الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تيجراى شاهد على الجريمة: المراوغ الذى بــاع حلفــاءه!

قبل بضع سنوات حصل رئيس الوزراء الإثيوبى (آبى أحمد )، على شهادة دكتوراه قدّم فيها أطروحة حول حل النزاعات، كتب فيها «لا يجب محاربة العنف فقط بأدوات رد الفعل؛ بل إنه يجب لحل التوترات والاضطرابات الإقليمية، معالجة أسبابها الهيكلية «التعصب، التهميش الاجتماعى والتفاوت الاقتصادى».



المفارقة أن هذه الأفكار التى صاغها آبى أحمد، وخدع بها الغرب، مما أهّله للحصول على جائزة  نوبل، تتناقض تمامًا مع ممارساته الفعلية  وسياساته فى التعامل؛ سواء كان هذا التعامل مع الداخل أو مع الخارج.

 

وإن كان الداخل أشد سوءًا، فالوضع الراهن يؤكد أن معظم أقاليم إثيوبيا أصبحت ترى فى آبى أحمد أنه سبب الأزمات والحرب فى إثيوبيا، وأنه بدلًا من أن يتجه إلى حوار داخلى حقيقى يريد استغلال أزمة سد النهضة والأزمات الأخرى مع جيرانه من أجل محاولة توحيد جبهة داخلية تمتد أزماتها، ومثلما كان يردد الرئيس السودانى السابق عمر البشير بأن السودان مستهدف أصبح أيضًا آبى أحمد يردد ذات العبارات، لكنها انتهت بالبشير فى سجن كوبر فهل يتعظ رئيس الوزراء الإثيوبى؟!

رسالة دكتوراه

فالمتابع  لشخصية  آبى  أحمد  على مدى السنوات الماضية يلاحظ نزعة ميكيافللية خالصة تُبرِّر الكذب والمراوغة، والحكم بالحيلة، والتناقض بين الأقوال والأفعال، وفكرة الوعود الزائفة للحلفاء والتخلى عنهم إذا لزم الأمر، مقابل تحقيق أهدافه الطموحة وحلمه الإمبراطورى العظيم.

وبالتالى لم يكن مستغربًا، أن ينقلب رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد بعد  فترة وجيزة من وصوله  لمقاليد السلطة فى بلاده على أفكاره السياسية الزائفة التى سجلها لنيل الدكتوراه وحاز إعجاب الغرب بها، وأن ينقلب أيضًا على حلفائه فى الداخل والخارج.

الأورومو

والأمثلة على ذلك كثيرة، وأبرزها انقلابه على أكبر مجموعة عرقية فى البلاد، الأورومو وهى القومية التى آزارته وساندته فى بداية حكمه ورأت فيه منقذًا لها من الاضطهاد والتهميش الحكومى الذى عانت منه لعقود سبقت توليه السلطة.

فآبى أحمد أول رئيس حكومة من قومية الأورومو، استبشر به الأورومو خيرًا، لكن ماذا فعل آبى أحمد؟ استعدى هذه القومية التى ينتمى إليها؛ بل وصل الأمر إلى حد القتل والتعذيب والاعتقالات. وسرعان ما تحولت الفرحة بمجيئه إلى مظاهرات عديدة تطالب بإسقاطه.

فبعد أيام قليلة من فوز رئيس الوزراء الإثيوبى بجائزة نوبل للسلام، خرج الآلاف من الشباب الإثيوبى فى الشوارع لا لكى يحتفلوا بحصوله على الجائزة العالمية؛ بل ليطالبوا بإسقاطه، وتلك المظاهرات كانت هجومًا من جموع الأورومو لشكوكهم فى أن آبى أحمد لم يعد مختلفًا عن سابقيه، رغم اكتساحه عقب توليه المنصب، لتزداد العلاقة بينهما سوءًا وتتصاعد المعارضة فى إقليم أورومو بسبب سجن أشهر معارضى آبى أحمد من الأورومو جوهر محمد الذى كان من أبرز الداعمين لرئيس الوزراء الإثيوبى، وبعدها يتم اغتيال الفنان هوتشالو وهو من الأورومو أيضًا ذات الشعبية الكبيرة لتتجه أصابع الاتهام إلى آبى أحمد. 

