الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قديسات مصريات علمن العالم «رفقة» رفضت مناصب وأموالًا ودفعت بأبنائها الخمسة للشهادة: أرملة مصرية واجهت أباطرة الرومان!

فى هذه السلسلة نعرض نماذج لقديسات مصريات



اعترف بهن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.. كان لهن أثر كبير ليس فى الكنيسة فحسب بل أدين أدوارهن المجتمعية.. وترددت أسماؤهن داخل مصر وخارجها..

فى هذه الحلقة نتحدث عن قوة أرملة وأم مصرية تعطى مثالًا بارزًا لطبيعة السيدة المصرية التى تعى أن دورها يكمن فى أنها عمود أسرتها، وأنها الداعم الحقيقى لأولادها، باختلاف أعمارهم، وهذا ما فعلته الأم «رفقة» مع أولادها الخمسة.

فكيف بدأت حكاية أرملة مصرية واجهت أباطرة الرومان؟!

 

عقيدة ثابتة

ترمَّلت هذه السيِّدة، وكانت أُمًّا لخمسة أبناء، وهم: أغاثون وبطرس ويوحنا وآمون وأمونة. وكان موطنهم «قامولا» - مركز قوص بجوار الأقصر - محافظة قنا.

وقد اهتمَّت الأُم بتربية أولادها فى الرب، فالتهبت مشاعرهم بحبِّ الله الفائق، فعندما توفى زوجها شعرت بأنها أمام مسئولية عظيمة وهى تسليم الإيمان لأولادها الخمسة، فعكفت على ذلك بكل جهد وعملت على تعبئة مشاعرهم وتحفيز عواطفهم ومحبتهم وأشواقهم نحو الله.

وهذا لا يختلف كثيرًا عن وقتنا الحاضر فأكبر مثال على أن هذه هى عقيدة الأم المصرية وهى أن دورها يأتى فى المقام الأول فى تعليم أولادها قيمة الوطن والدين ما حدث فى عام 2015 حينما استشهد 20 قبطيًا فى ليبيا على يد تنظيم داعش حينما رفضوا ترك دينهم فقطعوا رؤوسهم، هؤلاء هم أبناء قرية سمالوط بالمنيا نتج تربية الأم المصرية ذات العقيدة الثابتة.

فى سنة 303 أصدر الملك دقلديانوس منشورًا يقضى بهدم الكنائس وحرق الكتب المقدسة، فقام أحد المؤمنين بتمزيق المرسوم الملكى فكانت المذبحة الكبرى إذ امتلأ القيصر حماقةً وغضبًا وأخذ يبطش بالأساقفة ويذبح المؤمنين.

وأصدر منشورًا آخر يقضى بسجن جميع رؤساء الكنائس وتعذيبهم حتى يضطرهم على جحد الإيمان وأن يُعاد بناء مذابح الأوثان وأن يقدم الرجال والنساء والأولاد الذبائح والسكائب وإكراههم على تذوق التقدمات.وإذ سمعت الأم رفقة هذه الأخبار جمعت أولادها الخمسة وقصت عليهم ما حدث عاملةً على تثبيت الإيمان فى قلوبهم رغم كل التيارات، وذكرتهم بأن المسيح قال: «فى العالم سيكون لكم ضيق»، وألا يخافوا الموت ولا العذاب لأن الموت لا يخيف إلا الجبان.

وقالت لهم إن أعظم عطية يقدمها الإنسان هى أن يقدم حياته بغير تردد ولا ندم بل بكل فرح وشجاعة وأعطتهم أمثلة لقديسين أبطال لم يرهبوا كل وسائل التعذيب بل قابلوها ببسالةٍ ولم تقدر جميع صنوف الآلام أن تزعزع إيمانهم ولم تميلهم ولو إلى لحظة جميع أنواع الافتراءات.

ولفتت نظرهم أن هؤلاء الذين قدموا حياتهم كانوا تائبين وأنقياء يستعدون لأبديتهم بالطهارة والقداسة التى من دونها لا يعاين أحد الرب ثم وقفت بهم للصلاة والتوسل إلى الله أن يرحم كنيسته وشعبه ويُثبت الإيمان فى قلوب المؤمنين ويعضد الضعفاء ويرد الضالين طالبين منه طلبًا خاصًا لأجل نفوسهم.

ورفعت الأم المثالية قلبها إلى الله فى صلاة من أجل أولادها الخمسة طالبةً قوةً من القديسين ومن مارمرقس الشهيد الذى روى بدمائه الطاهرة أرض مصر، وطالت وقفتهم فى الصلاة والتسبيح والشكر لله حتى قضوا الليل كله فى الصلاة، ولذلك لا عجب فى هذا أن نرى الأم تشجع أبناءها على الاستشهاد فقد كان الطفل دائمًا ينمو محبًا للمسيح حتى الموت ولكى يلاقى بالموت المسيح الذى أحبه ولا يخاف الموت ولا يرهبه.

