الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أنجيلا ميركل أول مستشارة فى تاريخ ألمانيا من يحكم ألمانيا؟.. تحديات ما بعد الرحيل

«بعد نحو عقد من الزمان تصدرت فيه ألمانيا كزعيمة لأوروبا بلا منافس، وفى انتقال للسُّلطة فى ألمانيا لا يخلو من المخاطرة، وهو خطر لا يرتبط بمن يحل محلها، ووسط أجواء سياسية واقتصادية شائكة، أصبح لزامًا على أوروبا أن تتعلم أن تعيش من دون أنجيلا ميركل»..  بهذه الكلمات المؤثرة استهلت مجلة «بوليتيكو» الإيطالية فى أحد أعدادها والذى خُصص جزءٌ منه للاحتفاء بالمستشارة «ميركل» التى ساعدت الاقتصاد الإيطالى مؤخرًا من التعثر بحزمة من المساعدات والإجراءات القوية.



ورُغم ما يشوب كلمات المعلقين السياسيين من مبالغات؛ فإن مما لا شك فيه أن المشهد السياسى سوف يختلف كثيرًا مع غياب «أنجيلا ميركل» فى سبتمبر المقبل؛ خصوصًا للذين يعتبرونها كامتداد لنوع نادر من الزعماء والقيادات أمثال بسمارك مؤسّس الرايخ الألمانى وكونراد أديناور الذى أعاد الديمقراطية إلى ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.

«ميركل» والتى خدمت وطنها والقضايا الإنسانية بإخلاص طيلة 18 عامًا، مع عدم افتعال أى حروب أو المشاركة فيها، ودون أن تلوّث سمعتها بأقاويل حول ثروتها أو شبهة التربح من المال العام صارت نموذجًا متفردًا للقيادة السياسية الأخلاقية، مما حمل المؤسّسات الدولية والإعلام العالمى على وصفها بزعيمة العالم الحُر عن جدارة.

تفوّقت «ميركل» على معظم نظرائها الدوليين (بوتين استثناء نادر)؛ لأنها ببساطة تحمل ثقلًا دبلوماسيًا ونفوذًا متراكمًا بُنى على مدى سنوات عديدة فى السُّلطة مما جعل المحللين السياسيين يؤكدون على معاناة ألمانيا والاتحاد الأوروبى، بعد رحيل «ميركل» على المديين القصير والمتوسط وترك فراغ كبير لن يملؤه أى زعيم أوروبى آخر؛ خصوصًا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بشخصيته المثيرة للانقسام وأفكاره المثيرة للجدل؛ خصوصًا فيما يتعلق بالسياسات الإصلاحية للاتحاد الأوروبى.

ماكرون وميركل 

هذه السمعة الدولية المتميزة  للمستشارة «ميركل» مع نظرتها الثاقبة للزعماء الآخرين واختيار مَن يصلح بشروطها؛ جعلها تتصدر حتى الساعات الأخيرة المشهد السياسى الأوروبى بمقابلتها يوم الجمعة الماضية 18 يونيو 2021 مع الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» فى محاولة أخيرة لمعالجة الآثار المدمرة  لجائحة «كوفيد- 19» وإصلاح منطقة اليورو: «بإيجاد موازنة محددة أو شبكة أمان لإنقاذ البنوك المتعثرة، ووضع آلية قادرة على التحرك السريع لإنقاذ البنوك من الإفلاس، وإقناع باقى دول الاتحاد الأوروبى لإنشاء موازنة محددة للدول الـ19 التابعة لمنطقة اليورو، والتخطيط لجمع ضريبة مستقبلية على الشركات الرقمية وتخصيص جزء من ضرائب الشركات للمساهمة فى إنعاش اقتصاد الدول المتعثرة.

