الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«روزاليوسف» تحاور أول حكم مصرية وعربية محجبة فى تاريخ بطولة الأوليمبياد: بطلات فى طوكيو

هى إحدى حفيدات إيزيس.. تقف بشموخ فى وسط الملعب تمسك صافرتها بثبات وهدوء، تُدير رجالاً ونساءً من عمر الـ15 عامًا، ولكن ينصت لها الجميع وينفذون قرارها.. «سارة جمال الشرنوبى» أول حَكم مصرية وعربية وإفريقية محجبة فى أوليمبياد طوكيو 2021، هى أول حَكم دولى محجبة لكرة السلة فى العالم، واختارتها اللجنة الأوليمبية الدولية لتكون من بين 12 حَكمًا فقط على مستوى العالم للتحكيم لمباريات كرة السلة فى لعبة 3على 3 التى تشارك لأول مرّة فى تاريخ بطولة الأوليمبياد.



كل هذه الإنجازات السابقة حققتها الفتاة السكندرية «سارة جمال» ذات 32 عامًا!، نَعَمْ.. ولِمَ لا وهى وريثة تمرد وقوة جدتها «هيباتيا»، وكما نجحت الفيلسوفة السكندرية لتُسجل اسمها كأول امرأة فى التاريخ يلمع كعالمة رياضيات والفلك؛ نجحت «الشرنوبى» فى تغيير قوانين الاتحاد الدولى لكرة السلة FIBA ليسمح بالحجاب لأول مرّة فى تاريخ هذه الرياضة عام 2017 منذ تأسيسه عام 1932! وتسجل اسمها كأول حَكم محجبة مصرية وعربية فى العالم. 

عن حكاية سارة والتحكيم والسلة أجرينا هذه المقابلة الهاتفية معها أثناء تحضيرها للسفر لطوكيو.. 

 فى البداية.. ماذا يمثل لكِ اختيارك كأول حَكم مصرية وعربية محجبة لأول مرّة فى تاريخ بطولة الأوليمبياد؟

- فخورة جدًا وشرف كبير لى هذا الاختيار، فحلم أى رياضى المشاركة فى الأوليمبياد كأكبر حدث رياضى عالمى، وكان أحد أحلامى طيلة عمرى وهاهو يتحقق بعد سنوات طويلة من المذاكرة والتدريب والمشاركة فى العديد من البطولات الدولية. ولكن رُغم فرحتى الغامرة بالاختيار؛ فإنها مسئولية كبيرة، فأنا لاأمثل بلدى فقط ولكن قارّة كاملة والمنطقة العربية كذلك، بالإضافة إلى كونى واحدة من بين 12 فردًا من الطاقم التحكيمى لإدارة مباريات(3 على 3 أو 3/ 3) فى لعبة كرة السلة التى تدخل لأول مرّة أيضًا فى تاريخ بطولة الأوليمبياد هذا العام، فهذه مسئولية مضاعفة جدًا. 

 كيف كان الاستعداد للبطولة الأهم فى العالم؟

- التحضير بدأ منذ شهرين؛ نظم الاتحاد الدولى لكرة السلة(FIBA) لطاقم التحكيم محاضرات أونلاين بسبب عدم قدرتنا على السفر فى البداية بسبب الإجراءات الاحترازية لـ كورونا، وتضمنت المحاضرات دراسة لقانون اللعبة والتحكيم والشروط الخاصة بالأوليمبياد وغيرها من الاختبارات البسيطة، حتى سمح لنا الاتحاد بالسفر لتحكيم مباريات بطولات تصفيات الأوليمبياد، وكان آخرها بطولة تصفية كأس أوروبا أواخر يونيو الماضى فى رومانيا، بلا شك أن التحكيم فى إفريقيا جيد ولكن ذهابنا لمباريات أوروبية أكسبنا خبرات ومهارات وثقافات جديدة ستضيف لنا فى خطة الإعداد التى تسبق السفر لطوكيو. فالأوليمبياد بطولة كبيرة ولا مجال فيها للتراخى أو عدم التركيز، فالجاهزية والاستعداد التام أحد عوامل نجاحنا فى إدارة المباريات.

