الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

5 ملايين امرأة مصرية يُعانين من العنف الأسرى: متى تعود الحياة الزوجية للمودة والرحمة؟

احتقان عائلى، مشكلات اقتصادية، محاولة فاشلة للخُلع، تدخُّل الأهل فى حياة الزوجين، طلب الزوجة لتكييفات ترحمها من حَرّ الصيف، شجار ضخم على شحن عدّاد الكهرباء، ضرب وصراخ ولكمات وصفعات وبكاء و«حَما» ترفض مساعدة الجيران لفض الاشتباك بين ابنها وزوجته من باب حقه فى التأديب والضرب «ومحدش يتدخل بين راجل ومراته»؟! النهاية تعيسة وحزينة طعنات متفرقة ودماء أمام أعين الأطفال، لأكثر من 10 حالات قتل بين الأزواج شهدها شهر يوليو، وهزت ثلاث منها الرأى العام لبشاعة وتجاوز كل التوقعات المعروفة عن الحياة الأسرية القائمة على المودة والرحمة.



أبطال هذه القصص المأساوية تتباين بين عاطل يطعن زوجته 27 طعنة بالسكين فى بنى سويف لتجرؤها لطلب الخُلع هربًا من حياة زوجية تعيسة، وطبيب أسنان يطعن زوجته الطبيبة فى المنصورة، وفتاة عشرينية بطوخ تنهى حياة زوجها المحاسب بعد محاولته خنقها وضربها جراء مشاجرة على شحن عداد الكهرباء. 

طرحت موجة العنف الأسرى الأخيرة عدة تساؤلات منها أسبابها، حلولها، وأعادت النقاش بقوة حول أسباب تأخير إقرار قانون العنف الموحد لمواجهة العنف ضد المرأة المجمد منذ سنوات فى أدراج البرلمان.

  علم الاجتماع: العنف الأسرى جزء من العنف العام بالمجتمع 

فى البداية تُحلل الدكتورة هالة منصور أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها، أسباب حدوث جرائم القتل الأسرى فى ضوء حالة العنف العام التى يشهدها المجتمع المصرى. تُوضح : «هناك حزمة من الضغوط التى يعيشها الشارع المصرى تتباين بين الاقتصادية، الاجتماعية والاخلاقية؛ خصوصًا فى الطبقات التى تكافح لتحقق لذاتها نوعًا من الحراك الاجتماعى أو تلك التى تقاوم حتى لا تقع تحت خط الفقر، مضافًا لذلك نزعة العنف السائدة التى تُغذيها وسائل الإعلام من مسلسلات وأفلام، فضًلا عن استشراء حالة من الطموح المفترس بالمجتمع؛ معظم الناس لديهم طموح أعلى كثيرًا من قدراتها، وترى نفسَها مظلومة ومقهورة، وهذا الظلم الوهمى والمقارنات دائمًا تُحضر معها للأشخاص الإحباط والعنف الشديد! 

تُكمل د.هالة فى حديثها لـ«روزاليوسف»: إن هذه العوامل السابقة لا تنفصل عن العلاقات الزوجية، فنشهد صراع الأدوار داخل الأسرة المصرية وشعور كل طرف بأن الآخر سبب شقائه ويضغط عليه، ومن ثم تؤدى هذه المنظومة من العنف إلى ردود فعل وحالات انفعال سريعة تجاه أى موقف بسيط».

 غياب الأسباب المنطقية لجريمة القتل

«لو قمنا بتحليل كل حالات القتل الأسرى الأخيرة، سنلاحظ غياب الأسباب المنطقية التى تدفع لجريمة القتل كما أنها تعكس حالة عنف عامّة ليس لها علاقة بمهنة أو مستوى تعليمى أو اقتصادى معين، فهناك (الطبيب- المحاسب- المهندسة - العاطل- العامل) تنوع بين مرتكبى جرائم القتل، لذا هى جرائم وليدة اللحظة دون تفكير أو تخطيط لها،  ناتجة عن ضغوط نفسية متراكمة وجرعات عنف مكثفة توجد فى كل شىء حولنا تنفجر عند أول مشكلة، وانفلات السيطرة على ردود الفعل لدى مُرتكبيها.

