الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كنوز آمال العمدة.. يوسف شاهين: أخاطب بأفلامى المُشاهد الذكى!

لم يواجه مخرج فى تاريخ السينما المصرية مثل هذا الانقسام الذى واجهه يوسف شاهين، فما بين المدح والقدح تعيش أفلامه شهورًا؛ بل قد يمتد نقدها إلى سنوات، لكن الشىء الوحيد الذى يتفق عليه الفريقان هو أن هذا الرجل يمتلك مواهب سينمائية نادرة أوصلته إلى العالمية، وبنظرة فاحصة لمن يدّعون عدم قدرتهم على فهم أفلامه فسنجد أنهم أكثر فئة تقبل على مشاهدة هذه الأفلام، وهكذا فقد استطاع أن يجمع منتقديه حول أفلامه.. فهل بعد ذلك من نجاح؟!.. وهذا نص الحوار النادر الذي تنشره مجلة «روزاليوسف».



 التصدى للتيار السلبى الذى يسود الفن

آمال:  فى البداية من يريدون أن يصلحوا حال السينما المصرية اليوم هم قلة... تعليقك؟!

يوسف شاهين: أنا أعترض على هذا القول، والدليل على ذلك أنه قد عُقد مؤخرًا مؤتمر حضره ثلاثة آلاف شخص يمثلون 17 ألف فنان مصرى، قرروا بالإجماع التصدى للتيار السلبى جدًا الذى يسود الفن، وكان هناك قانون قد اتفقت عليه مجموعة كبيرة من الفنانين اعتصموا وأضربوا عن الطعام، وأعلن كل مَن شارك فى المؤتمر أنهم يريدون إقرار هذا القانون الموجود فى مجلس الشعب منذ عامين ونصف العام، ونحن نريده بالفعل.. وأنا أرى أن كل الفنانين يريدون الإصلاح، لكن هناك عوامل تدفعهم للوقوع فى فخ هذه الأعمال التافهة، لهذا يجب فحص القوانين الحالية، فأنا أرى أن هناك نية لتوجيه الفن والفكر كله نحو الإسفاف والتفاهة، فيجب بحث سلبيات السينما، الاستوديوهات سيئة المستوى، والمعامل لم تكن موجودة، لكننا أصلحنا بعض الاستوديوهات، وبرهنَّا على أننا يمكن أن نقوم بعمل مَعامل جيدة، وجاءت فترة احتل البعض السينما وهؤلاء هم القِلة بالفعل لكنهم فى 12 عامًا فقط سيطروا على غرفة السينما، وسيطروا على النقابة، فبَعد أن كانت النقابة حُرّة وبها أعضاء يمكن أن يعلنوا آراءَهم وأسباب أوجاعهم، وكنا نعرف أسباب هذه الأوجاع، فقد كنا فى الماضى محتلين فعليَا، أمّا الآن فنحن محتلين فكريًا على الرغم من أن مصر لديها عبقريات فكرية فى كل المجالات، لكن كل هذه العبقريات تتبعها سيطرة قادمة بشكل مفتعل جدًا، واستطاعوا أن يضعوا القوانين لمنع الآخرين من الخروج من تحت وطأتهم.

آمال: إذن فالخلل ليس فى الأجهزة والمعدات؛ بل الخلل فى الفكر السينمائى الذى انساق وراء هذه التيارات التى تشده لأن يخرج منه ما تريده هذه التيارات.. فمن الذى خَرّب الفكر السينمائى؟

