الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نساء فى حياة الأنبياء «إلِيصابات».. العابدة التقية: النبى زكريا.. كفالة مريم والبشارة بيحيى "12"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



عاش النبىُّ زكرِيا، عليه السلام، فى فلسطين فى مدينة أور سالم ببيت المقدس، وكانت مهنته نجارًا، وتزوج وأنجب ابنه الوحيد النبى يحيى، عليهما السلام.

والنبى زكريا، عليه السلام، وجد من قومه بنى إسرائيل وحكامهم الأذى الكثير، فصبر حتى كبرت سنُّه وضعف جسدُه، وقد كان من كبار الصالحين الرّبّانيين المشاركين فى خدمة الهيكل.

وكانت زوجته واسمها «إلِيصابات»، وهى أخت «حنة» أمّ السيدة مريم، ثم مات عمران زوج حنة وهى حامل بمريم، وعندما وُلدت مريم ذهبت بها إلى المَعبد ووضعتها عند الأحبار العلماء، فتنافسوا على مَن يكفلها منهم لأنها كانت بنت سيدهم عمران وهو من علماء بنى إسرائيل الصالحين، وكانوا يقترعون على الذين يؤتون بهم إلى المَعبد لخدمته

 أيهم يكفل مريم:

وطالب النبى زكرِيا، عليه السلام، بكفالة مريم لأنه زوج خالتها، فأبَوا وطلبوا الاقتراع عليها، فذهبوا إلى النهر وألقوا فيه أقلامَهم التى كانوا يكتبون بها التوراة فارتفع قلم النبى زكرِيا فوق الماء ورسبت أقلامهم، وكرّروا ذلك ثلاث مرّات وفى كل مرّة  ترسو القرعة عليه: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)، آل عمران 44.

فكفلها النبى زكرِيا، عليه السلام: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا)، آل عمران 37، حتى كبرت ووضعها فى غرفة فى المَعبد لا يصعد إليها غيره.

وكان يرى من آيات الله للسيدة مريم: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، آل عمران 37.

ومنها رزق الله لمريم بالفاكهة فى غير وقتها، فدعا أن يرزقه تعالى بالولد رُغْمَ تقدُّمه فى السِّنّ وامرأته عاقر لا تلد، وتمنّى أن يهبه الله وَلدًا يرث النبوّة عنه ومن آل يعقوب: (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا. إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا. قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا. وَإِنِّى خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِنْ وَرَائِى وَكَانَتْ امْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)، مريم 2-6. 

وجاءته البشارة وهو قائمٌ فى المحراب يصلى، وسُمّى محرابًا لأنه يحارب فيه الشيطان بكيده ووسوسته: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا)، مريم 7.

وفى الروايات أن البشارة جاءته عندما كان هو وزوجته فى التسعين من عمرهما، وزوجته عاقر لا تلد: (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا)، مَرْيَم 9.

لمّا بَشّر الوَحْىُ النبىَّ زكرِيا بميلاد يحيى، عليهما السلام، طلب من الله أن يجعل له علامة على وجود الحمل من امرأته: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِى آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا)، آل عمران 41، فجعل تعالى علامة بألاَّ يكلم الناس ثلاثة أيام إلا بالرّمز والإشارة فقط من غير خرس، فقد كان يكلم الناس بيده وبالإشارة: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)، مَرْيَم 11، فخرج على قومه من محرابه مسرورًا بالبشارة، فهو لم يطلب آية لأنه يشك فى قدرة الله؛ ولكنْ لأنه لا يريد أن يفوّت على نفسه لحظة النعمة من أول وجودها إلا ومعها الشكر عليها.

فهو طلبَ طلبًا شخصيًا متعلقًا بخوفه على الدين: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)، الأنبياء 90.

وإنجاب سيدنا زكريا فى هذا العمر وإصلاح زوجه له كان كرامة له وتحقيقًا للرغبة الدفينة فى داخل كل إنسان وهى الذُّرِّيَة. ونلاحظ أن سيدنا زكريا هو الذى احتاج إلى آية ليصدق بتحقق وقوع وعد الله، وذلك لما فى الأمر من فيض للمَشاعر والتى قد لا يتحملها فى هذه السِّنّ، فأعلمه الله أن الآية ألا يكلم الناس ثلاث ليال سويًا.

