ابنها الذى فضّل الإقامة مع خاله ومواصلة دراسته فى الإسكندرية، وما إن أنهت جملتها الحادة حتى هبت من مكانها ومشيت مبتعدة وكأنى شبح لا تراه، ومع شعورى بالحرج أخذتُ طريقى إلى الباب بمفردى، فعلاً بيت غير مريح، لا بُدّ أن محمود وجدها فرصة للفرار منه. 

لكن كان هناك على ما يبدو سببٌ آخر  شجَع محمود على البقاء فى بيت خاله كما عرفت منه فيما بعد. 

 يوم  تركنا على محطة القطارات أخذه خاله إلى شقته فى حى «كفر عبده» الراقى ثم تركه بمفرده وذهب إلى قاعدته البحرية لينضم إلى طاقم يخت «المحروسة» قبل أن تبحر وعلى متنها جمال عبدالناصر متجهًا إلى يوغسلافيا للقاء صديقه جوزيف تيتو فى زيارة سرّيّة لم يُعلن عنها. 

راح محمود يفتش عن شخصية خاله بالفرجة على ما فى الشقة من أشياء، وجد بارًا صغيرًا  فى الصالة كعادة الطبقة الوسطى فى ذلك الوقت الذى كان فيه الحشيش أمرًا مستهجنًا لا يليق بأصحاب المقامات والهامات، ووجد لوحة امرأة شبه عارية فوق الفراش، تابلوه كان شائعًا فى ذلك الوقت  ومصحفًا، وجهاز تشغيل أسطوانات، وثلاجة ليس فيها إلا زجاجة حليب وقطع جبن وبقايا طعام لم يعد صالحًا للتناول، وإن وجد على المائدة ثروة من الكباب والبسبوسة أحضرها  خاله التهمها وكأنه لم يأكل منذ سنة، ولم يجد فى التليفزيون صورة واضحة أو سهرة  ممتعة فقرر أن ينام وشعر بالكسل فلم يطفئ الأنوار.

فجأة  قام من نومه مفزوعًا بعد أن سمع طرقًا متواصلاً على الباب. 

فتح الباب نصف نائم فوجد أمامه امرأة بثياب  النوم بدت أنها فوجئت به، وفى لحظة تخيل أنها جارة خاله وعشيقته ترك لها نسخة من المفتاح، ولكنها سرعان ما سألته عما يفعل فى الشقة نصف عار وكأنه يمتلكها؟ 

ما إن عرفتْ الحقيقة حتى أفرطتْ فى الاعتذار والندم وإن لامت على خاله أنه لم يأتِ لها بسيرة عن ضيفه وابن أخته.

امرأة تخطت الثلاثين، ولكن يصعب على غير الخبير بالنساء أن يكتشف سنّها، تبدو تحت الثلاثين، جسد ممشوق كرُمح، نهدان  بارزان فى حالة طوارئ، وجه دقيق الملامح وكأنه  نحت بدبوس إبرة، شفتان ممتلئتان مثل قنبلة على وشك الانفجار، وصوت محرض على الشهوة دون تعمد، وبشرة سريعة الاحمرار بمجرد النظر إلى صاحبتها. 

تأملته بنظرة واحدة  فاحصة لم تستغرق أكثر من ثانية واحدة، جهاز أشعة سريع الالتقاط، وساعدها على اكتشافه أنه كان مكتفيًا بقطعة واحدة إجبارية من ملابسه. 

رسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها واعتذرت عن إزعاجه وتمنت له نومًا هادئًا لكنه فى الحقيقة رجع إلى الفراش  وهو يحملها فى ذهنه فلم ينم بسهولة.

ما إن عاد خاله من السفر حتى سأله عنها ولكن البَحّار الشاب حذره منها: 

- امرأة خطرة، ابتعد عنها. 

- إنه مجرد يوم سأقضيه معك وبعده سأذهب إلى المعسكر.

- لو شئت البقاء سهرنا معًا فى «سانتا لوتشيا» أو فندق «سيسل» أو نقضى أيامًا فى العجمى.