 هل لكِ أن تحدثينا أكثر عن ماهية لعبة (3 على3)، ومالفَرق بينها وما نشاهده من مباريات السلة العادية؟

- لعبة (3 /3)، تعتبر الشكل المقنن أو الرسمى للعبة السلة التى كنا نمارسها بعد التمرين على سبيل التسلية أو فى الشوارع، نلعبها على نصف ملعب بمجرد وجود زميلين ضد زميلين آخرين، وبدأت 3/ 3 تشق طريقها كرياضة رسمية من اللعبة الأساسية 5/ 5 منذ عام 2012، والفَرق الجوهرى بينهما اللعب على نصف ملعب فقط (Half Court) وسلة واحدة بينما ملعب كامل لكرة السلة العادية(5/5)، عدد اللاعبين فى الملعب 3 فقط وتسمح ببديل واحد فقط للاعبين، من دون وجود المدرب، ومدة المبارة 10 دقائق فقط كاملة ليست أربعة أشواط مثل لعبة 5/ 5. تتميز (3/ 3) بأن طبيعة اللعب فيها أسرع وتحتاج للياقة بدنية عالية جدًا، وأساسيات قانون التحكيم فى كلا النوعين واحدة ولكن الاختلافات بسيطة، مثلاً فى 3/ 3 فى حساب مدة زمن الهجمة، وهى عمومًا تحتاج إلى تركيز أكثر من الحَكم على الفنيات. وتعتبر مشاركة لعبة 3/ 3 فى طوكيو 2021 الأولى من نوعها فى تاريخ البطولة.

 ولكن متى بدأ شغفك بعالم التحكيم رغم بدايتك كلاعبة سلة؟

- بالفعل بدأتُ كلاعبة سلة وعمرى خمس سنوات فى نادى سموحة، وعلاقتى بالتحكيم بدأت فى سن 15 عامًا أثناء قراءتى لإعلان أثار فضولى عن فتح باب التقديم لدراسات التحكيم، التحقت بالدراسة مع عدد من زميلاتى من باب الفضول والتجربة آنذاك، ولكن جذبتنى الدراسة ونجحت فى الامتحانات، وبدأت فعلاً فى تحكيم مباريات فى هذه السّن الصغيرة بالتوازى مع استمرارى كلاعبة سلة، حتى قررت الاعتزال وعمرى 22 سنة والتركيز فى العمل بالتحكيم بجانب مهنتى كمهندسة مدنية.

وبدأت مشوارى التحكيمى بالأدوار التمهيدية فى تحكيم مباريات الرجال بمصر، ثم أسندت لى لجنة الاتحاد المصرى لكرة السلة تحكيم المباريات فى الدور ربع النهائى، ثم نصف النهائى العام الماضى، وهذا العام نجحت فى التحكيم لنهائى كأس مصر رجال، والتحكيم المحلى ساعدنى فى الحصول على الشارة الدولية فيما بعد. 

 وما الذى أضافه أو كان مختلفًا فى عالم التحكيم عن كونك لاعبة؟

- لاعبة أو حَكم كلاهما يتشابه فى تمثيل بلدى بالبطولات الدولية والتعرف على ثقاقات جديدة، ولكن التحكيم أصقل شخصيتى بخبرات كثيرة، منها كيفية حل المشكلات فى الملعب، ومهارات التواصل مع لاعبين / ات أكبر سنًا، مهارات الإدارة لمباراة فى ظروف صعبة، بالإضافة لالتحاقى بلجنة حكام منطقة الإسكندرية التابعة للاتحاد المصرى لكرة السلة، وهى ساعدتنى جدًا فى تطوير مهاراتى واكتساب خبرات جديدة لها علاقة بالتدريب لحُكام جُدد.

بصفتك عضوًا فى لجنة الحكام.. ما هى مواصفات الحكم الناجح؟

- أهم نقطة أُركز عليها فى نصائحى للحكام الجُدد هى تطوير الذات باستمرار والاجتهاد فى التدريب والدراسة والسعى للحصول على فرصة جيدة فى تحكيم المباريات المختلفة؛ ليكون جاهزًا عندما تأتى له فرصة إدارة مبارة مهمة سواء فى نهائى بطولة دولية أو محلية. أمّا كشخصية الحَكم فيجب أن تكون قوية وحازمًا فى المعلب ولكن مع الثبات الانفعالى، الحكم الناجح لا يكون شخصًا عصبيًا ولكنْ قادر على اتخاذ القرار المناسب وإطلاق صافرته فى الوقت المناسب، بالإضافة إلى أن يكون شخصًا ودودًا وعلاقته طيبة مع اللاعبين والمدربين وزملائه الحكام. وأخيرًا ضرورة اهتمامه باللياقة البدنية لا يصح أن يعجز عن الجرى؛ بل يكون قادرًا على الجرى فى الملعب ومتابعة اللاعبين! 

