الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المرأة.. مصرية: ثورة الحفاظ على الهوية

كانت فترة حُكم الإخوان من أصعب الفترات التى شهدتها مصر، فقد كانت تلك الفترة مليئة بالصراعات بين أبناء المرشد وأبناء الوطن الذين كانوا يخشون من سرقة الهوية المصرية والتى كانت قيادات الإخوان فى سدة الحكم كانت بدأت فى تنفيذ مخططها لطمث الهوية المصرية لتكون مقاطعة من مقاطعات تنظيم الإخوان العالمى.



ومما لا شك فيه أن أقباط مصر من أكثر الفئات التى عانت كثيرًا من حُكم الإخوان، فمنذ وصول «محمد مرسى العياط» مرشح الإخوان لكرسى الحكم فى يونيو 2012 وبدأ اضطهاد حقيقى لهم؛ حيث سجّل التاريخ أحداثًا كثيرة أحدثت جراحًا فى نفوس المصريين جميعًا؛ بل كانت أحد أسباب نزول الشارع المصرى بكل أطيافه ضدهم، وذلك بعدما شعر الشعب بتهديد هويته، وكان من الطبيعى أن يشارك أغلب أقباط مصر إن لم يكن جميعهم فى ثورة 30 يونيو التى كانت بمثابة طوق النجاة لهم من أحداث مرعبة أخرى كانت تنتظرهم، ولذلك لم تندهش جموع الشعب المصرى من ظهور البابا «تواضروس الثانى» بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة بجوار الشيخ «أحمد الطيب» شيخ الأزهر الشريف أثناء إلقاء بيان عزل «محمد مرسى» والذى ألقاه الرئيس «عبدالفتاح السيسى» رئيس الجمهورية؛ وذلك بصفته وزير الدفاع فى ذلك الوقت.

 جموع الشعب خرجت بالملايين لتصحيح المسار

وقد عَلّق البابا «تواضروس» على ظهوره ومشاركته فى تلك اللحظة الفارقة، مؤكدًا أنه قام بذلك بصفته مواطنًا مصريًا يمارس حقّه ويؤدى واجبه تجاه وطنه مثله مثل جموع الشعب التى خرجت بالملايين لتصحيح المسار. مضيفًا أنه لم يستطع النزول إلى الشارع ولكن عندما جاءت اللحظة المناسبة لم يتردد فيها.

ومنذ تلك اللحظة حتى الآن وعلاقة الأقباط بالدولة بدأت فى التعافى شيئًا فشيئًا ولكنها قطعًا بدأت بالدم؛ حيث بدأت جماعة الإخوان فى الانتقام منهم؛ حيث شهد العام 2013 موجة من العنف الشديد؛ خصوصًا بعد فض اعتصام رابعة والنهضة والذى أسفر الهجوم العشوائى على الكنائس نحو 84  كنيسة من حرق ونهب، ومنها ما دُمّر بشكل كامل، وكانت كلمة البابا الشهيرة «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، وهى الجملة التى عبّرت عن وطنية قطاع كبير من الأقباط ولكنها للأسف الآن يستخدمها بعضهم فى الهجوم على البطريرك الـ118.

 المرأة القبطية أكثر الفئات تعرضًا لبطش حكم الإخوان

وعلى الرغم من أن جميع المصريين كانوا على دراية بخطر الإخوان على وطنهم أولاً وعلى حياتهم ثانيًا؛ فإن المرأة القبطية كانت من أكثر الفئات إحساسًا بالخطر المحدق بها على حياتها وعلى بيتها، فهى تُعَد من أكثر الفئات تعرضًا لبطش حكم الإخوان إذا ما تمكنوا من الحكم دون رادع أو رقيب، فهى أولاً امرأة حيث ينظر إليها على أنها فى مرتبة أقل من الرجل، ثانيًا هى قبطية، ولذلك كان خوفها من حكم الإخوان يصل إلى حد الرعب على حياتها وبيتها وأطفالها وعلى حريتها ونمط معيشتها، لذلك كانت المرأة القبطية من أكثر الفئات التى شاركت فى 3 يوليو، وهى ثورة الحفاظ على الهوية التى كانت فارقة فى تاريخ العالم كله.

