الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من الملك فاروق إلى مبارك سنوات من (التسويف) فى حسم معركة القضاء على الخونة: الرئيس السيسى هزم «أعداء الوطن»

فى عام 2018 قام الرئيس السيسي بزيارة إحدى القواعد الجوية فى سيناء والقوات المشاركة في عملية سيناء 2018، وحينها تعهد أمام رجاله وشعب مصر بالانتصار على (خوارج هذا العصر) وكان يقصد الإخوان أعداء الوطن  وهو أحد أهم تصريحات الرئيس «عبدالفتاح السيسى» التى تشرح المَنهج الحاسم الذى تعامَل به من اليوم الأول لمواجهة أعداء الوطن، فهو يمنع اعتداءَهم على الدولة بيد ويبنى ما خرّبوه باليد الأخرى مع التأكد من القضاء التام على أذنابهم حتى لا يظلوا خَطرًا كامنًا فى انتظار اللحظة المناسبة للانقضاض على مصر.



 

 فهم جماعة تأسَّسَت على فكرة شَق مَسار الحركة الوطنية، واختارت دومًا أن تلعب لمصلحتها على حساب مصلحة الدولة، فلم تهتم يومًا بفكرة الوطن، ويبدو أنها لن تهتم، والتاريخ كعادته يسجل ويرصد وقائع خيانة الجماعة للقضايا الوطنية على مدار عُقود.

العداءُ لكل ما هو مصرى بات ملاحَظا من قِبَل «الإخوان المسلمين» ومَن حذا حَذوَهم، كراهية غير عقلانية ولا يمكن مناقشتها؛ لأنها لا تنطلق من البحث عن الأفضل لمصر كوطن؛ بل تتمترس خلف مصالح الجماعة وأطماعها فى احتكار السُّلطة، وهو موقف نتيجة عُقود من التربية الإخوانية التى مسحت أى شعور بالوطنية عند أجيال الجماعة، فى مقابل صناعة هويّة تقوم على مَشاعر لا وطنية، تحلم بدولة إخوانية تتسع لتبتلع العالم كله، أركانها أن «الإخوانى» يمتلك الصواب المطلق، وأن مَن خارجها هو خارج سفينة الجماعة الناجية، لذا لم يكن غريبًا أن تكون الذهنية الإخوانية غير وطنية فى معظم المنعطفات التاريخية فى مصر منذ تأسيس الجماعة حتى الآن.

و رُغْمَ أن الرئيس «عبدالفتاح السيسى» تَسَلم مقاليد الحُكم فى مصر فى الثامن من يونيو2014 وسط ظروف وتحدّيات أمنية غير مسبوقة؛ فإنه فى 7 سنوات تمكن من كسْر شوكة الإرهاب وصَنع نموذجًا لمكافحته.

بل استطاع تأمين حدود مصر وأيضًا تأمين الدول المجاورة لها حتى لا تكون مَعبرًا أو نقطة تمركز للجماعات الإرهابية ومطاريد جماعة الخونة المتأسلمين. 

فتأمين سيناء يبدأ من داخل غزة فى فلسطين الآن التى تتم إعادة إعمارها بأيادٍ وآلات ومُعدات ومنحة مصرية، وأيضًا ليبيا التى كانت قابَ قوسَين أو أدنى من أن تتحوّل إلى مَلجأ لمُرتزقة من كل جنسيات العالم فأصبح أمْنُها خَطا أحمر لا مَساس به طالما هى جارة لدولة يحكمها الرئيس «السيسى».

وأصبحت مصر والسودان يدًا واحدة، وتشهد بذلك التدريبات العسكرية المشتركة وحتى الدول التى كانت تأوى الإرهابيين الهاربين خضعت وأخضعتهم ورفعت الراية البيضاء لم يكتفِ الرئيس بالحل القديم (حل الجماعة) وحَظر نشاطها والقبض على مَن تورّط فى التآمر أو الخيانة والسماح للباقى بالفرار لإعادة تنظيم صفوفهم فى دول أخرى فى انتظار العودة، ولم يسمح بالتفريط فى دماء الشهداء وإعطائهم صكوك غفران ورفَض بحزم أى كلام عن مصالحة أو مراجعات فكرية أو تفاوُض على عودتهم للتواجُد على أرض وطن خانوه وتآمروا عليه وقتلوا أبناءَه ونهبوا ثرواته.