 كونك أول حكم محجبة فى تاريخ بطولة الأوليمبياد.. كيف كان الطريق لتحقيق ذلك؟

- لم يكن سهًلا على الإطلاق، كان مليئًا بالقلق والدموع والتوتر من فقدان حُبى لممارسة التحكيم بسبب الحجاب، فالاتحاد الدولى لكرة السلة كان يمنع أى مَظهر دينى ليس الحجاب فقط فى الملعب، ولكن الحمد لله لم أفقد الأمل فى إمكانية تغيير ذلك؛ لاقتناعى الشديد بأن المظهر الشخصى والحجاب لا يعوق التزاماتى الفنية والرياضية كحَكم. وبفضل مساعدة أساتذتى ساهموا فى توصيل صورة إيجابية للممثلى الاتحاد الدولى لكرة السلة عن أدائى التحكيمى بعد مشاركتى فى تحكيم عدة بطولات محلية بالحجاب، وإنه لم تحدث أى مشكلة أو خروج عن السياق فى المباريات بسبب الحجاب، وتم منحى الشارة الدولية للتحكيم عام 2016 فى لعبة(5/5) ثم لعبة(3/ 3)عام 2018، 

أمّا الآن؛ فأنا سعيدة جدًا للوصول لطوكيو كأول حَكم محجبة ليس لـ سارة فقط ولكن لكل فتاة تريد أن تكمل مشوارها وطموحها الرياضى دون التخلى عن الحجاب، أشعُر بالامتنان والفخر لكونى ساهمت بفتح الطريق لأخريات من الفتيات للعبور لعالم التحكيم دون خوف أو قلق، وكان ذلك أحد أحلامى بإثبات إنه لا تعارض بين كونك محجبة وممارسة نشاطك الرياضى بكفاءة واحترافية.. «البنت تستطيع أن تنجح فى كل المجالات ولكنها تحتاج الثقة والدفعة الأولى لتُكمل مشوارها».

 هل تتذكرين أول مباراة دولية حكمتيها بالحجاب.. وكيف كان إحساسك آنذاك؟

- (تضحك) نَعَمْ أتذكر خفقان قلبى الآن معكِ وتوترى الشديد خلال ثلاث دقائق فاصلة فى بداية مشوارى التحكيمى. كانت أول مرّة حكمت فيها بالحجاب فى تصفيات المنطقة الخامسة رجال وسيدات فى استاد القاهرة فى مارس 2017، وأصابنى القلق عندما أخبرنى البعض آنذاك قبل أول مباراة عن مدى السماح لى بالتحكيم بالحجاب أو لا؛ لأن قرار الاتحاد الدولى بالسماح للعب بالحجاب كان لا يزال جديدًا وقلقت جدًا حتى تأكدوا من صحة القرار.

لكن الأزمة الحقيقية كانت فى بطولة الألعاب للدول الفرانكفونية فى كوت ديفوار يوليو 2017، وقتها البعض قال لى إنهم سمحوا بالحجاب فى تصفيات المنطقة الخامسة، لكن من الممكن أن يرفضوا فى البطولة، وكان ذلك موقفًا غاية فى الصعوبة والتوتر لأنى لن أوافق على التحكيم من دونه وقتها حال رفضهم، وعندما وصلت كوت ديفوار واختارونى لتحكيم أول مباراة فى البطولة كنت قلقة جدًا لأن لم يصلنى تأكيد مسموح أمْ مرفوض نزولى بالحجاب، ولكن كان قرارى عدم التخلى عن الحجاب نهائيًا ومن حقى نزول الملعب به! 

ولكن أعترف وبصراحة شديدة أنه من غرفتى لبهو الفندق لمقابلة زملائى من طاقم التحكيم للذهاب إلى الملعب استغرقت نحو 3 دقائق ولكنها كانت أطول 3 دقائق فى حياتى، كنت أدعى أن تكتمل على خير ولا يعترض أحد وعندما تقابلت مع زملائى الحكام كان الوضع عاديًا والأوتوبيس فى انتظارنا دون تعليق، وذهبت وأدرت المباراة ولم يعترض أحد والحمد لله. بعد هذه الأزمة وانتشار قرار الاتحاد الدولى بالسماح للحجاب أصبحت الأمور طبيعية فيما بعد بكل البطولات لأكون أول حَكم بالحجاب فى العالم.

  وهل واجهتِ تمييزًا ضدك بسبب هتاف عنصرى دينى لحجابك، كما يحدث أحيانًا مع لاعبى كرة قدم مسلمين محترفين دوليًا؟ 

- بالعكس لم أُقابل أى هتاف عنصرى ضد حجابى من الجماهير؛ بل وجدت كل الدعم من زملائى الحكام واللاعبين، وثناءً على حجابى ومناسبته مع زى الحُكام، وحتى لو تعرضت لهتاف عنصرى من الصالة، لن يعرقلنى عن استمرار طموحى فى التحكيم وتركيزى فقط سيكون على داخل الملعب، أمّا بخصوص كونى حَكمًا امرأة منذ بدء عملى فى هذا المجال فلاحظت ترحيبًا كبيرًا جدًا وتشجيعًا للعنصر النسائى فى مجال التحكيم، سواء من الجمهور أو اللاعبين أو المدربين، وهذا من خلال تجربتى بالتحكيم فى مباريات رجال سواء فى البطولات المحلية داخل مصر أو الدولية، أتلقى دائمًا ردود فعل إيجابية ومتعاونة، وما دام الحَكم شخصيته قوية ولديه ثقة فى نفسه بالملعب، فالجمهور واللاعبون والمدربون سيقبلون «الصافرة» سواء من حَكم امرأة أو رجل. 

