السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من البدرشين لتركيا.. السيدة التى لم ترضخ لتعذيب الوالى الرومانى: قديسات مصريات علمن العالم صوفيا المصرية صاحبة أشهر مَعلم فى إسطنبول

فى هذه السلسلة نعرض نماذج لقديسات مصريات



اعترف بهن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.. كان لهن أثر كبير ليس فى الكنيسة فحسب بل أدين أدوارهن المجتمعية.. وترددت أسماؤهن داخل مصر وخارجها..

نتحدّث فى هذه الحلقة من «قديسات مصريات عَلَّمْنَ العالمَ» عن شهيدة أحدثت ضجة كبيرة فى العالم كله العام الماضى، القديسة «صوفيا المصرية» صاحبة أشهَر مَعلم فى إسطنبول، والمعروف باسم «أچيا صوفية» أو «أيا صوفية»

وُلدت القديسة صوفيا- والذى يعنى اسمها «الحكمة الإلهية أو الحكمة المقدسة»- فى مدينة البدرشين بمصر، وكانت فى بداية حياتها تعبد الأوثان إلا أنها كانت تشعر دائمًا بأن هناك شيئًا خطأ، ولذلك أقامت علاقات صداقة مع بعض من جيرانها المسيحيات اللاتى كن يعشن بروح المَحبة والوداعة، مواظبات على الذهاب إلى الكنيسة.

وبدأت «صوفيا» فى سؤالهن عن المسيحية فأخذن فى تعليمها الكثير عن طبيعة المسيحية والذهاب إلى الكنيسة ومبادئ الدين المسيحى، فآمنت «صوفيا» وتعمّدت على يد أسقف منف ونمَت فى الفضيلة ملازمة الصلاة والصوم ومَحبة الفقراء، إلا أن أباها رفض هذا التغيير فى حياة ابنته فوشى بها إلى «أقلوديوس» الوالى الذى أمر بإحضارها ومحاكمتها.

وعندما مثلت بين يديه سألها عن معتقدها، أجابته بأنها كانت عمياء تعبد الأوثان ثم أبصرت وصارت مسيحية.

فرأى أنها بذلك قد أغضبت الآلهــة بكلامها، وأمرها بالعودة إلى عبادة الأوثان لكى لا تجلب الغضب عليها، لكنها تحدته وأجابته بأن هذه الآلهة لا تزيد على كونها حجارة لا تنفع، ولكن تضر فكيف تأخذها لك آلهة فهى ليس بها مَشاعر لكى تغضب كما تقول لى.

عندما سمع الوالى ما قالته «صوفيا» أمر جندَه بتعذيبها بشدة ومع ذلك كانت «صوفيا» تصلى لهم فما كان من الوالى إلا أنه تمادى بتعذيبها، ولكنها أصرت على ديانتها المسيحية، وكانت تصرخ بذلك أثناء عذابها وتكرّر باعترافها بالديانة المسيحية، وأمام إصرارها أرسل «أقلوديوس» الوالى زوجته تلاطفها وتعدها بمواعيد كثيرة، فلم تمل إلى كلامها فأكمل الوالى تعذيبها، وعندما فشل فى إرجاعها عن طريقها أمر بقطع رأسها.

 وبعد استشهادها أخذت امرأة قبطية أخرى كانت ترافقها جسدَها بعد أن أعطت للجنود مالاً كثيرا ولفّته بلفائف ثمينة، ووضعته فى منزلها، وكانت تظهر منه عجائب ومعجزات كثيرة. وكانوا يوم عيدها ينظرون نورًا عظيمًا يشع من جسد القديسة «صوفيا» وتخرج منه روائح طيبة وتمّت معجزات كثيرة من جسدها.وتناقلت الناس الكثير من العجائب التى تحدث بسبب «صوفيا» إلى أن وصلت هذه الروايات إلى القسطنطينية.

 حكايتها فى القسطنطينية

 وهناك سمع الملك «قسطنطين» وأمُّه الملكة «هيلانة» بالكثير من المعجزات التى تتم على اسم «صوفيا» وجسدها فى مصر، فأمر بنقل جسدها إلى مدينة القسطنطينية بعد أن بنَى له كنيسة عظيمة ووضعوه فيها تكريمًا لها.

