الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نساء فى حياة الأنبياء «رحمة».. فى المودة والرحمة زوجة النبى أيوب مثال للصبر! " 5 "

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

من الأمثال المشهورة: «يا صبر أيوب»، والمَثل يرتبط بالنبى أيوب عليه السلام، الذى صار مَضربًا للأمثال فى الصبر بعدما أصابه المرض والأذى.

والصبر نوعان؛ صبر عند المحنة والنقمة، وصبر عند المنحة والنعمة: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، الأنبياء 35، وتختلف ردود أفعال الناس فيما يحسبونه خيرًا أو شرًا.

وفى أوقات المحنة والنقمة يكون الصبر أسهل، والأصعب هو الصبر عند المنحة والنعمة؛ لأن الأغلبية تعتبر النّعم حقًا مكتسبًا وتسىء استعمال النّعم، وفى المقابل تصبر الأقلية على النّعم وتقوم بواجب شكرها: (إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)، إبراهيم 5. والنبى أيوب من نَسْل النبى إبراهيم عليهما السلام، وفى الروايات أن النبى أيوب كان يعيش فى أرض حوران جنوب سورية، وكان رحيمًا بالمساكين، مُحسنًا يُطعم الفقراء والمحتاجين، وكان له مال وأولاد وخدم، وأراضٍ وزرع، وعاش غنيًا نحو 70 عامًا، ولكن الله ابتلاه فزال عنه ماله وهلك وَلده وقحطت الأرض، كما أصابه المرض فأصبح عاجزًا، واستمر فى مرضه ثلاثة عشر عامًا أو ثمانية عشر عامًا.

زوجة النبى أيوب

أمّا زوجته واسمها «ليا»، أو «رحمة»، وفى الروايات أنها ابنة النبى يعقوب، وأن النبى أيوب عاش فى زمن النبى يعقوب، وأن أمّ النبى أيوب هى ابنة النبى لوط عليهم السلام.

وفى الروايات أن زوجة النبى أيوب هى رحمة بنت إفرائيم بن يوسف بن يعقوب عليهم السلام، أو ليا بنت منشا بن يوسف، وعلى اختلاف الأسماء والنّسَب، فهم من ذرية ونَسل أنبياء فى نَسَب متصل إلى النبى إبراهيم عليه السلام.

وكانت غنية، فأنفقت مالها عليه حتى نفد، فصبرت معه، كانت تعمل بالأجر عند الناس لتوفر لها وله الطعام، وأظهرت الزوجة الشكر عند الغنى، والصبر عند الفقر، فكانت مثال الزوجة الصالحة.

وأخذ الشيطان يوسوس للناس كى يمنعوها من أن تخدم فى بيوتهم: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)، ص 41، فأصبح يصدها الناس من الخدمة لديهم، وعندما نفد المال وأغلق الناس فى وجهها الأبواب اضطرت أن تبيع ضفائرها لتشترى طعامًا، ثم ضاق بهما الحال، ففتنت بسبب البلاء وقالت لزوجها: ألست نبيًا، فادع ربّك يخفف بلاءَه عنك، فأجاب أيوب: أستحى من ربى فقد أكرمنى سبعين عامًا، وغضب منها ونذر أن يجلدها مائة جلدة إذا شفاه الله وعافاه.

 شفاؤه من مرضه

هنا دعا النبى أيوب، فاستجاب له تعالى وشفاه وجعله مَثلًا للعابدين: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)، الأنبياء 83-84.

والضرر الجسدى الذى أصاب النبى أيوب قد أضاف له ضررًا آخر؛ إذ تسلط عليه الشيطان بوساوسه: (أَنِّى مَسَّنِى الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)، ص 41، وجاءه العلاج وَحْيًا باستعمال الماء شرابًا واغتسالًا: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ)، ص 42، فطلب منه تعالى أن يضرب برجله الأرض فانفجرت تحتها عينان من الماء، فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى، فشفاه الله من المرض: (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِى الأَلْبَابِ)، ص 43، ومدحه تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، ص 44.

والشفاء عمومًا من الله تعالى الذى يشفى مريضًا كان مرضه مستعصيًا، حتى لا نعتقد أن الدواء وحده هو الشافى، فالله يسمح للدواء أن يداوى، حتى نجد المريض بعد مرضٍ مستعصى يعود سليمًا كما كان قبل المرض، لذلك يُعتبر اليأسُ كفًرًا: (..إِنَّهُ لاَ يَيْأَسٌ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، يوسف 87.

ولأنه تعالى يعلم أن الناس قد يتوهمون أن الهُدى من غير الله، وقد يتوهمون الرّزق من غير الله، وقد يتوهمون الشفاء من غير الله فجاءت هو لتؤكد أن الله تعالى هو الهادى والرازق والشافى: (الَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ. وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)، الشعراء 78 - 80.

