الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الإرهاب يستعيد قاعدته وحرب أهلية متوقعة «أفغانستان طالبان» جحيم على أبواب المنطقة

جحيم على الأبواب وبؤر توتر فى آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، ونيران ستحرق أصابع الجميع بمن فيهم أمريكا وأوروبا، وفوضى عارمة وحرب أهلية وقودها القبائل والتنظيمات الإرهابية المتناحرة، كل هذه عواقب وخيمة متوقعة، بل هلت بشائرها مبكرًا نتيجة الانسحاب الأمريكى والغربى من أفغانستان.



رغم الترويج بأن حركة طالبان تعلمت من دروس الماضى وأن هناك أملاً فى تطوير أفكارها وتغيير مواقفها، ورغم ادعاءات الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين بأنهم سيراقبون عن كثب ممارسات الحركة ونهجها فى الحكم، كى يتخذوا موقفًا نهائيًا من سياستها والاعتراف بها، إلا أنهم فى حقيقة الأمر يعرفون أن هذا الكلام غير حقيقى ولا أحد يحتاج الانتظار لمعرفة نهج طالبان ومستقبل الإرهاب والجماعات الجهادية فى ظل حكمها، فيكفى أن الحركة تركت مسؤولية أمن العاصمة كابول لخليل حقانى،  الإرهابى المطلوب والمدرج من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة، حيث سبق أن أعلنت أمريكا عن مكافأة قدرها 5 ملايين دولار مقابل رأسه، كما أنه أخو جلال الدين حقانى مؤسس شبكة حقانى الإرهابية وثيقة الصلة بتنظيم القاعدة.. ومع ابتهاج الجهاديين والجماعات المتطرفة فى جميع أنحاء العالم بسقوط كابول فى يد طالبان، تعالت موجات التنديد والتحذير من خطر قادم يتمثل فى الإرهابيين الذين سوف يستخدمون أفغانستان كقاعدة يمكن من خلالها ضرب أمريكا والغرب كما فعلوا فى 11 سبتمبر 2001 وكذلك خلق بؤر توتر وصراع فى دول مجاورة، وأن طالبان تؤمن بواجب الضيافة للجهاديين الأجانب من كل بقاع العالم وستساعد أبناء عمومتها من المتشددين فى باكستان.

 وحتى إذا اعتقدت الولايات المتحدة أن ذلك سيجعل بعض الدول المجاورة التى تسعى للتوسع والهيمنة أو التسلح النووى  أقل استقرارًا، فعليها أن تتعامل مع الدفعة النفسية والمعنوية التى ستعيد الروح إلى الجهاديين فى بلدان أخرى والذين يرون فى تولى طالبان لسلطة بلد كبير مثل أفغانستان هزيمة لدولة عظمى وبالتالى بإمكانهم هزيمة حكامهم وتوجية ضربات قاسية للدول العلمانية وعلى رأسها أمريكا والغرب. 

كما وضعت التفجيرات التى وقعت فى بوابة مطار كابول المزدحمة التحذيرات من حجم التهديدات والإرهاب فى أفغانستان فى المقدمة، وجعلت الجميع يرى ما أرادوا تجاهله وهو أن مستقبلاً مظلمًا ينتظر الأفغان والمنطقة، وأن لدى الولايات المتحدة والحلفاء الكثير من المواجهات التى لن تنتهى حتى بعد إجلاء الرعايا.

 وعلى الرغم من إعلان «داعش خراسان» المنبثق عن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجمات التى أسفرت عن مقتل العشرات من الأفغان والجنود الأمريكيين، إلا أن «داعش خراسان» ليس الجماعة الجهادية الوحيدة التى تحتاج الولايات المتحدة إلى القلق بشأنها وهى تغادر أفغانستان ـوفق ما تؤكده صحيفة «فورين بوليسى»ـ فشبكة حقانى هى مركز العديد من الشبكات المسلحة وفى نفس الوقت تقع فى مركز الحكومة الأفغانية الجديدة التى تهيمن عليها طالبان والتى يتظاهر قادتها بأنهم غيروا مواقفهم ويدعون أنهم قطعوا العلاقات مع الجماعات الإرهابية، فى حين تضم حكومتهم قيادات أخطر شبكة إرهابية مسلحة.

احتلت شبكة حقانى، على مدى العقدين الماضيين، مكانة خطيرة ونفذت هجمات قاتلة، كما أصبحت مافيا عابرة للحدود تتاجر فى العقارات والهواتف والسيارات وتهريب المعادن والسلاح والمخدرات، ووفق تقرير قدمه فريق الدعم التحليلى ومراقبة العقوبات لمجلس الأمن الدولى فى مايو الماضى،  نشرته صحيفة فورين بوليسى فإن مؤسس الجماعة جلال الدين حقانى كان على علاقة صداقة شخصية مع أسامة بن لادن وأن شبكة حقانى هى جهة اتصال أساسية فى الحفاظ على العلاقات بين طالبان والقاعدة، ولا تزال الشبكة مرتبطة أيضًا بالعديد من المنظمات الجهادية الإقليمية التى تشمل الحركة الإسلامية فى أوزبكستان وجيش محمد المناهض للهند.

وأشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن «داعش خراسان» تفتقر إلى القدرة على شن هجمات معقدة فى كابول بمفردها بينما تعلن تحملها مسؤوليتها عن العمليات التى على الأرجح نفذتها شبكة حقانى.

 ويرى الخبراء أن شبكة حقانى تسمح لـ«داعش خراسان» بتنفيذ هجمات تخدم أغراضها الخاصة ولكن لاتريد الارتباط بها ويعتقد أن إرث الخوف الذى دفع الناس للهروب والتعلق بالطائرات هو من صنيعة الحقانيين الذين يمتلكون قائمة طويلة من الفظائع التى ارتكبوها فى فترة حكم طالبان السابقة، فلطالما كان زرع الرعب فى قلوب الأفغان لإسكاتهم من أجل الإذعان هو أسلوبهم لدرجة أنهم قطعوا رؤوس المخالفين لأوامرهم ووضعوا جثثهم فى الشارع ليكونوا مثالًا وعبرة لكل من يفكر فى التمرد أو عدم الطاعة.

من يريد أن يعرف مستقبل الإرهاب فى أفغانستان عليه أن يعلم أن تلك الشبكة الوحشية مسؤولة الآن عن أمن كابول بتكليف من طالبان، بعدما تعهدت طالبان فى اتفاق الدوحة المبرم فى فبراير 2020 مع الولايات المتحدة بأن أفغانستان لن تستضيف مرة أخرى الجماعات الإرهابية وبعدما تعهدت بأن تكون عضوًا مسؤولًا فى المجتمع الدولى لا يشكل تهديدًا لأمن أى بلد، وبعدما برر بايدن الانسحاب الأمريكى بالتأكيد على استئصال تنظيم القاعدة من أفغانستان.

فى المقابل تؤكد صحيفة «وول ستريت جورنال» أن الخبراء رأوا أن توطيد قوة شبكة حقانى فى حكومة طالبان سيرفع من مخاطر الإرهاب العابر للحدود السبب فى الغزو الذى قادته الولايات المتحدة عام 2001، كما أنه منذ استيلاء طالبان على كابل، اتبعت «شبكة حقانى» المراوغة كالعادة، ولعبت دورًا عامًا فى العاصمة الأفغانية وخطب خليل حقانى شقيق مؤسس المجموعة جلال الدين فى المصلين علانية فى مسجد «بول خيشتى» فى كابل على الرغم من مكافأة أمريكية قدرها 5 ملايين دولار مقابل رأسه بجانب  ابن أخيه أنس حقانى الذى أمضى 4 سنوات فى الحجز فى قاعدة باجرام الجوية، بل إن خليل حقانى التقى الرئيس السابق حامد كرزاى وكبير مفاوضى السلام للجمهورية التى سقطت عبدالله عبدالله لإجراء محادثات حول حكومة أكثر شمولية يمكن أن تحظى باعتراف دولى.

وتشير صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أن الكثير من الاتهامات طالت الرئيس الأمريكى جو بايدن لمسؤوليته المباشرة من تدهور الوضع السيئ إلى أسوأ بسبب حساباته الخاطئة المأساوية، وتجاهله جميع الدعوات التى حثته على إبقاء أكبر قاعدة عسكرية أمريكية، فى باجرام مفتوحة والتى كان من الممكن أن تجعل عملية الإخلاء أقل فوضوية، والأكثر من ذلك أنه لو كان استجاب للنصيحة بإبقاء 2500 جندى فى أفغانستان للإشراف على العمليات لما انحدرت الأوضاع إلى هذه النقطة المروعة.

فى السياق أكدت أكثر من صحيفة عالمية أن فشل أمريكا وانسحابها بهذا الشكل الفوضوى سوف يعيد المجاهدين فى بلدان أخرى ويحفز ويسهل تجنيد أعضاء جدد للانضمام إليهم.

هذه التوقعات أكدت عليها دراسة للمركز الفرنسى للدراسات، رأت أن أفغانستان ستشهد طفرة جديدة ستطرأ على نشاط الجماعات الإرهابية العالمية، وهو ما يجعل المنطقة مقبلة على مستقبل غامض سيحتدم فيه الصراع بين الأيديولوجيات الأصولية المتشدّدة الساعية إلى إقامة وفرض تصوراتها والتى ترى فى حركة طالبان نموذجًا بعد ما حققته الحركة فى أفغانستان.

وأوضحت الدراسة أنه سيكون هناك عودة ثانية إلى الإرهاب الذى يهدد أوروبا ويفتح ملف عودة تدفق اللاجئين مرة ثانية فى حين لا تمتلك أوروبا أدوات كافية للتأثير على طالبان خاصة بعد رحيل الولايات المتحدة.

ويعرب رفائيلو بانتوشى زميل معهد Royal United Services Institute  البحثى الرائد فى مجال الدفاع والأمن فى بريطانيا عن توقعات شديدة القتامة وامتداد وتصاعد الحرب الأهلية التى لا نهاية لها فى أفغانستان وانتقال البلاد إلى حقبة دموية ووحشية جديدة، وأنه إذا أضيفت المخاوف من الصراعات القبلية إلى المخاوف من الحرب الأهلية والتنظيمات الإرهابية فقد تتحول أفغانستان إلى جحيم على الأرض.