وتعيِّد الكنيسة القبطية المصرية بعيد استشهادها فى الخامس من شهر توت حسب التقويم القبطى الموافق الخامس عشر من سبتمبر من كل عام.

 كنيسة آيا صوفيا

وكانت كنيسة القديسة «صوفيا» المصرية من أروع الكنائس التى بُنيت فى العالم، ويُعد مبنى آيا صوفيا واحدًا من أعظم الأمثلة الباقية على العمارة البيزنطية، فقد زُيّنَ الجزء الداخلى من المبنى بالفسيفساء وأعمدة الرخام والأغطية ذات القيمة الفنية الكبيرة.

 زُيّنَ المبنى نفسه بشكل غنى وفنّى لدرجة أنه وفقًا للأسطورة المتداوَلة، قال الإمبراطور جستنيان: «سليمان، لقد تفوقت عليك!». وكان يقصد بهذا سليمان الحكيم صاحب الهيكل العظيم.

ومبنى آيا صوفيا هو بناء حجرى. يحتوى على مفاصل من الطوب والملاط. وتتكون فواصل الملاط من مزيج من قطع الرمل والخزف الدقيقة موزعة بالتساوى فى جميع أنحاء الفواصل.

كانت آيا صوفيا تُمثل ذروة الإنجاز المعمارى فى العصور القديمة المتأخرة وأول تحفة معمارية بيزنطية. كان تأثيرها من الناحية المعمارية، واسع الانتشار ودائمًا فى المسيحية الشرقية والمسيحية الغربية والإسلامية على حد سواء.

 البناء الداخلى

البناء الداخلى الواسع له هيكل مُعَقد. فالصحن مغطى بقبة مركزية يبلغ ارتفاع أقصى نقطة فيها 55.6 متر من مستوى الأرض وتستند على رواق من 40 نافذة مقوسة. وأدت الإصلاحات التى أجريت على هيكلها إلى ترك القبة بيضاوية الشكل إلى حد ما. وعند المدخل الغربى والجانب الشرقى، توجد فتحات معقودة ممتدة بنصف قباب متماثلة القُطر إلى القبة المركزية، محمولة على «شرقية» أصغر على شكل نصف قبة؛ تم إنشاء تسلسل هرمى لعناصر على شكل قبة لإنشاء مساحة داخلية مستطيلة واسعة تتوجها القبة المركزية.

 الأروقة والبوابات

كانت البوابة الإمبراطورية هى المَدخل الرئيسى بين الـرواق الداخلى والخارجى. كانت مخصصة حصريًا للإمبراطور.. وهناك منحدر طويل بين الجزء الشمالى من الرواق الخارجى إلى الرواق العلوى.

 الرواق العلوى

صُمم الرواق العلوى على شكل حدوة حصان يحيط بالصحن من ثلاثة جوانب وتقطعه الحنية. هناك العديد من الفسيفساء فى الرواق العلوى، وكانت منطقة مخصصة تقليديًا للإمبراطورة وبلاطها. توجد أفضل الفسيفساء المحفوظة فى الجزء الجنوبى من الرواق.

 قبة آيا صوفيا

أثارت قبة آيا صوفيا اهتمامًا خاصًا للعديد من مؤرخى الفن والمهندسين المعماريين والمهندسين بسبب الطريقة المبتكرة التى تصورها المعماريون الأصليون. وتقوم القبة على أربع حنيات مثلثية كروية ويُعد ذلك من أوائل الاستخدامات واسعة النطاق للحنيات.

 وتحتوى القبة على الدعامات وهى عبارة عن زوايا القاعدة المربعة للقبة، والتى تنحنى لأعلى تجاه القبة لدعمها، مما يقلل من القوى الجانبية للقبة ويسمح لوزنها بالتدفق إلى أسفل.

كانت تلك القبة هى أكبر قبة مُعلقة فى العالم حتى فاقتها قبة كاتدرائية القديس بطرس، وارتفاعها أقل قليلاً من أى قبة أخرى بهذا القطر الكبير.

