السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كتـب ممنوعة حد الردة اغتال فرج فودة: الخلافة أول دولة دينية فى الإسلام!

فى كتابه «الحقيقة الغائبة»، تناول الكاتبُ بالنقد والتحليل شعارَ جماعات الإسلام السياسى أن الإسلام دين ودولة.



وتناول الكاتبُ دولةَ الخلافة على عهد الخليفة «عثمان بن عفان» الذى جمع القرآن وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومع ذلك جاء فى الروايات أن السيدة «عائشة» أمّ المؤمنين حرّضت المسلمين على قتال «عثمان» بعد أن لعنته؛ حيث رُوى عنها: «اقتلوا نعثلاً، لعن الله نعثلًا»، وكانت النتيجة أنه تم قتل الخليفة «عثمان».

وعلى هذا فإن الحكم الإسلامى لا يأتى من تطبيق أحكام الشريعة؛ لأنها كانت مُطبقة وقتها، ولا من صلاح الحاكم، ولا من صلاح الرعية؛ لأن كل هذا كان موجودًا، لكن الحكم الإسلامى يحدث بوجود نظام اجتماعى للحكم يبنى الدولة على قواعد تناسب واقع وزمن كل مجتمع.

 قراءة للكتاب

فى حروب الرّدّة كان القتال ضد مسلمين امتنعوا عن دفع الزكاة، وموقف الخليفة «أبى بكر» منهم هو موقف يفصل بين السياسة والدين؛ ليثبّت أركانَ دولته التى كانت تحتاج لوقفة جماعية حازمة ضد المختلفين.

وقد توصل د.«فرج فودة» إلى نتائج عن أفعال الخلفاء: «إن قواعد الدين ثابتة، وظروف الحياة متغيرة، وفى المقابلة بين الثابت والمتغير، لا بُد أن يحدث جزءٌ من المخالفة، ونقصد بالمخالفة أن يتغير الثابتُ أو يثبت المتغيرُ؛ ولأن تثبيت واقع الحياة المتغير مستحيل، فقد كان الأمر ينتهى دائمًا بتغيير الثوابت».

 الدولة الدينية الأموية

ويروى «فودة» نقلاً عن «جلال الدين السيوطى» فى كتابه «تاريخ الخلفاء»، قوله عن أحد الخلفاء الأمويين من خلال ما يقوله أهم المدافعين عن الخليفة من جيله أنه فقط اشتهر بالخمر والتلوط؛ لكن أبدًا لم يكفر بالله.

ويصل د.«فرج فودة» إلى نتيجتين مهمتين عن دولة الخلافة، الأولى كانت دولة قتل للمخالفين وغدر من الخلفاء بعضهم للبعض، وارتباط حُكمهم بفصل الدين عن الدولة، والثانية حرية الفن والشعر والفكر والعمارة، وكل هذا لا يتفق مع طبيعة الدولة الدينية؛ بل هو متناقض مع قواعدها.

 الدولة الدينية العباسية

بدأ العباسيون دولتهم بأن أخرجوا جثث خلفاء بنى أمية وجَلدوهم وصَلبوهم وحَرقوا جثثهم، كما ذكر «ابن الأثير» فى كتابه «الكامل فى التاريخ».

وكما ذكر ابن كثير والسيوطى، عن وجود آلاف السّرايا عند الخلفاء العباسيين، ومنهم «المتوكل» الذى يقولون عنه أنه وطئ أربعة آلاف سريّة، كل هذا العدد من الزوجات والسرايا للخلفاء الذين قيل عنهم أنهم كانوا أقرب ما يكونون لتطبيق الشريعة.

ويقول المؤلف عن نهايات حُكم العباسيين، إن الخليفة «الواثق» كان يتنقل من غلام إلى غلام، ورُغم كل هذا الجو الملىء بالغلمان والخمر والجوارى؛ فإنك تجد بعد ذلك أفقه الفقهاء وكبار علماء الدين وقتها، يوجّهون حديثهم إلى هذا الخليفة أو ذاك، بأن الله جعله نورًا يضىء للرّعية ما أظلم عليهم من الأمور فيما بينهم، وجعلهم خلفاء لله فى أرضه.

ويقول د.فرج فودة: «إن الإسلام على مفترق طرُق، طريق منها أن نخوض جميعًا فى حمّامات الدّم؛ نتيجة للجهل وضيق الأفق، وقبل ذلك كله نتيجة لانعدام الاجتهاد المستنير، وطريق آخر أن يلتقى العصر والإسلام، وذلك هَيّن ويسير، وسبيله الوحيد هو الاجتهاد المستنير والقياس الشجاع».

ويرى أن كل من يطالب بالدولة الدينية ليس لديه برنامج سياسى متكامل لعلاج المشكلات الموجودة.

فى نهاية كتابه، يؤكد على أن الإسلام جاء دينًا لنشر السلام والأخلاق، وبعض المنتسبين للإسلام أساءوا للدين حين يكفرون ويقتلون المختلفين فى الرأى أو المجددين فى الفكر؛ لأن التفكير يسبق التكفير والعقل يسبق النقل، وما أصعب رسالة الإهانة التى يوجهونها إلى الإسلام أمام العالم أجمع.

 نقد الكتاب

بدأت الخلافة بعد وفاة النبى عليه الصلاة والسلام، وكل من حَكم بَعده كان خلفًا له وليس خليفته؛ لخصوصية اجتماع الرسالة والقيادة للنبى عليه الصلاة والسلام، وبَعد الخلفاء الراشدين بدأت الخلافة تتغير إلى أن أصبحت نظامًا وراثيًا.

