الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مكسب جديد للمرأة المصرية: تغليظ عقوبة التحرش الجنسى.. ولكن!

حرص الرئيس «عبدالفتاح السيسى» منذ عامه الأول فى الحكم بحماية حقوق المرأة المصرية، وحمَل على عاتقه قضايا المرأة وتمكينها فى مختلف المجالات السياسية،الاقتصادية والعلمية، ولكن كانت أولى خطوات الرئيس لدعم النساء المصريات هو الحفاظ على حقهن فى شارع آمن خالٍ من التحرش الجنسى؛ حيث توعَّد بمحاسبة المتحرشين خلال كلمته الشهيرة أثناء مشاركته بمارثون للدرّاجات فى الكلية الحربية يونيو عام 2014، فأطلق «مانفيستو» صريحًا أن المحاسبة القانونية ستلاحق كل مَن تسول له نفسُه بإطالة النظر فقط لامرأة مصرية.



تحدّث الرئيسُ بحسم قائًلا «هل إحنا بناتنا ونسائنا حد يقدر يبص لهم؟!.. هو مبقاش فيه رجالة ولّا إيه؟! .. والله والله قريبًا هييجى يوم إللى هيبص هناخده بالقانون.. فى المجتمعات التانية محدش يقدر يطول فى النظرة، هذه هى الحرية وحقوق الإنسان الحقيقية.. أى إنسان فى مصر لن يساء له واحنا موجودين». 

وُعُودُ الرئيس تتحقق مع سنوات حُكمه اللاحقة بإقرار التعديل التشريعى على تعديل بعض مواد قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 فيما يتعلق بتعريف جريمة التحرش الجنسى وعقوبتها، وصولاً إلى تقديم حزب مستقبل وطن مشروع قانون جديد لتغليظ عقوبات التحرش الجنسى، مستمدًا فلسفته من توجيهات الرئيس لحماية حقوق المرأة وفقًا لتصريحات «أشرف رشاد» رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن.

«رشاد» عضو اللجنة التشريعية بالبرلمان، قال فى تصريحات سابقة: «إن البحث عن عقوبات أشد وأغلظ من منطلق البحث عن السِّلم الاجتماعى، والحفاظ على العادات والقيم المصرية من خلال عقوبات تمثل ردعًا لأى شخص يحاول أن يخترق هذه العادات والقيم». معربًا أن «البحث عن القيم المصرية والنخوة والشرف والمحافظة عليه فى مجتمعنا، أشار لها أكثر من مرة الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، وهو دافعٌ أساسىٌ لتغليظ هذه العقوبات وأن يتقدم الحزب بمثل هذا المشروع».

لم تتخيل «نهى رشدى» أول فتاة مصرية تتقدم ببلاغ ضد متحرش عام 2008، أن كسرها لتابوهات المجتمع آنذاك الناكرة لوجود جريمة كالتحرش الجنسى، وأن تظل ظاهرة مسكوتًا عنها تحت مظلة «عيب البنات تتكلم»، لترى «رشدى» اليوم وبعد مرور 15 عامًا ثمار خوضها الطريق الصعب الذى مهدته جيدًا لمرور آمن لغيرها من الفتيات المصريات بدعم من مَطالب المنظمات النسوية؛ بدأت بتعريف جريمة التحرش الجنسى وعقوبتها عام 2014 وفقًا للقرار الجمهورى للرئيس السابق المستشار «عدلى منصور» بتعديل بعض مواد قانون العقوبات والتى أقرها مجلس النواب عام 2016، وصولاً إلى موافقة اللجنة التشريعية بمجلس النواب نهائيًا قبل أيام على مشروع قانون يُغلظ عقوبة التحرش الجنسى ويحوّلها من جنحة إلى جناية يصل فيها الحبس لأربع سنوات وغرامة نصف مليون جنيه.

تقدم بمشروع القانون النائب «أشرف رشاد» رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن وعضو اللجنة التشريعية بالمجلس؛ ليتضمن تعديل قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 والخاص بالتعرض للغير والتحرش الجنسى.

وتقضى التعديلات بتشديد عقوبة التعرض للغير المنصوص عليها بالمادة «306مكررًا-  ب»، وتحويلها إلى جناية بدلاً من جنحة؛ نظرًا لخطورتها الشديدة على المجتمع وانعكاساتها النفسية على المجنى عليه.

