الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

3 يوليو الطريق للجمهورية الثانية: مصر أصبحت مركز «حفظ السلام» فى المنطقة: كيف أعاد «السيسى» لمصر مكانتها الإقليمية والدولية؟

«أقسم بالله العظيم أن أحافظ على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه».. بهذا القسَم تعهد الرئيس المصرى «عبدالفتاح السيسى» أن يواجه أصعب الفترات التى مرّت على البلاد.



وفى 8 يونيو 2014 كانت بداية التحديات الداخلية والخارجية للرئيس «السيسى»، الذى عمل على مدار سنوات رئاسته على محو آثار ثلاث سنوات «عجاف» مرّت على الإدارة المصرية، وإعادة مصر مرّة أخرى لمركزها الإقليمى والعالمى، والآن أصبحت مصر قلبَ العالم؛ مركزًا إقليميًا ودوليًا لصناعة القرارات، وتحقق عهد الرئيس المصرى أمام شعبه «مصر أمّ الدنيا.. وهتبقى قَدّ الدنيا».

 

وضع أسُس السياسة الخارجية

كانت المهمة الصعبة التى واجهها الرئيس «السيسى» بعد توليه منصبه هى تصحيح مفاهيم الرأى العام العالمى عن طبيعة ما جرَى على أرض مصر، وتوضيح حقيقة ما حدث فى 30 يونيو و3 يوليو و26 يوليو، وكيف أن تولى الرئيس لمهام منصبه جاء بعد انتخابات نزيهة، وبناءً على دستور استفتى عليه شعب مصر باستقلالية كاملة، وكيف أن ثورة 30 يونيو وتفويض المصريين لرئيسهم جاءا من أجل الإطاحة بجماعة «إرهابية» وصلت إلى السُّلطة فى غفلة من الزمن، وكانت فترة رئاستها لمصر بعيدة كل البعد عن الديمقراطية وحُسن الإدارة؛ بل كانت تسعى لتفتيت المجتمعات العربية ودعم الإرهاب الدولى.

أعاد «السيسى» ومؤسّسة الدبلوماسية المصرية، الثقة إلى الدول الأخرى، ونجح بسرعة فائقة فى استعادة علاقات مصر بمعظم الدول التى كانت تبدى تخوفًا وعدم فهم مما جرى على أرض مصر، ساعد فى ذلك الدور البارز الذى قامت به مجموعة من الدول العربية والإفريقية والأوروبية فى هذا الإطار، ونجح فى تغيير الصورة الذهنية عن «مصر الجديدة» لدى عدد من الدول الكبرى والتكتلات الإقليمية الرئيسية.

 القضايا العربية.. لا للتدخلات

انتهجت مصر سياسات ودّية مع أشقائها العرب، الذين قدموا دعمًا سياسيًا واقتصاديًا هائلاً للدولة المصرية فى مرحلة إعادة بناء ما دمرته سنوات الفوضى والانفلات الأمنى وحكم الجماعة. وارتكزت محاور سياسة مصر الخارجية على أهمية الحفاظ على وحدة وتماسُك الدول العربية، باعتبار أن «الأمن القومى العربى يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومى المصرى».

وكانت القضية الفلسطينية على رأس أولويات الرئيس «السيسى»، والدليل هو المشهد العظيم الذى تابعه العالم كله خلال الأسابيع الماضية عندما تدخلت مصر لوقف إطلاق النار فى غزة الذى التزم به الإسرائيليون والفلسطينيون وأيضا رأب الصدع بين الفصائل الفلسطينية، والأهم هو إعادة إعمار غزة ودخول سيارات المساعدات والمعدات المصرية لبدء العمل..كل ذلك لم يحدث فى يوم وليلة إنما هو ثمرة عمل 8 سنوات، فمنذ البداية تبنت مصر سياسة واضحة وموقفًا ثابتًا، وهو التوصل إلى حل عادل وشامل يضمن الحقوق الفلسطينية، ويقوم على الأسُس والمرجعيات الدولية، وتؤدى إلى إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وبذلت مصر  أيضًا جهودها من أجل استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، فضلاً عن جهودها مع الأطراف الفلسطينية من أجل رأب الصدع وإنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وكان إنهاء هذا الصراع بعد إعلان اتفاقية المصالحة برعاية مصر فى أكتوبر 2017.