يوسف شاهين: أولاً يجب أن يعلم الجميع أنه بقانون واحد يمكن أن تُحكم كل عناصر السينما، وقبل القانون يجب أن يشعر الجميع بالخوف على بلادهم، لهذا فأنا أوجّه الاتهام للمسئولين عن الإعلام فى مصر، فهناك نوع من قِلة الفهم تجاه السينما والفكر لمصلحة ضيقة جدًا حتى لا تتمكن أى قوة من تفجير كل الإبداع الموجود لدى الشعب المصرى، وقد حدث عندهم خلط بين المصالح السياسية البحتة وبين فهم الطاقة الإبداعية التى أتحدث عنها والتى يجب أن يساعدوها لا أن يعرقلوها بمجموعة من القوانين الغريبة ضد الإبداع، وأريدك أن تنظرى للقوانين التى تحكم دور السينما، وكيفية العروض ومَن يعرض الأفلام ومتى، وهل الأولوية لمن يدخل الاستوديو أولاً، أمْ لمَن سينهى عمله أسرع ويسلق العمل لينتهى منه بسرعة، ويجب النظر للدعم الموجَّه للمنتج، ومَن هم المنتجون الذين يوجّه لهم؟.

 مكاسب السينما تذهب للقِلة

آمال: أنت مُصِرّ على ألا تدين المبدعين من السينمائيين ولكنك قلت لى قبل التسجيل إنك تعد لفيلم منذ ثلاث سنوات، فى حين أن زملاءك الذين ترفض إدانتهم ينتهون من الفيلم فى أسبوعين أو ثلاثة!..

يوسف شاهين: نحن لا يمكن أن نهرب من المسئولية بالفعل، فهناك أمور ليست سليمة ولا تسير بالشكل الصحيح.. لكن ما الذى يعرقل إصدار قانون لمدة عامين ونصف العام؟ ولماذا لم تساعدنا الصحافة؟ فيجب أن نعلم أن هناك أمورًا كثيرة تتحكم فى السينما، فالسينما الآن تحقق مكاسب كبيرة، لكنها تذهب للقلة التى تسيطر عليها، وأيضًا هناك قوانين أُقرت وهى غير سليمة، كما أن هناك أخطاء حدثت فى انتخابات النقابة أيضًا.

آمال: إذن فالمسئولون عن السينما هم المدانون وليس القانون لأنهم يتقاعسون عن علاج أمورهم..

يوسف شاهين: هذا صحيح إلى أقصى حد.. وهناك مسئولية ملقاة علينا بالفعل، ولكن يجب ألا نغفل أننا نعيش مناخًا ثقافيًا وفنيًا سيئًا. آمال: كم نسبة مَن يؤمنون بنفس فكرك؟

يوسف شاهين: الكثير من الفنانين يؤمنون بما أومن به، ولكنهم غير فعالين نفس فعالية الجبهة الأخرى التى تسيطر مثلاً على غرفة صناعة السينما، وأنا أرى أن الغرفة التجارية والنقابة كان يمكن أن تلعبا دورًا كبيرًا، لكن هناك مَن يمتلكون مَصالح تجعلهم يسيطرون على هذه التجمعات ويجندون معهم البعض، بينما الغالبية التى ترفض ذلك تلتزم الصمت، فالأمر لا يتعلق بالأقلية أو الأغلبية بل بالفاعلية التى حولت صناعة السينما إلى كارثة.

آمال: ألم يحدث أى تجديد فى أدوات صناعة السينما مؤخرًا؟

يوسف شاهين: التجديد الوحيد الذى حدث كان فى بعض المعامل فقط، وذلك بعد الخطوات الخطيرة التى اتخذناها.