وكان أبرز التعديلات التى وافقت عليها اللجنة تعديل المادة (306 مكررًا- أ) المتعلقة بالتعرض للغير فى مكان عام أو خاص أو مطروق، بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، سواء بالإشارة أو بالقول أو الفعل بأى وسيلة بما فى ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللا سلكية؛ حيث أضاف التعديل الوسائل الإلكترونية أو أى وسائل تقنية أخرى، كما غلظ العقوبات من ستة أشهُر كحد أدنى فى القانون الحالى لتصبح ما بين سنتين وأربع سنوات، فيما رفع قيمة الغرامة من ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف، فى القانون الحالى، إلى ما بين 100 إلى 200 ألف جنيه.

وجاء فى تعديل المادة نفسها؛ حيث شدد أيضًا على عقوبة تكرار الفعل من سنة و/أو غرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، فى القانون الحالى، إلى «الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تزيد على 300 ألف جنيه».

وشملت التعديلات أيضًا المادة (306 مكررًا- ب) المتعلقة بالإتيان بالأفعال المذكورة فى المادة السابقة، لكن بقصد حصول الجانى من المجنى عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، والتى غُلظت عقوبتها من الحبس سنة كحد أدنى و/أو غرامة ما بين عشرة إلى عشرين ألف جنيه، لتصبح الحبس خمس سنوات كحد أدنى، وتزيد الغرامة لتصبح ما بين 200 إلى 300 ألف جنيه.

أمّا التعديل الأخير فى مشروع القانون، فإذا كان الجانى ممن نص عليهم فى الفقرة الثانية من المادة 267 من هذا القانون أو كانت له سُلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجنى عليه أو مارَسَ عليه أى ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحًا تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات والغرامة لا تقل عن ثلاثمائة ألف جنيه ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه.

 عضو اللجنة التشريعية: تغليظ العقوبة غير كافٍ.. والشارع المصرى منُفلت أخلاقيًا

سألنا الدكتورة «عبلة الهوارى» عضو اللجنة التشريعية بالبرلمان عن فلسفة هذه التعديلات الجديدة التى تبنّاها حزب «مستقبل وطن» فى تغليظ عقوبة التحرش الجنسى، لتقول: «لاحظنا فى الآونة الأخيرة ارتفاع معدلات التحرش الجنسى، لم يمر يومٌ ونقرأ أو نشاهد شهادة لفتاة تصرخ من تعرُّضها للتحرش اللفظى أو الجسدى، ومن ثم وجدنا كحزب دورنا ومسئوليتنا فى تغليظ عقوبة التحرش طالما العقوبات الحالية بالقانون غير كافية».

وتضيف «الهوارى»، النائبة عن حزب مستقبل وطن بمحافظة سوهاج، فى تصريحات لـ«روزاليوسف»: التعديلات الجديدة هدفها الردع الخاص والعام؛ للحد من انتشار هذه الظاهرة السلبية بمجتمعنا. لافتة إلى أن التشريع وحده غير كافٍ؛ نظرًا للانفلات الأخلاقى الذى يُعانى منه الشارع المصرى.

تستطرد: «رغم أن تغليظ العقوبة مهم وضرورى قانونيًا؛ فإنه سيظل خطوة على الطريق لضبط إيقاع الشارع المصرى المنفلت (كما وصفته) تحتاج إلى تكاتف جميع مؤسّسات الدولة لمواجهتها والتى تبدأ من الأسرة والمدرسة من خلال مناهج تعليمية تحث على احترام المرأة وحريتها وحقها فى العيش بأمان».

وتؤكد أن مازالت محافظات الصعيد وقُرَاها لا تعرف هذه السلوكيات السلبية للتحرش الجنسى. مُفسرة أن أهالى الصعيد مازالوا يحافظون على العادات والتقاليد والموروثات التى تقدر المرأة وتصونها. 

«نعم استند الحزب للدراسات والإحصائيات الحديثة التى ترصد ظاهرة التحرش الجنسى بعد تجريمه قانونيًا منذ 2014 والتعرف على أشكاله الجديدة والتى دفعتنا لتعديل المادة (306 مكررًا- أ) بإضافة الوسائل الإلكترونية أو أى وسائل تقنية أخرى كإحدى الوسائل المستخدمة الآن فى التحرش الجنسى بالنساء» ترد الهوارى عندما سألناها عن دراسة الحزب للتعديلات الجديدة فى ضوء أى دراسات وإحصائيات.