عندى إجازة عشرة أيام وليست لدينا حالة طوارئ تقطعها.

- قَطعًا ستكون ممتعة أكثر من المعسكر.

كانت أيامًا حلوة عاشها  محمود  مع خاله، ولكن الأهم أنه فتح له قلبه ليُخرج ما فيه من أشواك ومسامير وأسلاك شائكة تسبب الجراح وتفجّر الدماء:

- لا أهضم سلوكيات أمّى وأتألم من كل تصرفاتها وأشعر بالخجل  عندما  يكتشف أحد من أصدقائى وزملائى وجيرانى أنها تزوجت للمرة الثالثة وأنجبت من رجال مختلفين، ورغم سنها ومكانتها فإنها لا تزال تتصور نفسها شابة ولا تمل من حفلات الرقص التى تدعو إليها شخصيات غير مريحة لا يختلفون عنها كثيرًا، وزاد عليها الرهان يوميًّا على سباق الخيل بالنهار ولعب البوكر فى الليل. 

- أنا أعرفها أكثر منك ولولا صلة الدم بيننا  لقاطعتها، ولكن لو شئت أن تنتقل إلى هنا وتكمل دراستك الثانوية والجامعية فسوف أشعر  بالونس فى الأيام القليلة التى أقضيها بعيدًا عن البحر. 

- عرضٌ يصعب رفضه ويخرجنى من حالة السيطرة المُحكمة التى وضعتنى فيها أمّى وجعلتنى فى شرنقة ليس فى داخلها ما ينتج حريرًا وإنما ينتج صديدًا.

وهكذا دون أن يخطط لم يذهب محمود إلى المعسكر ولم يعد إلى القاهرة وبدأ حياة مختلفة تمامًا لم يتوقعها ولم يخطط لها أبدًا إلى مقاطعة أمّه له ولشقيقها.

لكن المؤكد أن ظهور امرأة «نصف الليل» كان عاملاً مشجعًا لتغيير ما حوله بعد أن أحس بأن شيئًا ما سيكون بينهما. 

على أنه يريد أن يعرف سر خطورتها التى حذره منها خاله.

كانت تسكن فى الشقة المجاورة، وحيدة، دخل زوجها السجن فى أول قضية تهريب هيروين  إلى مصر، وترك لها خبيئة من المال  «الكاش» وضعتها تحت مراقبة الشرطة للحصول عليه وطمعت فيه العصابة فراقبتها أيضًا.

ولكنها عثرت على الكنز وجنت ما فيه، وأنفقته بحذر حتى لا يُكتشف أمرُها، بدت متواضعة الإنفاق رغم أنها مليونيرة. 

 إنها تقدر على الماس ولكنها تكتفى بالفضة، وتقدر على قيادة سيادة مرسيدس ولكنها لم تتجاوز الفيات، وتقدر على أن تضع على جسدها ثيابًا مستوردة من باريس ولكنها تفاخرت بارتداء ملابس المصنوعات المصرية. 

وحتى تبرّر نفقاتها عملت مترجمة فى أحد  المراكز الثقافية، وبدت مؤهلة للوظيفة، فقد  تخرّجت فى جامعة الإسكندرية حاملة شهادة الليسانس فى آداب اللغة الإنجليزية، وما إن قبض على زوجها حتى درست لغات أخرى منها الفرنسية والألمانية. 

 التقت  بزوجها فى مكتب المحاماة الذى  يديره ويقتصر على الدفاع عن الأجانب متعددى الجنسيات الذين يعيشون فى الإسكندرية، كانت تترجم المستندات المطلوبة فى ملفات  القضايا، ووجدت نفسها تشد إلى «الأفوكاتو» المهذب الوقور، وما إن عرض عليها الزواج حتى وافقت بلا تردد. 