تعلم «ميركل» أن «ماكرون» وهو الشخصية الخارجية الوحيدة التى قابلتها بعد رحيلها من الحزب، أن من دونه لم تكن الكثير من الأفكار والاقتراحات التى نفذتها لتوجد أساسًا، فقد تم إنشاء صندوق التعافى «تم الإعلان عنه فى الإليزيه»، كما كانت الأولوية السياسية الأوروبية له هى ميزانية منطقة اليورو، إضافة إلى الأفكار التى عبّر عنها فى جامعة السوربون عام 2017، حول الأهمية الچيوسياسية للاتحاد، وهو من أرسَى قواعد مبادرة الكتلة الأخيرة مع الصين.

تغييرات ميركل السياسية

كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى ووباء الكورونا ووجود «ترامب» على رأس السُّلطة الأمريكية عوامل حاسمة فى تغيير الكثير من سياسات «ميركل» بإدراكها أن التوازن الألمانى القديم بين حلف الأطلسى وأوروبا الشرقية وموسكو بلا جدوى حاليًا، وأن المستقبل فى إقامة روابط أقوى مع جنوب أوروبا تحديدًا إيطاليا وإسبانيا وفرنسا فأبرمت معاهدة «اخن» 2019، وجددت المعاهدات التى أبرمها الإليزيه مع ألمانيا عام 1963 وما قبلها بإلزام البلدين بالتعاون الكامل.

من ناحية أخرى؛ فإن «ماكرون» بذكائه يعلم أنه من دون شريك ألمانى قوى محتمل فى برلين، يحمل مهارات سياسية مميزة لن يتمكن من تحقيق معجزة كالتى قامت بها «ميركل» فى العام الماضى بإنعاش الاقتصاد الأوروبى والوقوف بثبات فى وجه المعارضين.

مستقبل هش

يتساءل «إيان بريمر» كاتب عمود فى الشئون الخارجية ومحرّر متجوّل فى (TIME). وهو رئيس مجموعة أوراسيا، وهى شركة استشارية للمخاطر السياسية، وشركة (GZERO Media)، وهى شركة مكرّسة لتوفير تغطية ذكية وجذابة للشئون الدولية، حول ما أسماه بهشاشة المستقبل السياسى بعد رحيل «أنجيلا ميركل». يرى «إيان بريمر» أن سر نجاح «ميركل» فى مهاراتها السياسية ويدها الثابتة وشعاراتها التى تطلقها لتحققها، مثل «يمكننا القيام بذلك» كحل لأزمة المهاجرين فى 2015 متحدية جميع المشككين والمنتقدين لها من العديد من الجهات. وكونها بنفس الروح المتحدية، أزاحت المقاومة الألمانية التقليدية للديون الأوروبية المشتركة وحصلت على دعم بقيمة 750 مليار يورو لدعم الاقتصاد والنمو على مستوى أوروبا. وأبرمت صفقة استثمارية مع الصين، كما حققت سياسة مناخ أكثر طموحًا، وأقنعت الحكومات المقاومة فى بولندا والمجر بقبول أحكام سيادة القانون فى الاتحاد الأوروبى ووضعت قواعد الميزانية للاتحاد طبقًا لرؤيتها الطموحة.

«ميركل» العنيدة رُغم الانتقادات التى وُجِّهت إليها، والتنازلات التى توسطت فيها، واتهامها بالانحناء فى وجه المصالح الراسخة للحزب الديمقراطى المسيحى والرضوخ أحيانًا لرغبات الحكومات فى وارسو وبودابيست وبكين؛ لكن حتى المنتقدين يعلمون أن ثمن عدم الانحناء فادح وأن سياساتها حتى لو لم تكن على هوى البعض قد قللت من انقسام الكتلة الأوروبية؛ حيث يؤدى انقسامها إلى ازدياد نفوذ روسيا والصين وإخضاع تماسُك الاتحاد الأوروبى لمزيد من الاختبار؛ خصوصًا بعد رحيل إنجلترا، كما سيقع على البنك المركزى الأوروبى والاقتصادات ذات الديون المرتفعة خطرٌ كبيرٌ.