يبلغ قطر القبة الكبرى فى آيا صوفيا مائة وسبعة أقدام ويبلغ سُمكها قدمين فقط. وتتكون مادة البناء الرئيسية لآيا صوفيا من الطوب والملاط. استُخدِم ركام الطوب لجعل الأسطح أسهل فى البناء. يزن الركام مائة وخمسين رطلًا لكل قدم مكعب، وهو وزن متوسط للبناء الحجرى فى ذلك الوقت.

يمثل وزن القبة مشكلة بالنسبة لوجود معظم المبنى. انهارت القبة الأصلية بالكامل بعد زلزال عام 558م؛ وفى عام 563م بُنيت قبة جديدة أصغر.

وعلى خلاف القبة الأصلية، تضمنت 40 ضلعًا وارتفعت 20 قدمًا من أجل خفض القوى الجانبية على الجدران.

انهار قسم كبير من القبة الثانية أيضًا على مرحلتين، بحيث بقى قسمان فقط من القبة الحالية، فى الجانب الشمالى والجنوبى، لا يزالان يعودان إلى 562م.

من بين الأضلاع الأربعين للقبة الكاملة، يحتوى الجزء الشمالى الباقى على ثمانية أضلاع، بينما يحتوى القسم الجنوبى على ستة أضلاع.

وتشتهر آيا صوفيا بالضوء الذى ينعكس فى كل مكان داخل الصحن، ما يعطى القبة مظهر القبة المُعلَّقة. جرى تحقيق هذا التأثير من خلال إدخال أربعين نافذة حول قاعدة الهيكل الأصلى. علاوة على ذلك، أدى إدخال النوافذ فى هيكل القبة إلى تقليل وزنها.

هذا وقد أُضيف العديد من الزخارف التصويرية خلال النصف الثانى من القرن التاسع، مثل: صورة للمسيح فى القبة المركزية؛ وصور القديسين الأرثوذكس والأنبياء وآباء الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية؛ وصور لشخصيات تاريخية مرتبطة بهذه الكنيسة، مثل البطريرك «أغناطيوس»، وبعض المناظر من الأناجيل فى الأروقة.

 جناح الإمبراطورة

وتحتوى آيا صوفيا أيضًا على جناح خاص بالإمبراطورة، الذى يقع فى وسط رواق آيا صوفيا، فوق الباب الإمبراطورى وقبالة الحنية مباشرة. وكانت الإمبراطورة وسيدات البلاط يشاهدن الإجراءات أدناه.

ويشير قرص حجرى أخضر من قطعة أثرية خضراء إلى المكان الذى وقف فيه عرش الإمبراطورة. أمّا الباب الرخامى فيقع داخل آيا صوفيا فى الرواق الجنوبى العلوى. كان يُستخدم من قِبَل المشاركين فى المجامع؛ للدخول والخروج من غرفة الاجتماع. يقال إن كل جانب من جانبَىْ الباب يُمثل رمزًا، وإن أحد الجانبَيْن يمثل الجنة والآخر يمثل الجحيم. ألواحه مغطاة بزخارف بأشكال الفواكه والأسماك. يُفتح البابُ على مساحة كانت تُستخدم لعَقد الاجتماعات الرسمية والقرارات المهمة لمسئولى البطريركية.

الباب الجميل

الباب الجميل هو أقدم عنصر معمارى موجود فى آيا صوفيا، ويعود تاريخه إلى القرن الثانى قبل الميلاد. تتكون الزخارف من نقوش بأشكال هندسية ونباتات يعتقد أنها أتت من مَعبد وثنى فى طرسوس فى كيليكيا، وقد أُضيف إلى المبنى من قِبل الإمبراطور «ثيوفيلوس» فى عام 838م؛ حيث وضَعَه فى المَخرج الجنوبى فى الرواق الداخلى.

 الباب الإمبراطورى

 هو الباب الذى يستخدمه الإمبراطور وحده بالإضافة إلى حارسه الشخصى وحاشيته. وهو أكبر باب فى آيا صوفيا ويرجع تاريخه إلى القرن السادس. يبلغ طوله نحو 7 أمتار، وتقول المصادر البيزنطية إنه مصنوع من خشب من سفينة نوح.