وعن ارتباط معظم حوادث القتل الأخيرة بخلافات زوجية ورغبة الزوجة فى الطلاق مع رفض اسرتها أو زوجها لذلك تؤكد أستاذ علم الاجتماع: «الطلاق أحيانًا يكون الدرج قبل الأخيرة من القتل، ومحاولة لخروج السيدة من المأزق بالطلاق ولكن مع غياب وعى الطرف الثانى بتلبية هذه الرغبة وعدم توقعه بأن يأس الزوجة أحيانًا يجعلها تمارس سلوكًا غير منطقى وتقتله يسبب هذه الكارثة فى النهاية سواء فى وجه الأسرة أو المجتمع».

 قتل الأزواج والزوجات ليس ظاهرة ولكن مجرد صُدَف

وتُشدد إن هذه الجرائم الأخيرة من قتل الأزواج والزوجات ليست ظاهرة ولكن مجرد صُدَف تتابعت فيها الحوادث مؤخرًا وظهرت بالإعلام، ولكن هذا المعدل من الجرائم موجود طيلة الوقت. 

أخيرًا وماذا عن الحلول.. ترى د.هالة منصور أستاذة علم الاجتماع «العودة لمفهوم الزواج كمؤسسة اجتماعية قائمة على المودة والحب والرحمة وليس مؤسسة تجارية لإشباع الرغبات سواء كانت مادية أو جنسية، علينا أن نعود للأسرة بمفهومها الحقيقى»، معربة أن «إصدار قانون لمواجهة العنف الأسرى لن ينجح دون رفع معدلات الوعى الثقافى والدينى والاجتماعى والفنى وقيام كل المؤسسات التربوية بدورها؛ لأن بيئة القانون أهم من القانون». 

تُعرّف الأمم المتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنّه «أىّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجّح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحيـــــة الجسمانيــــــة أو الجنسية أو النفسية، بما فى ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمـــــان التعسفى من الحرية، سواء حدث ذلك فى الحياة العامة أو الخاصة». 

يُذكر أن نتائج مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعى الذى أصدره المجلس القومى للمرأة بالتعاون مع الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عام 2015؛ انتهت إلى أن هناك 5 ملايين و600 ألف امرأة يعانين من عنف على يد الزوج أو الخطيب سنويًا، وهناك 2 مليون و400 ألف امرأة أصبن بنوع واحد أو أكثر من الإصابات نتيجة لعنف على يد الزوج أو الخطيب، وأن مليون امرأة يتركن منزل الزوجية نتيجة العنف على يد الزوج، وتصل تكلفة السكن البديل أو المأوى عندما تترك النساء منازلهن بسبب العنف على يد الزوج تبلغ 585 مليون جنيه سنويًا، وتتعرض نحو 200 ألف امرأة سنويًا لمضاعفات فى الحَمْل نتيجة العنف على يد الزوج، لم يتعد عدد النساء اللائى يبلغن الشرطة بحوادث العنف 75 ألف امرأة.

 المجلس القومى للمرأة يتقدم بمشروع قانون لحماية المرأة من كل أشكال العنف

على مدار السنوات الماضية ومع ارتفاع معدلات العنف الأسرى، تقدم المجلس القومى للمرأة بمشروع قانون معنى بحماية المرأة من كل أشكال العنف، التى تتعرض لها سواء فى نطاق الحقوق الشخصية أو الحقوق الاقتصادية، أو السياسية، أو الاجتماعية، كما تقدمت سبع منظمات نسوية بمشروع قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء عام 2018 وحملته للبرلمان النائبة نادية هنرى لعرضه على اللجان المختصة، ولكن لم تناقش هذه المشروعات حتى الآن. 

 أمل فهمى: القانون الموحد لن يقضى على العنف الأسرى ولكن سيحمى حق النساء فى الشكوى

«بلا شك أن تشريع القانون الموحد لمواجهة العنف ضد المرأة لن يقضى مباشرة على جرائم العنف الأسرى، ولكن وجود القانون يمثل ضمانة للنساء وأداة حماية لهن، عندما تذهب إلى قسم الشرطة لتحرير محضر تعدى وضرب ضد زوجها، أو تذهب فتاة تشكو من تعذيب واحتجاز عائلتها لها فى المنزل، يأتى الرد: هذه أمور عائلية ولا ينبغى تصعيد الموقف بين زوج وزوجته أو فتاة وأسرتها، بل فى بعض الأحيان يلجأ الزوج لتحرير محضر مضاد للزوجة رغم اعتدائه عليها من أجل تهديدها وإجبارها على التنازل عن محضرها، وهو ما يتماشى مع العقلية الذكورية التى تتلقى المحضر فى القسم، والتى لا تعطى اهتمامًا أو وزنًا لشكاوَى النساء المعنفات «تُفسر الدكتورة أمل فهمى مديرة مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعى،أهمية أسباب إقرار هذا القانون». 

