الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ملاحقات وعقوبات غليظة: أخيرًا.. الجماعة «محظورة» فى أوروبا التنظيم يعيش أصعب أوقاته فى ملاذاته الآمنة

يواجه تنظيم الإخوان فى أوروبا، أوقاتا عصيبة وضربات غير مسبوقة، ضمن تحركات أوروبية لتقليم أظافره. كانت أحدث هذه التحركات فى ألمانيا والنمسا، فمنذ أيام قليلة أصدرت ألمانيا قرارا بحظر استخدام الرموز والشعارات التابعة لجامعة الإخوان المسلمين وجاء بعد هذا القرار موافقة البرلمان النمساوى على حظر الجماعة.



تأتى هذه القرارات فى إطار الاستراتيجيات المستحدثة التى ينفذها هذان البلدان وعدد من الدول الأوروبية لمواجهة خطر التيارات المتشددة وفى مقدمتها جماعة الإخوان، حيث تخوض الدول الأوروبية حربا شرسة ضد وجود جماعة الإخوان على أراضيها.

 

وصدرت فى بعض البلدان الأوروبية مؤخرا مجموعة من القوانين والتشريعات لتعزيز إجراءات مكافحة الإرهاب والتطرف، فشملت حظر رموز وشعارات جماعة الإخوان وكذلك نشاط عدد من التنظيمات المتشددة التى ترتبط بها. 

العزل والرقابة

وتسعى الحكومات الأوروبية إلى التصدى لظاهرة التطرف ومكافحة الجماعات المتطرفة، عن طريق عزلها ووضعها تحت الرقابة، فيما تعتزم تدشين مراكز جديدة مهمتها مراقبة المؤسسات والمنظمات المتطرفة فى البلاد كخطوة لمكافحة تيارات الإخوان أو ما يعرف بـ«الإسلام السياسى». ويرى متابعون أن جماعة الإخوان استخدمت منظمات العمل الاجتماعى والثقافى والمؤسسات الخيرية والدينية بمثابة مطية حتى تروج لأفكارها وتجند أعضاء جددا، فى مسعى إلى التغلغل فى تلك المجتمعات؛ خاصة وسط أبناء الجاليات الإسلامية والعربية، عن طريق استغلال شعارات دينية. 

ألمانيا  

شكل تنظيم الإخوان والجماعات المنبثقة منه تهديدا كبيرا ومتزايدا لألمانيا مؤخرا، ما دفع السلطات الألمانية لتتبع عناصر التنظيم ومراقبتهم وحظر أى نشاط لهم وكذلك تتبع ومراقبة الحركات الموالية لهم، حيث أشارت مجلة دير شبيغل الألمانية فى تقرير لها إلى أن وزارة الداخلية تراقب عن كثب أنشطة إحدى الحركات المنشأة حديثا والمحسوبة على تنظيم الإخوان، المجلة كشفت عن ظهور حركة إخوانية جديدة موحدة فى ألمانيا يرتكز وجودها فى هامبورغ ومناطق أخرى ببرلين تحت اسم (مسلم إنتراكتف) تضم جيلا جديدا من المتطرفين، هو الأحدث من المحسوبين على التنظيم فى ألمانيا، لافتة إلى أن انتشار الحركة يثير قلقا كبيرا بين السلطات الأمنية فى البلاد. 

تحذيرات استخباراتية

خمسة تحذيرات جديدة من خطورة تنظيم الإخوان أطلقتها الاستخبارات الداخلية الألمانية فى تقريرها لعام 2020، التحذير الأول كان من التزايد المطرد فى عناصر التنظيم النشطة بألمانيا، حيث زاد العدد من 1040 شخصا عام 2018 إلى 1350 فى 2019 ثم 1450 فى 2020.

وكان التحذير الثانى من الأهداف بعيدة المدى لتنظيم الإخوان فى ألمانيا حيث يسعى التنظيم إلى تغيير الأسس التى تقوم عليها جمهورية ألمانيا الاتحادية مثل الدستور والنظام الاجتماعى والقوانين المحلية، وتعلق التحذير الثالث بالاختراق الممنهج للمجتمع الألمانى عبر الروابط الأيديولوجية والهيكلية مع التنظيم العالمى للإخوان، والعمل على إنشاء نظام سياسى واجتماعى جديد قائم على نظرة التنظيم للعالم. 