بعد سنوات طوال، ربما عشر، ربما أكثر، فوجئت بالقبض على زوجها ضمن عصابة من اليونانيين جاءت بالهيروين فى أنابيب وضعت فى شحنات صغيرة طفت على سطح المياه ليلاً عند  شاطئ البيطاش فى العجمى، كشفت العملية بالصدفة، وحُكم عليه بالسجن المؤبد، وتركها وحيدة فلم تنجب منه. 

وذات يوم وجدت أمامها صبيًّا فى العاشرة  أعطاها خطابًا واختفى وما إن فتحت الخطاب حتى قفزت فى الهواء فرحة. 

سمع محمود الملف السّرّى لحياة فريال فلم يجد فيه شيئًا يدعو للخطورة؛ بل وجد أنها امرأة مظلومة، تعيش حياتها وحيدة، منعزلة عن الناس، وإن ربطتها علاقة صداقة راقية بخاله تقتصر على الجيرة الطيبة على حد قوله، لكن الله أعلم. 

إن خاله مشهور بمغامراته الجريئة حتى إنه ذات مرّة ألقى بنفسه فى البحر عند شاطئ ميامى وراء امرأة أعجبته، لكنه لم يكن يعرف أن هناك أعمدة من الخرسانة بها أسياخ مدببة من الحديد بقايا كازينو غارق غرزت فى جسده وهتكت  لحمه واحتاج علاجه منها ثلاثة أشهُر متصلة وكاد أن ينقل إلى عمل كتابى فى البحرية  لولا صلابة بدنه.

هل رجُل بهذا التهور يمكن أن يترك امرأة «مقشرة» على بُعد خطوات منه؟

لكن الحقيقة  أن البحار المغامر كف عن الشقاوة عندما وقع فى هوَى فتاة ساحرة ورثت الفتنة عن أمّها القعيدة وأبيها ضابط الجيش الإنجليزى الذى قُتل فى معركة العَلمين التى مهدت لحسم الحرب العالمية  الثانية. 

كانت الأم قد قبضت معاشًا مغريًا من مقر القوات البريطانية فى الإسكندرية ولكنها لم تنتبه عند عبورها طريق الكورنيش ووجدت نفسها تحت عجلات سيارة مسرعة. 

 بُترت  ساقاها، أصبحت قعيدة، المثير للدهشة أنها فجأة اكتشفت فى نفسها قدرة مذهلة على قراءة  الطالع جعلت أكابر البلد يسعون إليها بمن  فيهم الملك فاروق وبعض الضباط الأحرار الذين أطاحوا به، ومُنحت من الجميع لقب «الشيخة المبروكة».

وهناك سبب آخر جعل خال محمود يبتعد عن جارته، خوفه على سمعته بين سكان الحى المتميز، وعلينا ألا نشك فى ذلك فقيم الستينيات من القرن العشرين كانت مشبعة بالرقى والسّمو والحياء؛ احترام بنت الحتة وحمايتها، لهفة المنكوب، الرحمة بالصغير، احترام  الكبير، عدم الإساءة للمرأة مَهما انفلتت وتجاوزت مُرجئًا الحساب للرجال المسئولين عنها ؛ الأب أو الأخ أو الزوج. 

وأحيانًا تبادر المرأة بالغواية وتراوض الرجل عن نفسه، وغالبًا ما تصل إلى ما تريد بسهولة، فالرجل أضعف من أن يقاوم؛ خصوصًا إذا كان مراهقًا مثل محمود. 

أحس محمود بأن جارته «عينها منه» ولكنه لم يملك الشجاعة كى يلمسها أو يقترب منها وانتظر لحظة الشرارة التى ستشعلها هى بنفسها.

إن المراهق رغم صعوبة تحمل الضغوط الجنسية عليه فإنه عادة ما يجبن من الاقتراب من الجنس الآخر خشية الفضيحة أو الرفض، وغالبًا ما يجد أن الأكثر أمانًا  أن يحل مشاكله  مع نفسه بنفسه حتى تظهر مَن تمنحه نفسَها فيسترد حياته الطبيعية. 

لم تغب جارة منتصف الليل بملابس النوم عن بال محمود وكثيرًا ما تخيلها معه تطعمه من ثمار جسدها فراولة ومانجو ولوزًا.