 مثال للأم المصرية 

وكانت الأسرة تربى أولادها على التمسك بالإيمان والدفاع عنه حتى الموت فنشأ فى الكنيسةِ جيلٌ قوى مستعد للشهادة مستعد للملكوت ولملاقاة الرب كل حين، وفيما هم وقوف خاشعين متعمقين فى صلاة حارة ظهرت لهم رؤية حيث تم إعلانهم بأنهم سينالون إكليل الشهادة.

 وزعت كل ما تملك على الفقراء والمحتاجين

وفى الصباح قامت «رفقة» فوزعت ما تملك على الفقراء والمحتاجين متحررةً من كل رباطٍ أرضيٍ مادى رافعةً قلبها أن يرتب الرب أمورها هى وأولادها الخمسة ومضوا جميعًا إلى مدينة قوص وهناك توجه أغاثون الابن الأكبر إلى ديونيسيوس القائد وأقر بإيمانه، واعترف جهرًا بالمسيح وزاد على ذلك بأن وبخ القائد على تركه الإيمان وانحرافه لعبادة الأصنام، وإذ تكلم بهذه العبارات امتلأ القائد غيظًا وحقدًا وأمر بإحضار باقى إخوته وأمه حتى يبخروا للأصنام وإلا فسيلقوا العذاب ففرحوا جميعًا لما سمعوا هذا الأمر وحضروا أمامه فطلب منهم أن يخضعوا له ويبخروا للأصنام وينكروا المسيح فرفضوا وحاول معهم بكل الطرق فكانوا يهزأون به وبعبادته وأصنامه الباطلة شاهدين للمسيح.

وعندما يئس الوالى من محاولات استمالتهم توعدهم وأمر بأن يعد له آلات التعذيب حتى يرجعوا عن إيمانهم.

 العذابات 

من المستحيل أن نصف العذابات التى تكبدها الشهداء فى هذا العصر ولا نستطيع أن نحصى أنواعها ولكن على الرغم من كل هذا فقد كان هناك حماس بالغ ونشاط وغيرة متقدة أبداها المؤمنون. فحالما كان يصدر الحكم على أول شخص كان الباقون يندفعون الواحد تلو الآخر إلى كرسى القضاء ويعترفون بمسيحهم غير مبالين بالعذاب متقبلين حكم الموت بفرح وبشاشة مرنمين ومتهللين للرب. وهذا ما حدث مع القديسة «رفقة» وأولادها فقد أمر الوالى ديونيسيوس بأن يعذبوا القديسة فعذبوها عذابًا شديدًا، ولكنها احتملته وكانت تشجع أولادها وأمام هذا المنظر العجيب انذهلت الجموع وقدموا أنفسهم بفرحٍ ونالوا جميعهم إكليل الشهادة.

 فى الإسكندرية 

ولثباتهم وما احتملوه من عذاب فى وداعة وصبر ولسبب الجموع التى آمنت وكان الابن الأكبر أغاثون هو مقدم بلدته ومحبوبًا من مواطنيه فقد أشار البعض على القائد ديونيسيوس بأن يبعدهم عن بلدتهم فأرسلهم إلى أرمانيوس والى الإسكندرية.

وهناك تجددت عذاباتهم حيث أمر الوالى أن يُحضروهم ليمثلوا أمامه وحين حضروا سألهم قائلًا: لماذا عصيتم أمر القائد، فتكلم أغاثون موبخًا إياه.

وهنا أمره الوالى بأن يكف عن الكلام وتوعد لهم وبدأت سلسلة عذابات جديدة وكثيرة، كانت «رفقة» خلالها تواصل التشديد على أولادها وحثهم على الثبات فى الإيمان بل كانت تقف فى النهاية لتواصل حثهم على التمسك بإيمانهم خوفًا من أن يضعف أحد فيهم.

وفى ظل كل هذه العذابات استدعى القائد الأم «رفقة» وطلب منها أن تخضع لأوامره حتى يكون لهم الخير والتنعم ووعدها بأن ينال أولادها مناصب رفيعةٍ ويُعادوا إلى حالٍ أفضل مما كانوا عليه بكثير وإلا فسينالوا العذاب إلا أنها رفضت كل ذلك ضاربة مثالاً رائعًا لطبيعة الأم المصرية القوية التى لا تخشى من أى بطش أو تعذيب أمام الحفاظ على عقيدتها.

