الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أفغانستان.. ماضيها كمستقبلها.. الفساد يسلم الحكم للإرهاب أشرف غنى عانى من جنون العظمة وقلص السلطة فى قبضته لإحكام السيطرة

هزيمة مذهلة تكبدتها القوات الأفغانية أمام مسلحى حركة طالبان التى استولت على كل أفغانستان فيما يزيد على أسبوع قليلاً، انهارت خلاله الحكومة فى كابول بسرعة أكبر بكثير مما توقعه أى شخص، هزيمة أعادت السلطة لحركة طالبان واحدة من أكثر حركات العنف المسلح إجرامًا، وأجبرت المجتمع الدولى والإعلام العالمى والباحثين والمتخصصين على مواجهة الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية بكشف حساب قاسٍ وتفصيلى عن أسباب هذا الفشل والوقوف كثيرا عند المَشاهد التى لن تمحى من ذاكرة العالم وتاريخ أمريكا التى صرفت ما يقرب من تريليون دولار هى مجمل الإنفاق العسكرى فى أفغانستان وفقًا لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية والتى شملت تدريب وتأهيل أكثر من ربع مليون جندى أفغانى وملاحقة طالبان وشن هجمات على بؤر تمركزها وتفكيك شبكات تواصلها بمساعدة حلف شمال الأطلسى.



دخل الأفغان مرحلة جديدة فى تاريخ بلادهم المضطرب يخشى فيه الكثير منهم على حياتهم وحرياتهم، وظلت النساء فى العاصمة داخل منازلهن خائفات من القيود التى ستُفرض عليهن فى ظل حكم طالبان التى حكمت من قبل وأذاقت المجتمع الأفغانى؛ خصوصًا النساء ويلات القَمع والتطرف وحاربت العلوم والفنون وصادرت الحريات الشخصية ونشرت الجهل والتطرف أنحاء البلاد واحتضنت تنظيم القاعدة، وجعلت أفغانستان ملاذًا آمنًا للإرهابيين والمجرمين.. وقد يكون فساد الحكومة الأفغانية وجرائم الولايات المتحدة من أهم أسباب عودة طالبان.. لكن مشهد ركض الناس فى الشوارع الأيام الماضية؛ خصوصًا النساء للاختباء أو الهروب يُعد الأكثر تعبيرًا عن لحظة مرعبة يمر بها الأفغان؛ حيث سلم الفساد البلاد للإرهاب وأصبح المستقبل مرعبًا يحاول الأفغان الهرب منه. عَقدان من الزمن لبناء قوات الأمن الأفغانية خاضت أمريكا خلالهما حربًا راح ضحيتها أكثر من 2300 من العسكريين الأمريكيين وأصيب أكثر من 20 ألفًا آخرين وقتل وجرح خلالها ما لا يقل عن نصف مليون أفغانى من القوات الحكومية ومقاتلى طالبان والمدنيين، وانتهت باستسلام غير مشروط للحكومة الأفغانية تبعتها رؤية خيوط من الدخان تتصاعد بالقرب من السفارة؛ حيث قام الدبلوماسيون بتدمير وثائق حساسة بشكل عاجل ومع مرور الوقت ازداد تصاعد الدخان من سفارات دول أخرى ومَشاهد ‏‎عبثية لن تنسى لمسلحى طالبان وقد استحوذوا على عربات الهامفى العسكرية الأمريكية واستخدموها فى الدوريات فى قندوز وسارى بول، كما استولوا على مدافع مضادة للطائرات وذخيرة ومدرعات مصفحة وأسلحة ضاعفت من قدراتهم، بالإضافة لأزمة كبيرة وهى أزمة اللاجئين الأفغان الذين سيتزايد عددهم بشكل قد لا تقوى على استيعابه أمريكا والغرب بما تحمله من معضلات أخلاقية واعتبارات معقدة تلزم الولايات المتحدة بالتعامل معها.

بدأ حساب الولايات المتحدة من السلسلة التى نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» فى نهاية عام ٢٠١٩ بعنوان «أوراق أفغانستان» وهى عبارة عن مجموعة من الوثائق الحكومية الأمريكية التى تضمنت ملاحظات عن المقابلات التى أجراها المفتش العام الخاص بخصوص إعادة إعمار أفغانستان، وقالت الصحيفة إن العديد من المسئولين الأمريكيين قالوا خلالها أنهم رأوا منذ فترة طويلة أنهم لا يستطيعون تحقيق النصر فى أفغانستان، كما وجدت استطلاعات الرأى أن غالبية الأمريكيين يعتبرونها حربًا فاشلة وأن كل رئيس أمريكى منذ عام 2001 حاول الوصول إلى نقطة فى أفغانستان يكون فيها العنف منخفضًا بدرجة كافية أو تكون الحكومة الأفغانية قوية بما يكفى للسماح للقوات العسكرية الأمريكية بالانسحاب دون احتمال ازدياد خطر تجدد التهديد الإرهابى، وأنه رغم كل الأموال والتدريب والبناء؛ فإن الحكومة الأفغانية لا يمكنها البقاء على قيد الحياة دون دعم عسكرى أمريكى، كما كشفت الأوراق التى نشرتها «واشنطن بوست» أن قادة الولايات المتحدة قد ضللوا الشعب الأمريكى وأخفوا أدلة الفشل عمدًا!