الأمهرا

ليس الأورومو وحدهم من غدر بهم آبى أحمد فى الداخل، فبعد أن أطلق آبى أحمد يد ميليشيات الأمهرا لارتكاب مذابح التطهير العرقى ضد قومية التيجراى، وفرض سيطرتهم على الإقليم؛ حيث وثّقت منظمات وحكومات دولية انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان فى إقليم تيجراى، وصلت حدّ التطهير العرقى لقومية التيجراى فى غرب الإقليم، على يدى ميليشيات الأمهرا التى نفذت عملية ضم لمناطق من تيجراى إلى إقليم الأمهرا.

انقلب آبى أحمد على أشد حلفائه فى الحرب على جبهة تحرير تيجراى، وهم الأمهرا، مما أدى إلى تحول المسيرات الاحتجاجية فى إقليم «أمهرة» فى شمال غرب إثيوبيا، إلى انتفاضة شعبية عارمة، مع رفع لافتات وهتافات انتقاده، وذلك اعتراضًا على عمليات القتل وتهجير لمواطنين من أقلية «الأمهرا» فى مختلف أنحاء البلاد.

وامتدت الاحتجاجات إلى أماكن تشمل مدينة «جوندر» التاريخية وكذلك «ديبرى بيراهان»، ومدن «ديبرى تابور وكوبو وكومبولاتشا وأديت».

وتحولت الاحتجاجات بشكل متزايد إلى موجة غضب عارم ضد حزب «الازدهار» الحاكم بقيادة آبى أحمد، وغيره من كبار المسئولين الفيدراليين والإقليميين، فى ولايتى «أمهرة» و«أوروميا» الإقليميتين.

ووجّه حزب «الازدهار» الحاكم، والذى يتزعمه آبى أحمد، انتقادات لاذعة ضد المعارضة، والحركة الوطنية لأمهرة، متهمًا إياها بأنها «عدو»، وتعهد بمواجهتهم «وجهًا لوجه»، وذلك بسبب قيادتهم للاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة الإثيوبية.

السودان

بعد تولى  آبى  أحمد فى 2018 الحكم فى إثيوبيا، وانهيار نظام البشير فى السودان 2019، وتزايد العلاقات بين البلدين التى وصفت إلى حد الصداقة  بين آبى أحمد والنظام المدنى الجديد أو المكون المدنى الناشئ عن التغيير السياسى فى السودان ما بعد الثورة، ومع وجود هذه العلاقات التعاونية المتداخلة بين البلدين سرعان ما انقلب الحال؛ حيث شهد البلدان كثيرًا من المناوشات والتعديات التى كانت من الجانب الإثيوبى على حساب الجانب السودانى بسبب النزاع الحدودى على منطقة الفشقة السودانية. 

هكذا انقلب آبى أحمد على السودان الذى قام باستغلاله بادعاء الصداقة؛ حيث استغل رئيس الوزراء الإثيوبى صديقه عمر البشير الرئيس السودانى المخلوع أسوأ استغلال ممكن لتصدير صورة كاذبة عن عدم إضرار السد الإثيوبى بالسودان رغم أن السودان هو الأكثر تضررًا كما حدث فى الملء الأول للسد فى العام الماضى، وكما هو متوقع حدوثه لو أصرت إثيوبيا على السير فى الاتجاه المعاكس، واستمرت بالملء الثانى بشكل أحادى خلال الفترة المقبلة. 

لكن بعد كشف الأكاذيب الإثيوبية، وسقوط نظام البشير سقطت الأقنعة الكاذبة، وظهرت مخاطر السـد الإثيـوبى واضحة جلية خلال الملء الأول للسد على الشعب السودانى الشقيق بعد أن تضرر من الجفاف، وتأثرت قدرات «سد الروصيرص» على توليد الكهرباء وهو الوضع المرشح للتكرار بقوة أكبر فى حالة استكمال الملء الثانى للسد الإثيوبى دون اتفاق مع دولتى المصب.. إلا أن الأضرار التى  لحقت بالسودان فى الملء الأول جعلته أكثر إصرارًا وقوة على ضرورة إلزام إثيوبيا باتفاق ثلاثى ملزم حول السد، ورفض اتخاذ خطوات أحادية من الجانب الإثيوبى.

