الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

القصة الكاملة لعدو «طالبان» الذى يهدد الصين وإيران: حصان الإرهاب الأسود يغـــزو وسط آسيا

فى وقت مبكر من يوم 24 إبريل 2021، وداخل غرفة آمنة فى أسفل مبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، تحديدًا فى الطابق الثانى تحت مستوى الأرض، استقبل وزير الدفاع الأمريكى لويد جيه أوستن، ومعه رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك إيه ميلى، عددًا من كبار مسئولى البيت الأبيض والمخابرات المركزية الأمريكية؛ لبدء جلسة سرّيّة بشأن خطط الانسحاب النهائى للقوات الأمريكية من العاصمة الأفغانية، وذلك بعد مرور أسبوعين من إعلان الرئيس چو بايدن قرار الخروج من أفغانستان وسحب القوات.



بعد دقائق انضم وزير الخارجية أنتونى بلينكن للجلسة عبر تقنية الفيديو كونفرانس، وبدأ الاجتماع بمناقشات ساخنة حول الوضع فى أفغانستان، وأبلغ كل طرَف من الموجودين تقديره للموقف من كل جوانبه، قبل أن يستقروا جميعًا على الخطة الرئيسة للانسحاب، التى اعتمدت على استخدام قاعدة «باجرام» الجوية كنقطة مركزية لسحب القوات الأمريكية المتبقية فى أفغانستان.

مسئولو البنتاجون أكدوا أن بإمكانهم سحب 3500 جندى، جميعهم تقريبًا منتشرون فى القاعدة، بحلول 4 يوليو، أى قبل شهرين من الموعد النهائى الذى حدده «بايدن» فى 11 سبتمبر.

تقييم استخباراتى، عُرض خلال الاجتماع، أكد للحاضرين أن القوات الأفغانية النظامية يمكنها التصدى بكفاءة لحركة طالبان ومنعها من السيطرة على ولايات البلاد لمدة تتراوح بين عام وعامين، وشدد على أن طالبان لن تنجح فى الوصول إلى السُّلطة فى أفغانستان قبل 18 شهرًا على الأقل من الانسحاب الأمريكى، ما يعطى الأمريكيين وقتًا طويلًا للمغادرة دون خسائر.

تقييم لوزارة الخارجية، عُرض أيضًا خلال الاجتماع، أكد أن الدبلوماسية الأمريكية تثق بشدة فى الرئيس الأفغانى أشرف غنى، وأنه سيدافع عن أفغانستان حتى النهاية، فقط لديه عددٌ من المَطالب لإحكام سيطرته على البلاد، والولايات المتحدة فى الطريق لتحقيقها.

اتفق الحاضرون أيضًا على خطة إخلاء طارئة فى حال حدث ما لا يُحمَد عُقباه أثناء تنفيذ الخطة الرئيسة، تعتمد على إرسال مروحيات لنقل الأمريكيين إلى المطار المدنى فى العاصمة كابول، ثم نقلهم بطائرات شحن عملاقة إلى خارج البلاد.

انتهى الاجتماع، ولم يتطرق أحد من قريب أو بعيد، للتهديدات المتوقعة من تنظيم «داعش خراسان»، الذى نشط بشدة خلال الفترة الأخيرة فى أفغانستان.

ورُغم التحذيرات المتكررة منذ أبريل الماضى، من جهاز الأمن القومى الأمريكى بشأن احتمالية ظهور تنظيم داعش فى الصورة، وارتكاب هجمات إرهابية أثناء عملية الانسحاب؛ فإن أحدًا لم ينتبه. 

وبعد أسابيع من الاجتماع، ظهرت النتائج، التى أظهرت فى محصلتها، سقوط المؤسّسات الأمريكية تحت وطأة سوء التقدير والتخطيط، وفشلها فى اختبار «أفغانستان» الصعب.

اجتاحت طالبان ولايات البلاد واحدة تلو الأخرى، حتى سقطت العاصمة كابول فى قبضتها بعد أقل من 3 أشهُر من بدء الانسحاب، وانهارت خطة الانسحاب. 

فوجئ المسئولون الأمريكيون، وهم يتابعون نشرات الأخبار، بخبر هروب أشرف غنى وسقوط البلاد فى الفوضى، وفق ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز.