على الجانب الآخر من الجدران كانت شيرين العبد تفكر فيه، صورته بالبوكسر أثارتها، أعادت  إليها ذاكرة المتعة المنسية منذ سنوات، من جديد أوجعها جسدها بشدة طالبًا الدواء والشفاء، كانت قد درّبته على تجميد رغباته  حتى تصورت أنه صدقها، لم تتصور أنه يمكن أن يستيقظ بهذه السرعة ويثيره مشهد عابر لم يستغرق ثوانى، ولكن هذا ما حدث. 

على أنها كانت تخشى فضيحة جديدة بعد أن تناسَى من حولها فضيحة زوجها ومنحوها عُذر الجهل بما كان يفعل. 

لم تجد أمامها لإسكات الشيطان الذى يُغريها بجنة اللذة سوى حمّام دافئ وركعات صلاة فى غير وقتها وآيات تحفظها للنجاة من الشر ونامت نومًا متقطعًا على غير عادتها.

لكن الشيطان الذى يوصف بالشطارة لم ييأس، أقنعها بأن عليها تجهيز طعامًا للشاب فى وقت غياب خاله «إنه مجرد طعام ستقدمه إليه وتعودين سريعًا إلى شقتك... لن تماطلى فى الحديث معه حتى لا يقع المحظور.. خطوة واحدة لا أكثر ستتحملينها دون معاناة».

دقت بابه حاملة ما طهت من طعام، ساعدها في وضع الطعام على المائدة، دون أن يقصد لمَسَ صدرها، سقط الخبز منها، انحنت لترفعه من على الأرض، وجد نفسه يلتصق بها، حانت اللحظة التى انتظرها كل منهما وكانا على يقين بأنها ستأتى ستأتى. 

طلبت منه أن تصحبه إلى شقتها وغرفة نومها، ستكون هناك أكثر حرية، والمرأة إذا شعرت بحريتها منحت شريكها ما لا يخطر على باله أو خياله أو خاطره أو تصوره، كنوز الجسد تفتح بكل ما فيها من لؤلؤ ومن مرجان. 

لكن الأهم أن شيرين العبد قررت أن تعلمه فنون الحب، إن المراهق عادة يكون مشغولاً بنفسه مُركزًا على شهوته حتى يفهم من الطرف الآخر حقائق الفراش وخبرته، حتى يستوعب حقوق شريكته، ولو طلبتها بنفسها. 

 لم تتركه شيرين يتصرف بمفرده، لن تستمتع، ولن يتعلم. 

 أدخلته  المَدرسة، وقررت تعليمه درسًا درسًا، حرفًا حرفًا، من أين يبدأ، كيف يواصل، متى ينتقل من مكان إلى آخر؟ كيف يتلقى إشاراتها؟ كيف يستجيب لها ؟ والأهم كيف يسيطر عليها؟ 

- المرأة يا محمود كائن متمرد عينه يدب فيها رصاصة لا تقنع إلا بالرجل المسيطر الذى تتمسح فيه ولا تكف عن شمه ولمسه وطاعته حتى يرضى عنها دون ذلك ستبحث عن غيره، ستبحث عن من يسد فراغاتها ويشكمها.

- أنا مستعد أن أنفق فى مَدرستك حياتى، طوال الليل والنهار سأطالع، سأذاكر، سأنهى جميع واجباتى، كل ما يمكن أن أفعله سأفعله، كل ما يمكن أن أحفره سأحفره، لن تمتلئ  كراستى بالعلامات الرديئة، سأتفرغ إليها تمامًا، لن تطعنى على إبداعى، سأكون رجلك الأول ومكتشفك الأول ومستوطنك الأول، سأدخل بحارك، وأستلقى على دفء رمالك سأعوّضك عن كل ما عشت من حرمان. 

- أنا أيضًا سأرتكب آلاف الحماقات  حتى أرضى خيالك، سأكون جارية لك من أجل وصالك، سأمسك بيدك حتى تدخل بنفسك أقوى الممالك، سأطعمك من خيرات جسدى ما لن تجده إلا فى الجنة وسأزرع فى جسدك خرزة زرقاء تحميك من الحسد. 