وتُضيف: إن مشروع القانون الذى شاركت فى تدوينه وإعداده مع سبع منظمات نسوية أخرى يضمن آليات الحماية للنساء بدءًا من وجود خط ساخن لتلقى الشكاوى يضم متخصصين ويكون من بينهم سيدات وكذلك وحدة فى القسم متخصصة تتلقى الشكوى وغيرها من الخطوات الإجرائية أثناء التقاضى. 

 القانون سيحول الشجارات العائلية إلى جريمة واضحة وصريحة

تؤكد مديرة مركز تدوين أن القانون الجديد سيحول هذه الشجارات العائلية من ضرب واعتداء نراه يصل إلى القتل الآن والتى يعتبرها المجتمع شأنًا داخليًا بين الزوج والزوجه؟!، إلى جريمة واضحة وصريحة يعاقب عليها القانون، وهو يحقق شكلاً من أشكال الردع ويساهم فى تقليص معدلات العنف الأسرى.

وشددت على أهمية وجود حزمة من الإجراءات المصاحبة لإقرار القانون، منها التوعية الاجتماعية، التدريبات، وتوفير بيوت الرعاية الآمنة للنساء المعفنات؛ حيث لا يكفى وجود 8 مراكز تابعة لوزارة التضامن الاجتماعى لتستوعب هذه النسبة الكبيرة من السيدات اللاتى يتعرضن لعنف الشريك فى مصر.

وأضافت: إن هذه البيوت تعانى من البيروقراطية؛ حيث ترفض استقبال النساء المعنفات دون وجود فيش وتشبيه، فمثلاً لو تعرضت زوجة للضرب يوم الجمعة ولجأت للبيوت الآمنة لن تتمكن من الدخول؟!، كذلك ترفض هذه البيوت استضافة السيدات بأطفالهن، وهو غير منطقى فأين تترك الأم أبناءها الصغار بعد تركها منزل الزوجية الذى تواجه فيه العنف؟! 

وتأمل أمل فهمى نقاش البرلمان لمشروع قانون مناهضة العنف الأسرى خلال الفترة المقبلة، ومد جسور التعاون مع المجتمع المدنى فى هذه النقاشات حول القانون للوصول لأفضل ما يناسب ويحمى المرأة والأسرة المصرية حتى يخرج القانون للنور. 

 رضا الدنبوقى: قانون العقوبات لا يعترف بجرائم العنف الأسرى بل يرسخها!

ولكن حتى إقرار القانون الموحد للعنف ضد المرأة، ماذا عن القانون الحالى وردعه للعنف الأسرى؟ 

أجاب رضا الدنبوقى المحامى، ومدير مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية قائلاً: «قانون العقوبات لا ينص على مواد واضحة تعاقب على جرائم العنف الأسرى، ولكن كلها نصوص تعاقب على جرائم تقع سواء داخل أو خارج الأسرة، فمثلا المادة (242) التى تنص على عقوبة التعدى وإحداث الجرح سواء العمدى أو غير العمدى، وكذلك المادة (237) عن عقوبة جريمة القتل وهكذا مع مواد الاغتصاب وهتك العرض ولكن ليس لدينا مواد قانونية تتناول مفهوم العنف الأسرى. 

يُكمل: «بل هناك مواد قانونية تمييزية تُخالف الدستور 2014 الذى نص على المساواة بين الرجل والمرأة وحمايتها من أشكال العنف، لنصبح أمام مواد ترسخ وتقنن العنف ضد النساء، منها مثلا؛ المادة (60) من قانون العقوبات التى تنص على: (لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة)، وهذه المادة تفتح الباب أمام حق التأديب سواء الزوج لزوجته والأخ لأخته والأب لابنته، وهى من المواد الواجب تعديلها لتوافق الدستور. 

ويُؤكد «الدنبوقى» فى تصريحاته لـ«روزاليوسف»: «إن أوجه القصور فى القانون الحالى وعدم ردعه لجرائم العنف الأسرى أحد أسباب انتشارها؛ خصوصًا مع طول أمَد التقاضى فى محاكم الأسرة، ومواجهة النساء شكل آخر من التمييز فى مسألة الطلاق، فالطلاق بالإرادة المنفردة هو حق للرجل فقط، ولكن رغبة الزوجة فى الطلاق تلزمها اللجوء للمحكمة الاستناد لشهود لإثبات وقوع الضرر، رغم أنه وفقًا للدستور الذى ينص على المساواة فى مادته (11) يجب أن يلجأ الطرفان للمحكمة لطلب التطليق والحفاظ على حقوق الزوجة بألا تظل مُعَلقة مثلا ومطلقة شفاهيًا دون حقوق بينما الرجل يتزوج عدة مرات أخرى! 

