الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

خبير القانون الدولى د. محمد سامح عمرو لـ«روزاليوسف»: السد الإثيوبى ملف شديد الحساسية لاعتبارات سياسية ولنزاعات أطرافها دول كبرى

بَعد أن استحوذت قضية سد النهضة على اهتمام الرأى العام المصرى خلال الفترة الماضية، ووصلت ذروة الاهتمام يوم الخميس الذى شهد جلسة مجلس الأمن بخصوص سد النهضة؛ حيث تقدمت تونس العضو غير الدائم بمجلس الأمن بمشروع قرار يدعو إثيوبيا إلى التوقف عن الملء الثانى لخزان سد النهضة، وينص مشروع القرار على أن «مجلس الأمن يطلب من الدول الثلاث- مصر وإثيوبيا والسودان-  استئناف مفاوضاتهم بناءً على طلب كل من رئيس الاتحاد الإفريقى والأمين العام للأمم المتحدة، لكى يتوصلوا، فى غضون ستة أشهُر إلى نص اتفاقية ملزمة لملء السد وإدارته».



 

يبقى خياران مطروحان أمام دولتَى المَصب (مصر والسودان) لحل أزمة سد النهضة على نهر النيل، وذلك تحقيقًا للأمن المائى وحفظ حقوقهما التاريخية، بعد سلسلة من الحراك الدبلوماسى وجولات من المفاوضات ذات النفَس الطويل من الجانب المصرى والسودانى، فى مقابل عجرفة ومماطلة مقصودة من الجانب الإثيوبى وردود (مترهلة) من الجانب الدولى كشفتها بكل وضوح جلسة مجلس الأمن الأخيرة لمناقشة هذه الأزمة. 

فى التاريخ الحديث، هناك تجربتان خاضتهما مصر كان النصر حليفها فى كلتيهما، الأولى «حربية» لاسترداد سيناء وتطهيرها من العدو الصهيونى فى أكتوبر 1973، وهو يوازى الاختيار الأول للقضاء مبكرًا على أى حاجز يهدد الأمن المائى المصرى حاضرًا ومستقبلاً. 

والثانية «دبلوماسية» لاسترداد طابا بعد الإعلان عن حكم هيئة التحكيم فى جنيف بسويسرا فى النزاع حول طابا فى سبتمبر 1988،  وجاء الحكم فى صالح مصر مؤكدًا أن طابا مصرية، وفى 19 مارس 1989 تم رفع عَلم مصر معلنًا السيادة على طابا وإثبات حق مصر فى أرضها، وهو يوازى الاختيار الثانى فى المشاركة فى إدارة سد النهضة ضمانًا لحقوقها المائية كما هو منصوص عليه فى الاتفاقيات الدولية (ليس فقط وجود اتفاق معلن حول آلية الملء والتشغيل)؛ ولكن لا بُدّ من توفير سجل مرئى من البيانات الخاصة بالسد، مثل: كمية المياه المتدفقة، نسبة هطول الأمطار، مراقبة السلامة الإنشائية.. وغيرها، وذلك على مدار العام.  ويبقى الفارق المكانى هو الاختلاف بين القضيتين (قضية الأمن المائى وقضية استرداد الأرض)؛ حيث يمتد النزاع حول قضية المياه خارج حدود الدولة.

وفى حواره لمجلة «روزاليوسف» كشف الدكتور «محمد سامح عمرو» رئيس قسم القانون الدولى بجامعة القاهرة، عن أن مجلس الأمن الدولى يملك إصدار قرارات تحمل عقوبات دولية ضد أى دولة من الدول إذا قامت بالعدوان على دولة أخرى أو اتخذت إجراءات من شأنها تهديد السلم والأمن الدولى بشرط ألا تستخدم أى دولة من الدول دائمة العضوية حق الاعتراض (الفيتو). مشيرًا إلى أن هذه المسألة تخرج عن الحسابات القانونية وتدخل فى دائرة الحسابات السياسية المجردة. ومن هنا تأتى أهمية الدور الذى تلعبه الدبلوماسية المصرية منذ عدة سنوات ولا تزال حريصة على اتباعه؛ وهو تهيئة المناخ الدولى لعدالة موقفها ومدى التعسف الإثيوبى فى التعامل مع ملف سد النهضة.

وأوضح د.«عمرو» أن مجلس الأمن لديه آليات كثيرة ويملك أن يصدر توصية إلى الدول المعنية باللجوء إلى محكمة العدل الدولية وفى هذه الحالة سيضع على إثيوبيا ضغطا سياسيًا كبيرًا للجوء مع مصر والسودان إلى القضاء الدولى ليقول كلمته. مؤكدًا إنه فى حالة عرض قضية سد النهضة على أى هيئة تحكيم (فى حالة موافقة الدول المعنية على ذلك) سيكون هناك فريق مصرى متكامل مستعد للدفاع عن مَطالب مصر وسيكون الفوز بهذه القضية مضمونًا. فمصر لا تطالب سوى بتطبيق قواعد القانون الدولى التى تؤيد الموقف والمَطالب المصرية دون شك.