وإذا قلنا إن الرئيس «السيسى» هو أول رئيس مصرى يتخذ موقفًا واضحًا وصارمًا تجاه هؤلاء الخونة لا نبالغ، فكل قرارات مواجهة تنظيم حفنة الأوغاد من عهد الملك «فاروق» ومرورًا بثلاثة رؤساء كانت قرارات أشبه باستخدام المريض «المُسَكّن» لمواجهة مرض خطير بدلاً من «استئصاله».

ظل الأمْرُ هكذا حتى نجحت ثورة 30 يونيو فى وقف مخطط هذا التنظيم الإرهابى فى السيطرة على الدولة المصرية.. حدث ذلك عندما استجاب الرئيس للنداءَ الشعبى (انزل يا سيسى) ليتحمَّل مسئولية تَركة ثقيلة ويخوض معركة استلزمت اتخاذَ قرارات لم يتخذها قبله أىٌّ من حُكام مصر ويقضى على خطر إخوان الشياطين فى مصر وخارجها ويجفف مواردهم داخليًا وخارجيًا ويهزمهم ويهزم حلفاءَهم وداعميهم ومؤيديهم على أرض مصر أو فى عقر دارهم.

ولم يترك الرئيس مناسبة إلا وتكلم فيها عن رؤية مصر لمجابهة الإرهاب والتطرف والتى لم تكن أبدًا أنانية أو باحثة عن أمان لمصر وشعبها فقط.

ففى مؤتمر الشباب أكتوبر 2016 قال الرئيس «السيسى» (إن مصر تسع الجميع ولكن مَن يريد أن يؤذيها لا مكان له بها). وفى المؤتمر الوطنى للشباب فى يناير 2017 قال (نوجّه تحذيرًا لتلك الدول التى ترعى الإرهاب وتقدّم الدعم للقتلة والإرهابيين أن ما تزرعونه من شر ليس عنكم ببعيد). 

وفى منتدى شباب العالم نوفمبر 2017 نبّه إلى حق من حقوق الإنسان لم يصغه بهذا الشكل أحدٌ من قبل؛ فقال (الإرهاب ينتهك الإنسانية ومقاومته حق من حقوق الإنسان).

وفى منتدى شباب العالم نوفمبر 2018 قال (فرض على مصر وشعبها مواجهة حتمية مع الإرهاب والتطرف بالنيابة عن الإنسانية كلها).

وفى المنتدى الوطنى للشباب سبتمبر 2019 حذّر بشدة، وقال (الإرهاب وحْشٌ وخرج عن سيطرة مَن أطلقوه).

عبارات تعطى فكرة أن نظرة الرئيس للمواجهة كانت شاملة تشمل الإقليم وربما العالمَ كله وليس حماية مصر فقط، وأيضًا تشمل كل جوانب المواجهة؛ اقتصادية وعسكرية وإنسانية.. وجوانب أخرى ربما لم يتحدث عنها ولم نفطن لها هى سر فوزه بالمعركة حتى الآن.

ولكى تعرف الفرقَ يجب أن نلقى معًا نظرةً على تاريخ هذا التنظيم، سواء الدموى أو التآمرى الذى يُعد خير شاهد وأفضل دليل كافٍ لتصنيفهم كعَدُوّ للدولة المصرية على مَرّ التاريخ، فتنظيم أعداء الوطن الذى دائمًا ومنذ بدايته وتأسيسه بدعم من المحتل الإنجليزى ما يجد طريقًا ثالثًا بين (السماح له بالعمل السياسى فوق الأرض) و(الحظر أو الحل والعمل تحت الأرض فى الخفاء)، فدائمًا ما كان يستغل فترات التوقف لإعادة البناء انتظارًا لفرصة للانقضاض على مفاصل الدولة

أول المشوار.. خيانة!