والحقيقة أن كل منهما نَفّذَ ما قال حتى أصبح من الصعب عليهما الاستغناء عن بعضهما البعض، عاملها كقطة ناعمة الوَبَر فلم تكف عن التمسح فيه، أرقدها سُلطانة فى الفراش فسجدت له طائعة مستسلمة، أخذها من العطش والجفاف إلى جنة تجرى من تحتها الأنهار فآمنت به وبعد أن كانت معلمته أصبحت جاريته.

 ولكن محمود الذى نجح بتفوُّق فى مدرسة العشق رسب بشدة فى مدرسته الثانوية فقامت قيامة أمّه واتهمت شقيقها بإفساده وأصرت على إعادته إلى القاهرة ليكون تحت عينيها من جديد، ولم يمانع شقيقها، ولكن محمود هو الذى رفض.

 جنت شيرين من مجرد تصور أنه سيبتعد عنها حتى لو كان من الممكن طرق بابها من وقت لآخر فهى بخبرتها تعرف أنه سيأتى لها مرة كل أسبوع ثم مرة كل شهر ثم سينساها بمجرد أن يجد امرأة غيرها وقد علمته بنفسها فنون القنص والصيد والسيطرة على الفريسة. 

 وبجنون لم يُعرف عنها قررت مضاعفة الجرعة التى تسقيها له من جسدها حتى يدمنها تمامًا فأغرته بالسفر معها أسبوعًا فى باريس لتحرره تمامًا من سيطرة الأم وجهزت كل شىء وفى سرّيّة تامة غادرا القاهرة. 

فى باريس نفذت خطتها لينال شهادة عليا فى  السيطرة على الفراش.

 سهرت معه فى نوادى العراة؛ حيث الرجال والنساء لا يفرّقون فى الظلام بين من جاء معهم أو من يقترب منهم، إنه قانون «المتعة فى العتمة» الذى يسقط فى ثوان معانى الارتباط والإخلاص ويجعل الرجال قطيعًا من الثيران العمياء الهائجة. 

تجربة أثارت استغراب محمود ولكن شيرين ابتسمت قائلة: 

- المشاعر ضعف ولو لم تشعر بالبديل فى وجودى فلن تنجو من عبث النساء بك،  نل منهن على الإفطار قبل أن يلعبن بك على العَشاء، المرأة ليست ذلك المخلوق الضعيف كما يتصور الرجال إلا إذا نجحتم فى إخضاعها، ولن تقدر على ذلك إلا إذا نسيت وهْمَ الحب وتذكرت سطوة الجنس، صدقنى لو وضعت قلبك خاتمًا فى إصبع امرأة لم تشبعها باعته خردة مقابل مصاصة، ضع  قلبك فى خزانة حديدية وألق بها فى المحيط ليستقر فى بطن حوت، وامنح جسدك كل ما يحتاج من خبرة وسيطرة تسقط النساء على الأرض ويقبّلن قدميك. 

وكانت هناك تجربة مثيرة أخرى. 

تركته نائمًا فى الفندق وبعد ساعة عادت ومعها ثلاث عاهرات استيقظ على وجودهن عاريات فى الفراش وطلبت منه شيرين  أن يسيطر عليهن وهى واقفة تتابع ما يفعل قبل أن تنضم إلى الحفل الجماعى. 

- ما كان فى العتمة أصبح فى النور. 

عَلّقَ محمود: 

- أنت مجنونة. 

- أنا عمرى فى الحياة قصير وما تألمته فيها كثير.

- أشعر أن قلبى  يجف يومًا بعد يوم وإنى صرت آلة خشنة. 

- لن تنجو فى الحياة إلا إذا كنت ماكينة بلا مشاعر تضعفك وتستهلك وقتك فى التفكير فى امرأة تلعب بعواطفك. 

ولكن مفاجآت شيرين لم تتوقف.