الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إعادة صياغة فهم المعتقد: تجديد الفكر الدينى وبناء الوعى الحقيقى!

يقوم الإسلامُ على أسُس من العقيدة والعبادات والشريعة والأخلاق، ولأنه دين صالح لكل زمان ومكان؛ فإن أصوله وقيمه ثابتة لا تتبدّل، أمّا ما ينتج عن فهم الدين من ثقافة وقوانين ونُظم فهو من الفكر الذى تم إنتاجه فى زمن معين، ويجب ألّا يظل الفكر جامدًا؛ بل يكون مرنًا يتوافق مع المتغيرات فى الحياة، وما حدث أن الجمود صادَرَ مفهومَ التجديد وأبدله بالعودة للقديم، ولا يزال هذا الجمود يتحكم ويشد الفكر نحو الماضى.



 

فى مداخلة هاتفية للرئيس «عبدالفتاح السيسى»، يوم الاثنين 23 أغسطس، مع برنامج «صالة التحرير»، تحدّث الرئيسُ عن أهمية دعم الأعمال الدرامية التى تتناول قضية الوعى وتجديد الفكر الدينى.

رأى الرئيسُ أن: «قضية الوعى بمفهومها الشامل هى القضية الأهم»، وهى قضية يمكن تناوُلها من خلال الفن.. وجاء حديث الرئيس أكثرَ تحديدًا عن الوعى بالدين: «حد يعرف إننا المفروض نعيد صياغة فهمنا للمعتقد اللى إحنا مشينا عليه».

وأضاف: «كلنا وُلدنا المسلم مسلم، وغير المسلم غير مسلم بالبطاقة التى ورثها»، ودعا إلى التفكير فى ذلك دون خوف.

وعَبَّرَ الرئيسُ «السيسى» عن إعجابه بكلام ضيف البرنامج الكاتب عبدالرحيم كمال عن ضرورة تجديد «الخطاب الروحى»، وأعرب الرئيسُ عن استعداده لدعم الكاتب بعمل فنّى «على مستوى الدولة»، حتى: «لو كان الربح عائقًا أمام إنتاج مثل هذا العمل»، وطلب منه أن يحشد فيه: «كل الموهبة، وكل الفهم، وأن يخرج فى أسرع وقت ممكن».

وأكد الرئيسُ على تأييده لأى عمل فنى يستهدف: «بناء الوعى الحقيقى، بما فيه الوعى الدينى»؛ لتحصين الصغار والشباب فى مصر: «ويبقوا فاهمين أوى الدنيا حواليهم عاملة ازاى».

 الإسلام والوعى:

يتكون الوعىُ السليم من الفهم الصحيح لمعانى الكلمات، فمثلًا فى التعامُل مع القرآن تم فهم كلمة «يتلو» على أنها تلاوة بمعنى القراءة، ولذلك يقرأ معظم الناس القرآن وهم يحركون به ألسنتهم فقط، مع أن معنى يقرأ فى القرآن يشمل الفهم والوعى.

لقد تم فهم التلاوة على أنها تعنى القراءة وليس بمعنى التتالى والتتابُع فى وصل الآيات، وأصبح معنى الترتيل هو طريقة للأداء الصوتى مع أنه بمعنى جعل الآيات فى أرتال كالمصفوفات، والتلاوة والترتيل هدفهما الربط الموضوعى للآيات حتى يتم الفهم.

قال تعالى على لسان النبى عليه الصلاة والسلام: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ وأَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ...)، النمل 91-92، فالأمر بأن يتلو القرآن بمعنى أن يتبع القرآن وليس أن يقرأه فقط، يؤكد ذلك: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ)، الكهف 27، أى اتبع ما أوحى إليك من القرآن.

 التأويل والتفسير:

القرآن الكريم يحتوى من الآيات ما هو صالح لكل زمان ومكان، فإن بعضها سيتم تأويله تأويلًا نسبيًا، أى سيتحقق بما يتناسب مع المعرفة فى كل زمن، ثم يتحقق أكثر فى أزمنة تالية.

لقد تغلب مفهوم التفسير على مفهوم التدبُّر، وأصبح يتم فهم الآيات من خلال كتب التفاسير وعلوم القرآن وعلوم اللغة والمعاجم وقصائد الشعر، وكانت النتيجة أن هجر المسلمون الصلة الحقيقية بالقرآن وهى التدبر: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)، الفرقان 30.

 تدبُّر القرآن:

أمّا عن أهمية التدبُّر فى القرآن؛ فالقراءة والاستماع فقط لا يكفيان، فالتدبر هو الطريق لمعرفة مصطلحات القرآن وفهم كلماته والوعى بأفكاره ومبادئه للاستفادة منه والتأثر به والسعى لتنفيذه، فالتدبر مطلوب لأن القراءة بالعينين فقط، أو بترديد الكلمات والاستماع إليها فقط لن يؤديا إلى تغيير حال الإنسان للأفضل.

إن أغلب المسلمين يهتمون بتلاوة وحفظ القرآن، إلا أن هذا الاهتمام لا يصحبه عادة اهتمام بالتدبر والفهم؛ حيث تم الاكتفاء بجهد السابقين، ولمن أهمل تدبُّره يقول تعالى: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ)، المؤمنون 68.