جاء «حسن البنا» مؤسِّسُ جماعة الإخوان من أصول ريفية، وكان واقعًا تحت تأثير صدمة سقوط «الخلافة» العثمانية بعدما قرّر «مصطفى كمال أتاتورك» إلغاءَها، وإعلان الجمهورية التركية 1923، لذا أسَّس «البنا» الجماعة فى سنة 1928، على أمَل استعادة فردوس الخلافة المفقود، ورغب فى أن يشكل ميليشيات شبه عسكرية، بحسب توصيف المؤرخ «رؤوف عباس حامد» فى دراسته «الإخوان المسلمون والإنجليز».

وعندما أصدر «البنا» مجلة «النذير» الأسبوعية العام 1939، كتب افتتاحية العدد الأول، واللافت أن «البنا» اختتم الافتتاحية بإبداء أمل الجماعة فى «جلالة الملك المسلم»، فى إشارة إلى الملك الشاب «فاروق الأول»، ما يكشف التحالف القوى بين القصر والإخوان فى تلك الفترة؛ خصوصًا أن الملك وحاشيته كانوا أجهزوا على الحياة السياسية وأطاحوا بحكومة الأغلبية، وهنا ظهَر التحالف والتعاون بين الإخوان والقصر، والذى رصده بدقة «رؤوف عباس حامد»، فهو يرى أن التحالف بين القصر والإخوان تم تحت أعين قوات الاحتلال البريطانى، إذ رغبت فى استخدام «البنا» وجماعته لتضييق الخناق على حزب الوفد رافع لواء المَصالح الوطنية والداعى للاستقلال والحفاظ على الدستور الذى يحجم صلاحيات الملك.

وينقل «رؤوف عباس» عن تقرير للمخابرات البريطانية فى عام 1942، رصد لندن أن (القصر بدأ يرى أن الإخوان مفيدون وأضفى حمايته عليهم)، هنا تلاقت أهداف الاستعمار والقصر، فبدأت بريطانيا جس نبض الإخوان وفتْح قنوات اتصال مبكرة مع الجماعة، ووفقًا للمؤرخ الإنجليزى «مارك كورتيس» فى كتابه «التاريخ السّرّى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»؛ فإنه بحلول سنة 1942 بدأت بريطانيا فى تمويل جماعة «الإخوان» بشكل قاطع، إذ عَقد مسئولو السفارة البريطانية اجتماعًا مع رجال الحكومة المصرية، المَعينة من قِبَل الملك «فاروق» اجتماعًا فى 18 مايو 1942؛ بهدف بحث عملية تمويل «الإخوان»، والعمل على تحجيم نفوذ حزب «الوفد» فى الشارع المصرى، لذا لم يكن غريبًا أن ينظم «الإخوان» مُظاهرة عسكرية لاستقبال الملك «فاروق» العام 1937، وصفتها مجلة «الإخوان المسلمين» بـ«حشد لم يسبق له نظير فى تاريخ مصر الحديث».

لذا لم يكن غريبًا أن لا تهتم الجماعة بإجراءات حكومة «إسماعيل صدقى» التى أدت لتأميم الحياة السياسية، وفى وقت انشغلت البلاد والقوى الحزبية والعمالية والطلابية للدفاع عن الدستور، لم تهتم «الإخوان» بهذا الحراك فى تكريس لانفصالها عن الحركة الوطنية، وهو ما رصده المؤرخ «عبدالعظيم رمضان» فى كتابه «الحركة الوطنية»، إذ يقول: «وفى عام 1932، ومع أن البلاد كانت تخوض صراعًا دمويًا ضد عهد صدقى باشا ودستوره، إلاّ أن الإخوان أداروا ظهورَهم تمامًا لهذا الصراع، وانصرفوا إلى شئون العالم الإسلامى الخارجى يهتمون بما يدور فيه من خلافات».. لافتًا إلى أن جريدة «الإخوان المسلمين» لم تكتب حرفًا واحدًا عن المعركة الوطنية والدستورية فى مصر.

