الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أسلحة تصيب الهدف بلا ذخيرة: الفن الذى انتصر للثورة فانتصرت له

منذ أن وطأت أقدام الإخوان القصر الرئاسى، معلنين تقلدهم حكم مصر، وحتى أجبرهم المصريون على لملمة أوراقهم منه، ورحليهم عنه، بعد نجاح ثورة 30 يونيو، بقى الفن وأهله صامدين ضد محاولات طمس الهوية المصرية التى استمرت طوال فترة بقاء الإخوان فى سدة الحكم، ولا أجد مبالغة إن قلت إن الفن هو القطاع الوحيد الذى رفض عن بكرة أبيه دخول بيت الطاعة الإخوانى، وبعد الرحيل كان الفن لاعبًا أساسيًا فى إعادة تشكيل عقول عبث بها البعض، وفى توثيق تضحيات قدمها أبطالها دون انتظار مقابل، وإنقاذ حقائق من تزييف متعمد اعتبره الإخوان سلاحهم الوحيد بعد أن فقدوا كل أسلحتهم، ولكن يا ترى كيف كانت الثورة سببًا فى إعادة الأعمال الوطنية إلى صدارة المشهد الدرامى بعد سنوات من الغياب؟ وهل النجاح الكبير الذى حققته تلك الأعمال سوف يخلق دافعًا قويًا لدى صناعها لإعادة التجربة مجددًا وتقديم المزيد من البطولات التى يذخر بها تاريخنا المعاصر؟ وهل قدمت ثورة يونيو فنيًا بشكل جيد أم لا يزال هناك كثير من المناطق الشائكة التى تحتاج إلى مصباح الفن ليلقى الضوء عليها من جديد؟



 

 محاولات التصدى

اعتصام مهيب، ومسيرة حاشدة خرجت من مقر وزارة الثقافة الكائن فى 3 شارع شجرة الدر بالزمالك، فى 4 يونيو 2013، دعا إليها المثقفون تحت شعار (لا لأخونة وزارة الثقافة) وشارك فيها فنانو مصر، فكانت الشرارة الأولى للثورة، والقشة التى قصمت ظهر الجماعة، وقد حمل الفنانون (القباقيب) خلال المسيرة، فى تحذير مبطن لجماعة الإخوان من مصير «شجرة الدر» التى انطلقت مسيرتهم من شارع يحمل اسمها، ليؤدوا مجتمعين أروع مشهد واقعى، لم يخرجه مخرج محترف، أو يكتبه سيناريست مخضرم، فقط وازع من ضمير وطنى أبى أن يقف مكتوف الأيدى أمام محاولات القضاء على الهوية المصرية، بعدما فاض الكيل من الممارسات العدائية التى قامت بها جماعة الإخوان ضد الفن وأهله، ولا أحد ينسى ما تعرضت له الفنانة «إلهام شاهين» من إهانات من قبل إعلامهم، حيث قام شخص يدعى «عبدالله بدر» بالخوض فى عرضها على الهواء، وقد أحدث هذا الأمر دويًا كبيرًا، وترتب عليه تراشق بين مناصرى الجماعة من جهة الذين يحرمون الفن، ويستبيحون أعراض المخالفين لهم فى الرأى، وبين مناصرى الحياة من جهة أخرى، من عامة المصريين الذين شعروا بالغربة داخل وطنهم، وعندما دعا الرئيس المخلوع «محمد مرسى» الفنانين لعقد لقاء معهم فى محاولة بائسة منه لنزع فتيل الأزمة، رفضت «إلهام شاهين» الحضور، وأصرت على الحصول على حقها بالقانون، وهو ما قد حدث بالفعل، حيث حكم على هذا الشخص بالسجن، وعلى قناة «الحافظ» التى كانت منبرًا له بالغلق

 الانتصار للفن الراقى

المسئولية المجتمعية التى تحلى بها الفنانون فى تلك المرحلة المهمة من عمر الوطن، انعكست أيضًا على أعمالهم الفنية، وفى عام الثورة، جاء شهر رمضان المبارك بتاريخ 8 يوليو، أى أن جميع المسلسلات التى عرضت فى هذا العام تم تصويرها بينما كان الإخوان فى سدة الحكم، ومع ذلك تناولت تلك الأعمال عنف الإخوان وتأثيرهم السلبى على كافة مناحى الحياة منها مسلسل (الداعية) بطولة الفنان «هانى سلامة» وتأليف «مدحت العدل» الذى خاض حربًا كبيرة أثناء تصويره، وصلت إلى حد إقامة دعوى قضائية تطالب بوقف المسلسل ومنع عرضه فى شهر رمضان بداعى تعرضه لجماعة «الإخوان المسلمين» والإساءة إليها، حيث أشار المسلسل إلى بعض القضايا التى تمثل نمط تفكير الجماعة المتشدد، مثل تحريم الاستماع إلى الأغانى ومشاهدة التليفزيون، وتضمن المسلسل مشاهد لهتافات عديدة ضد حكم المرشد مطالبة بإسقاطه.