كما عملت مصر على فرض القضية الفلسطينية فى جميع المحافل الدولية، وكانت كلمة الرئيس «السيسى» فى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2014 خير دليل، وتبلور كل ذلك وظهر الدور المصرى القوى للقضية العام الجارى مع مبادرة وقف إطلاق النار فى غزة وتخصيص 500 مليون دولار لإعادة إعمار البلاد.

أمّا فيما يتعلق بالقضية الليبيبة؛ فلم تدّخر الإدارة المصرية جهودها لوضع نهاية لمعاناة الشعب الشقيق، وجاءت التحركات المصرية خلال خطاب الرئيس «السيسى» فى قاعدة «سيدى برانى» العسكرية يونيو 2020 الذى تضمّن تحديد الخط الأحمر المصرى (سرت/ الجفرة) داخل ليبيا، الأمر الذى أعقبه قيام مصر بتكثيف الاتصالات والاجتماعات مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية للبناء على المساعى المصرية، كما عملت مصر على تشكيل اللجنة الوطنية المعنية بالأزمة الليبية، كذلك أقامت مؤتمرًا لزعماء القبائل الليبية بهدف التوصل إلى حل سلمى يدعم الاستقرار ويسهم فى دفع جهود التنمية والتعاون فى شتى المجالات، فضلاً عن محاربة الإرهاب.

وفيما يتعلق بالأزمة السورية، ساندت مصر جهود التسوية السلمية للوضع فى سوريا، ودفع جهود إنهاء الصراع؛ وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254، بما يحفظ وحدة واستقلال التراب السورى، وعملت مصر على إرساء ذلك المبدأ من خلال المجموعة المصغرة للدول المعنية بالعملية السياسية السورية، وعبر تواصلها مع المعارضة السورية المعتدلة، وعلى رأسها مجموعة القاهرة، مع التأكيد مرارًا على ضرورة التصدى الحاسم للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، والأطراف الإقليمية الداعمة لها، وعلى أنه «لا يمكن أن يكون هناك حل عسكرى للأزمة»، كما شدد الرئيس على أن «الشعب السورى هو المسئول عن اختيار مستقبله، وأن الجيش الوطنى هو من يكون مسئولاً عن بسط الأمن والاستقرار فى بلده».

أمّا فى اليمن فأكدت مصر منذ اللحظة الأولى لتولى الرئيس «السيسى»، دعم القاهرة المستمر للشعب اليمنى الشقيق، وللدولة الوطنية اليمنية ووحدة أراضيها، ورفض كل محاولات التقسيم والتفتيت لأسباب عرقية أو مذهبية، مع الوضع فى الاعتبار أن مصر تستضيف على أرضها ما يقرب من مليون مواطن يمنى، يعامَلون معاملة المواطنين المصريين، كما أعلنت مصر تأييدها الكامل لجهود التوصل إلى تسوية سياسية تحافظ على وحدة وسيادة اليمن وسلامته الإقليمية، ورفضها الواضح لأى محاولات لاستخدام الأراضى اليمنية كمنصة تهديد لأمن المملكة العربية السعودية الشقيقة، وبالتالى الأمن القومى العربى، وإضافة إلى ذلك، أدانت مصر مرارًا كل محاولات عرقلة حرية وأمن الملاحة فى مضيق باب المندب، بما يؤثر على الأمن والاستقرار فى منطقة البحر الأحمر، وعلى حركة الملاحة فى قناة السويس.

إنجازات الإدارة المصرية

فرضت السياسة الخارجية المصرية كلمتها على علاقاتها مع مختلف دول العالم، بحيث صار واضحًا أن مصر تستطيع الحفاظ على علاقاتها مع القوى الكبرى، دون أن يؤثر ذلك على استقلالية قراراتها، أو مواقفها، ودون أن يفهم أى طرف هذه العلاقات على أنها موجهة إلى أو ضد أى طرف آخر، أيًا كان. 

ومنذ الأيام الأولى من رئاسة «السيسى» استطاعت الإدارة المصرية إعادة مركزها فى الاتحاد الإفريقى بعد توقف عضويتها لمدة 11 شهرًا، وفى يونيو 2014 قرر المندوبون الدائمون بالاتحاد فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بعد موافقة مجلس السلم والأمن الإفريقى وبإجماع أعضائه الـ 15 على عودة مصر إلى مكانها الطبيعى داخل الاتحاد الإفريقى؛ خصوصًا أنها واحدة من الدول المؤسِّسة للاتحاد عام 1963.