لقد قام النبى عليه الصلاة والسلام برئاسة المدينة كحاكم لأول دولة فى الإسلام، وكانت له تجربته فى الحكم والتى بدأت بالدولة الدستورية القائمة على وثيقة المدينة، وقام عليه الصلاة والسلام بتسمية يثرب بالمدينة دليلًا على قيام الحكم المدنى والمجتمع الإنسانى بدلاً من حُكم البداوة القائم على القبلية والعصبية. 

 الدولة المدنية

ودولة الإسلام مدنية وليست دولة دينية، وهدف دولة الإسلام إقامة العدل بين الناس، أمّا الدولة الدينية فهدفها إكراه الناس فى الدين والدنيا، ودولة الإسلام المدنية تجعل الأمّة مَصدرَ السُّلطات، أمّا فى الدولة الدينية فالخليفة يرى أنه يستمد سُلطته من الله، وأنه مسئول أمام الله فقط، ويعاونه فى الحكم الملأ.

وفى دولة الإسلام الدين لله والوطن للجميع بالمساواة والعدل، أمّا فى الدولة الدينية فالمواطنون درجات أعلاهم الخليفة، ثم الملأ والمقربون منه، ثم المسلمون على مذهب الخليفة، ثم أصحاب المذاهب والأديان الأخرى.

وفى دولة الإسلام لكل فرد الحق فى العدل وحرية العقيدة والفكر، والمجتمع هو صاحب الحق فى الثروة والسُّلطة، أمّا فى الدولة الدينية فالخليفة هو صاحب السُّلطة والثروة والحرية، والدولة الإسلامية التى أنشأها النبى عليه الصلاة والسلام كانت ضد نظام العصور الوسطى القائم على الاستبداد الدينى والسياسى، وبعد وفاة النبى عليه الصلاة والسلام عاد التعامل بنظام العصور الوسطى على حساب مواصفات الدولة الإسلامية.

 حد الرّدّة 

وقد تم اغتيال د.«فرج فودة» سنة 1992؛ بسبب تفكيره واجتهاده ورؤيته بأن الذين يريدون الإسلام دينًا ودولة لا يسعون إلى تطبيق الشريعة؛ لكنهم يسعون إلى سُلطة سياسية متخذين الإرهابَ بالفكر الدينى والقتل وسيلة لتحقيق الخلافة فى الأرض.

وبالتحقيق مع القاتل قال إنه قَتل بناءً على فتوَى بقتل المرتد أصدرها د.«عمر عبدالرحمن» مفتى الجماعة الإسلامية، وتم سؤال القاتل عن الكتاب الذى قرأه وأثبت له أن «فودة» مرتد، فأجاب بأنه لا يقرأ ولا يكتب!!.

وفى شهادة الشيخ «محمد الغزالى» اعتبر د.«فرج فودة» مرتدًا، وأثناء محاكمة القاتل أفتى بجواز: «أن يقوم أفراد الأمّة بإقامة الحدود عند تعطيلها، وإن كان هذا افتئاتًا على حق السُّلطة، ولكن ليس عليه عقوبة، وهذا يعنى أنه لا يجوز قَتْل مَن قَتَل فرج فودة».

وحد الرّدّة بالمعنى المعروف يعنى قتل المرتد عن الدين إذا لم يتُب، وقد لا يكون هذا المرتد قد ترك الإسلام؛ وإنما لمجرد أنه قال برأى أو فكر مخالف دينيًا، والقرآن الكريم لم يأمر بالتعامل مع المخالفين بالقتل حتى وإن كانوا كفارًا.

إن الله تعالى أعطى الناس الحرية فى الإيمان أو الكفر وفى المقابل سيحاسبهم تعالى على اختيارهم يوم القيامة: (وَقُلِ الْحَقّ مِن رّبّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ..)، الكهف 29، ولم يُعط الله تعالى أحدًا من البَشر الحكمَ على الآخرين بالكفر؛ بل أمر بالحوار بالحكمة والموعظة الحسنة مع تأجيل الحكم إلى الله تعالى يوم القيامة.

وقد كان البعض يسارع إلى إعلان الكفر ويحزن النبى عليه الصلاة والسلام لذلك، ولكن لم يكن له أن يحاكمهم: (يَأَيّهَا الرّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوَاْ آمَنّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ)، المائدة 41، والله تعالى يقول للنبى عليه الصلاة والسلام: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ)، آل عمران 128. 

وحد الرّدّة وضعه الفقهاء استنادًا إلى القول المنسوب إلى النبى عليه الصلاة والسلام «مَن بدل دينه فاقتلوه»، مع ملاحظة عدم وجود أى واقعة فى زمنه تشير إلى قيامه عليه الصلاة والسلام بتطبيق عقوبة دنيوية ضد من يغيرون دينهم مع ثبوت ردة الكثيرين عن الإسلام فى عهده ومعرفته عليه الصلاة والسلام بهم. 

وفى قوله تعالى: (كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، آل عمران 86، وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا)، النساء 137، الآيات ليس فيها حَدًا للردة.

كما أن القرآن الكريم لم يُشر تصريحًا أو تلميحًا إلى ضرورة إكراه المرتد على العودة إلى الإسلام أو قتله إذا امتنع، وأن حرية الاعتقاد مقصد مهم من مقاصد الشريعة فى الإسلام.

لقد أساء فقهاءُ التكفير للإسلام من حيث أرادوا الانتصارَ له، فأصبح الإسلامُ أمام العالم دينَ التفتيش فى ضمائر الناس للحُكم بإيمانهم أو كفرهم، وحد الرّدّة يناقض ما أعطاه الله تعالى من حق للإنسان فى حرية الاعتقاد والتى تتضمن حرية الإنسان فى الإيمان أو الكفر.