وعندما دخل «إسماعيل صدقى» فى صراع مع الحركة الوطنية العام 1946، ورفض مَطالب القوى الوطنية بالحصول على الاستقلال التام لا التفاوض على معاهدة جديدة تقر الاحتلال البريطانى كما يرغب «صدقى»، لجأ الأخير إلى العنف والقمع ورد الطلاب والعمال بالتظاهرات التى أدت إلى سقوط قتلى، وأمام صعوبة الوضع لم يجد «صدقى» إلا الإخوان لشق وحدة الطلاب، فكوّنت الجماعة «اللجنة القومية للطلبة والعمال» التى رأى فيها الباحث «مازن مهدى» «محاولة يائسة من قِبَل صدقى باشا والإخوان المسلمين بهدف ضرب الحركة الوطنية الطلابية، وشق وحدة الصف بين الطلبة والعمال».

خدمات «الإخوان» فى خيانة الحركة الوطنية لصالح القصر والإنجليز، انتهت نهاية «جزاء سنمار»، فالقصر وأحزابه بعد الانتهاء من استخدام الجماعة فى مهاجمة حزب «الوفد»، بدأوا فى التخلص من الجماعة نفسها التى دخلت فى مرحلة استغلال التقارب مع القصر للتمكين لنفسها وتكوين ميليشيات شبه مسلحة وكانت النتيجة خلع التنظيم قناع الدعوة والدين ليظهر وجهه الحقيقى مع ما يُعرف بالتنظيم السّرّى المسلح للإخوان فى أربعينيات القرن العشرين بسلسلة من الأعمال الإرهابية التى كانت تسبب أضرارًا لمصر على كل المستويات أكبر من الأضرار الملموسة سواء بتدمير ممتلكات أو سقوط ضحايا.

بدءًا من اغتيال «أحمد باشا ماهر» فى فبراير 1945 ثم نسف سينما ميامى فى مايو 1946 ثم عمليات نسف سينما مترو وكوزموس ومتروبول فى 6 مايو 1947 وصولاً لاغتيال قاضى قضاة مصر «أحمد الخازندار» فى مارس 1948لكى لا ينظر أوراق قضية تفجيرات سينما مترو.

ولم يتوقف القتل والأمر به على الشأن الداخلى فى مصر؛ بل خرجت أوامر «حسن البنا» بالقتل لتصل إلى اليَمَن، فاغتيال الملك «يحيى» ملك اليمن وأولاده فى فبراير 1948كان بأوامر من «حسن البنا» لشُعبة الإخوان المسلمين فى اليَمن فى ثورة فاشلة استمرت نحو 26 يومًا.

 وفى 4 أبريل 1948 شهدت مناطق شبرا وروض الفرج وشارع السندوبى ووكر الجيزة ما عُرفت بـ«جرائم الأوكار».

كما دمرت الجماعة حارة اليهود فى 20 يوليو 1948، ونسفت شارع فؤاد فى شهر يونيو 1948 ومحلات عدس وبنزيون فى أغسطس 1948، وحارة اليهود للمرة الثانية خلال عام فى سبتمبر 1948.

إلا أنهم كانوا ينكرون علاقتهم بكل ما سبق حتى وقعت الواقعة الشهيرة تاريخيًا بـحادث «السيارة الچيب» فى 15 نوفمبر 1948؛ حيث قام عدد من أعضاء الإخوان بنقل أوراق خاصة بالنظام وبعض الأسلحة والمتفجرات فى سيارة چيب من إحدى الشقق بحى المحمدى إلى شقة أحد الإخوان بالعباسية إلا أنه تم الاشتباه فى السيارة التى لم تكن تحمل أرقامًا وتم القبض على أعضاء التنظيم والسيارة لينكشف بذلك النظام الخاص السّرّى لجماعة الإخوان المسلمين والذى كان يعمل ليخدم مصالحها لا مقاومة المحتل الإنجليزى.