جدير بالذكر أن التحرّش الجنسى يحدث للنساء والفتيات من جميع الفئات والأعمار داخل المجتمع المصرى: المحجبة وغير المحجبة، صغيرات السّن وكبيرات السّن، متزوجة وغير متزوجة، مصرية وغير مصرية. فى الحقيقة، إن القضية لا تتمثل فى الملابس أو السلوك لدى النساء والفتيات. وفقًا لدراسة أعدتها الأمم المتحدة للمرأة فى 2013، فإن نسبة 99،4 % من السيدات المصريات تعرضن للتحرش، وطبقًا لدراسة المركز المصرى لحقوق المرأة (ECWR) عام 2008، كانت 72 % من النساء اللاتى تعرضن للتحرّش يرتدين الحجاب أو النقاب. معظم السيدات فى مصر يرتدين ملابس محتشمة ومحجبات، ولذا هذه الأرقام تشير إلى أن السيدات فى مصر يتعرضن للتحرش بغض النظر عن الشكل أو الملابس.

 الحقوقية «لمياء لطفى»: التعديلات تعكس اهتمام الدولة بمكافحة جرائم العنف الجنسى

الحقوقية «لمياء لطفى» استشارية النوع الاجتماعى والتنمية ومنسقة البرامج فى مؤسّسة «المرأة الجديدة»، تقول إن تشديد عقوبة التعرض للغير فى التعديلات الجديدة للمادة «306 مكررًا- أ»، وتحويلها من جنحة إلى جناية تعكس اهتمام الدولة بتغليظ العقوبة فى هذه النوعية من جرائم العنف الجنسى التى تواجه النساء، وإن جريمة التحرش لن يتم التعامل معها باستهانة بدءًا من تلقى البلاغ من الناجيات مرورًا بإجراءات التحقيقات فى النيابة.

تؤكد «لطفى» فى تصريحاتها لـ«روزاليوسف» قائلة: «على الرغم من أهمية هذه التعديلات وإيجابيتها؛ فإنها تحتاج إلى قوانين وخطوات لاحقة تضمن تطبيقها بفاعلية على أرض الواقع». مُوضحة: «نحتاج لحماية الناجيات من العنف ومعلوماتهن فى حالة الإبلاغ؛ لأنه بالرغم من زيادة نسب الفتيات مؤخرًا اللاتى يتقدمن ببلاغات جراء تعرضهن للتحرش الجنسى؛ فإن هناك فتيات يفضلن عدم الإبلاغ تمامًا، ومن المتوقع أن يستمر ذلك حتى مع تشديد العقوبة الجديدة، والسبب يعود للوصم الاجتماعى الذى يقع عليهن وعدم شعور الفتيات بالأمان فى حالة الإبلاغ، وكذلك الأمر مع حماية الشهود لأن لو الناجية ذهبت للإبلاغ ولكن لخوف الشهود لم يذهبوا! فشلت القضية بالتبعية»؟!

تُكمل لطفى: «نأمل أن يتوازى مع تغليظ عقوبات التحرش فى مشروع القانون الجديد وجود نص قانونى يحمى المبلغين والشهود حماية كاملة فى قضايا العنف الجنسى؛ لأن النص الموجود حاليًا قاصر جدًا ويحتاج إلى تعديل لأنه يقتصر على حماية المعلومات وليس الأشخاص، ومن ثم  تظل حماية المعلومات مُنتقاة جدًا؛ لأن قاضى التحقيق هو الذى يختار وحده القضية هل القضية تحوى معلومات سرّيّة أمْ لا، ولكن تظل الفتيات المُبلغات كشخوص بلا حماية، وتابعنا خلال الفترات الماضية الابتزاز والتهديدات التى تتعرض له الفتيات من الجناة بعد إبلاغهن عن التحرش بهن ومطالبتهن بالتنازل عن البلاغات مثًلا».