فى المقابل صرّح الخبراء لمجلة «فورين بوليسى» بأن الخطأ لم يكن فى التدريب أو المعدات المقدمة لأفغانستان، وأن هناك مقاتلين أفغان جيدين والقوات الخاصة جيدة مثل أى قوات أخرى، ولكن أسباب الفشل الذريع سببه هو حكومة الرئيس الأفغانى أشرف غنى؛ حيث تشتهر وزارتا الدفاع والداخلية بالفساد، كما أشار الخبراء إلى عدم الكفاءة والافتقار إلى القيادة وتقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، فمثلا قالت المصادر لفورين بوليسى إن أفراد الشرطة والجيش ممن يقاتلون فى الخطوط الأمامية لم يحصلوا على رواتبهم منذ شهور وأنه لا يتم تزويد الجنود بالطعام الكافى أو الماء أو الذخيرة أو الأسلحة لأن خطوط الإمداد تُسرق والأسلحة والذخائر والمعدات تباع فى السوق السوداء وأحيانًا يشترى مسلحو طالبان جزءًا كبيرًا منها.

أمّا بالنسبة للرئيس الأفغانى «أشرف غنى» فقالت مصادر مقربة منه أنه كان يعانى من جنون العظمة، مما أضعف قدرته على اتخاذ القرارات السليمة، وأن كل ما شغله هو تقليص السلطة فى يده لإحكام السيطرة فقام بعزل وزيرَىْ الدفاع والداخلية وتغييرهما بمعدل ينذر بالخطر وأنه يتم اختلاس وغسيل مبالغ أموال على حساب الخدمات المدنية والصحة والتعليم والأمن، وصرّحت «عناية نجفى زاده» من مؤسّسة معهد دراسات الحرب والسلام وهى مؤسّسة فكرية مقرها كابول، إن قضية الشرعية مهمة للغاية وإن الانتخابات الرئاسية التى أعادت «غنى» لولاية ثانية فى عام 2020 شابها الفساد، وهى نقطة أثارها واستند عليها مناصرو طالبان وأنه كان هناك انفصال بين الحكومة والشعب الأفغانى، فالسياسات والاستراتيچيات تدعو للتمييز ومسببة للانقسام وضيق الأفق، ولذلك رأت «عناية» أن القوات الأفغانية لديها القدرة، لكنها افتقرت إلى الإرادة للقتال فى جميع أنحاء البلاد، فالجنود يعتقدون أنهم لن يقاتلوا للدفاع عن حكومة «غنى» الفاسدة، كما أضافت «ويدا مهران» المتخصصة فى النزاعات بجامعة إكستر إن رحيل القوات الأمريكية مثل ضربة كبيرة لمعنويات قوات الأمن.

صحيفة «فورين أفيرز» قالت إن أهم عقبة للنجاح فى أفغانستان أن قادة الجيش عاملوا الأفغان معاملة سيئة، مما أثار المظالم، فقد سرقوا الأراضى ووزعوا الوظائف الحكومية على أنها محسوبية، وغالبًا ما خدعوا قوات العمليات الخاصة الأمريكية لاستهداف منافسيهم السياسيين، ودفعت هذه المعاملة السيئة قبائل معينة إلى أحضان طالبان، فقدمت للحركة مقاتلين وشبكة دعم وأرضًا يمكن من خلالها الهجوم، كما رأت الصحيفة أن التدخل الباكستانى والمقاومة المتجذرة فى الشعب الأفغانى للاحتلال الأجنبى وأنه كانت هناك فرص لإيجاد السلام، ولكن فشل القادة الأمريكيون فى اغتنام هذه الفرص، كما ساهم فى الفشل الثقة المفرطة غير المبررة فى أعقاب الانتصارات العسكرية الأمريكية وخوفهم من تحميلهم المسئولية إذا هاجم الإرهابيون المتمركزون فى أفغانستان الولايات المتحدة مرة أخرى، وكذلك أهملوا الفرص والخيارات التى لا تتناسب مع تحيزاتهم، كما رأت أن واشنطن كان من الممكن أن تفعل المزيد لمعالجة الفساد والمظالم التى شعر بها الأفغان مثل الضغط على كرزاى وأشرف غنى لإبعاد المسئولين الأسوأ من مناصبهم وجعل جميع أشكال المساعدة الأمريكية مشروطة بالإصلاحات والحد من غارات العمليات الخاصة والاستهداف الخاطئ للأفغان الأبرياء، وأن الولايات المتحدة فشلت فى أفغانستان إلى حد كبير بسبب مثل هذه المظالم المستعصية، وأنه كانت هناك دائمًا فرص قليلة للفوز وفرص قليلة للخروج.