ظهر فجأة تنظيم داعش خراسان فى 26 أغسطس، متبنيًا سلسلة من الانفجارات، هزت المنطقة المحيطة بمطار كابول، وأسفرت عن مقتل 74 شخصًا بينهم 13 أمريكيًا.

 ولاية خراسان

فى نهايات عام 2013، انقسمت حركة طالبان باكستان من الداخل، بعد مقتل أميرها «حكيم الله محسود» فى هجوم لطائرة أمريكية بدون طيار، وبرزت الخلافات بين ثلاثة من قادة الحركة لخلافته، وهم: المولوى فضل الله، وسيد خان سجنا، وحافظ سعيد خان أوركزاى.

طالبان باكستان، هى حركة منفصلة عن طالبان أفغانستان، وتتكون من ائتلاف يضم مجموعات مسلحة من مختلف المناطق القبلية الباكستانية ومن إقليم البنجاب، جمعتهم فكرة العمل المسلح لإفشال «المشروع الأمريكى» بالمنطقة، وتغيير أنظمة الحُكم بالقوة، وإعلان الخلافة.

بعد قليل، استطاع المولوى فضل الله حسم الخلاف ونصَّب نفسَه أميرًا على الحركة، فانشقَّ حافظ سعيد خان عنها، وبدأ يقود مجموعته المسلحة فى منطقة «أوركزاى» بعيدًا عن حركة طالبان باكستان، وضم إليه المجموعات الأخرى التى انشقت عن الحركة لأسباب مختلفة.

منتصف 2014، كان حافظ سعيد خان يبحث عن مرجعية تمكِّنه وجماعاته المسلحة من الالتفاف حول هدف واحد، وكيان أكبر من حركة طالبان باكستان، وتزامن ذلك مع إعلان أبوبكر البغدادى زعيم تنظيم داعش الخلافة فى العراق وسوريا، فوجد «خان» ضالته. فى يناير 2015 اجتمع «خان» مع مجموعاته المسلحة فى منطقة على الشريط الحدودى بين باكستان وأفغانستان، وقرروا الانضمام لتنظيم داعش الأم، وتوافقوا على اختيار «خان» أميرًا لهم، ثم أعلن الأخير بيعته للبغدادى.

بعد فترة وجيزة، أعلن تنظيم داعش الأم إنشاء «ولاية خراسان»، وضمها إلى دولته، وذلك عبر مقطع فيديو تحدّث فيه الناطق باسم التنظيم أبو محمد العدنانى، قائلًا: «أُبشِّر المجاهدين بامتداد الدولة الإسلامية إلى خراسان، فقد استكمل المجاهدون من جنود الخلافة الشروط، وحققوا المَطالب لإعلان ولاية خراسان، فأعلنوا بيعتهم لأمير المؤمنين حفظه الله الخليفة إبراهيم، وقد قَبِلها».

عيّن تنظيم الدولة حافظ سعيد خان واليًا على ولاية خراسان، وأرسل له مئات الآلاف من الدولارات من أجل تحسين شبكات الولاية وتنظيمها فى آسيا الوسطى، ورسم له حدود ولايته، التى شملت مناطق فى أفغانستان، وأجزاءً من باكستان وإيران وأوزبكستان، بالإضافة إلى كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان.

عمل التنظيم منذ تأسيسه فى إطار قتالى سِرِّى، من دون هيكل كبير ومُعلَن فى المنطقة؛ خصوصًا أنه لم يتمدد إلى مناطق واسعة ليكون له أُمراء فيها، وكان الحل الوحيد فى البداية أمام أمير التنظيم، لتحقيق أى نجاحات داخل ولايته، أن يرمى بكل ثقله على المقاتلين والقادة الميدانيين، كعادة مثل هذه الكيانات الصغيرة، لكنه اصطدم مجددًا بحقيقة أن عناصره ليس لها ثقل كبير فى السياسة ولا فى الحرب، وكلهم تقريبًا كانوا من المغمورين فى حركتَىْ طالبان باكستان وطالبان أفغانستان، قبل أن ينشقوا عنهما، كما أن معظمهم يتبع مَدرستين فكريتين لا تتمتعان بشعبية كبيرة بين العناصر المسلحة فى باكستان وأفغانستان، ما أثر سلبيًا على عمليات الاستقطاب والتجنيد، الأولى مَدرسة السلفية الجهادية، والثانية مَدرسة «إشاعة التوحيد» الباكستانية، التى كان «خان» أحد أتباعها.