صُمِّم العديد من المبانى الدينية على غرار الهيكل الأساسى لآيا صوفيا بقبة مركزية كبيرة ترتكز على مثلثات ومدعومة بقبتَيْن.

فهناك العديد من الكنائس البيزنطية التى صُمّمت على غرار آيا صوفيا بما فى ذلك الاسم نفسه الذى تحمله «آيا صوفيا» فى سالونيك، اليونان.

 تاريخ آيا صوفيا

كانت الكاتدرائية تُمثِّل الكنيسة المركزية للقسطنطينية، وقد أمر ببنائها الإمبراطور الرومانى «چستنيان الأول»، واستغرق بناؤها نحو خمس سنوات بين عام 532م وعام 537م؛ حيث افتُتحت رسميًا عام 537م، ولم يشأ «چستنيان» أن يبنى كنيسة على الطراز المألوف فى زمانه بل كان دائم الميل إلى ابتكار كل ما هو جديد. فكلف المهندسين المعماريين «إيزيدور الملاطى» و«أنتيميوس الترالسى» ‏ ببناء هذا الصرح الدينى الضخم، وكلاهما من آسيا الصغرى. وظلّت أكبر كاتدرائية مسيحية فى العالم لما يقرب من ألف عام حتى بناء كاتدرائية إشبيلية فى عام 1520م.

وفى عام 1204م، أثناء الحملة الصليبية الرابعة تم تحويل الكاتدرائية الأرثوذكسيَّة إلى كاتدرائية كاثوليكية تتبع الإمبراطورية اللاتينية، لكنها عادت إلى كاتدرائية أرثوذكسية شرقية عند استرداد الإمبراطورية البيزنطية أراضيها من الصليبيين عام 1261م.

وفى عام 1453م فتح المُسلمون القسطنطينية تحت الراية العثمانية بقيادة السلطان «محمد الثانى» الذى لُقب بـ«الفاتح».

فأمر برفع الأذان فى الكنيسة إيذانًا بجعلها مسجدًا جامعًا. وانتقل مَقر بطريركية القسطنطينية المسكونية إلى كنيسة الرُّسُل المقدسة ، والتى أصبحت كاتدرائية المدينة. ورُغم أن بعضًا من أجزاء مدينة القسطنطينية كانت بحالة سيئة؛ فقد حُوفِظ على الكاتدرائية بأموال مخصصة لهذا الغرض. غُطيت اللوحات الفسيفسائية الموجودة بداخل الكنيسة بطبقةٍ من الجص لكونها لا تناسب استخدام المبنى كمسجد، واستمر ذلك عِدَّة قرون، ومع الوقت أُضيفت السمات المعمارية الإسلامية لآيا صوفيا، مثل المنبر، وأربع مآذن، والمحراب.

ظل مسجد آيا صوفيا المسجد الرئيسى لإسطنبول مُنذ تحويله حتى بناء جامع السلطان «أحمد القريب»، والمعروف أيضًا بالمسجد الأزرق، فى عام 1616م.

ظلّ المبنى مسجدًا قرابة 500 عام منذ فتح القسطنطينية حتى عام 1931م، وبعد قيام الجمهورية التركية العلمانية أُغلق المسجد أمام المُصلين طيلة أربع سنوات، ثم جرى تحويله فى عام 1935م إلى متحف للجمهورية الوليدة.

 كان متحف آيا صوفيا اعتبارًا من عام 2014م، ثانى أكثر المتاحف زيارة فى تركيا.

فى أوائل يوليو 2020م، ألغى مجلس الدولة التركى قرار مجلس الوزراء عام 1934م بتحويل المسجد إلى متحف، وأن آيا صوفيا «وَقفٌ إسلامى»، أوقفه السلطان «محمد الفاتح»، وبالفعل عادت آيا صوفيا مسجدًا وسط ردود أفعال عالمية واسعة بين مؤيد ومعارض.. لكنها فى النهاية لا تزال تحمل اسم القديسة المصرية آيا صوفيا.