 مخاوف وتحديات 

نعود لمُسمى هشاشة وضبابية المَشهد السياسى، المَشهد بعد رحيل «ميركل»، والذى يعزوه المراقبون إلى المخاوف التى تنتاب الألمان والأوروبيين من عدم قدرة من يخلفها فى المنصب سواء «أرمان لاشيت» خليفتها فى رئاسة الحزب، أو المرشحين الآخرين على التعامل مع الملفات الخارجية المعقدة المعلقة حاليًا والتى تهدد تماسُك الاتحاد الأوروبى، منها علاقة ألمانيا بحزب الناتو الذى وصفه «ماكرون» عام 2019 أنه يخضع «للموت الدماغى»، العمل على تعزيز ثقة الألمان حول قدرات الاتحاد الأوروبى على الإنجاز مع إبراز رسالة مفادها أن نموذج بريطانيا ليس حلا، كذلك مواجهة الخلافات حول المعايير الديمقراطية فى بولندا والمجر، كذلك ارتفاع الديون فى جنوب أوروبا؛ خصوصًا إيطاليا، العمل على تقوية العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، إدارة العلاقات مع روسيا والصين وتركيا، ملفات الإرهاب الشائكة والفساد المتعلق بتوزيع مخصصات وجرعات اللقاحات، أزمة القروض والهجرة، وأيضًا التعامل مع الملفات الداخلية، أهمها التغلب على فيروس «كوفيد- 19» والإشراف على التعافى الاقتصادى، قضايا الأمن ومكافحة الجريمة المنظمة، إضافة إلى الملفات المتعلقة بالبيئة ودعم الصفقة الخضراء وهى التحول فى البنية التحتية للطاقة والنموذج الصناعى الذى تشغله وإبداله بمصادر طاقة نظيفة.

كانت «أنجيلا ميركل» قد داومت على لفت الأنظار إلى التحديات المستقبلية التى سوف تواجهها ألمانيا، مثل التحول الرقمى ومكافحة تغيير المناخ والتصدى للعدوان الروسى والصراعات التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية.

 لاشيت المحظوظ

«هولجر شميدنج»، كبير الاقتصاديين فى بنك بيرنبرج، صرّح أن المرشح الأجدر والأوفر حظا حاليًا لخلافة «ميركل» والتعامل مع الملفات المعلقة لا يزال هو «أرمن لاشيت»، زعيم حزبها الجديد، والذى يشغل منصب رئيس وزراء ولاية شمال الراين فستفاليا ذات الكثافة السكانية العالية، وشغل منصب وزير شئون اللاجئين فى حكومتها ومؤيد لادماجهم فى سوق العمل، وهو معروف أيضًا باتجاهه الليبرالى الوسطى نفس خط «ميركل» السياسى، رُغم الاضطراب فى المؤشرات ومنافسة حزب الخضر بقوة برئاسة «أنالينا بربوك»، للمعسكر المحافظ والذى سجل ارتفاعًا فى شعبيته فى النصف الأول من العام الحالى ويحلم بانتزاع المستشارية من حزب المحافظين.

ورث «لاشيت» إذن، الذى تم ترشيحه كمرشح محافظ للمستشار فى أبريل الماضى، سلسلة من المشاكل، بما فى ذلك الغضب من إدارة الوباء الحكومية وفضيحة فساد تتعلق بعقود مريبة لأقنعة فيروس «كورونا» وأدوات العناية الشخصية الطبية.