أما الفنان «يوسف الشريف» فقد تناول فى مسلسله (اسم مؤقت) الصراعات بين 3 من مرشحى الرئاسة، أحدهما تابع للنظام القديم، والآخر ليبرالى، والثالث يمثل التيار الإسلامى، ويصل للحكم بتزييف الإرادة واستغلال الدين، فى إشارة واضحة إلى الانتخابات الرئاسية لعام 2012، والتى فاز بها الرئيس المعزول «محمد مرسى» وبعد رحيل الإخوان أصبح للأحداث السياسية والتغيرات الإجتماعية التى شهدتها فترة حكمهم خط واضح فى الدراما، وعلى سبيل المثال قدمت «هند صبرى» فى مسلسل (إمبراطورية مين) ممارسات جماعة الإخوان من حيث استخدام أسلوب التخويف، والترهيب للنساء، إضافة إلى تأثير الخطاب الدينى على الشارع كما حدث فى محاولات الإقناع بالاستفتاء بـ«نعم» على دستور 2012 إرضاءً لله واتباعًا لتعاليم الإسلام، وفى مسلسل (تفاحة آدم) بطولة «خالد الصاوى» تم رصد محاولات الإخوان فرض سيطرتهم على وزارة الداخلية، وأهم الأجهزة الأمنية للوصول إلى أدق ملفاتها الخطيرة، وتوالت الأعمال التى وثقت لتلك الفترة الصعبة، وحتى وإن لم تتناول حدث الثورة بشكل واضح ومفصل.

 عودة الأمور إلى نصابها

وفى السينما أيضًا بدأت تتوارى أفلام البلطجة والعنف، التى تسيدت المشهد فى الفترة التى تلت ثورة 25 يناير، وحتى رحيل الإخوان عن حكم مصر، وأصبح مشهد الراقصة والمطرب الشعبى فى إحدى الحانات هو الضامن للحصول على أعلى الإيرادات، فصدرت سينما تلك الفترة عن مصر وجهًا قبيحًا لا يمثلها، وعبرت عن قضايا وأفكار مسمومة غازلت من خلاله فئة من الشباب لا يعرفون تاريخ بلدهم الفنى، فشاعت الرداءة، وانتشرت الفوضى السينمائية، وهو ما تلاشى تدريجيًا فى السنوات التى تلت ثورة 30 يونيو، فعادت الأمور إلى نصابها الصحيح، وبدأ الالتفات إلى التضحيات الكبيرة التى قدمها أبطال الجيش والشرطة فى مواجهة الإرهاب، وهو ما تبلور فى عدد من الأعمال السينمائية منها فيلم (الخلية) بطولة «أحمد عز» الذى تم إنتاجه عام 2017، وحقق إيرادات قاربت الـ 60 مليون جنيه، وتدور قصته حول ضابط عمليات خاصة يتصدى لأحد الإرهابيين، ويثأر لحق زميله الذى استشهد على يد هذا الإرهابى.

تضحيات الأبطال، والثمن الذى دفعوه لحماية هذا الوطن، لفتت انتباه صناع السينما إلى التاريخ الذى لا يخلو من تلك البطولات أيضًا، فكان فيلم (الممر) الذى يتناول المرحلة الزمنية من حرب 1967 وحتى حرب الاستنزاف، ليحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا، كان سببًا فى تفكير صناعه لتقديم جزء ثان منه لاستكمال قصص البطولات التى لا تنتهى.

