الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عرض صامت وتجربة تستحق التحية: مسرح الهناجر يحتضن (هلاوس)الموهوبين!!

عن رائعة «ويليام شكسبير» (تاجر البندقية) قدّم المُخرج الشاب «محمد عبدالله» ورفاقه من الموهوبين مسرحية (هلاوس) على مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية، لكنه وبمَحض إرادته، وبجراءة شديدة منه، قرّر أن يتخلى طواعية عن واحدة من أهم أدوات التعبير على المسرح؛ حيث اختار الصمت بديلاً عن الحوار، واعتمد طوال مدة العرض على التعبير الحركى، أو ما يُطلق عليه (فن المايم والبانتومايم) وهو نوعية غير شائعة تمامًا من العروض المسرحية؛ حيث تتطلب تركيزًا كبيرًا من الممثل على خشبة المسرح.



 

ومن الجمهور الجالس فى الصالة على حد سواء، لا سيما أن أبطال العرض وعددهم تسعة، قرروا فى أدائهم استغلال كل سنتيمتر على خشبة المسرح، بل فى القاعة ككل؛ حيث يصعد الأبطال إلى خشبة المسرح من الصالة، مارّين فى طريقهم إليها على الجمهور بدلاً من خروجهم بالشكل التقليدى من الكواليس، وعلى خشبة المسرح يؤدون أدوارَهم بلياقة عالية، وإمكانيات جسدية كانت مثار إعجاب الحضور، ومؤشرًا على طول فترة البروفات التى من المؤكد أنها ساهمت فى خروج العرض بهذا الشكل الجيد.

تبدأ أحداث المسرحية وتنتهى عند مؤلف شاب يجلس بمكتبه فى أحد أركان المسرح، منهمكًا فى كتابة نص ما، يظهر جليًا من خلال انفعالاته، وحركات يديه كم ما يشعر به من تشويش داخل رأسه المُحمل بالأفكار المتضاربة، التى تدفعه فى أحيان كثيرة إلى تمزيق الأوراق، وإعادة كتابتها مجددًا أو لنقل إعادة ترتيب (الهلاوس) التى يسطرها بقلمه، والتى يبدو أن انعكاسها كان مكانه البقية الباقية من خشبة المسرح، وكأن تلك المساحة المفتوحة هى عبارة عن عقل ذلك المؤلف الشاب، سمح لنا مُخرج العرض ومُعدّه «محمد عبدالله» أن نجول بداخلها عن طريق الأبطال الذين عَبّروا بحِرَفية عالية عن العديد من المَشاعر الإنسانية المتناقضة من الحب والغيرة والصداقة والعداء، وغيرها، وإذا كان المُخرج قد اعتمد طوال مدة العرض على إبراز حالة التشويش التى يشعر بها المؤلف الشاب عن طريق حدوث أكثر من موقف على خشبة المسرح فى اللحظة ذاتها وبسرعة شديدة؛ فإن تلك الطريقة قد تسببت فى بعض الأحيان فى أن يفقد المتفرج تركيزه، وقدرته على مواكبة ما يجرى على خشبة المسرح من أحداث، لكنها لم تفقده شغفه فى محاولة تجميع الخيوط مجددًا لمعرفة خط سير الأحداث ما بين الأبطال، وما ستؤول إليه أفكار ذلك المؤلف التى تأبَى أن تستقر داخل رأسه. لعب بطولة العرض كل من «عمر عز، وعبدالله سلطان، وعبدالرحمن القاضى، ونسمة عادل، وجورج فوزى، ومعتصم شعبان، ومصطفى حزين»، بعض هؤلاء الشباب كان لديهم خبرة مسبقة بفن البانتومايم، والبعض الآخر لم يكن لهم سابق خبرات أو تجارب فى هذا النوع من الفن رُغم خبرتهم الطويلة على خشبة المسرح، وفى هذا الأمر ذكاء شديد من المُخرج حتى يستطيع أن يخلق توازنًا بين المؤدين الحركيين، ومَن اعتادوا التعبير بإحساسهم، لكن السمة المشتركة بين معظمهم ـ بمَن فيهم مُخرج العرض- هى العودة للتمثيل بعد غياب سنوات عن المسرح من أجل تحقيق حلم (هلاوس). 

وتعد الموسيقى المصاحبة للأحداث هى واحدة من نقاط القوة فى هذا العرض، والجميل فى تلك الموسيقى أن المُخرج قد أعدّها من مقطوعات عالمية عبّرت بشكل دقيق ومؤثر عن أحداث العمل ومجرياته، أصحاب تلك المقطوعات هم أسماء عالمية شهيرة فى عالم الموسيقى أمثال «تشايكوفسكى، وهانززيمر، وداريو ماريانيللى» وغيرهم، لكن إعادة الصياغة التى حققتها «يسرا توفيق» عن طريق الميكساج ساهمت بشكل كبير فى اعتقاد الجمهور أن الموسيقى جزء أصيل من العرض.

والموسيقى لم تكن وحدها هى العنصر المبهر فى هذا العرض المسرحى؛ حيث أجاد مهندس الديكور «عمرو عبدالله» فى صناعة ديكور مميز، وبسيط فى الوقت نفسه، ساهم بمرونته فى تسهيل حركة الأبطال على المسرح، كما استطاع مصمم الإضاءة «أبوبكر الشريف» فى خَلق حالة من المَشاعر المتناقضةعن طريق الضوء والظل ساهمت فى ثراء الصورة بشكل كبير، لا سيما أن العرض ينتمى إلى مدرسة (المسرح الأسْوَد) وهو ما يعنى أن المسرح يكون مُظلمًا تمامًا؛ بحيث لا يظهر شىء من وجوه الممثلين، وأجسادهم، ولا شىء من أرضية المسرح أو سقفه إلا ما يريد المُخرج بالتعاون مع مصمم الإضاءة، ومنفذى المسرح الأسوَد «ريم عصام، ومروة إبراهيم». 

والحقيقة، أن خط سير عرض (هلاوس) حتى تحوّل الحلم إلى حقيقة يعيد التأكيد على قاعدة أن التجريب والخروج عن المألوف أمرٌ صعبٌ على مسارح القطاع الخاص التى تهوى اللعب فى المضمون، وأن مسارح الدولة وحدها هى القادرة على استيعاب شباب الموهوبين، ومنحهم الأمل الذى هو وقود إبداعهم، لا سيما إذا كان هؤلاء الفنانون من نوعية أبطال مسرحية (هلاوس) الذين سيحسَب لهم تعريف قطاع كبير من الجمهور بالمسرح الجسدى، أو الحركى؛ حيث نجح العرض الذى ظل مُخرجه يعد له على مدار 12 سنة كاملة فى أن يجتذب شرائح مختلفة من الجمهور، تعامل بعضهم مع (البانتومايم) بشكل جدّى، بعدما كان يظنه وسيلة لإضحاك الأطفال الصغار.

ومن المؤكد أن نجاح العرض، وإقبال الجمهور على مشاهدته مؤشر قوى على رغبة الأخير فى رؤية أطياف مختلفة من الفنون، كما سيساهم فى فتح الطريق أمام غيرهم من شباب المبدعين ليُخرجوا ما بداخلهم من فن حتى إن لم يكن سائدًا ومثار تعجب فى البداية، طالما أن الدولة قررت أن تفتح أمامهم المجال ليبدعوا على مسارحها.