 لا قطاع عام من دون ديمقراطية

آمال: وما هو المطلوب فى استوديوهات القطاع العام؟

يوسف شاهين: نحن لا نفهم معنى القطاع العام، وقد سبق أن دخلنا الاشتراكية دون أن نفهم معناها، ودون أن نقوم بتجهيز كوادر تفهم معنى الاشتراكية، فمن المفروض أن من أقوم بتعيينه فى منصب المدير يكون اشتراكيًا يفهم معنى الاشتراكية، ويفهم مصلحة الجماهير فى أن يكون لها الأولية، لكن مَن دخلوها كان معظمهم من الضباط الذين لم يكن لهم أى علاقة بالسينما ولا حتى بالمعارك الحربية، ومع كل تغيير سياسى كما حدث بالتغيير من الرأسمالية إلى الاشتراكية يكون هناك أناس جاهزون مثل الانتهازيين، وهؤلاء الذين خرّبوا القطاع العام هم الذين يعملون الآن فى القطاع الخاص، وصمّموا على أن تبقى القوانين لكى يستمروا فى تحقيق المكاسب بحُرية.. وحينما نتحدث عن القطاع العام فيجب أن نؤكد أنه لا قطاع عام من دون ديمقراطية، وهذا الخطأ وقع فيه الاتحاد السوفيتى، ولهذا فقط سقط، وحينما جاء «جورباتشوف» صنع معجزة بالنقد الذاتى، لكنى أسأل ما الذى ننتظره نحن؟ وما دور النقد الذاتى فى حياتنا؟ وهل الرأسمالية فى أمريكا تمتلك نفس وحشيتها هنا؟ فنحن لا نمتلك نقابات ولا مؤسَّسات ولا منع للاحتكارات كما هو موجود فى أمريكا.. ولهذا فبدلاً من أن نأخذ عنهم الإيجابيات، أخذنا نجرّب دون أن يكون عندنا المقومات اللازمة، مع وجود الانتهازيين- الذين يشغل كل واحد منهم على الأقل 15 منصبًا وبالبحث فى اقتصاديات السينما سنجدهم فى الغرفة وفى النقابة وفى لجنة التقييم وحتى فى معهد السينما، وهم أذكياء جدًا، وينقصهم شىء واحد وهو الوعى بوجود الآخرين.

ويضيف: أريد أن أقول إن الإصلاح يأتى أولاً من النقد الذاتى، ولهذا فأنا حينما صوّرت سيرتى الذاتية لم أصوّر نفسى من واقع المدح والنرجسية؛ بل من واقع النقد الذاتى وبحث إيجابيات وسلبيات حياتى، وأرجو أن أواجه ثغرات شخصيتى بالفعل ما دمت قد عرفتها وأن أحاول ألا أقع فى الخطأ مرّة أخرى، فالنقد الذاتى هو ابتداء الديمقراطية وابتداء الفكر الجديد، وفى الثمانينيات كانت كل أفلامى تدخل فى حيز النقد الذاتى، وأعتقد أنها كانت تحتوى على توقعات كثيرة، وأنا مثلاً فى فيلم (إسكندرية كمان وكمان) أكشف الكثير عن نفسى فيما أعتبره نوعًا من حق الغير على نفسى، فالمُشاهد يرى فيلمًا سينمائيًا ويتسلى به لكنه فى الوقت نفسه يجد شخصًا يعترف بأخطائه، وأنا اكتشفت فى فيلمى الأخير أننى كنت ديكتاتورًا فى بعض فترات حياتى، وهذا يستلزم بحثًا عن أسباب ذلك، وبعدها أقدم هذه الأخطاء للمُشاهد حتى لا يقع فيها.

 أعترف بأنها معادلة صعبة

آمال: يقال عنك أن لغتك الفنية مركبة وصعبة الفهم وبعيدة عن المُشاهد العادى.. فهل يمكن أن تصل إلى معادلة من هذا الطموح فى انتقاد الذات بلغة راقية جدًا.. وبين أن توصل هذا للناس؟