وفى السابع من ديسمبر عام 1948 ذهب «حسن البنا» مرشد الإخوان إلى وزارة الداخلية طالبًا لقاء «النقراشى باشا» رئيس الوزراء ووزير الداخلية وقتها.. كان «البنا» مرتبكًا حزينًا يبكى بكاءً مريرًا ترجّى وكيل الداخلية «عبدالرحمن بك عمار» أن يسمح له بالدخول إلى «النقراشى باشا».. فقد علم «البنا» أن قرارًا بحل الجماعة قد صدر وأن الحكومة على وشَك الإعلان عنه لكن اللقاء بين النقراشى والبنا لم يتم.

فى صبيحة اليوم التالى مباشرة صدر قرار حل جماعة الإخوان المسلمين وتفكيك شُعَبها.. فقررت الجماعة أن تنتقم ولم يمر سوى عشرين يومًا فقط حتى قامت الجماعة باغتيال «النقراشى باشا» على يد «عبدالمجيد أحمد حسن» عضو التنظيم الخاص للجماعة الذى ادّعى فى اعترافاته أنه قتل «النقراشى» لأنه خائن وعميل للإنجليز، وهو ما يتنافى مع حقائق تاريخية ثابتة. ومرّة أخرى تثبت الجماعة أنها تعمل ضد الوطن ومصالحه وتؤكد على ذلك بكل فعلة شنعاء وتسطر ذلك بمداد من الدم، فالاغتيال جاء بعد خطاب «النقراشى باشا» رئيس مجلس وزراء مصر فى مجلس الأمن فى 5 أغسطس سنة 1947ورفضه التفاوض مع الإنجليز إلا بشروط وكذلك رفضه انفصال السودان عن مصر ودفاعه عن وحدة المملكة، وهو أمْرٌ ثابت فى أوراق تاريخية وللأسباب نفسها تم اغتياله بعد أن أحرج الإنجليز أمام المجتمع الدولى بذهابه إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة لفضح مواقفهم الاستعمارية، كما أن الخونة المنفذين لعملية الاغتيال كان لهم ثأر عند الرجل بسبب قرار حل عصابتهم، ولأن الجزاء دائمًا من جنس العمل فكان رد القصر باغتيال «حسن البنا» شخصيًا وبالطريقة نفسها.

كانت جماعة الإخوان ظاهريًا جماعة سلمية وفى الخفاء تعد ما استطاعت من قوة ورباط لكن ليس لترهب أعداء الوطن من الإنجليز المحتلين لمصر لكن لاستغلال حالة الفوضى السياسية التى تشهدها مصر، وكان القضاء عليهم وإنقاذ مصر منهم أسهل بكثير فى هذا الوقت، إلا أن الفرصة الثانية التى مُنحت لهم عقب ثورة يوليو كانت خطأ كارثيًا.

خيانة الإخوان لثورة الشعب!

لم تتعلم جماعة «الإخوان» وظلت حبيسة أطماعها الذاتية فى احتكار السُّلطة والجلوس على عرش الدولة بشكل منفرد، فمحنة نهاية الملكية عمّقت الشعور الذاتى بالمظلومية، ومع بزوغ فجر عهد جديد فى 23 يوليو 1952، ومع استطاعة الضباط الأحرار التخلص من النظام الملكى، ظن «الإخوان» أنها فرصة ذهبية للسيطرة على حُكم مصر.