أما التحذير الرابع فهو سعى التنظيم إلى امتلاك نفوذ واسع فى السياسة والمجتمع عبر شبكة من منظمات المجتمع المدنى المرتبطة به، وارتبط التحذير الخامس بالشبكة الأوروبية لتنظيم الإخوان التى تسعى لفرض سيطرتها على كامل أوروبا. 

لهذه الأسباب أصدرت ألمانيا، قانونًا اتحاديًا جديدًا يحظر استخدام الرموز والشعارات التى تنتمى إلى تنظيم داعش الإرهابى وتنظيم الإخوان الإرهابى وغيرهما من التنظيمات الإرهابية والمتشددة. 

ينص القانون الجديد فى ألمانيا، على حظر استخدام رموز كل من التنظيمات التالية: «داعش، والإخوان، وتنظيم القاعدة، وجماعة الأستاشه الصربية»، وغيرها من الجماعات الأخرى. 

النمسا  

وتأتى هذه الخطوة الألمانية الجديدة بعد ساعات من إقرار النمسا، قانونًا جديدًا لمكافحة الإرهاب والتطرف يستهدف تعزيز جهود الدولة لحظر نشاطات التنظيمات الإرهابية وملاحقة مموليها، حيث شملت قائمة للحظر تنظيم الإخوان.وتتيح التشريعات الجديدة فى النمسا تغليظ العقوبات على البيئات الحاضنة  للمتطرفين وتسهل عملية مراقبتهم وكذلك مراقبة خطاب الكراهية والتشدد الدينى واستغلال شبكة الإنترنت فى هذه الأغراض.

لتصبح النمسا أول دولة أوروبية تحظر التنظيم بشكل كامل. 

بريطانيا  

كانت دراسة صادرة عن المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، قد رسمت خريطة للمنظمات الإخوانية داخل الدول الأوروبية. 

ووفقا للدراسة، فإن جماعة الإخوان تمتلك 60 منظمة داخل بريطانيا، من بينها منظمات خيرية ومؤسسات فكرية، بل وقنوات تليفزيونية، ولاتزال الجماعة تفتتح مقرات لها فى بريطانيا كافتتاح مكتب الجماعة فى حى كريكلوود شمالى لندن. ومن أبرز هذه المنظمات، الرابطة الإسلامية فى بريطانيا التى أسسها كمال الهلباوى عام 1997، وترأستها رغد التكريتى ذات الأصول العراقية. كما تضم القائمة، المجلس الإسلامى البريطانى الذى أكدت تقارير حكومية فى البلد الأوروبى أن له صلات غير معلنة بجماعة الإخوان المسلمين، ويعد أكبر منظمة إسلامية فى المملكة المتحدة.ومؤسسة قرطبة TCF وهى مؤسسة فكرية شرق أوسطية تأسست عام 2005 على يد أنس التكريتى.ومنظمة الإغاثة الإسلامية فى بريطانيا، التى بدأ تأسيسها فى مدينة برمنغهام البريطانية على يد هانى البنا. 

مكامن الخطر  

ركزت جماعة الإخوان المسلمين فى سنوات نشأتها الأولى، وتحديدًا فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، على التوسع فى ثلاثة بلدان أوروبية رئيسية وهى: فرنسا وألمانيا ثم بريطانيا لاعتبارات التاريخ والجغرافيا السياسية، بالنظر إلى أنها تعد أكبر بلدان الاتحاد الأوروبى من حيث المساحة وعدد السكان، فضلًا عن أنها تمثل مركز استقطاب للجاليات الإسلامية القادمة من البلدان العربية والإسلامية التى كانت خاضعة لتأثيرها الثقافى والاستعمارى.

وقد وظفت الجماعة وجودها المؤسسى فى البلدان الثلاثة فى بناء شبكة من التحالفات والاعتماد المتبادل مع الكيانات الممثلة للكتل الإسلامية الرئيسية فى العالم من خلال الانفتاح على الإسلام التركى الموجود بكثافة فى ألمانيا. وحينما تم تأسيس التنظيم الدولى للإخوان المسلمين عام 1928 واصل مساعيه الرامية إلى تعزيز تغلغله فى الولايات المتحدة وأوروبا، ونجح فى ترسيخ نفوذه فى العديد من الدول الأوروبية، حتى إن نحو 95 % من أنشطة التنظيم الدولى وهيكلته، باتت متمركزة فى أوروبا وخصوصًا فى المربع الكلاسيكى للتحرك الإخوانى (بريطانيا – ألمانيا – سويسرا – بلجيكا)، هذا إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.