يوسف شاهين: أعترف بأنها معادلة صعبة جدًا، وفيها اختيار وأنا مضطر أن أختار، وكلنا نشكو من المنهج الثقافى العام والموجود والنابع من المعطيات السياسية والاقتصادية، وبما أنه لا توجد لدينا سينمائيات، وبما أن التليفزيون احتكار، ومسئوليه هم الذين يختارون الأفلام التى ستعرض وتلك التى ستكوت، ولهذا فمن الصعب أن أمنح الجمهور ما يريد.. وهناك معلومات قد لا يعرفها أحد، فمعظم الناس يسألون عن أرباح الشباك ويجدون أن أفلام العنف والإثارة تجذب المُشاهد فى البداية، لكن قد لا يعرف أحد أن جماهير أفلامى فى مصر والدول العربية أوسع جدًا من تلك الأفلام التى يبدو أنها تجذب المُشاهدين، فمثلاً فى الجامعات يعرض كل عام نحو 12 فيلمًا ونحن نحضر هذه العروض، كنا فى جامعة بنها ورأينا كم الإقبال الرهيب على أفلامى.. وأنا أتمنى ممن يدّعون أن أفلامى صعبة ألا يصوروا أنفسهم كمتحدثين عن الجمهور المصرى والعربى، وأسألهم كيف عرفوا رأى الشعب؟ وعن أى نوعية من الجماهير تتحدث؟ فهناك نوعية تذهب للسينما للنوم والراحة وقزقزة اللب، وهناك نوعية تذهب للتسلية فقط، ونحن نراعى كل هذه العناصر طبعًا، لكن لا بُدَّ أن أضع أشياء للأذكياء الذين يستوعبون الفيلم.

 أغلبية الشعب المصرى أذكياء الإحساس

آمال: إذن يوسف شاهين يخاطب الأذكياء، وفلسفته للأذكياء أقول فنًا..

يوسف شاهين: الأذكياء موجودون بكثرة وهم أغلبية فى الشعب المصرى، بدليل أن الأفلام الملتزمة هى التى تحقق النجاح الساحق حاليًا، ليس فى أول أسبوع فقط بل على المدى الطويل، وأنا أستغرب حينما يطلبون منّى عرض فيلم (عودة الابن الضال) أو (العصفور) وأجده هو الفيلم المفضل لدى الشباب، ويتجمع الآلاف فى مدرج لا يسع أكثر من مائتى شخص لمشاهدة الفيلم، أمّا مَن يقولون إنهم يخاطبون الشعب؛ فأقول لهم إن الشعب ليس فردًا أو مجموعة تتحدثون لها، فالشعب الحقيقى مهول والمصرى يحرص على تعليم ابنه حتى لو أدى ذلك إلى جوعه، ونسبة التعليم تتزايد، وأيضًا الثقافة والذكاء، بدليل حجم الإقبال الهائل والمفرح على معرض الكتاب، وأنا أؤكد أن غالبية الشعب المصرى من الأذكياء وحينما ذهبنا إلى جامعة بنها حضر العرض ألف وخمسمائة شخص هم طبعًا يعلمون أنهم يشاهدون مادة فنية ليست سهلة، وقد لا يفهمون بعض ما يقدم لهم، لكنهم يعلمون أيضًا أنها مادة مميزة ولهذا يحاولون فهمها.

 لا أعتقد أنهم أكثر وطنية منّى

آمال: لكن هناك مَن يؤمنون بك لدرجة أنهم يريدون طرحك اجتماعيًا بشكل أوسع بحيث تكون أفلام يوسف شاهين للجميع؛ خصوصًا فى الجامعات التى أصبح من الصعب إدخال آلات العرض إليها..