اختبار انتخابى أخير فى ساكسونيا

عانى «لاشيت» نفسه أيضًا فى نفس الوقت من ضعف شعبيته، بعد الاقتتال الداخلى المدمر داخل المحافظين للترشيح لخلافة «ميركل»؛ فقد كان الانقسام داخل صفوف المحافظين متناقضًا بشكل صارخ مع حزب الخضر، الذين رحبوا بشكل جماعى بترشيح «أنالينا بربوك» لمنصب المستشارة، إلى أن قدّم الناخبون فى ولاية سكسونيا «هدية لا تقدَّر بثمَن» إلى «لاشيت»، حسب ما ذكرته صحيفة شبيجل: «بعد بدايته الرديئة كمرشح للمستشار، هو الآن على الطريق الصحيح ما يحتاجه قبل كل شىء هو الهدوء، والآن هو يمتلكه»، وقالت صحيفة «دى تسايت» أيضًا إن النتائج حاليًا تبشر بالخير بالنسبة إلى «لاشيت» على وجه الخصوص، وأضافت الصحيفة إن لاشيت «يمكن بالتالى أن يعتبر انتصار حزبه فى ساكسونيًا أنها فأل خير».

 نكسة خضراء

وبالحديث عن حزب الخضر، قالت صحيفة دى تسايت «إن النتائج الحالية، أعادتهم مرة أخرى إلى حيث يهبطون غالبًا فى شرق ألمانيا: على الأرض». 

حزب الخضر كان يراهن على «أنالينا» كوجه نسائى جديد محبوب تستمد شعبيتها كونها من المروجين لسياسات المناخ الصارمة التى ينتهجها حزب الخضر، وهو موضوع ذو أهمية انتخابية متزايدة..

أثارت شعبية «بربوك» الأولية بعد ترشيحها التكهنات بأنها قد تنتزع منصب «ميركل» من حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى،  وتوقعت استطلاعات الرأى أن يضاعف الحزب حصته من المؤيدين.

لكن كما اتضح، لم يحسن حزب الخضر درجاتهم إلا بشكل طفيف؛ وذلك بعد اعتراف «بربوك» بأنها أخفقت فى الإعلان عن 25 ألف يورو كدخل إضافى للبرلمان، وهو أمر قفز عليه منتقدوها كعلامة على نفاق حزب يدعو إلى مزيد من الشفافية فى السياسة.

أشارت صحيفة فرانكفورتر الجماينة تسايتونج هذا الأسبوع أيضًا إلى أن سيرتها الذاتية توضح بالتفصيل العديد من الوظائف التى لم تعد «بربوك» تشغلها، مما دفعها إلى تعديل القائمة.

قال «فريدريك ميرز»، العضو البارز فى حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى، ببساطة إن «قطار بربوك خرج عن مساره». كما تنبأت صحيفة تاج شبيجل اليومية بطريق شديد الوعورة أمام الخضر وأن الأسابيع المقبلة قد تكون صعبة».

 سر النجاح

 إن إغلب المتابعين للسياسة الألمانية يعلمون أن مفتاح نجاح أى سياسى مرشح لمنصب المستشارية هو«دعم وتأييد أنجيلا ميركل» نفسها  له؛ لأن تغيير السياسات الناجحة الحالية التى وضعتها «ميركل» بالالتزام شبه الكامل بالمصالح الاقتصادية وملف الأمن القومى أو سلامة حلفائها يعنى السير فى الاتجاه الخطأ، فقد استخدمت برلين نفوذها لضمان الامتثال المالى لليونان، ودفع صفقات الاستثمار مع بكين، والدفاع عن خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» ضد الضغوط الشديدة من الحلفاء.هذا المشروع الذى يواجه معارضة من الحزبين فى الولايات المتحدة، ويشعر العديد من حلفاء ألمانيا الأوروبيين بالقلق من أن خط الأنابيب سيعزز الكرملين على حساب أوكرانيا ودول العبور الأخرى. فبدلا من العمل على تحقيق الهدف المعلن للاتحاد الأوروبى المتمثل فى تنويع إمدادات الطاقة فى أوروبا؛ فإنه يخاطر بجعل ألمانيا أكثر اعتمادًا على الطاقة الروسية.