تضيف مُنسقة البرامج بمؤسّسة المرأة الجديدة: «إن تشديد العقوبة فى جريمة التحرش الجنسى يلزمه إزاحة عبء الإثبات من على المدعى(الناجية)؛ لأن هذا النوع من جرائم العنف الجنسى صعوبته فى إثباته، فهذه الجرائم لا تحدث فى العلن، والشخص الجانى يعلم مثلا أن لو لديه سُلطة ونفوذًا على الشهود لن يتمكنوا من الإدلاء بشهادتهم، ومن ثم يجب مراجعة هذه الثغرة قانونيًا بقيام مؤسّسات الدولة ممثلة فى النيابة العامة والمباحث وأقسام الشرطة على البحث فى الآلة والقيام بالشغل الجنائى؛ لأن مسألة ترك عبء إثبات جريمة التحرش على الناجية بمفردها صعب جدًا وغير عملى، يجب أن تكون هناك سُلطة وصلاحية للنيابة تجبر مثلا مكان عمل وقعت فيه جريمة التحرش بالحصول على الكاميرات وتفريغها وهكذا».

وفيما يتعلق بإضافة الوسائل الإلكترونية أو أى وسيلة تقنية أخرى فى التعديل المقترح للمادة «306 مكررًا- أ» باعتبارها وسائل للتحرش الجنسى، تؤكد «لطفى» على أهمية هذا التعديل وضرورته، مشيدة فى السياق بدور وحدة مكافحة جرائم الإنترنت بالعباسية كإحدى التجارب الناجحة فى تلقى بلاغات الناجيات واحترامهم لخصوصياتهن وسرية معلوماتهن، بالإضافة إلى دور النيابة العامة الكبير فى سرعة الاستجابة لبلاغات التحرش الجنسى والإنجاز فى التحقيق بها، ومن الأمثلة الأخيرة كانت واقعة فتاة المطار، ومتحرش طفلة المعادى، ومتحرش قطار الصعيد بالطفل الصغير وغيرها من الوقائع.

تختتم «لطفى» حديثها بضرورة تبنّى مجلس النواب مشروع القانون الموحد لمكافحة أشكال العنف ضد المرأة، والذى شارك فى إعداده العديد من المنظمات النسوية، وهو جاهز تمامًا لتناقشه اللجنة التشريعية ثم طرحه على اللجنة العامة بالمجلس؛ لأن إقرار هذا القانون سيشكل نقلة نوعية على مستوى مواجهة جرائم العنف ضد النساء من خلال وضع استراتيچية عامة للتعامل مع أشكال العنف المختلفة.

 عضوة القومى للمرأة: انتصار جديد لحقوق المرأة

ومن جانبها تُثنى الدكتورة «رانيا يحيى» عضو المجلس القومى للمرأة رئيس قسم فلسفة الفن وعلومه، بالمعهد العالى للنقد الفنى، على تغليظ عقوبات التحرش الجنسى، واصفة إياه بالانتصار الجديد لحقوق المرأة المصرية وتمكينها فى ممارسة حياتها العامة وتوفير بيئة آمنة لها خالية من العنف الجنسى. لافتة إلى أن زيادة سنوات الحبس وارتفاع قيمة الغرامة المالية ستكون عقوبات رادعة بقوة للمتحرشين ومن ثم التصدى للظاهرة بقوة خلال الفترة المقبلة.

وتُضيف «يحيى» فى تصريحاتها  لـ«روزاليوسف»: «إن موافقة البرلمان على هذه التعديلات هو مكسب جديد من مكتسبات المرأة ويعكس حرص الدولة المصرية فى مؤسّساتها التشريعية والنيابية للحفاظ على حقوق المرأة وتمكينها سياسيًا واجتماعيًا، لذا هو تعديل يُثلج قلوبنا كنساء ويبث الطمأنينة فى نفوسنا أن الدولة وعلى رأسها القيادة السياسية حريصة على حماية النساء من جريمة التحرش الجنسى».

وتؤكد عضو المجلس القومى للمرأة على أهمية نشر الوعى بثقافة حقوق المرأة من خلال وسائل الإعلام، الدراما، الكنائس والمساجد، التعليم، بالإضافة إلى أهمية الثقافة القانونية بتلك القوانين الرادعة لتجريم التحرش الجنسى لتكون جرس إنذار لكل متحرش يعتقد أنه بعيد عن العقاب.