 ما هو أصعب موقف واجهك أثناء تحكيم إحدى المباريات؟

- ليس أصعب بقدر كونها مباريات مليئة بالتوتر والقلق مثلما تحدثتُ سابقًا عن أزمة بطولة الفرانكفون فى بداية تحكيمى الدولى بالحجاب، ولكن عادة تحكيم المباريات النهائية ليس سهًلا على أى حَكم سواء رجلاً أو امرأة، وأنا محظوظة والحمد لله بإدراتى لمباريات نهائية فى بطولات دولية كثيرة فى سن صغيرة، وفى هذه النهائيات عادة تكون الصالة مكتظة بالجمهور المتحمس لكلا الفريقين، ومن ثم تُشكل تحديًا كبيرًا ولكن أنجح فى تجاوزه بفضل الحفاظ على الثبات الانفعالى والتركيز العالى داخل المباراة حتى تنتهى بسلام. 

 ولكن ماذا عن دعم عائلتك لطموحك الرياضى.. وكيف تجمعين بين عملك كمهندسة مدنية والتحكيم؟

- لو هناك سبب فى نجاحى سيكون لأمّى بعد «ربنا»، فهى كانت ولا تزال السَّنَد والداعم الدائم الأول فى حياتى، علمتنى منذ الصغر على أهمية تنظيم الوقت وإدراته جيدًا، وهو ما ساعدنى فى تحقيق التوزان بين الدراسة للهندسة والرياضة كلاعبة وكحَكم. والآن هى سعيدة وفخورة لما وصلت له من تحكيم دولى وتمثيل مصر فى طوكيو، «وأنا أيضًا سعيدة لأن نجحت أرد لها جزءًا من المجهود الكبير الذى بذلَتْه معى». أمّا عملى بالهندسة؛ فأنا محظوظة بانتمائى لمؤسّسة وزملاء متعاونين للغاية ويتفهمون طبيعة عملى الآخر فى التحكيم ويشجعوننى على ذلك كثيرًا. 

 فى رأيك.. ما هى التحديات التى تعرقل احتراف النساء فى مصر للرياضة بشكل أكبر مما عليه الآن؟ 

- أعتقد السبب الرئيس يعود لصعوبة تحقيق بعض الفتيات التوازن بين حياتها الشخصية وطموحها الرياضى وممارسة نشاط معين؛ خصوصًا أن مسألة الاحتراف فى مصر قليلة ومن ثم يحتاج الرياضى لعمل مستقر وممارسة مهن أخرى لتوفير معيشة كريمة له، وهذا تحدٍّ كبير، بالإضافة إلى أن الفتيات لو تزوجن يُفضلن التنازل عن طموحهن الرياضى من أجل التفرغ لرعاية أسرتها وأطفالها. 

وهل يمكن أن تتخلى عن التحكيم يومًا من أجل العائلة والأطفال؟

- نشأتُ على مهارة الجمع بين طموحى الرياضى واستكمال دراستى وعملى دون أن يطغى أحدٌ على الآخر، وبالمنطق نفسه لا أرى أى تعارُض بين نجاحى الرياضى وتكوين أسرة وعائلة، فلن أهمل حياتى الشخصية من أجل طموح عملى أو رياضى ولكن يمكننى النجاح فى الاثنين.

 أخيرًا.. ماذا تطمحين فى إدرتك لمباريات الأوليمبياد..وما بَعدها؟

- أتمنى تقديم أداء تحكيمى مُشرّف يليق باسم مصر وإفريقيا، ويكون تركيزى عاليًا جدًا فى المباريات، أعتبر كل مبارة سأتولى إدارتها هى المباراة النهائية للبطولة، يجب أن أكون على قدر المسئولية وعند ثقة الاتحاد الدولى للسلة الذى اختارنى لتمثيله وتحكيم بطولة 3/ 3 لأول مرّة.ولكن الأوليمبياد رُغم أهميتها؛ فإنها ليست نهاية المشوار ولا يزال الطريق مليئًا بالبطولات الدولية المقبلة. وأخيرًا أتمنى دعوات المصريين لى.