 أين نقف نحن الآن فى ملف سد النهضة بعد جلسة مجلس الأمن الدولى؟

- لا نزال فى نفس المحطة منتظرين كيف سيتصرف مجلس الأمن فى مشروع القرار التونسى المعروض عليه. ولا يمكن أن نعتب على مجلس الأمن فى أن يأخذ الوقت الذى يراه مناسبًا ليتداول هذا الملف شديد الحساسية والذى يتعلق باستقرار وأمن منطقة القرن الإفريقى وشرق إفريقيا. ويجب ألا ننسى أن هذه هى المرّة الأولى فى تاريخ الأمم المتحدة التى يتم عرض نزاع يتعلق بالأنهار الدولية على مجلس الأمن الدولى. وبطبيعة الحال؛ فإن مجلس الأمن بتعقيداته السياسية سوف يتعامل مع هذا الملف بشكل حذر جدًا؛ حيث هناك عدد من الأمور سيتم التفكير فيها من قِبَل الدول الأعضاء، منها قضاياهم أنفسهم الخاصة بالأنهار الدولية التى تمر بأراضيهم ومدى تأثير تدخل مجلس الأمن فى موضوع النيل الأزرق على مواقفهم المستقبلية، دور مجلس الأمن نفسه كأحد أجهزة الأمم المتحدة ذات الاختصاص الرئيسى فى حفظ السلم والأمن الدولى وأنه استنادًا لهذه المهمة يجب أن يعمل بشكل جماعى لصالح المجتمع الدولى دون أن يكون كل عضو من أعضائه متأثرًا بمواقفه الفردية. فحقيقة الأمر أن المسألة ليست بالسهولة التى يعتقدها البعض ولكن على مجلس الأمن أيضًا ألا يتراخى طويلاً، ويجب أن يوضّح موقفه من الموضوع الذى عرض عليه منذ أكثر من أسبوع بما يضمن استقرار الأوضاع وبما لا يُفهَم منه أنه يترك الحبل على الغارب لإثيوبيا أن تتصرف بشكل أحادى الجانب؛ خصوصًا أن بيانات الغالبية العظمى من أعضاء المجلس حذرت من تصرف الدول المعنية بشكل منفرد، وهو ما ينطبق فى المقام الأول على إثيوبيا تحديدًا. 

 ما هى الخطوات التالية للمجلس؟

- يصعب علينا من الآن أن نتوقع ما سيؤول إليه تصرف مجلس الأمن، وعلينا أن ننتظر حتى نرى كيف سيتصرف مجلس الأمن فى الملف المعروض عليه، فهو يملك أن يصدر بيانًا أو يصدر قرارًا، وفى حالة صدور قرار فهذا سيتوقف على صيغة وأحكام القرار الذى سيتم تبنيه. وأرجو أن يتحمل مجلس الأمن مسئوليته الدولية التى عهد به إليه من ميثاق الأمم المتحدة ويصدر قرارًا للحفاظ على استقرار الأوضاع وحفظ السلم والأمن الدوليين فى منطقة شرق إفريقيا. ويملك مجلس الأمن آليات كثيرة فى يده؛ حيث يملك أن يصدر توصية إلى الدول المعنية باللجوء إلى محكمة العدل الدولية، وفى هذه الحالة سيضع على إثيوبيا ضغطا سياسيًا كبيرًا للجوء مع مصر والسودان إلى القضاء الدولى ليقول كلمته. ويملك مجلس الأمن أن يطلب من الدول الثلاثة المعنية عدم اتخاذ أى إجراءات أحادية الجانب. ويملك مجلس الأمن أن يطلب من الدول المعنية العودة للتفاوض مع وضع محددات لعملية التفاوض، ويمكن له أن يحدد إطارًا زمنيًا. ويملك فى حالة دعوة الدول المعنية للتفاوض أن يحدد مَن هم المراقبون الدوليون ودورهم خلال مرحلة التفاوض.