يوسف شاهين: عرض الأفلام فى الجامعات صعبٌ جدًا، فأنا أعلم أن هناك من يعطلون هذه العروض، فذات مرّة اتصلوا بى وأخبرونى بأن إحدى الجامعات ترفض عرض فيلمى، فذهبت شخصيًا إلى هناك وأنقذت الموقف وعرضنا الفيلم، وفزنا بتأييد مَن اعترضوا فى البداية، لكنى أرى أنه يجب على الفنانين أن يتحدوا ويطالبوا التليفزيون أنه بدلاً من الكم العجيب من الأفلام الأجنبية فيجب احترام الأفلام المصرية، فهناك أفلام مصرية أفضل كثيرًا من الأفلام الأجنبية التى تُعرَض بالتليفزيون، فمن المفروض أن يشجع التليفزيون السينما لأنه امتدادٌ لها، وأنا أتمنى أن تُعرض أفلامى على شاشة التليفزيون مباشرة وأن يشاهدها ثلاثون مليونًا فى ليلة واحدة، فأنا لا يهمنى وسيلة وصول الفيلم لكن ما يهمنى هو الوصول للجماهير، أمّا ما يحدث فهو أنه لكى تعرض الأعمال بالتليفزيون فيجب أن تمر على أناس لا أعتقد أنهم أكثر وطنية منّى ولا يفهمون أكثر منّى، حتى من الجانب الأخلاقى فهم لا يحذفون أى كادر إلا فى النادر، وقد يحذفون لموقف سياسى يمكن أن يناقش، لكن أفلامى تخلو من الإثارة الرخيصة بالرغم من أننى أتكلم على جميع المستويات حتى المستوى الجنسى، لكن الرقابة تقص الأفلام، ورغم هذا فأنا أمنح لهم أفلامى مجانًا مثل (العصفور) الذى قدمته بلا مقابل، وأنا أسأل مَن المسئول عن الثقافة فى التليفزيون؟ ومَن المسئول عن عرض أفلام لممثلين أجانب لم نسمع عنهم من قبل فى برنامجى (أوسكار) و(نادى السينما) ويترك النجوم المصريين وأفلامهم القيمة؟ مَن يهتم بالممثلين الأجانب مثل إليزابيث تايلور وكيرك دوجلاس الذين قاموا بسبّنا علانية ورغم ذلك فنحن نمُجدهم فى كل برامجنا؟! هذا يدل على أن هناك أشخاصًا غير واعين لا يشعرون بتعبنا!.. وأنا أتساءل بحِيرة شديدة.. مَن الذى يجب أن أتحدث معه ليحل لنا كل هذه المَشاكل؟ وأنا كما قلت أحاول الوصول للمُشاهد الذكى الذى يمتلك القدر الكافى من الذكاء ليقول لى إنه يحترم عملى، فأنا أعمل على الأقل عامين كاملين لأحصل على ساعتين من وقته، وهذا لأنى أخدمه، وبالفعل فقد وجدت أن هذه الطبقة واسعة، بدليل أنى مازلت أعمل، وأقدّم لهم الأعمال التى تصل لهم رغم أنها تصل ببطء ولكنها تصل فى النهاية للجمهور الذى أبغيه.

 أنا مُقَدَّر من مصر قبل أن أُقدَّر من خارجها

آمال: المخرج فى البلاد المتحضرة هو وجه الأدب والفكر؟ فأين يقف المخرجون فى مصر من الأدب والفكر؟

يوسف شاهين: أولاً أنا مُقّدَّر فى مصر قبل أن أُقَدَّر من خارجها، ويقدرنى البسطاء الذين قد لا يفهمون بعض أفكارى، فليس من الصحيح أن المخرج لا يُقَدَّر فى مصر، بل لقد اقترب المخرج المصرى من مرحلة الأديب، فهو يحظى بنفس الاحترام والتقدير؛ خصوصًا أنه قد بدأ يكون هناك فكر فى الفيلم المصرى.

 لا بُد من فكر واضح فى تحديد أين نتجه

آمال: سينما تخدم مجتمعنا فى العالم الثالث.. كيف؟

يوسف شاهين: الصادقون فى السينما كثيرون، وهذا أول عامل لسينما تخدم مجتمع العالم الثالث، ولا بُدّ من وجود مناخ علمى، والمزيد من الرعاية من الدولة من الناحية الفكرية أكثر من الناحية المادية، فيجب أن يكون فكرنا واضحًا فى تحديد أين نتجه.. وأنا لا أعترف بأننا من العالم الثالث، فمن ناحية الحضارة فنحن متقدمون عن أى دولة فى العالم، وحتى حينما قالوا عنا فى اليونسكو إننا من العالم الثالث، قلت لهم إنهم يتحدثون عن أنفسهم لأننا لسنا من العالم الثالث بحضارتنا التى تعود إلى آلاف السنين، فالحضارة بالنسبة لى ليست فقط التكنولوچيا الحديثة؛ بل الطيبة والكرم المتوفران فى شعبنا المصرى.