ومؤخرا بدأت جماعة الإخوان بالتواجد فى النمسا مع هجرة العديد من كوادرهم إلى النمسا خلال ستينيات القرن الماضى. وتم التأسيس لوجودهم على يد بعض المهاجرين مثل يوسف ندى وسعيد رمضان، ومع مرور الوقت نمت شبكاتهم وتطورت.

وتمكن هؤلاء الموالون للإخوان من إقامة شبكة من العلاقات القوية مع النخب، كما أنشأوا الأكاديميات التعليمية، والأعمال، والكيانات والشركات والجمعيات الخيرية والإنسانية، وتمتعوا بدرجة كبيرة من العلاقات والسلطة، بالنظر إلى أعضاء الإخوان المسلمين والمرتبطين بهم. ومن أبرز قياداتهم أيمن على، الذى عمل لعدة أعوام كبير أئمة فى غراتس. ومن أبرز المنظمات التى تعمل تحت غطاء إسلامى، الهيئة الدينية الإسلامية فى النمسا، ويعد أنس الشقفة أحد أبرز قادتها وانتخب رئيسا لـ الهيئة الدينية الإسلامية الجهوية فى فيينا.وتتألف الهيئة من 4 هيئات هي؛ الهيئة الدينية الإسلامية الجهوية فى فيينا وتخدم مقاطعات فيينا والنمسا المنخفضة وبورغنلاند، والهيئة الدينية الإسلامية الجهوية فى لينز، والهيئة الدينية الإسلامية الجهوية فى بريغنتنر، والهيئة الدينية الإسلامية الجهوية فى جراتس تخدم مقاطعات وشتايرمارك وكيرنتنو. كما تعتمد جماعة الإخوان على بعض الأكاديميات التعليمية والتدريبية للنفوذ من خلالها ومنها أكاديميّة التربية الدينية الإسلامية التى ترتبط بالعديد من الرّوابط مع تنظيم الإخوان المسلمين؛ ومن أبرز القيادات أمينة الزّيّات التى تولت منصب مدير أكاديميّة التربية الدينية الإسلامية.وهناك أيضا منظمة الشباب النمساوى المسلم، وتعد التركية دودو كوتشكجول أحد أهم كوادرها، وقادت حملة إعلامية قوية ضد «تعديل قانون الاسلام فى النمسا»، وهى على صلة قوية بشخصيات إخوانية وتحت تأثير جماعة الإخوان المسلمين. كما تحضر أيضا.

جمعية «المللى جروس» وهى هيئة إسلامية تركية، وتعنى بالتركية «الرؤية الوطنية» فى غضون ذلك، تدير الجمعية الدينية العربية ستة من المساجد التى شملها قرار حكومى لإغلاقها؛ ثلاثة منها فى فيينا واثنان فى إقليم النمسا العليا وواحد فى كارينثيا، فى 10 يوليو 2018.وتضاف هذه الهيئات إلى المجمع الإسلامى للحضارات، ورابطة الثقافة الإسلامية فى النمسا التى لعبت دورًا رئيسًا فى نفوذ الجماعات المتطرفة وتنظيم الإخوان فى المجتمع النمساوى.

أما أبرز المراكز والجمعيات التى تنشط داخل ألمانيا، والتى لها صلة بتنظيم الإخوان، هو التجمع الإسلامى فى ألمانيا الذى أسسه سعيد رمضان 1958 وترأسه سمير الفالح خلفا لإبرهيم الزيات، ويقع مقره فى المركز الإسلامى فى ميونخ، والتجمع عضو فى المجلس المركزى للمسلمين فى ألمانيا.