إن التدبر فى القرآن هو الطريق للعمل بما جاء فيه من خلال فهمه، وفهم القرآن لن يحدث إلا بالتدبر فى آياته، فعلينا أن نقرأ القرآن قراءتين، قراءة تعبُّد تُشحن النفس بطاقة إيجابية، وقراءة تدبُّر تجعل العقل يفكر فيما يقرأ، ولا نجعل همنا كثرة القراءة ولكن نهتم أكثر بالفهم.

ومن أسُس فهم القرآن، معرفة المُخاطب ونوع الخطاب حتى لا نفهم الآيات بغير معناها، ولنعرف الأمر الإلهى هل هو تشريعى أو توجيهى. وبالتالى نعرف الأحكام المطلوب تنفيذها، وكل كلمة تتكرر فى القرآن فإنها تأتى بمعانٍ مختلفة، ويعرف معنى كل كلمة من السياق.

 اليقين والظن:

وفى القرآن الكريم يبين لنا تعالى عيوب اتباع الظن، وجاء فى الآيات ذم اتباع الآباء وما ألفوا عليه الأجداد دون فهم أو تفكير فى النتائج، ويبرز لنا أهمية الشك للوصول إلى اليقين، فالشك هو منهج الأنبياء ليصلوا إلى اليقين، وذلك بالتشكيك فى مقولات أقوامهم وادعاءاتهم الشرك والكفر، وكان الأنبياء يطالبون المشركين بالبيّنة على ما يقولون، فكان ذلك تحذيرًا للناس بعدم اتباع أى فكرة من دون دليل. 

والأمور اليقينية هى ما تم نقله إلينا بالتواتر الذى لا شك فيه، ويشمل هذا القرآن الكريم، والسُّنة العملية، وحديث النبى المروى بالتواتر، فالدين واضح، والتدين هو ما تم فهمه من الدين عبر الأجيال، فيجب ألا نخلط بين الدين والتدين.

معرفة الصواب:

والباحث الجاد يريد أن يترك الظن وصولًا إلى الحق، وذلك بالتأكد من الحق من بين الأقوال التى تتضارب وتختلف فيما بينها، وكل واحد من أصحابها يؤكد أن ما يقول صواب.

وكل قول فى أى مسألة دينية يجب أن يعتمد دليلًا من القرآن والحديث المتواتر، وعلى كل من يتكلم فى الدين أن يقدم منهجية واضحة تبين طريقة بحثه وفهمه للدين؛ لأن منهجية فهمه للدين هى التى ستسهل للمتلقى أن يحكم على ما يصله من أقوال.

فمثلًا بالنسبة لأفكار الكاتب، فالمنهج هو ما يجب أن يتم توضيحه، فإن كان منهجه صحيحًا ويطبقه على كتاباته فإن الكتابات لا تعبر عن رأيه فقط ولكنها تساعد القارئ على الفهم، وإن كان منهجه غير صحيح أو لا يطبقه على كتاباته فكلامه عبارة عن سد فراغ، ولا قيمة له، ولو كان يخاطب المَشاعر، ويُعجب به المتلقى.

والقيمة الحقيقة للبحث فى الدين هى لأفكار الكاتب التى تساعد المتلقى على فهم الدين، وعلى الكاتب أن يطبّق منهجه على أفكاره، ويترك القراء يجربونه فإن أفادهم بفهم الدين دون حاجة للكاتب فهى صحيحة، وإن احتاج القرَّاء للكاتب على الدوام لكى يفهموا ما يقول فكتاباته تمثله ولا تساعد القارئ على فهم الدين.

 الهدف من التجديد:

وتجديد الفكر الدينى يتم من خلال الأزهر ووزارة الأوقاف، ومشاركة مؤسّسات التعليم والثقافة والإعلام، والاعتماد على الباحثين والمفكرين، وعلماء الدين والوعاظ والدعاة وأهل الرأى فى تجديد الفكر الدينى، فالجميع مطالب أن يقدم ما يساعد الناس على مواجهة مستجدات الحياة من خلال صحيح الدين.

كما أنه لا يوجد تناقض بين تعاليم الدين والتجديد، فالنبى عليه الصلاة والسلام أول من تكلم عن التجديد فى الدين، ولذلك جاء عنه عليه الصلاة والسلام: «يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها»، وفى القرآن الكريم يرجع التغيير إلى إرادة الإنسان فى المقام الأول، وقد جعله تعالى شرطًا للتغيير الذى يحدث بإرادة الله، وذلك فى قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، الرعد 11.

ولذلك فإن تجديد الفكر الدينى هو بداية لعمل إصلاح فعلى، وهذا الإصلاح يحتاج إلى العشرات من السِّنين حتى ينشأ عليه جيل يفهم المعنى الصحيح للدين.

تجديد الفكر الدينى ليس معناه الحذف أو الإضافة بالنسبة للدين؛ وإنما هو توضيح صحيح الدين للناس، بما يتناسب مع الأدوات المعرفية لهذا العصر، وحتى لا نعطى فرصة لأحد أن يتهم الإسلام بأنه دين الإرهاب والقتل، فالإسلام هو الدين الوسطى الذى جاء من أجل إحياء الإنسانية وحفظ كرامة الإنسان، لذلك يجب تجديد فهم الدين ليعرف العالم قيمة هذا الدين.