ويملك أن تكون الأمم المتحدة ذاتها مراقب لعملية التفاوض. وأمام هذه الخيارات المتعددة أرجو شخصيًا ألا يختزل مجلسُ الأمن الأمرَ ويكتفى بإصدار بيان؛ لأن هذا سيحمل رسالة سلبية ليس فقط إلى مصر والسودان بل للعالم كله؛ لأن الشعوب فى هذه الحالة ستتشكك فى دور مجلس الأمن بل ويمكن أن يؤثر على مصداقية الأمم المتحدة نفسها. لذلك علينا أن ننتظر إلى حين أن نطلع على كيفية تصرف مجلس الأمن فى هذه القضية العامة حتى تتحدد لنا خارطة الطريق المستقبلية.

 هل ناقش المجلس قضايا نزاع على المياه، وما هى المواقف التى اتخذها من قبل؟ 

- لم يحدث ذلك من قبل، وهذا ما يحسب للدبلوماسية المصرية أنها نجحت فى فرض هذا الملف على مجلس الأمن. فرُغم كل المنازعات التى تنشب بين الدول المشاركة على الأنهار الدولية فى أرجاء العالم لم تنجح أى دولة فى طرح الأمر على مجلس الأمن.

لكن علينا أن نذكر أن عددًا من المنازعات الدولية حول الأنهار الدولية سبق أن عُرضت على المحاكم الدولية وهيئات التحكيم وهناك أحكام صدرت ترسخ القواعد والمبادئ الدولية التى تحكم الاستغلال والاستخدام المشترك لمياه الأنهار الدولية. 

 هل من الممكن استخدام أحد الأعضاءالخمس الدائمين حق الفيتو ضد مشروع قرار بشأن الأزمة؟ 

- حق الفيتو هو حق مقرر بموجب أحكام الميثاق واختص بهذا الحق خمس دول التى نطلق عليها الدول الخمس الكبرى، وكان هذا الحق مبررًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لضمان التوازنات الدولية فى هذه الفترة الزمنية من تاريخ البشرية. وطبيعى أن هناك مَطالبات عديدة لإلغلاء هذا الحق بعد مرور أكثر من خمسة وسبعين عامًا بعد تأسيس الأمم المتحدة. على أىّ حال إذا ما عُرض مشروع قرار على المجلس بالشكل الذى لا يحظى بقبول أى دولة من الدول الخمسة دائمة العضوية ففى هذه الحالة يمكن لهذه الدولة أن تباشر حقها فى استخدام حق الاعتراض (الفيتو) لوقف مشروع القرار.

 مواقفنا السابقة مع مجلس الأمن الدولى والقضايا التى خضناها فى أروقته؟

- سبق أن عُرضت بعض القضايا الدولية الخاصة بمصر والتى تمس مصالحها على مجلس الأمن عام 1967، ولكن هذا الأمر لا يقاس عليه بالنسبة للملف المعروض حاليًا على مجلس الأمن، فلكل حالة ظروفها ولكل وقت حساباته. كل ما يمكن القول به أن مَطالب مصر فى قضية سد النهضة هى مَطالب مشروعة ومعقولة، فمصر لا تطالب إلا بتطبيق المبادئ والأحكام والقواعد الدولية فى شأن استخدام الأنهار الدولية، كما أن مصر ذهبت لمجلس الأمن لتطالب بإبرام اتفاق دولى متوازن مع إثيوبيا والسودان، فكيف لمجلس الأمن أن يتجاهل هذا الطلب المشروع أو يتجاهله!!! 

 هل هناك فرصة للجوء مصر إلى التحكيم الدولى؟ وهل من الأفضل فى هذه المرحلة اللجوء إلى محكمة العدل الدولية أو إلى محاكم مختصة بهذا النوع من النزاعات؟

- اللجوء إلى التحكيم الدولى يتوقف على إرادة الدول المعنية ويتطلب التوصل إلى اتفاق يحكم سير إجراءات التحكيم، وأشك أن إثيوبيا عندها استعداد لأخذ هذه الخطوة. ومع ذلك قد يكون اللجوء إلى محكمة العدل الدولية أبسط؛ حيث إن هناك قواعد دولية تحكم سير الإجراءات، كما أن محكمة العدل الدولية لديها سوابق قضائية فى قضايا أخرى تتعلق باستخدام الأنهار الدولية. ولكن يجب أن نضع فى الاعتبار أن اللجوء إلى التحكيم أو محكمة العدل الدولية يتطلب موافقة الدول المعنية جميعًا. وأنا شخصيًا أشك أن إثيوبيا ستكون راغبة فى خوض إجراءات التحكيم أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لأنها تعلم جيدًا ضعف موقفها من الناحية القانونية وتعلم أن مَطالب مصر عادلة ومشروعة وتدعمها قواعد القانون الدولى والسوابق القضائية فى ضوء أحكام محكمة العدل الدولية فى قضايا مماثلة. لذلك سوف تسعى إثيوبيا بكل الطرق للتملص من هذه الخطوة وستجاهد فى ألا تعرض هذه القضية على محكمة العدل الدولية أو هيئات التحكيم الدولى. 