 مرحلة الاختيار

هذه الحالة التى سطرتها ثورة 30 يونيو فى السينما، انعكست بشكل أقوى على الدراما التليفزيونية، التى ناقشت الثورة بشكل أكثر تركيزًا، وتفصيلًا، فساهمت فى رفع الوعى لدى قطاع كبير من الجمهور، ودحض افتراءات قطاع آخر منه، والأهم أنها ساهمت فى عودة الدراما الوطنية إلى صدارة المشهد بعد سنوات من الغياب، عشنا فيها على أطلال (رأفت الهجان) و(دموع فى عيون وقحة) وغيرها من الأعمال التى سطرت بطولات حقيقية من ملفات المخابرات العامة المصرية، وقد كان قرار تقديم الجزء الأول من مسلسل (الاختيار) رمضان 2020 ليحكى عن بطولات الشهيد «المنسى» ورفاقه صائبًا جدًا، لأنه سمح للجمهور، ولأول مرة، أن يقترب من كواليس المؤامرات التى حيكت ضد وطنه، والتضحيات التى بذلت من أجل إفشالها، والتى لم يكن يدرى عنها سوى النذر اليسير، كما ساهم هذا المسلسل فى أن يجد الشباب قدوة حقيقية تجمعهم، فأصبحت صورة الشهيد «أحمد المنسى» على ملابسهم، وعلى جدران غرفهم، بعد أن تركوا لسنوات فريسة العنف والبلطجة.

 الدراما الوطنية «نمبر1»

نجاح الجزء الأول من مسلسل (الاختيار) شجع صناعه لتقديم المزيد من الأعمال الوطنية، لذا طرح رمضان الماضى جزءًا ثانيًا من مسلسل (الاختيار) تم الكشف فيه عن تضحيات رجال الشرطة فى التصدى للإرهاب، ورصد كواليس جديدة لم يكن يعلمها الجمهور عما بذلوه من أجل رفعة هذا الوطن، كما لم تكتف دراما هذا العام بالكشف عن التضحيات فقط، بل واصلت دورها الحقيقى فى رفع وعى المواطن من خلال الكشف عن كواليس المؤامرات التى تحاك ضد مصر فى الخارج، من خلال مسلسل (هجمة مرتدة) الذى قدم دور أبطال المخابرات العامة فى حماية الوطن وكشف عن كواليس المخططات التى تستهدف مصر من جهات عديدة، فكشف الستار لأول مرة عن كيفية استقطاب المصريين وتجنيدهم لصالح جهات معادية لوطنهم، وأعلن بصراحة عن المخططات التى كانت تحاك ضد مصر والبلدان العربية من قبل منظمات حقوق الإنسان التى اتخذت كذريعة لعمل الفتن داخل الشعب الواحد، وبعد النجاح الكبير الذى حققه العملان، وتفاعل الجمهور معهما، أعلنت الجهة المنتجة عن وجود جزء جديد منهما فى العام القادم، ليظل الجمهور مرتبطًا بقضايا وطنه، وحريصًا على معرفة المؤامرات التى كانت–ولا تزال- تحاك ضده.

أما مسلسل (القاهرة كابول) الذى عرض فى السباق الرمضانى الماضى أيضًا، فقدم نموذجًا جديدًا استطاع كشف الوجه القبيح للإرهاب، بشكل إنسانى، قدم تحذيرًا من عمليات غسيل المخ، وإفساد العقل التى يتعرض لها الشباب، فيؤكد المسلسل من خلال شخصية بطله الرئيسى «رمزى» الذى لعب بطولته الفنان «طارق لطفى» أن الإرهابى لم يولد كذلك، بل كان شخصًا طبيعياً، قادرًا على إلقاء الشعر، والدخول فى قصة حب، قبل أن يقع ضحية من يفسدون الحياة، ويحرمونها.

 أبطال الظل فى انتظار الظهور

إذا كان تقديم تضحيات أبطالنا البواسل فى الأعمال الفنية لتوثيقها، وإلقاء الضوء عليها أمرًا ضروريًا، فإن الثورة لا تزال تحمل فى جعبتها الكثير من الحكايات الإنسانية التى لا بد أن تروى، كما أن التركيز على السجل الدموى للإخوان، وما دار داخل الغرف المغلقة بالقصر الرئاسى خلال عام، أمر يستحق أن يروى أيضًا، خصوصًا أنه ترتب عليه جرائم أكسبها الإخوان شرعية، ولا يستطيع الزمان محوها، مثل حصار المحكمة الدستورية، وحصار مدينة الإنتاج الإعلامى، كما أن التوثيق الدرامى للبطولات الشعبية التى دفع أصحابها ثمنًا باهظًا من أجل لحظة الخلاص أمر لا يقل أهمية أيضًا، فحتى الآن، لم يشاهد المصريون غضبهم على الشاشة، والذى دفعهم فى وقت من الأوقات إلى الخروج إلى مظاهرات أمام قصر الإتحادية، ومكتب الإرشاد والدخول فى مواجهات دامية مع شباب الجماعة، ومجرميها، وجمع توقيعات على استمارات تمرد فى ظل سطوة الإخوان وجبروتهم.