 يسرا موهبة خطيرة جدًا

آمال: أنت أعدت اكتشاف الفنانة «يسرا».. فماذا وجدت فيها كنجمة؟

يوسف شاهين: أنا لا أستطيع أن أقول إننى اكتشفت «يسرا»، ولكنى من أول فيلم عملت فيه معها وهو (حدوتة مصرية) وجدت فيها فنانة موهوبة بالفعل، ولديها التزام فنّى بمعنى التفرغ التام للعمل حتى لو استغرق الإعداد له شهورًا، ولديها كل ما يحتاجه الممثل لأداء أى دور، كما أنها تعرف متطلبات الدور وتستعد له جيدًا من الناحيتين البدنية والذهنية، فبدنيًا ترى ما تحتاجه الشخصية من تمرينات رياضية، أو رقص وخلافه وتستعد له، أمّا ذهنيًا فهى تدرس الشخصية دراسة مستفيضة وتسأل أسئلة كثيرة عنها حتى تلم بكل جوانبها، وحتى تصل لخلاصة المعلومات التى تحتاجها، ثم تضع كل مجهودها فى العمل، كل هذا بالإضافة إلى موهبة خطيرة جدًا، فلديها جهاز إرسال خرافى، ولديها تلقائية اكتسبتها بعد مشوار عمل طويل جدًا، فهى تنطق الجملة وكأنها نابعة من داخلها ولم تحفظها، ومن هنا فقد تمسكت بها، وأى دور صعب أو أى دور له قيمة حقيقية أجد اسم «يسرا» يطرق عقلى مباشرة.

آمال: هل هذا يعنى أن عودتك للتمثيل أمام يسرا بعد نحو ثلاثين عامًا منذ أن خضت تجربة (باب الحديد) جاءت بعد أن أغرتك موهبة «يسرا» لكى تشاركها التمثيل أمام الكاميرا؟

يوسف شاهين: التمثيل مع يسرا ممتع، فحديث العيون والقلوب تجعل الموقف غنيًا وخصبًا جدًا، وكل منّا لا يتوقع ما الذى سيفعله الآخر، وتأتى الكلمة من نبض القلب، لهذا فإن التمثيل مع «يسرا» ممتع جدًا.

 و«هند رستم» أسطورة

آمال: وماذا عن «هند رستم» التى جذبتك للتمثيل قبل «يسرا»؟

يوسف شاهين: «هند رستم» أغنى من أن أتحدث عنها، فقد كانت أسطورة، وممثلة حيوية بشكل غير معقول، وهذه الحيوية تجعل الممثل يتفاعل معها فى الدور، وأعتقد أن حظى كان جيدًا أنى قمت بالتمثيل مع هاتين الممثلتين الرائعتين.

آمال: الممثلتان اللتان يربط بينهما خيط التلقائية…

يوسف شاهين: أنا مصمم على أنها تلقائية تأتى بعد التحضير الطويل، فهى تلقائية مبنية على دراسة طويلة وعميقة.

آمال: مَن أنت بعد كل هذا الحب للسينما؟

يوسف شاهين: أنا (بابا أمين)، (ابن النيل)، (المهرج الكبير)، (صراع فى الوادى)، (صراع فى المينا)، (باب الحديد)، (الناصر صلاح الدين)، (بياع الخواتم)، (الأرض)، (الاختيار)، (العصفور)، (عودة الابن الضال)، (اليوم السادس)، (وداعًا بونابرت)، (المهاجر)، (المصير)، (الآخر)، (سكوت ح نصور)، (إسكندرية ليه) و(إسكندرية كمان وكمان).. أنا (حدوتة مصرية)!