الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كنوز آمال العمدة.. مأمون الشناوى: مطربو عصركم «بغبغانات»! "الحلقة 1"

كان كتلة مركبة من الإحساس الصادق، حب، عشق، شجن، حزن تجمعت لتشكل إنسانًا، لم يكن من القريب أن يفرق ملايين البشر بإحساساته الجميلة.. ما أشد حاجتنا إليه الآن، لكن لو بحث كل واحد منا بداخله فمن المؤكد أنه سيجد ولو كلمة واحدة حظها كلمة وعاشت بداخلنا لتثبت أن مأمون الشناوى لا يزال حيًا بيننا.. وهذا نص الحوار النادر الذى تنشره مجلة «روزاليوسف».



 

آمال: ليس بالسهولة بمكان أن يرد فى خاطرى اسم الشاعر الكبير مأمون الشناوى ولا أتذكر الصحافة الساخرة و«كلمة ونص».. أستاذ مأمون الشناوى صاحب «الكلمة ونص» أين الصحافة الساخرة الآن.. وهل تسير فى خط تنازلى الآن فى عام 1981؟

مأمون الشناوي: كلما قل الفساد كلما انحسرت السخرية، بمعنى أن السخرية تكون نتيجة نقد لاذع يضحك من يسمعونه فى الأمور الفاسدة، فالسخرية لا تكون إلا من فساد موجود أو شيء غير مقبول، الآن قل الفساد فانحسرت السخرية فى الصحف.

آمال: أصحاب الأقلام الساخرة، ومن يأخذون مواقف ونظرات من الأشياء وتسخر منها سواء بكلمة مكتوبة أو بأى وسيلة من وسائل التعبير.. أين موقعهم اليوم؟

مأمون الشناوي: من يسخر يستطيع أيضًا أن يفكر تفكيرًا حرًا لا سخرية فيه، ولهذا فالكُتاب الساخرون يسيرون فى عالم الصحافة بنجاح، وحينما يأتى موضع السخرية يظهرونه فورًا فى مقالاتهم، بل إن هناك كُتابًا يتسمون بالرزانة فى كتاباتهم، وأحيانًا لا بُد أن نجد لديهم سخرية مثل مصطفى أمين مثلاً فكتاباته جادة، لكن حينما لا يعجبه شيء تظهر السخرية واضحة فى كتاباته، أما أحمد رجب فهو الملتزم بالسخرية يوميًا ويجد دائمًا ما يسخر منه.

آمال: هل هناك معاناة للكاتب الساخر فى أن يبحث يوميًا عن شيء يسخر منه على الورق؟ 

مأمون الشناوي: طالما أنه ملزم فلا بد أن يفكر، لكن أحيانًا تتولد عنده نقاط ساخرة تكون وليدة اللحظة، وتكون هى الأفضل وتجد تجاوبًا لدى الناس.

آمال: أنت نجحت فى التحويلة من الكتابة الساخرة إلى معالجة جراح القلب وأصبحت مأمون الشناوى جراح القلب بالكلمات، وأصبح بابك «جراح قلب» يستقطب كل أصحاب المشاكل الذين يبوحون لك بمشكلاتهم…

مأمون الشناوي: الحقيقة أنا مشفق عليهم لأننى أتلقى كل أسبوع أكثر من ألف رسالة تحمل مشاكل أصحابها من كل الأنواع، مشاكل فتيات فى سن المراهقة، وشباب، وأزواج وأرامل وأعيش مع هذه المشاكل وألمسها بقلبى من خلال باب «جراح قلب».

مزقت 15 ألف أغنية

آمال: وأيضًا لا أستطيع أن يرد بخاطرى اسم مأمون الشناوى إلا وأتذكر الشاعر الراحل كامل الشناوى.. وأسألك أنت أيضًا كم أغنية نظمت كلماتها؟

مأمون الشناوي: حوالى 15 ألف أغنية، ولكنى مزقت منها ما لا يقل عن 14 ألفًا وخمسمائة أغنية قبل أن تخرج للناس، واحتقرت حوالى مائة من الأغنيات التى نفذت ولم يعجبنى تنفيذها.

آمال: ما رأيك فى أن هناك رأيًا لواحد من مفكرينا وهو الدكتور سيد عويس الذى رصد الحزن فى كلمات أغانينا، وقال إن العالم كل أغانيه فيها معنى الفرحة والبسمة والتفاؤل عكس أغانينا التى تحمل كل معانى الحزن.. فما تفسيرك لهذه الظاهرة؟

مأمون الشناوي: إذا حدث واعتاد شخص أن يستقل الأتوبيس يوميًًا واستراح فيه، فهل يعقل أن يرسل برسالة للمسئول عن الأتوبيسات ويقول له إنه سعيد بالأتوبيسات؟ طبعًا هذا غير معقول، لكن إذا دُهس شخص آخر قدمه فى الأتوبيس فسوف ينفعل، والفن انفعال قبل كل شيء، والسعادة فى رأيى أنها تمارس، لكن التعبير عنها لا يجىء إلا بعد أن نفقدها.