لم يجد «الإخوان» فرصة لخيانة فكرة الوطنية إلا وانتهزوها، لذا لم يكن غريبًا أن يكشف الباحث المؤرخ البريطانى «مارك كورتيس» فى كتابه «التاريخ السّرّى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»، تاريخ العلاقات «البريطانية- الإخوانية»؛ استنادًا لوثائق أصلية فى الأرشيف البريطانى، وكيف استخدمت لندن الجماعة فى تثبيت أقدام الاحتلال فى وادى النيل، لكن الأخطر والذى تكشفه الوثائق البريطانية، هو التحالف بين «الإخوان» ورجال الاحتلال لمواجهة زعامة «عبدالناصر» الصاعدة، ففى أوائل 1953، اجتمع مسئولون بريطانيون مباشرة بمرشد الجماعة «حسن الهضيبى».. ويخلص «ريتشارد ميتشل»، صاحب أهم دراسة عن «الإخوان المسلمين»، إلى أن دخول «الإخوان» فى مفاوضات الجلاء تم بطلب من البريطانيين وأثار صعوبات بالنسبة لمفاوضى الحكومة المصرية، موفرًا «للجانب البريطانى أداة للتأثير».. وأشار «كورتيس» إلى أن البريطانيين فى سعيهم لاستطلاع وجهات نظر «الإخوان»، كانوا يرغبون فى استخدام الجماعة للتدخل فى شئون الأمّة المصرية، وكان «الهضيبى» فى موافقته على إجراء المحادثات، يدعم هذه الفكرة وبذلك يضعف موقف الحكومة.

وأكد «محمد حسنين هيكل» هذه الوقائع، كاشفًا فى كتابه «ملفات السويس»، تلقى «عبدالناصر» لتقارير عن الاجتماعات التى عَقدها «الهضيبى» فى بيته مع المستشار الشرقى للسفارة البريطانية، «تريفور إيفانز»، وأخبر «الهضيبى» البريطانيين رغبته فى التحالف معهم حال الوصول إلى السُّلطة، على أن يمنح بريطانيا حقوقًا دائمة فى قاعدة قناة السويس بعد الانسحاب الرسمى لقوات الاحتلال، وهو ما جعل «عبدالناصر» يستشيط غضبًا من هذه التقارير التى جاءت فى وقت تتعثر فيه مفاوضات الجلاء مع الاحتلال البريطانى، وكانت الجماعة تتلاعب بالمواقف الوطنية من أجل تثبيت مكاسب خاصة بها، فالجماعة طوال تاريخها لم تهتم إلا بتحقيق مصالحها الشخصية، فالجماعة وفقًا لشهادة المستشار «طارق البشرى» فى كتابه «الحركة السياسية فى مصر»، كان اهتمامها بالقضايا الوطنية ضعيفًا منذ الأربعينيات.

وتحتوى ملفات الأرشيف البريطانى على مذكرة تتضمّن تفاصيل اجتماع عُقد بين المسئولين البريطانيين والإخوان فى 7 فبراير 1953، أخبر فيه شخص اسمه «أبو رقيق»، المستشار الشرقى للسفارة البريطانية «تريفور إيفانز»، أنه: (إذا بحثت مصر فى كل أرجاء العالم عن صديق فلن تجد سوى بريطانيا)، وفسّرت السفارة البريطانية فى القاهرة هذا التعليق بأنه يكشف عن وجود مجموعة داخل قادة الإخوان مستعدة للتعاون مع بريطانيا، لكن هذه الاتصالات أدت إلى توتر العلاقة بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة؛ خصوصًا مع محاولة الجماعة استعراض القوة فى تظاهرة أمام جامعة القاهرة يناير 1954، وتجمّعت معلومات بمحاولة «الإخوان» لتجنيد عناصر بالجيش والشرطة استعدادًا للإطاحة بـ«عبدالناصر»، الذى رد بإصدار قرار مجلس قيادة الثورة بحل الجماعة، فنظم قادة التنظيم السّرّى تظاهرة حاشدة أمام قصر عابدين فى 28 فبراير، ومارَسَ أنصارُ الإخوان الإرهابَ وأطلقوا النار فى قصر النيل، لكن تحركات الجماعة فشلت مرّة أخرى، هنا لجأت الجماعة إلى خيانة الأمّة المصرية عبر التحالف مع الإنجليز مجددًا.

وردت بمحاولة اغتيال «جمال عبدالناصر» فى المنشية أكتوبر 1954، وهى جريمة يبدو أن الإنجليز كانوا على علْم بها، كما أن الجماعة بعد أن شعرت بـ «التمكين» فى عهد «محمد مرسى» اعترف كوادرها بتدبير محاولة الاغتيال بعد عقود من الإنكار.