كما استطاعت مصر إثبات قوتها كمركز إقليمى فى المنطقة، فكان حصولها على مقعد غير دائم فى مجلس الأمن، ثم رئاسة لجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن، ورئاسة القمة العربية، والجمع بين عضوية مجلس السلم والأمن الإفريقى ورئاسة لجنة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية المعنية بتغيّر المناخ، كما اختيرت مصر لرئاسة الاتحاد الإفريقى للمرّة الأولى عام 2019، كذلك استطاعت الدبلوماسية المصرية فى إعادة البلاد لعضوية الاتحاد البرلمانى الدولى عام 2016، بعد انقطاع دام لمدة 5 سنوات فى أعقاب أحداث 25 يناير.

وفيما يتعلق بالأشقاء العرب، عملت مصر على زيادة التعاون بين البلدان العربية؛ خصوصًا فى منطقة الخليج العربى، التى شكلت عبارتا «مسافة السكة» و«أمن الخليج جزء من أمن مصر» أساسًا وعنوانًا لطبيعة هذه العلاقة الخاصة، بل وحرصت مصر على التواجد بصورة مستمرة بجانب باقى أشقائها فى أحلك الفترات، مثلما حدث إبان الثورة السودانية على حكم البشير، ومثل الدعم السياسى والإنسانى إلى لبنان، بعد تفجير بيروت، فضلا عن آليات التعاون الجماعية، وأبرزها آلية التعاون الثلاثى مع الأردن والعراق والتى تحمل كثيرًا من الأهداف والطموحات؛ خصوصًا فى ظل ما تتعرض له الدولتان من ضغوط وتهديدات، وتحديات تنموية.

أمّا التعاون الأمريكى؛ فقد شهدت العلاقات «المصرية- الأمريكية» تطورًا بالغًا على مدار حكم الرئيس «السيسى»، بعد فترة فتور عقب ثورة 30 يونيو، والتباس الوضع فى مصر على حلفائها الغربيين، فعادت العلاقات الاستراتيچية مع الولايات المتحدة بقوة خلال فترة حكم الرئيس الأمريكى السابق «دونالت ترامب»، ثم مع الإدارة الجديدة وبعد أشهُر من تسلم «چو بايدن» إدارة البيت الأبيض، تأكد أن مصر بقيادتها ومكانتها ودورها الإقليمى والدولى دولة تستحق الحفاظ على العلاقات معها.

وفيما يتعلق بدول الاتحاد الأوروبى فقد عملت مصر على زيادة التعاون والتفاهم بين قيادات الدول، وزاد الارتباط بين الدول الأوروبية عقب اتفاقيات ترسيم الحدود مع جيران المتوسط، اليونان وقبرص، وتأسيس منتدى شرق المتوسط مركزًا إقليميًا لرعاية حقوق الدول النفطية فى شرق المتوسط، وبعد اكتشاف حقل «ظهر» تحولت القاهرة إلى مركز عالمى للطاقة، ودولة ذات مستقبل اقتصادى مشرق تملك مفاتيح منتدى غاز المتوسط.

أمّا فى الشرق الآسيوى؛ فشهدت العلاقات «المصرية- الآسيوية» زخمًا كبيرًا يقوم على أساس تبادل المصالح، وكانت الدائرة الآسيوية محط اهتمام الرئيس «السيسى»؛ حيث تم فتح علاقات جديدة بدول آسيوية لم يزرها أى رئيس مصرى، وكذلك عودة الزيارات التى انقطعت لدول آسيوية عظمى، وتجسّد ذلك فى جولات الرئيس الآسيوية وزياراته الرسمية إلى كل من سنغافورة والصين وإندونيسيا ودول كازاخستان واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام، والتى استهدفت الاستفادة جميعها من خبرات وتجارب هذه الدول فى عدة مجالات صناعية وتعليمية وتم توقيع عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم فى هذه المجالات.

كما استطاعت مصر أن تقيم التوازن فى العلاقات مع القوة الدولية جميعًا، فكان التقارب «المصرى- الروسى والصينى» وكذلك مع الولايات المتحدة خير دليل على نجاح الدبلوماسية المصرية، وأصبحت هذه الدول شريكة لمصر فى عدد من المشروعات التنموية والاقتصادية وغيرهما من المجالات.