آمال: إذن هل الألم فقط فى رأيك هو السبيل لتكوين الكلمات والتعبير بها وليست السعادة؟

مأمون الشناوي: نحن لا نعبر عن السعادة إلا إذا فقدناها، فنبدأ فى البكاء عليها، ونصور أيامها ولحظاتها التى عشناها وفقدناها، وليس معنى هذا أننا شعب لا يحب السعادة، بل نحن نسعد كلما جاءت لمحات السعادة وينسى همومه.

آمال: إذن فمأمون الشناوى يبارك معانى الحزن فى أغانينا، وتقول إنها ظاهرة صحية، وليست ظاهرة مرضية كما فسرها الدكتور سيد عويس…

مأمون الشناوي: أريد أن أوضح أن الأغنية التى تتسم بالحزن وتعبر عن الألم تعيش أكثر من الأغنية التى تعبر عن السعادة، فدائماً الحزين هو الذى يتكلم عن حاله، لأن الحزن فى حياتنا صفة الاستمرارية أكثر من السعادة، وأنا فى اعتقادى أنه إذا تعمد الإنسان أن يتحدث عن السعادة والفرح والابتهاج فقط فلن يخرج أى شيء من أعماقه، لكن الأمر سيقتصر على أنه يجيد التعبير فقط لكن بدون إحساس.

آمال: إذن هل فى الحزن صدق؟

مأمون الشناوي: الحزن قطعًا صدق، فلا يوجد شخص يدعى الحزن.

آمال: هل تسمح بأن نقف وقفة صادقة مع لحظة حزن فى حياة الشاعر الكبير مأمون الشناوى ولكن شعرًا…

مأمون الشناوي: لى أغانٍ مثل الربيع وأول همسة فيها صورة من الحياة التى فيها يوم حلو ويوم مر وغير ذلك، وهذه هى الصورة الحقيقية، لكن تعمد كتابة أغانى مفرحة يجعل الأغنية تموت بعد فترة من إذاعتها.

ويضيف: وأنا أحب أن أعيش وأشعر بالسعادة وأكون صادقاً وأنا أكتب الكلام المعبر عنها، وأخرج من كتاباتى كل كلمة فيها حزن، فالإنسان يتمنى أن ينفعل بالسعادة إلى حد أنه يغيب عن السعادة نفسها من فرط سعادته، لكن بالنسبة لى فأنا أكتب ما أشعر به.

كبار صالون كامل الشناوي

آمال: من أشهر الصالونات الأدبية والموسيقية والثقافية صالون كامل الشناوي، وكان آخر صالون مفتوح للناس بعد اندثار هذه الصالونات.. فما ذكرياتك عن صالون كامل الشناوي؟

مأمون الشناوي: كامل الشناوى بحكم أنه عاش أعزبًا كان يلتمس الأنس فى صحبة الناس فى هذا الصالون، وإن لم يجد ناسًا يخرج هو للناس ويحمل معه صالونه ولا يعود إلا والرغبة فى النوم تسيطر عليه.

آمال: ومن أكبر أقطاب هذا الصالون؟

مأمون الشناوي: لم يكن أحد من كبار الصحفيين والشعراء والقصاصين تفوت عليه فرصة حضور هذا الصالون وعلى سبيل المثال لا الحصر كان هناك يوسف إدريس وإحسان عبد القدوس وصلاح حافظ ومصطفى محمود.

آمال: ولدت موهبة عبد الحليم حافظ فى هذا المكان، واحتضنه الراحل كامل الشناوى ولهما العديد من الذكريات فى الصالون فماذا تتذكر منها؟

مأمون الشناوي: ذات مرة كان هناك موعد بين كامل وعبد الحليم وتأخر عبد الحليم وظل كامل ينتظره لكنه لم يأت، فقلت له إنه أكد أنه سيأتي، فرد أخى كامل بالقول إن عبد الحليم يكذب دائمًا إلا عندما يغنى ولا يصدق إلا حين يغني.

آمال: كان الحزن متغلغلًا أيضًا فى كلمات شقيقك الراحل كامل الشناوي…

مأمون الشناوي: هذا صحيح، فمثلاً فى عيد ميلاده حينما يحتفل بالقول:

عدت يا يوم مولدى     عدت يا أيها الشقى

الصبا ضاع من يدى    وغزا الشيب مفرقى

ليت يا يوم مولدى    كنت يومـاً بـلا غـد

ولكن ماذا يفعل وهذا ما يشعر به فى عيد ميلاده.

آمال: هل الحزن فى معانى الأغانى متوارث فى عائلتكم؟

مأمون الشناوي: هو بالذات كانت حياته فعلاً متعبة، فقد أصيب بمرض السكر وهو فى سن الثلاثين، ورفض الزواج وعاش وحيدًا، فقطعًا حياة الألم والحزن والمرض لا بد أن يظهر حزنها على معظم أعماله وإلا فلن يكون صادقًا لأنه لا يعبر فى كلماته إلا عما يشعر به.

آمال: كان كامل الشناوى ساخرًا أيضًا، وأنت أيضًا حزين وساخر فى نفس الوقت.. فمن أين جاءت هذه التوليفة؟

مأمون الشناوي: حينما أختلط بالناس أسخر مما يحزنني، وحينما أنفرد بنفسى وأبدأ فى التفكير يبدد فى الكتابة لنفسه وليس للآخرين، وطبعاً لن يخدع نفسه ويخرج الكلام من نفسه لكى يدخل قلوب الآخرين.