الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نساء فى حياة الأنبياء «ميكال».. التقية الصالحة: النبى داوود المُلك وتسبيح الطير! "9"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



فى الروايات أن النبىَّ دَاوُودَ عليه السلام تزوج من تسع نساء، وكانت «ميكال» ابنة شاول هى الزوجة الأولى له.. وقصة ارتباط النبىِّ دَاوُودَ بزوجته ميكال حدثت عندما كان فى الثالثة عشرة من عمره خرج يرعى أغنام أبيه، وأصبح يراقب إخوته الذين خرجوا للقتال فى جيش طالوت ضد جيش جالوت، وعندما تبيّن أن جُند جالوت الأكثر عددًا؛ لم يجرؤ أحدٌ على قتال جالوت سوى النبىِّ دَاوُودَ عليه السلام، فسقط جالوت قتيلًا بسهام النبىِّ دَاوُودَ عليه السلام، وفَرّ جيشُه هاربًا، وانتصرت القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة، وأراد طالوت أن يكرمه فزوّجه ابنته الوحيدة «ميكال»، وكانت الزوجة التَّقيَّة الصالحة.

فى القرآن أن دَاوُودَ أتاه الله المُلك أولًا ثم النبوّة، فلقد كان قَتْلُ دَاوُودَ لجالوت هو الطريق لأن يكون المَلك: (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ)، البقرة 251.

وفى الروايات اشتهر النبىُّ دَاوُودُ بأنه صاحب المَزامير، وفى القرآن الكريم للنبىِّ دَاوُودَ عليه السلام كتاب هو الزَّبُور: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)، الإسراء 55. 

 طبيعة الرسالة:

أقام النبىُّ دَاوُودُ دولة بنى إسرائيل وحَكمها بعده ابنُه النبى سليمانُ، وقد كان ابتلاؤهما بالنعمة وليس بالشدائد، وقد تركزت عقيدة «لا إله إلا الله» فى بنى إسرائيل بتوالى الرُّسُل والكتب السماوية، ولذلك فإن الكتاب السماوى الذى نزل على النبىِّ دَاوُودَ عليه السلام لم يركز على الدعوة إلى توحيد الله بقدر تركيزه على النواحى العلمية والإعجازات التى أعطاها تعالى لدَاوُودَ وورثها ابنه سليمان عليهما السلام ضمن الكتاب السماوى الزَّبُور.

يقول تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)، النساء 163، فى الآية تمييز للنبى داود بالنسبة للكتاب المُنزل عليه، وتكرّر ذلك فى قوله تعالى: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)، الإسراء 55، فقد مَيّز تعالى النبىَّ دَاوُودَ عليه السلام بكتاب الزَّبُور.

وكلمة الزَّبُور فى اللغة العربية تعنى الكتاب، ويأتى كوصف للكتب السماوية: (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ)، آل عمران 184، ويقول تعالى عن القرآن الكريم: (وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)، الشعراء 196، بمعنى أن ما جاء فى القرآن جاء فى الكتب السابقة، وبمعنى كتاب الأعمال التى تسجلها الملائكة للناس: (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِى الزُّبُرِ)، القمر 52.

ويطلق الزَّبُور على الكتاب الذى أعطى لداوود وسليمان، وهو كتاب فيه آيات التوحيد والإخبار عن المستقبل: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِى هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ)، الأنبياء 105-106.

 الزَّبُور والمعجزات:

تحدَّث تعالى عن آيات ومعجزات النبيَّيْن داوود وسليمان: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ)، الأنبياء 79-82.

قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)، النمل 15. وقال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)، سبأ 10-13.

وقال تعالى: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)، ص 17-20.

فالنبىُّ داوود قد أعطاه تعالى معجزات إدراك تسبيح الطير والجبال وصناعة الحديد، أمّا ابنُه سليمانُ فقد أعطاه تعالى تسخير الريح وتسخير الشياطين والجن ومعرفة منطق الطير أو لغة الطيور وإسالة أو إذابة النحاس.

وواضح أن المعجزات منها ما يقع خارج إمكانات البشر مثل تسخير الشياطين والجن ومعرفة تسبيح الطير والجبال، ومنها ما يقع فى إمكانات البشر مثل صناعة الحديد وإذابة النحاس، والزَّبُور أو ذلك الكتاب العلمى الإلهى هو الذى مَكّن النبىَّ دَاوُودَ من ذلك التسخير وتلك المعرفة. 