 فماذا يفعل؟

حاول «خان»، قبل مقتله، التغلب على هذه الأزمة باستغلال سمعة تنظيم «داعش» الأم فى سوريا والعراق وتوسعاته؛ لإغراء المقاتلين الأشداء والمخضرمين بحلم القتال تحت لواء الخلافة واستقطابهم لتنظيمه، ونجح بالفعل فى تجنيد عناصر منشقة عن جماعات لها ثقل بالمنطقة، مثل «عسكر الإسلام» بباكستان، و«شبكة حقانى» بأفغانستان، و«جماعة الدعوة» بأوزباكستان، ومع الربع الأول من 2016، وصل عدد مسلحى التنظيم إلى نحو 3- 4 آلاف.

فى 2017، مَرَّ التنظيمُ بمَرحلة جديدة تخص تكوينه الداخلى، جاءت عقب خسارة تنظيم الدولة الأم لأراضيه فى العراق بعد تحرير الموصل من قبضته؛ حيث تحولت أنظار القادة الكبار إلى أفغانستان كقاعدة جديدة لخلافة عالمية، فبدأت هجرات منظمة، رصدتها الأمم المتحدة فى تقرير لها العام نفسه؛ لنقل عناصر من «داعش الأم» فى العراق إلى أفغانستان، ومن بين الغربان المهاجرة، كان «أبو قتيبة»، الزعيم السابق لتنظيم الدولة الإسلامية فى محافظة صلاح الدين العراقية. 

فيما يخص استراتيچية التنظيم، فهى واضحة منذ البداية؛ حيث يَعتبر الحكومات القائمة فى المنطقة «حكومات مرتدة وعميلة للغرب»، ويَعتبر طالبان بشقَّيْها الأفغانى والباكستانى، وتنظيم «القاعدة» أيضًا، جماعات مرتدة ومُشركة، وقتالهم واجب.

حافظ سعيد خان، أفتَى فى تسجيل صوتى قبل مقتله، بكفر كل أعضاء طالبان لأنهم يتلقون المساعدة والدعم من إيران، واتهمهم جميعًا بأنهم ليسوا مجاهدين حقيقيين، وأنهم فى حُكم المرتدين، وقتال المرتد- وفق منهجية داعش الأم- مُقدَّم على قتال الكافر الأصلى.

«أبو ميسرة الشامى»، أحد قادة داعش خراسان، كتب مقالًا أكد فيه أن الخلاف بينهم وبين طالبان فى الأصول، واتهم أعضاء الحركة بالعمالة للمخابرات الباكستانية، واتباعهم الضلالات والبدع، وعدم تحكيم شرع الله، وهدّدهم بالقتال.

من هنا؛ فإن أهداف تنظيم داعش خراسان تتمثل فى محاربة التواجُد الغربى فى البلاد، وتخليص أراضى أفغانستان من الأجانب والمتعاونين معهم، وقتال كل الحركات المسلحة فى المنطقة، كطالبان والقاعدة وسواهما، ثم إقامة خلافة تبدأ فى جنوب ووسط آسيا، وتتوسع مع انضمام المسلمين من جميع أنحاء المنطقة والعالم. 

ينتشر «داعش خراسان» جغرافيًا داخل مساحات واسعة فى شرق أفغانستان، وتحديدًا فى المنطقة القبلية الباكستانية بولاية ننجرهار، وبعض مناطق ولاية كونر، بجانب انتشاره فى العاصمة كابول وباقى الولايات عبر عدد ليس بقليل من الخلايا النائمة.

حاول التنظيم إيجاد موطئ قدم له فى جنوب وجنوب غرب أفغانستان، تحديدًا فى ولايتَىْ هلمند وفراه، إلا أنه لم يتمكن من تثبيت أقدامه فى تلك المنطقة رُغم أن له فيها مجموعات عدة.

أرسل التنظيمُ أيضًا بعضَ مجموعاته المسلحة، برفقة مقاتلين انضموا إليه من دول آسيا الوسطى، إلى شمال أفغانستان، لكنهم لم يسيطروا بإحكام على هذه المناطق.

 سجل حافل بالتوحش

انخرط تنظيم داعش فى النزاع الأفغانى عام 2015 حين سيطر على مساحات شاسعة من ولايتَىْ ننجرهار وكونار الواقعتين قرب الحدود مع باكستان، ومن أجل هذه المناطق، قاتل الحكومة المدعومة من الغرب وحركة طالبان على حد سواء. 