 طابا كانت «تحكيم دولى»؟ هل ممكن أن يكون السيناريو مشابهًا؟ 

- طابا كانت قضية تحكيمية معقدة لكنها لم تكن معقدة على فريق الدفاع المصرى الذى استعد للتعامل مع هذه القضية، وانتصرت هيئة التحكيم للمَطالب المصرية لعدالة موقفها. وأننى على ثقة أنه فى حالة عرض قضية سد النهضة على أى هيئة تحكيم (فى حالة موافقة الدول المعنية على ذلك) سيكون هناك فريق مصرى متكامل مستعد للدفاع عن مَطالب مصر وسيكون الفوز بهذه القضية مضمونًا. فمصر لا تطالب سوى بتطبيق قواعد القانون الدولى التى تؤيد الموقف والمَطالب المصرية دون شك.

 هل تعترف إثيوبيا بمثياق محكمة العدل الدولية؟ 

- إثيوبيا دولة عضو فى الأمم المتحدة ودولة طرف فى النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية، لكن هذا ليس كافيًا فلا بُدّ طبقًا لقواعد محكمة العدل الدولية أن تعبر الدول المعنية عن إرادتها بقبول اختصاص محكمة العدل الدولية سواء بموجب اتفاق خاص أو معاهدة دولية أو بقبول الدول للاختصاص الإلزامى للمحكمة. وللأسف الشديد فإثيوبيا لم توافق بأى شكل من الأشكال على اختصاص محكمة العدل الدولية للنظر فى هذا الملف. وأننى على ثقة أنه لو كانت إثيوبيا تقبل اختصاص المحكمة لما ترددت مصر فى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية والدفاع عن حقها قضائيًا امام هذه المحكمة الدولية لسلامة وعدالة وقانونية المَطالب المصرية.

 هل من الممكن أن توقع عقوبات دولية على إثيوبيا بسبب اتخاذها قرارًا منفردًا بالملء الثانى ودون التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم وفقًا لاتفاقية إعلان المبادئ التى وقّعت عليها؟ ومسألة نهر عابر للحدود التى ذكرها عدد من مندوبى الدول فى جلسة مجلس الأمن إلى أى مدى تضر بحقوقنا؟ 

- مجلس الأمن الدولى يملك إصدار قرارات تحمل عقوبات دولية ضد أى دولة من الدول إذا قامت بالعدوان على دولة أخرى أو اتخذت إجراءات من شأنها تهديد السلم والأمن الدولى بشرط ألا تستخدم أى دولة من الدول دائمة العضوية جق الاعتراض (الفيتو) كما قلنا سَلفًا. وهذه المسألة تخرج عن الحسابات القانونية وتدخل فى دائرة الحسابات السياسية المجردة. ومن هنا يأتى أهمية الدور الذى تلعبه الدبلوماسية المصرية منذ عدة سنوات ولا تزال حريصة على اتباعه، وهو تهيئة المناخ الدولى لعدالة موقفها ومدى التعسف الإثيوبى فى التعامل مع ملف سد النهضة. وعليه ففى رأيى الشخصى إذا استمرت إثيوبيا فى مواقفها الفردية التى تتسم بخرق القواعد الدولية المستقرة فعلى مجلس الأمن أن يتولى مهمته وعلى الدول دائمة العضوية أن تنحى الاعتبارات السياسية وأن تنظر إلى تصرفات إثيوبيا من منظور عادل وأن تدعم أى قرار خاص باستقرار منطقة شرق إفريقيا. وعلى المجتمع الدولى أن يدرك أن الوقوف صامتًا أمام هذا الملف وعدم التعامل مع تصرفات إثيوبيا الفردية التى لا تصب فى مصلحة المنطقة وتؤدى إلى اشتعال الموقف؛ بل وضد اعتبارات التنمية ومصالح الشعوب التى تدّعى إثيوبيا نفسها أنها تسعى لبناء السد لتحقيق التنمية لشعبها فكيف يمكن أن تتحقق التنمية فى دولة على حساب مصالح دول وشعوب دول أخرى، وكيف يمكن أن تتحقق التنمية فى منطقة لا تتمتع بالاستقرار. وعليه فلا يزال الأمل معقودًا أن تحتكم إثيوبيا إلى صوت العقل وتستجيب لمَطالب مصر والسودان العادلة وأن تفكر فيما هو لصالح شعبها وشعوب الدول التى تشاركها ذات النهر بما يحقق التنمية للجميع وبما يحقق الرخاء الاقتصادى والاجتماعى لشعوب الدول الثلاثة المعنية.