 الاستشهاد

ولأن العذابات لم تؤثر فى القديسة وأولادها غضب القائد وأمر بأن تقطع رؤوسهم ولما سمعت القديسة هذه الكلمات فرحت وصلت وضمت الأم أولادها الخمسة بين يديها وتقدمت بهم إلى الجندى المكلف بتنفيذ الحكم فقطع رؤوسهم واستشهدوا على اسم المسيح.

 

بعد ذلك قام أحد الرجال المسيحيين وقدم للجند بعض المال وأخذ الأجساد منهم وسار بها حيث كفنها بأكفان ثمينة وحفظها عنده وعندما انتهى عصر الاضطراب نقلت فيما بعد إلى الكنيسة التى بسنباط، ومازالت تحمل اسمهم ببلدة سنباط مركز زفتى بمحافظة الغربية وكان استشهادهم فى يوم 7 توت والذى يوافق 17 سبتمبر من كل عام.

 كنيسة القديسة «رفقة» 

تحوى هذه الكنيسة أكبر عدد من أجساد الشهداء القديسين فهى تضم 14 جسد شهيد، سبعة من الصعيد وسبعة من وجه بحرى. وشهداء الصعيد وهم الست «رفقة» وأولادها الخمسة وجسد القس أبانو كاهن قوص.

أما شهداء وجه بحرى فهم: أبيروه وأوتوم من سنباط، ويوحنا وابن عمه سمعان من ملس، وبنوه البندراوى من البندرة، وإسحق الدفراوى من بلدة دفرة، وتوماس الشندلاتى من شندلات. وفى عام 2010 تم نقل بعض من رفاتهم لإحدى كنائس قوص مسقط رأسهم حيث يقام احتفال سنوي بهم يحضره كل أهل البلدة من أقباط ومسلمين.وتعد القديسة «رفقة» وأولادها الخمسة من شهداء الكنيسة فى مطلع القرن الرابع الميلادى فى عصر دقلديانوس الملك، وقد استشهدوا جميعًا فى مدينة دمنهور وظلت أجسادهم بها فترة طويلة حتى نقلت إلى سنباط لكنيسة تحمل اسمهم.

وأحضر الأنبا باخوميوس رفاتهم المقدسة من هناك وأودعها فى الكاتدرائية فى عام 1992 ميلادية.

 كنيستها الأثرية

و تعد كنيسة الشهيدة رفقة بسنباط فى محافظة الغربية، من أقدم الكنائس الأثرية فى مصر، وفيها جسد الشهيدين بارا وأوتام، وبيعة أخرى للقديس أبو جرج، والأنبا مرقس الضرير المعروف بابن القبير، وبها عدة أملاك مجاورة لبعضها البعض عمل منها دير للرجال ودير للنساء مجاور لبيعة أبو جرج.ويرجع تاريخ إعادة بناء الكنيسة ما بين سنة 1465م إلى سنة 1467م.

وسنباط كان بها أكثر من كنيسة وقد هدمت هذه الكنائس فى حوادث عام 1337م، حيث هدمت العديد من الكنائس فى القاهرة والوجه البحرى والوجه القبلى، وكان نصيب الغربية 4 كنائس، ولكن الآن لا يوجد بسنباط إلا كنيسة واحدة باسم القديسة «رفقة» وأولادها التى يقصدها الكثيرون كل عام لينالوا بركتها.

 الكنيسة مسجلة أثريا

والكنيسة مسجلة فى عداد الآثار القبطية والإسلامية بقرار وزارة الثقافة رقم 218 فى سنة 1987 والمنشور بجريدة الوقائع المصرية لعام 1988م، وكانت الكنيسة منزلًا ثم تحولت إلى كنيسة، وتعتبر الكنيسة الواحدة من الكنائس الأثرية، حيث تجمع بين النظام البزيليكى والنظام البيزنطى، والوحيدة الأثرية فى الكرازة باسم القديسة «رفقة» وأولادها، والتى تحظى باحتضان أجساد 15 شهيدًا.

ومن روائع هذه الكنيسة الأثرية وجود حامل الأيقونات، وهو من أجود أنواع الخشب المطعم بالعاج، وهو من الأبواب الأثرية النادر وجودها على مستوى الكنائس الأثرية، وتوجد مجموعة أيقونات أثرية من القرن 17 والقرن 19، ويوجد أيضًا البئر الأثرى الموجود فى مدخل الكنيسة الأثرية، ومن ضمن الآثار الباب الداخلى والباب الخارجى للكنيسة، الذى تم إعادة تشييده عام 2003.

وهناك 4 كنائس تحمل اسمها فى مصر هى كنيسة الشهيدة «رفقة»، بسنباط، بزفتى، بالغربية، وكنيستها بضواحى القناطر، بالقليوبية، وأخرى بالعمرانية الشرقية، الجيزة، وأخيرًا كنيستها بالصالحية الجديدة، بالشرقية.