خلال خمس سنوات، تبنّى التنظيم سلسلة تفجيرات مروّعة ومئات الهجمات ضد المدنيين فى أفغانستان وباكستان، أظهرت سيره على نهج التنظيم الأم فى شرعنة التوحش والإفراط فيه، أبرزها تفجير حفل زفاف فى كابول، وإعدام وجهاء القرى، وقتل موظفى الصليب الأحمر، وتنفيذ سلسلة من العمليات الانتحارية ضد أهداف مرتبطة بـ الأقلية الشيعية، وذبح 16 شخصًا بينهم رضيعان حديثا الولادة فى مستشفى تديره جمعية أطباء بلا حدود فى كابول، وقتل 22 طالبًا فى هجوم مسلح على جامعة كابول. 

آخر جرائمه وقعت فى مايو 2021، عندما استهدف مَدرسة للبنات فى كابول بعدة سيارات مفخخة، ما أسفر عن مقتل 40 بينهن أطفال.

مع كثرة الضربات الموجّهة للتنظيم، بدأ يفقد توازنه بشكل كبير مع حلول العام 2018، لكنه رُغم ذلك، استمر فى السيطرة على أراضيه فى شرق أفغانستان، حتى جاءته ضربة جديدة من القوات النظامية الأفغانية فى 2019، نجحت فى تحرير ولاية ننجرهار من قبضته، وكادت أن تنهى قصته تمًاما وللأبد، لولا أن الحظ لعب دوًرا كبيرًا، فى بقائه على قيد الحياة.

فى يونيو 2020،  بدأ التنظيم يسترد عافيته تحت قيادة أبو شهاب المهاجر، ونجح فى إعادة تجميع صفوفه، والعودة مجددًا للسيطرة على شرق أفغانستان.

فيما يخص قوة التنظيم الحالية، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد المقاتلين فى صفوف التنظيم، قبل الانسحاب الأمريكى، تراوح من 1500 إلى 2200 مقاتل، أغلبهم فى مقاطعتَىْ كونار ونانجارهار بأفغانستان، يضاف إليهم أعداد السجناء التابعين للتنظيم، والذين هربوا من سجن قاعدة باجرام بعد سيطرة طالبان على العاصمة، ويقدرهم الچنرال فرانك ماكنزى، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، بالآلاف.

 داعش vs طالبان

دخل التنظيم فى مواجهات كثيرة فى عدة مناطق مع حركة طالبان، طوال السنوات الخمس الماضية، أبرز أسبابها، محاولات التنظيم للسيطرة على مناطق رئيسية على الحدود مع باكستان مرتبطة بتهريب المخدرات وسلع أخرى، ومحاولات طالبان لاستهداف المنشقين عنها لصالح داعش، ومنع التنظيم من توسيع أراضيه.

فى فبراير 2020؛ انتقد التنظيم بشدة الاتفاق الذى أبرم بين واشنطن وطالبان، والذى ينص على انسحاب القوات الأمريكية والأجنبية من أفغانستان، متهمًا الحركة بالخيانة والكفر.

وشن من وقتها حملات دعائية إعلامية مكثفة ضد حركة طالبان، باعتبارها حركة قومية وليست إسلامية بالمعنى الجامع، متهمًا إياها بأنها لا تمانع بالتعامل مع الأمريكان «الكفّار»، وقد تقبل الدخول فى لعبة الديمقراطية «الكافرة»، وأنها تخلت نهائيًا عن الجهاد، وفضلت عليه السلام فى الدوحة والجلوس إلى طاولة المفاوضات فى «الفنادق الفخمة».

وعقب دخول حركة طالبان كابول والاستيلاء على السُّلطة فى 15 أغسطس، تلقت طالبان تهنئة من العديد من الجماعات، لم يكن من بينها تنظيم داعش خراسان.

يرى داعش خراسان أنه أحق بالحُكم من طالبان؛ لأنه يسعى لإعلان الخلافة، بينما تسعى الحركة لدولة ديمقراطية كافرة- على حد تعبير قادته.

لذا سيعمل داعش خلال الفترة المقبلة على ثلاث مراحل لتقويض عدوّه المَحلى، طالبان، وتحقيق مزيد من المكاسب والسيطرة على الأرض.