حنثه بيمينه

عند عودة «رحمة» إلى بيتها لم ترَ النبى أيوبَ على فراشه فخشيت أن أصابه مكروه، ولكنها وجدته شابًا قويًا فلم تصدّق «رحمة» أنه زوجها، وأخبرها عن قَسَمه بأنه سيجلدها مائة جلدة على مراجعتها له، فأوحى تعالى إليه أن يأخذ حزمة من القش فيضربها بها ضربة واحدة وفاءً ليمينه، وكذلك تخفيفًا من الله عن هذه المرأة الصابرة: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، ص 44.

وعوّضه الله بضعف الرزق الذى فقده من الزرع والعبيد والأولاد جزاءً على صبره: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)، الأنبياء 84. عاش النبى أيوب عليه السلام بعد رفع الضر والمصائب عنه يؤدى ما فرض الله عليه ويدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ويستعمل ما رزقه الله من أموال كثيرة فى طاعة الله، إلى أن توفاه الله وهو عنه راضٍ، وقيل إنه عاش بعد شفائه عشر سنين.

لم يذكر القرآن تفاصيل دعوة النبى أيوب؛ وإنما تحدّث عن صبره على ما نزل به من الضر.

وفى الروايات أن النبى أيوب كان رجلًا ذا مال وصحة وأولاد، فأصيب بضرر فى جسده وماله وولده حتى لم يبقَ فى جسده مغرز إبرة سليمًا سوى قلبه، وفى الروايات كلام كثير عن سبب بلائه ومراجعته لربّه وضيقه من البلاء الذى نزل به، وأن الثلاثة الذين آمنوا به نهوه عن ذلك واعترضوا عليه، وقيل استعان به مظلوم فلم ينصره فابتلى بسبب ذلك، وقيل استضاف يومًا الناس فمنع فقيرًا الدخول فابتلى بذلك.

وتخلى عنه الناس القريب منهم والبعيد، إلا امرأته التى أصبحت تخدم الناس بالأجرة وتطعمه وتخدمه نحو ثمانى عشرة سنة، وأن الناس كانوا يبتعدون عن امرأته ويقولون نخشى العدوَى، حتى آل به الحال إلى أن ألقى به على مزبلة من مزابل البلدة.

 الصبر وحتميات القدر 

كل الرُّسُل فى دعوتهم الإصلاحية تعرضوا للأذى من أقوامهم، ومع اختلاف الزمان والمكان فقد قالوا نفس القول لأقوامهم إنهم يصبرون عن أذاهم متوكلين على الله: (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّـهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)، إبراهيم 12. ومن مكارم الأخلاق فى الإسلام أن يكون الصبر جميلًا: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا)، المعارج 5.

أمّا الحتميات فلا مَفر منها ولا اختيار لنا فيها، ولن نكون مسئولين عنها يوم القيامة، وهى الميلاد، والموت، والرزق، والابتلاءات من خير أو شر، وليس فى إمكان الإنسان التحكم فيها، كل ذلك مقدر ومكتوب قبل وجودنا فى الحياة: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ. لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)، الحديد 22-23.

وهناك حتميات يكون البشر سببًا فيها، مثل الموت قتلًا يتسبب فيه القاتل، وفى إحداث المصائب من خير أو شر قد تكون بفعل فاعل، وهناك حتميات تحدث دون تدخل بشرى كالمرض والكوارث الطبيعية، ولكنها كلها من الابتلاء بالخير والشر والفتنة فى الحياة: (كلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، الأنبياء 35.

كانوا فى الدنيا يتمسكون بكفرهم فهو صبر على التمسك بالباطل: (إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا)، الفرقان 42.

لذا يكون صبرهم شديدًا على عذاب جهنم وهم خالدون فيها يقال لهم وهم فيها: (اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، الطور 16، سواء صبروا أم لم يصبروا فلا مَخرج من العذاب، وفى هذا يكون صبرهم على عذاب النار الأكثر صبرًا؛ لأن عذابهم هو الأفظع، إنهم المتاجرون بالدين، يكتمون الحق ويبيعون الباطل، سيكون تعالى خصمًا لهم يوم القيامة:

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّـهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)، البقرة 174-175، يتعجب تعالى من صبرهم على النار: (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ).

ويوجد صبر سلبى بالكسل وانتظار النتيجة يحسبون ذلك صبرًا، هذا يقترب من معنى التواكل، الصبر الإيجابى يؤدى إلى التغيير إلى الأفضل والإصلاح، وبهذا يكون الصبر مساعدًا فى حركته الإصلاحية معتمدًا على الله متوكلاً عليه، هنا يكون الصبر الإيجابى مرتبطًا بالتوكل على الله.