وعندما ورث ابنه سليمان ذلك الكتاب توسّع فى الاستفادة به؛ بل كان هناك من المحيطين به مَن يستطيع استعمال نفس الكتاب (الزَّبُور) وقد استطاع به أن يحضر عرش مَلكة سبأ فى أقل من لمْح البَصر، أى كانت له قدرة الإفلات من قبضة الجاذبية الأرضية واستحضار الأشياء بأسرع من سرعة الضوء، وتلك مرحلة يتمنى البشر الوصول إليها.

 الزَّبُور والسُّلطان:

المعنى المفهوم أن هذا الكتاب (الزَّبُور) هو السُّلطان أو القدرة الذى به يمكن الإفلات من قبضة الزمن والجاذبية، أى بهذا السُّلطان يستطيع الانسانٌ والجنُ الخروجَ من أقطار السماوات والأرض: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)، الرحمن 33، ومن دون هذا السُّلطان يتعرض البشر للاحتراق والفناء فى طبقات الفضاء: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ)، الرحمن 35.

لو كان هذا مستحيلًا على البشر لما جاء رَبُّ العزة بالاستثناء (إِلَّا بِسُلْطَانٍ)، أى أنه فى نطاق الممكن وفى إطار مشيئة الرحمن يمكن للبشر الوصول إلى الإحاطة ببعض علم الله تعالى فى هذا الكون: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء)، البقرة 255.

وربما يستطيع البشر تحقيق ذلك قُبَيل قيام الساعة حين تأخذ الأرض زخرفها وتتزين ويظن أهلها أنهم قادرون عليها: (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، يونس 24.

 وقدر فى السرد: 

المعجزة فى كتاب الزَّبُور أنه لم يخبر فقط عن معلومات أو حقائق سابقة لعصرها؛ وإنما كان يتبعها تطبيق تلك الحقائق على أرض الواقع، فالمكتوب فى الزَّبُور عن تسخير الجاذبية والخروج منها تم تطبيقه فى نقل عَرش مَلكة سبأ، والمذكور عن الحديد وعن النحاس تم تطبيقه فى الصناعة، وهكذا فى تسخير الجن والشياطين والكلام مع الطيور والنمل.

وعن التطبيقات الممكن تنفيذها: (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ)، سبأ 12، وذلك عن معجزة النبى سليمان فى إذابة ليس النحاس ولكن عين النحاس، بمعنى التحكم فى تركيبه الذّرّى بالإذابة.

وعن استعمال النبى داوود لعنصر الحديد: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)، سبأ 10، ليس إذابة الحديد وتسييله؛ ولكن تطويعه بطريقة يمكن بها تحويل الحديد إلى ملابس لينة مريحة يرتديها البشر: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ)، سبأ 10-11، بمعنى اعمل من الحديد دروعًا كالملابس يرتديها الإنسان فلا تعوق حركته.

ولفهم طبيعة التدرُّج العلمى فى التاريخ نقرأ قوله تعالى للنبى داوود: (وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ)، بمعنى التقدير فى الحساب وعمل خطة يتم على أساسها تطبيق عملى لشىء جديد، هذا التقدير يتعامل مع واقع الناس بكل ظروفه.

أمَّا السَّردُ فهو التتابُع الزمنى فى الأحداث من خلال قصة أو حادثة تاريخية، لقد أمَرَ تعالى النبىَّ دَاوُودَ عليه السلام وهو يقوم بتطبيق الآيات السابقة لزمنها أن يراعى ويُقدّر الزمنَ الذى يعيش فيه الناس؛ لأن ثقافة الناس وظروفهم لا تستوعب هذا التقدم والذى ستصل إليه البشرية بعد قرون، ووقتها سيعتاد عليه الناس لأنهم أصبحوا مؤهلين لهذا التقدم، وكان على النبىِّ دَاوُودَ وهو يصنع من الدروع الحديدية ملابس لينة للناس أن يُعلمهم كيفية استعمالها.

لقد مدَح تعالى النبىَّ دَاوُودَ عليه السلام: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، ص 17، وفى قوله تعالى عن النبىِّ دَاوُودَ (عَبْدَنَا دَاوُودَ)، (ذَا الأَيْدِ)، بمعنى صاحب القوة الايمانية، (إِنَّهُ أَوَّابٌ)، بمعنى كثير الرجوع والخشوع لله تعالى.

وفى قوله تعالى: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)، ص 24، بمعنى يسارع بالركوع لو تخيَّل وقوعَه فى ذنب، ولذلك قال تعالى عن مكانته وجزائه يوم القيامة: (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ)، ص 25.