ويستطرد قائًلا: «إن هذه الضغوط القضائية التى تواجهها الزوجة بمفردها للطلاق، فضلا عن ضغط العائلة ووصم المجتمع ونبذه للمرأة المطلقة وتلك النفقات الهزيلة التى تحصل عليها المرأة فى نهاية سنوات التقاضى أمام محكمة الأسرة ولا تزيد على 500 جنيه، تتجمع كل هذه العوامل وتنفجر فى النهاية فى جرائم القتل الأسرى». 

 معظم جرائم العنف الأسرى ليست بقصد جنائى ولكن تقع فى ضوء ظروف معينة

يُعرب مدير مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية: «إن معظم جرائم العنف الأسرى لا يكون فيها قصد جنائى وترصد بقدر ما هى جريمة تقع فى ضوء ظروف معينة، ولو كنت مكان القاضى لن أحكم مطلقًا على السيدات فى مثل هذه الظروف بالحبس ولو 24 ساعة، فهى جرائم غير مقصودة؛ نظرًا لظروف الواقعة وملابساتها من ضغط وإكراه الزوجة والذى جعلها ترتكب الجريمة». 

« آن الأوان لتشريع قانون موحد لمكافحة العنف الأسرى والجنسى؛ لأنه سيحل أزمة جرائم العنف المنزلى وكذلك يسهل من إجراءات المحاكم ويقلل من مُدد التقاضى وسرعة إنجازها والفصل فيها للوصول لعدالة حقيقية للفئات المهمشة وعلى رأسهم المرأة والطفل، مُندهشًا من وجود مشروعات قوانين جاهزة أعدتها منظمات نسوية قبل 10 سنوات ولكن تظل هذه المشروعات قابعة فى أدراج البرلمان خلال سواء فى دورته السابقة أو الحالية دون أدنى التفات لها»؟! يختتم الدنبوقى حديثه.

 سناء السعيد: لا نريد أن نظلم البرلمان وجرائم قتل الأزواج حالات فردية 

توجهنا لـ سناء السعيد عضو مجلس النواب؛ لنسألها عن أسباب تأخر البرلمان فى مناقشة مشروع القانون الموحد لمواجهة العنف ضد المرأة حتى الآن، قالت السعيد: «لا نريد أن نظلم البرلمان، بالفعل هناك عدة جهات تعمل على إعداد مشروع القانون الموحد لمواجهة العنف ضد المرأة سواء المجلس القومى للمرأة الذى لديه مشروع منذ 2018 وأحزاب ومبادرات فردية من نائبات ونواب، ولكن نظرًا لقصر دور الانعقاد السابق للبرلمان لم نأخذ فرصتنا لمناقشتها، لكن أؤكد أن هذا القانون سيكون على رأس الأجندة التشريعية خلال دور الانعقاد القادم، وهوما يأتى فى ضوء التزامنا بتعديل التشريعات بما تتناسب مع نصوص الدستور لمواجهة الظواهر المجتمعية السلبية». 

واستدركت عضو مجلس النواب فى تصريحاتها لـ«روزاليوسف»: «بكل تأكيد جرائم العنف الأسرى مرفوضة، والجميع خاسر منها سواء رجلاً أو امرأة، فهى تدمر الأسرة وتلقى بمستقبل الأطفال للمجهول، ولكن ما رصده الإعلام مؤخرًا ستظل مجرد حوادث فردية وليست ظاهرة أو هذا هو المجتمع أو شكل الأسرة المصرية تعود لظروف نفسية وأسرية، ولسنا بمفردنا فى العالم، شاهدت أثناء سفرى لألمانيا العديد من دور الضيافة التى تؤهل النساء المعنفات سواء من العائلة أو الزوج، ويجب أن نسعى للتوعية المجتمعية ونبذ العنف واحترام دور الأسرة وكيانها بدءًا من المَدرسة، دور العبادة، الإعلام، منظمات المجتمع المدنى وغيرها؛ لأن القانون بمفرده ليس حلاً».