أولًا، سوف يسعى داعش لتنفيذ هجمات إرهابية عنيفة فى مناطق متفرقة من البلاد؛ لتعطيل العملية السياسية، وإجهاض الصفقات بين طالبان وبقايا الحكومة الحالية، وتعطيل أى جهود لتحقيق الاستقرار واستمرار الفوضى فى البلاد، وهو المناخ المناسب الذى ينشط فيه تنظيم مثل داعش ويحقق من خلاله مكاسب على الأرض.

ثانيًا، سوف يسعى داعش لزيادة أعداد مقاتليه وتجنيد أكبر عدد ممكن من المسلحين المتطرفين فى البلاد، وترسيخ شعبيته بين الأجيال الجديدة من المسلحين، عبر دعاية براقة يستمدها من صلته بالتنظيم الأم الذى أعلن الخلافة مسبقًا فى سوريا والعراق. وسوف يعمل التنظيم على استقطاب عناصر حركة طالبان نفسها، وتدعيم صفوفه بمقاتلى طالبان الساخطين منها وحرمان الحركة منهم فى الوقت نفسه، مستفيدًا من علاقاته الجيدة بعناصر وقادة «شبكة حقانى». 

ثالثًا، سوف يسعى التنظيم لتحقيق طموحاته فى السيطرة على مساحات واسعة من الأراضى فى منطقة خراسان التاريخية، 

 توتر إقليمى

تقع أفغانستان فى الوسط بين عدد من الدول الفاعلة فى الصراع الدولى، وتجاور كلاً من طاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان من الشمال، وإيران من الغرب، والصين من الشمال الشرقى، وباكستان من الشرق والجنوب.

لذا لا نبالغ إذا قلنا إن تمدّد داعش وانتشاره فى أفغانستان قد يشعل آسيا الوسطى بالكامل.

وفق الاستراتيچية الكبرى لداعش خراسان، التى رسمها له التنظيم الأم فى 2015؛ يسعى التنظيم للسيطرة على أراضٍ واسعة داخل 6 دول، وهى: أفغانستان، وطاجكستان، وباكستان وأوزبكستان وتركمنستان، وإيران.

هذه المناطق عُرفت تاريخيًّا باسم خراسان الكبرى، أو إقليم «خراسان» الذى كان خاضعًا فى الماضى للخلافة الأموية ثم بشكل أوسع للخلافة العباسية.

انتبهت روسيا مبكرًا إلى الخطر الذى تمثله الجماعات المسلحة فى أفغانستان، وعقب القرار الأمريكى بالانسحاب من البلاد فى أبريل الماضى، كثفت التدريبات العسكرية مع طاجيكستان التى تشارك أفغانستان فى شريط حدودى يبلغ نحو 1345 كيلومترًا؛ استعدادًا للتهديدات المتوقعة ضد الحليف الأكبر لها فى آسيا الوسطى.

أمّا إيران التى تقبع فى الغرب من أفغانستان، أعلنت هى الأخرى حالة الطوارئ على الحدود، بعد أن وجدت نفسها فى معضلة كبيرة، بعد ظهور مؤشرات جديدة ومثيرة للقلق حول نمو تنظيم «داعش» خراسان، الذى عملت لسنوات من أجل القضاء عليه، فى شمال أفغانستان، تترقب الصين أيضًا، وتستعد لأى خطر حدودى من قِبَل الجماعات المسلحة، ورُغم الجلسات والاتفاقات بين بكين وقادة طالبان خلال الشهور الماضية، والتى أسفرت عن مزيد من الاتفاقات حول التعاون والتنسيق المشترك؛ فإن ظهور داعش قد يقلب الوضع رأسًا على عقب. 

من هذا المنطلق، تشعر الصين بقلق خاص من أن يتحول شمال أفغانستان- فى حال سيطر عليه داعش- إلى قاعدة للمسلحين الذين يقاتلون من أجل استقلال إقليم شينغيانغ ذى الأغلبية المسلمة. وهو ما حدث قبل 20 عامًا، عندما احتضنت النسخة القديمة من طالبان مسلحى الإيغور، فى 2002، ودرّبوا أكثر من 400 أيغورى من منطقة شينجيانغ شمال غرب الصين على الأسلحة الخفيفة والثقيلة والعبوات الناسفة فى معسكرات أسّست خصيصًا لهذا الغرض.