ويقر «كورتيس» الذى ألّفَ كتابه فى 2010 بأن الكثير من الملفات البريطانية الخاصة بأزمة «قناة السويس» قيد الرقابة رُغْمَ مرور عقود طويلة عليها، لكن بعض المعلومات تسربت على مَرّ السنين حول مختلف المحاولات البريطانية للإطاحة بـ«عبدالناصر» أو اغتياله؛ خصوصًا فى ظل أزمة السويس 1956، وانطوت واحدة على الأقل من هذه الخطط على التآمر مع «الإخوان المسلمين» لتنفيذ عملية اغتيال «عبدالناصر» وقلب نظام الحكم والمجىء بحكومة إخوانية متحالفة مع الإنجليز إذا ما نجح العدوان الثلاثى على مصر، وقد أجريت لقاءات سرّيّة بين رجال المخابرات البريطانية وعناصر الإخوان فى سويسرا من أجل هذا المشروع الذى يكرّس نزعة الخيانة عند الجماعة التى أسَّسَت تاريخها كله على معاداة الوطنية المصرية.

نجح «ناصر» فى توجيه عدة ضربات قوية لتنظيم الإخوان فى الداخل، كانت أشهَر تلك الضربات فى عامَىْ 1954 و1965 وتم إلقاء القبض على المئات منهم لقيامهم بأعمال تخريبية وانتقامية والاستمرار فى محاولات اغتيال «عبدالناصر» والتآمر على مصر.

ربما يذكرنا هذا المَشهد بما حدث بعد ثورة «30 يونيو»؛ حيث دخلت الدولة المصرية فى مواجهة أمنية عنيفة ضد تنظيم الإخوان ردًا على العمليات الإرهابية التى قام بها التنظيم وتعددت مواقع المواجهة، ففى سيناء خاضت الدولة المصرية وقواتها المسلحة حربًا عنيفة ضد العناصر التكفيرية والتى سعت جماعة الإخوان الإرهابية لتسليحهم بغرض تدخلهم ضد أجهزة الدولة حيال حدوث صدام بين الجماعة والدولة.

وفى الوادى والدلتا خاضت الشرطة معارك عنيفة ضد التنظيمات التى وُلدت من رحم الجماعة تحت مسمى حسم ولواء الثورة ونجحت القوات المسلحة والأجهزة الأمنية فى حسم المعركة لحساب الدولة.

المواجهة بين الجانبين على الصعيد الداخلى أخذت بُعدًا أمنيًا سواء على عهد الحقبة الناصرية أو بعد قيام ثورة 30 يونيو»، فالإخوان انخرطوا فى الحالتين فى أعمال عنف وإرهاب ضد الدولة بغرض إسقاط النظام. 

وفى الحالتين الدولة أدركت أن المواجهة الأمنية ضرورية ولازمة للقضاء على ذلك التنظيم لما يشكله من خطورة على مؤسَّسات الدولة.

لكن ما يميز تعامُل الرئيس «السيسى» مع الموقف عن «عبدالناصر» أن الرئيس «السيسى» كان أكثر حسمًا فى تفكيك البنية التحتية للجماعة الإرهابية، فالضربات الأمنية التى وجّهتها الدولة المصرية للتنظيم الإرهابى نجحت فى شل حركته للإضرار بمصر أمنيًا وسياسيًا؛ حيث أدرك الرئيس «السيسى» أن حسم المعركة ضد الإخوان لن يكون إلا عبر حرب إقليمية ودولية يتم خلالها الإجهاز على ذلك التنظيم.

بينما اكتفاء نظام «عبدالناصر» بحل الجماعة وحظرها والقبض على بعض قيادتها والسماح بهروب باقى قادتها وشيوخها إلى الخارج مَكّن تنظيم الإخوان فى صناعة ما يسمى بالتنظيم الدولى وإقامة قواعد لهم فى الخارج تمثل لهم السَّنَد والعَون فى إعادة تنظيم صفوفهم وإيجاد صيغة للعودة مجددًا للساحة المصرية، فالإخوان اتخذوا من دول الخليج مَقرًا لتواجدهم وتجمعهم ولاسيما فى اليمن التى كان لهم فيها تجربة فاشلة للثورة على إمامها.