 العقيم والعاقر:

هما امتناع الحَمْل أو الإنجاب، فى اللغة لقحت الناقة عن عُقر، يعنى يمكن الناقة أن تكون عاقرًا ثم ينالها الحَمل، وفى كلام النبى زكريا: (وَإِنِّى خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِنْ وَرَائِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا)، مَرْيَم 5، (عَاقِرًا) يمكن أن تحمل، فهو دعا الله وكان يتوقع أن يستجيب تعالى له ومع ذلك اندهش للاستجابة، العاقر هى التى لم تنجب لمرض أو غيره ويمكنها الإنجاب.

والعقم هو امتناع عن الحَمل لا علاج له، ويقال ريح عقيم لا تلقح سحابًا ولا شجرًا، ويوم القيامة يوم عقيم لأنه لا يوم بَعده. فإذن كلمة العقم تطلق على ما لا نتيجة من ورائه: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)، الشورى 49 - 50، والعقيم  التى لا يمكنها الإنجاب: (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِى صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ)، الذاريات 29، لذا لطمت وجهها متعجبة عندما بشرتها الملائكة بإسحق، عليه السلام.

 يحيى، عليه السلام:

جاء اسمه فى القرآن خمس مرّات بين الأنبياء: (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ)، الأنعام 85، وثلاث مرات فى التبشير به، ومرّة واحدة الخطاب له: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)، مريم 12.

ويسمى النبى يحيى عند أهل الكتاب يوحنا المعمدان؛ لأنه كان يعمّد الناس أى يغسلهم فى نهر الأردن للتوبة من الخطايا.

ولم يخبرنا القرآنُ عن دعوة النبى يحيى: (وسيِّدًا وحصورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ)، آل عمران 39، والسيد تعنى من له السيادة، وحصورًا هو الذى يحبس نفسَه عن الشهوات. 

وفى الروايات أن النبى يحيى تم قتله؛ وذلك بسبب سالومى التى رقصت للمَلك هيرودس، والذى وعدها أن ينفذ لها أى طلب تطلبه، فطلبت رأس النبى يحيى، أو بسبب أنه أفتى بأنه لا يجوز زواج المَلك من سالومى، ولذلك طالبت بقتله.

قال تعالى: (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)، مريم 15، ولم يُصَرّح بنهاية النبى يحيى.

قال تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى)، الأنبياء 90، وهب تعنى العطاء العظيم، فالله تعالى تتنوّع هباته، وهب الرحمة، ولهذا فإن المؤمنين يدعون: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)، آل عمران 8، والله يهب رحمته للأنبياء: (وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)، مريم 50.

ومن الرحمة لموسى، عليه السلام، أن جعل الله هارون رسولًا معه يسانده فى مواجهة فرعون: (وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا. وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا. وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا)، مريم 51 - 53.

بل تكون الرسالة نفسُها رحمةً وحكمةً: (فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِى رَبِّى حُكْمًا وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، الشعراء 21، وكانت رسالة النبى موسى رحمة لبنى إسرائيل؛ فقد تخلصوا بها من اضطهاد فرعون.

وقد تكون الرحمة إنقاذًَا من البلاء كما حدث فى قصة النبى أيوب، عليه السلام: (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِى الأَلْبَابِ)، ص 43.

ووهب تعالى مُلكًا ونبوّة: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، ص 30، وقال تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ. قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكًا لا يَنْبَغِى لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)، ص 34 - 35.

وهب الولد فى قصة ابراهيم وقد بلغ من الكبر عتيًا: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّى لَسَمِيعُ الدُّعَاء)، إبراهيم 39، وكان هذا مكافأة على جهاده واعتزاله قومه ونجاحه فى الاختبارات التى تعرَّض لها: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًا جَعَلْنَا نَبِيًّا)، مريم 49.

وهبة الولد هنا تعنى شيئًا استثنائيًا، قال تعالى عن إبراهيم: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِى ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِى الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِى الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)، العنكبوت 27.

وتكرّر هذا مع النبى زكريا، عليه السلام، وهبه تعالى يحيى بعد أن بلغ زكريا من العمر عتيًا، وكانت امرأته عاقرًا: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِى فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ)، الأنبياء 90.

هبات وعطاء ومنح بلا حدود وعلى غير المتوقع من الله، كما حدث مع النبى زكريا، عليه السلام، حين وهبه تعالى غلامًا وهو فى سِنّ الشيخوخة وكانت امرأته عاقرًا لا تلد.