المرواغة

بالإضافة إلى سياسة التخلى عن الحلفاء ينتهج آبى أحمد أسلوبًا غلبت عليه المراوغة، هذا الأسلوب انتهجه فى ملف سد النهضة ولايزال العالم يتذكر قسم رئيس وزراء إثيوبيا خلال أولى زياراته إلى القاهرة تحديدًا فى يوم 10 يونيو 2018 حين قال نصًا: «والله لن أقوم بأى ضرر للمياه فى مصر».

وهو القسم الذى خالفه آبى أحمد فيما بعد وضرب به عرض الحائط، كان خلال مؤتمر عُقد بالقاهرة بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، وآبى أحمد، لمناقشة أوجه التعاون فى المجالات المشتركة بين مصر وإثيوبيا، وبحث تقارب الرؤى فيما يخص تطورات ملف سد النهضة.

لكن هذه المراوغة  بدأت  حاليًا  تتكشف أبعادها للعالم، على خلفية الحرب فى التيجراى؛ حيث قام آبى أحمد أولًا بإنكار أن القوات الإريترية شاركته فى الحرب على الإقليم، وذلك فى جلسة أمام البرلمان فى مارس الماضى، ولكنه سرعان ما زار أسمرا فى وقت لاحق، وأعلن فى ختام زيارته أنه اتفق مع الرئيس الإريترى أسياسى أفورقى على سحب قواته من إقليم تيجراى، وأن الأخير ملتزم بالاتفاق.

الخيانة 

فى الوقت نفسه، تعمد آبى أحمد أن يبلغ الإدارات السياسية حول العالم فى اتصالاته غير المعلنة أن الرئيس أسياسى أفورقى هو من كان يرفض الانسحاب! هذه المراوغة جعلت الوعد الإثيوبى بالانسحاب الإريترى لا يتحقق، وبسبب ذلك تم توقيع العقوبات الأمريكية على مسئولى كل من إثيوبيا وإريتريا.

ليكون القاسم المشترك بين ما سبق من تحولات شهدتها سيرة آبى أحمد السياسية، هو الرغبة الجامحة فى مزيد من السلطة مع تنحية أى منافس محتمل.

ولكن يبقى السؤال المحورى ما هو السبب الذى جعل آبى أحمد ينقلب على قناعاته المزيفة ويكشف عن وجهه الحقيقى بهذه السرعة للعالم. وإن لم تكن قناعات حقيقية كما روج لها الإعلام الغربى.

الإجابة عن ذلك السؤال تكمن فى قناعات هذا  الرجل السياسية، والتى كشفت عنها وسائل الإعلام الغربية وبالأخص الألمانية مؤخرًا، على خلفية المذابح التى جرت فى إقليم التيجراى، ملخصها أن رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد قد خدع العالم أجمع قبل فوزه بنوبل حتى انكشف وجهه الحقيقى؛ إذ كان برنامج الإصلاح المزعوم والسلام مع الجارة الإريترية مجرد استعدادات لهدفه المتمثل فى إعادة إقامة حكم مركزى، فى أقدم دولة فى القارة الإفريقية وتحقيق نبوءة أمه فى الجلوس على كرسى الملك. مهما كان الثمن. 

فهل بعد أن فاز مؤخرًا حزبه الازدهار الحاكم بأغلبية كاسحة فى الانتخابات العامة التى تأجلت مرتين بسبب جائحة جائحة كورونا وضمان بقائه لولاية ثانية، من الممكن يتبنى آبى أحمد رؤية تصالحية ويقبل بالهزيمة العسكرية فى التيجراى من أجل بدء حوار سياسى على أساس الدستور القائم؟ وهل من الممكن أن يتخلص من صديقه العجوز فى محور الشر فى القرن الإفريقى الذى زين له حرب التيجراى؟ وهل يقبل بحل تفاوضى لأزمة السد فيعيد الاستقرار والأمن للإقليم كله؟!