خطأ السادات الكارثى!

لم تُغَير الجماعة نهجها أبدًا، فهى ترى نفسها فوق أى شىء سواء الوطن أو الأحزاب، تعيش فى وهْم احتكار الصواب، لذا لم تجر أى مراجعة حقيقية لأخطاء الجماعة المتمثلة فى خيانة الحركة الوطنية باستمرار، فكانت النتيجة الطبيعية هى تكرار الأخطاء نفسها بسذاجة من لا يريد أن يتعلم من تجاربه الفاشلة، وهو ما تكرّر فى عصر الرئيس «أنور السادات»، الذى أراد استخدام الإخوان والتيار الإسلامى عمومًا فى ضرب التيار الناصرى والاشتراكيين، ولم يجد «السادات» أفضل من الإخوان لاستخدامهم فى ظل موقف مُعَقد فى الداخل والخارج، فهو يريد استعادة سيناء وشن حرب على إسرائيل وبناء الجيش فى الوقت الذى يحيط به مراكز قوى تجعله رئيسًا محدودَ الصلاحيات.

حتى مواجهات الإخوان مع «السادات» فى نهاية حياته كانت تدور حول رغبة الجماعة فى مساحة أكبر من النفوذ لا دفاعًا عن حقوق المصريين، وهو ما رد عليه «السادات» بشراسة، ليلقى بقيادات الجماعة فى السجون ضمن حركة اعتقالات واسعة طالت معظم التيارات السياسية.

وفى خطابه الشهير، يوم 5 سبتمبر 1981، اعترف «السادات» بأن إعادة الإخوان للحياة السياسية ودمجهم فى الواقع كان خطأ. لعل مَشهد اغتيال الرئيس «السادات» بأيدى أعداء الوطن الذين استعان بهم وأعطاهم الأمان فقتلوه وفى ذكرى أكبر نصر لمصر هو صورة بألف معنى لا تحتاج إلى شرح تفاصيل ما قام به الإخوان فى عهد «السادات» رُغْمَ ما قدّمه لهم هى صورة أبلغ من أى كلمات تعطى رسالة واضحة قم بتربية ثعبان فى منزلك ولا تلم إلا نفسك عندما يلتف عليك ويعصرك قبل أن يلدغك.

مبارك وبداية النهاية!

وللأسف بدلاً من أن يبدأ «مبارك» عصرَه بالتخلص من الإخوان والجماعات فى توقيت كانوا غارقين حتى رقابهم فى دماء المصريين تركهم يسيطرون على النقابات والجامعات والمحليات وكان التعامل بينه وبينهم يحكمه شعرة معاوية إذا جذب أرخوا وإذا أرخوا جذب حتى لا تنقطع هذه الشعرة، واستمر الوضع حتى عام 1997 وما أعقبه من مراجعات فكرية وإطلاق سراح قيادات الجماعات الإسلامية ثم دخول خمسة من قيادات الإخوان للبرلمان عام 2000 وفى 2005 مجموعة الـ88 وطوال تلك الفترة كانوا يمارسون دورهم فى التخابر وطعن الوطن الطعنة تلو الأخرى، وما حدث منذ يناير 2001 إلى الآن عشناه جميعًا ولا يحتاج إلى إعادة تذكرة.

لذلك سيذكر التاريخ أن الرئيس «عبدالفتاح السيسى» كان أول رئيس يتخذ قرارًا بالقضاء على الأفعَى من رأسها إلى ذيلها وتطهير مصر والمنطقة العربية من الإرهاب، ونجح فى 7 سنوات فى حماية دولته ودول الجوار وحتى دول الخليج التى قال إن أمنها من أمن مصر وإن تعرّضت لمكروه فالأمر لن يستغرق (مسافة السِّكة) لتتدخل مصر فورًا.