الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عن قرب.. لطيفة النادى.. النجاح فوق السحاب!

كأنها خلقت لتكون علامة على أن النجاح لا يفرق بين رجل وأنثى، وأن العزيمة تصنع المستحيل، لم تيأس قط، ولم تستسلم لكل المعوقات التى واجهتها داخل المنزل وخارجه، فحققت ما أرادت، وحولت حلمها إلى حقيقة، لتصبح لطيفة النادي؛ أول طيارة مصرية وعربية وأفريقية، وتبقى عنوانًا لإرادة المرأة وقوة عزيمتها.



رحلة «أول طيارة» كانت مليئة بالإصرار، حيث كان والدها يعمل بالمطبعة الأميرية، ويرى أن الدراسة للبنت يجب ألا تتعدى المرحلة الابتدائية، إلا أن والدتها أصرت على أن تحصل ابنتها على فرصتها حتى النهاية، والتحقت «لطيفة» بـ «الأمريكان كولدج» لتكمل مسيرتها التعليمية، حتى قرأت ذات يوم عن الطيران، فشعرت أنها وجدت ضالتها، وعرفت طريقها، رغم أن مدرسة الطيران كانت فى بداية نشأتها، وكان الدارسون فيها من الرجال فقط.

وجدت «لطيفة» أن كل الطرق مغلقة أمامها، فلجأت إلى الكاتب الصحفى أحمد الصاوى صاحب العمود الصحفى الشهير «ما قل ودل» بجريدة الأهرام؛ وأبلغته برغبتها فى تعلم الطيران، ولصغر سنها اشترط موافقة ولى أمرها؛ حتى يساعدها فى تحقيق حلمها، فما كان منها إلا أن أحضرت والدتها، وأبدت الأخيرة موافقتها على رغبة ابنتها شريطة ألا تتحمل الأسرة تكلفة مدرسة الطيران، وعندما عرض الأمر على كمال علوى مدير عام مصر للطيران وقتها، رحب بها بالمدرسة، واقترح عليها أن تعمل فيها وتسدد من راتبها تكاليف الدراسة، وبالفعل تم تعيينها بوظيفة «سكرتيرة»، وكانت تحضر دروس الطيران مرتين أسبوعيًا دون علم والدها إلى أن حصلت على إجازة «طيار أ».

وبين ليلة وضحاها، أصبحت «لطيفة» أول امرأة فى قارة أفريقيا تحصل على إجازة الطيران فى عام 1933، بعد حصولها على رخصة الطيران رقم 34 على مستوى المملكة المصرية، والرخصة الأولى التى منحت للمرأة، وباتت أول فتاة مصرية وعربية وأفريقية تحصل على هذه الإجازة، وهى أيضًا أول امرأة مصرية تقود طائرة بين القاهرة والإسكندرية، وثانى امرأة فى العالم تقود طائرة منفردة؛ وذلك بعد 13 ساعة من الطيران المزدوج مع «مستر كارول»، كبير معلمى الطيران بالمدرسة فى مطار ألماظة، وعقب 67 يومًا من التعلم المباشر، حصلت على الفرصة الثمينة، لتبدأ الطيران بمفردها، وتصبح أول طيارة «كابتن».

تحقق حلم «لطيفة»، واحتفت بها الصحف، ونشرت عدة موضوعات تحمل صورتها، مما أثار غضب والدها، ولرغبتها فى إرضائه طلبت منه أن يصطحبها فى رحلة طيران، وحلقت به فوق القاهرة والأهرامات عدة مرات، وانبهر الرجل بجرأة وشجاعة ابنته فاحتضنها، ليتحول إلى أكبر الداعمين والمشجعين لها، ووصفت أول «طيارة» هذه الرحلة بأنها أجمل لحظات عمرها.

وتوالت رحلاتها الجوية ومعها نجاحاتها، حتى دعاها نادى الطيران لحضور مؤتمر الطيران الدولى الذى انعقد فى مصر ليناقش أحوال الطيران وقوانينه ولوائحه، وعلى هامشه تم عقد امتحانات لاختبار مهارات الطيارين، واشترك فى سباق الطيران 62 طيارًا من مختلف الجنسيات بطائراتهم الخاصة، واستقلت «لطيفة» طائرة خفيفة بمحرك واحد متوسط السرعة، ورغم ذلك كانت أول من وصل إلى نقطة النهاية.

 ولتشجيعها على استكمال مسيرتها، أرسلت هدى شعراوى برقية تهنئة إلى لطيفة النادى كتبت فيها: «شرّفت وطنكِ، ورفعت رأسنا، وتوجت نهضتنا بتاج الفخر، بارك الله فيكِ»، ولم تكتف بذلك بل أعلنت عن مشروع اكتتاب من أجل شراء طائرة خاصة لأول طيارة، لتكون سفيرة لبنات مصر فى البلاد التى تمر بأجوائها أو تهبط بها، حتى يعلم العالم كله قدرة المرأة المصرية على خوض جميع المجالات، والنجاح فيها.

ضربت لطيفة النادى مثالًا فى الإصرار وأصبحت عنوانًا للعزيمة، وفتحت الباب لبنات جنسها لخوض التجربة فلحقت بها «دينا الصاوي» و«زهرة رجب» و«نفيسة الغمراوي» و«لندا مسعود» أول معلمة طيران مصرية، و«بلانش فتوش»، وعزيزة محرم، و«عايدة تكلا»، و«ليلى مسعود»، و«عائشة عبدالمقصود»، و«قدرية طليمات».. واستمرت إنجازاتها بعد تقاعدها عن الطيران، حيث اختيرت سكرتيرًا عامًا لنادى الطيران المصرى، بعدما ساهمت فى تأسيسه، وإدارته بكفاءة عالية، لتثبت أن المرأة المصرية قادرة على التحدى، وتحويل الهزيمة إلى محرك للعزيمة.