ومنظمة «رؤيا» التى تضم أكبر عدد من قيادات الإخوان المسلمين، فيما وصل عدد الأعضاء إلى 40 ألفا، وتعتبر أكبر منظمة إخوانية متواجدة فى ألمانيا.وثمة منظمات أخرى كثيرة من بينها؛ منظمة المرأة المسلمة فى ألمانيا، وتترأسها القيادية الإخوانية  رشيدة النقزى، والمجلس الإسلامى فى برلين الذى يضم خضر عبدالمعطى أهم قيادات تنظيم الإخوان المسلمين الدولى، والمركز الإسلامى فى ميونيخ: وهو التنظيم المركزى لجماعة الإخوان فى ألمانيا.وهناك أيضا الجمعية الإسلامية المتواجدة فى ألمانيا، ومن أهم كوادره، أحمد خليفة، وهو من أبرز القيادات الإخوانية المتواجدة فى ألمانيا، وهى تعمل بمجال الدعوة، كما ترتبط بالمركز الإسلامى. وأيضا المجلس الأعلى للشباب المسلم؛ وهو تنظيم شبابى تابع للمركز الإسلامى فى ميونيخ، وجماعة الإخوان مسيطرة عليه بالكامل.

أخونة أوروبا وأفكار خطرة 

هذا التغلغل الإخوانى فى كل من ألمانيا والنمسا والمجتمعات الغربية عموما بات يثير القلق فى السنوات القليلة الماضية، فقد تصاعدت المخاوف من عملية أسلمة أو «أخونة» الدول الأوروبية التى يقوم بتنفيذها التنظيم الدولى للإخوان، بعدما نجح فى تشكيل الرأى العام الإسلامى فى هذه الدول وجذب الآلاف من الشباب والبالغين، ومحاولة تصوير الجماعة بالوجه المعتدل.

وبدا هذا القلق واضحًا فى التحذيرات التى أطلقتها العديد من المؤسسات السياسية والأجهزة الاستخباراتية الغربية من محاولات جماعة الإخوان المسلمين التغلغل فى المجتمعات الغربية، وفرض ثقافتها عليها؛ فعلى سبيل المثال، قد حذرت أصوات فى البرلمان البريطانى عام 2014 من الأنشطة المتشددة للإخوان وتخطيطها لتأسيس قاعدة انطلاق لها فى لندن لتنفيذ خططها فى دول أخرى، لا سيما بعد لجوء عدد من قادة الجماعة من مصر إلى بريطانيا بعد 30 يونيو 2013. 

 ملاحقة استثمارات وأوقات عصيبة 

وبالإضافة إلى التضييق والحظر، اتخذت إجراءات أوروبية عدة لمكافحة الإرهاب والتطرف تستهدف بالأساس محاصرة نشاط تنظيم الإخوان وملاحقة استثماراته، المنتشرة فى أوروبا منذ أكثر من 6 عقود، من خلال بعض القوانين الجديدة التى ستسمح بتعقب تلك الاستثمارات، وحظر نشاطها ومصادرتها فى حال ثبوت تورطها بدعم الإرهاب.

وكشفت تقارير أن تلك الأنشطة المشبوهة كان يتحايل عليها التنظيم فى الماضى بتدشين شراكات مع بعض المؤسسات الحكومية والخاصة داخل الدولة، أو الاستثمار تحت غطاء قانونى من مؤسسات ذات سمعة طيبة، وفى الغالب تكون أنشطتهم بعيدا عن أعين الحكومات، لكن المراقبين أشاروا إلى التنظيم سيواجه خسائر فادحة جراء الإجراءات الأوروبية ضد استثماراته، لأنها المحور الأهم فى خطته لبسط نفوذه وسيطرته، وتمويل عناصره داخل وخارج البلاد.

ووفق تقرير الاستخبارات الإسبانية الذى صدر مؤخرا، ونشره المركز الأوروبى للاستخبارات ومكافحة الإرهاب، فإن تنظيم الإخوان يعيش أوقاتا عصيبة ويحاول بهدوء نقل الكثير من الأصول التى يملكها، فى أوروبا وخصوصا فرنسا، إلى إقليم كتالونيا، بعد ممارسة الحكومة الفرنسية ضغوطا كبيرة على قادة التنظيم وعلى الحكومة القطرية من أجل خفض مستوى الدعم المالى والاستثمارات فى أنشطة التنظيم فى أحياء باريس المهمّشة.