 شبح النموذج الأفغانى والإيرانى كان المسيطر

تتذكر معنا «نيفين هانى- 40 عامًا» مشاعرها فى تلك الفترة فتقول «كانت فترة حكم الإخوان من الفترات المرعبة فى حياتى، فشبح النموذج الأفغانى والإيرانى كان يسيطر علىّ فى تلك الفترة بشكل كبير.

وكنت أتساءل دائمًا هل سيأتى يوم سيفرض علىّ زى معين للخروج من منزلى، وهل سيتم منعى من الذهاب لبعض الأماكن مثل الكافيهات وغيرها من الأماكن الأخرى، وهل سيتعين علىّ عدم خروجى من المنزل بعد ساعة معينة وغيرها من القواعد التى تفرضها بعض الدول الواقعة تحت الحكم الإسلامى والتى نسمع عنها».

وتروى لنا موقفًا مؤلمًا تعرضت له يلخص ما كانت تعانى منه فى تلك الفترة، فتقول «كنت عائدة أنا وأختى إلى منزلنا حينما أغلق الطريق تمامًا، فى البداية كنا نظن أن هناك حادثًا مروريًا أو شيئًا من هذا القبيل، إلا أننا علمنا أن هناك مظاهرة من قِبَل جماعة الإخوان كانت لتأييد قرارات مرسى حينما أجرى تعديله الدستورى الشهير، وكانوا قد أضرموا النيران فى بعض السيارات على الكوبرى، فى تلك اللحظة شعرت برعب شديد لا أستطع وصفه، فتساءلت ماذا يمكن أن يفعلوه بنا إذا ما رأوا الصليب معلقًا فى السيارة، ماذا يمكن أن يفعلوه بنا؟، وهنا كنت تحت وطأة ضغط شديد ما بين أن أخفى إيمانى وعقيدتى أو أن أتعرض لما سأتعرض له منهم، وهنا أدركت حجم الكارثة التى سنعيشها إذا ما استمروا فى الحكم، ولذلك كان لا بُدَّ من المشاركة وكان لا بُدّ أن نصرخ جميعًا «كفى».

 علامات على منازل الأقباط ويهددونا بالهجوم على منازلنا

أمّا «ماريا تادرس- 36 عامًا» فتقول: «أسكن فى إحدى المناطق الشهيرة بأنها معقل الإخوان، كنا نعانى كثيرًا فى تلك الفترة والتى وصلت أحداثها إلى أنهم كانوا يضعون علامات على منازل الأقباط وكانوا يهددوننا بالهجوم على منازلنا فى أى وقت، وهو ما حدث فى بعض المناطق الأخرى كما سمعنا ورأينا فى ذلك الوقت».

وتضيف قائلة: «كنت أخشى على أمّى وأخواتى لدرجة أننا أصبحنا لا نخرج يوم الجمعة نهائيًا خوفًا من أن يتعرّضوا لنا بعد الصلاة، والتى كانت تشهد الكثير من الأحداث المؤسفة فى تلك الفترة، وكنت دائمًا أتساءل هل هذه هى الحياة التى أريدها لأولادى، هل هذه الحياة المرعبة التى سأربى فيها بناتى؟ ولذلك حينما جاءت لى الفرصة أن أقول (لا) وأطالبهم بالرحيل شاركت فيها حتى لا أفقد اطمئنانى وسلامى، وحتى لا نفقد هويتنا التى كانت مهددة كل لحظة».

ومن جانبها تقول «أمانى إيهاب- 38 عامًا» كانت فترة عصيبة على الجميع؛ خصوصًا أنهم بدأوا يظهرون على حقيقتهم بشكل سريع، وكان بطشهم لا حدود له.

كانت نيتهم فى طمث هويتنا المصرية واضحة من البداية فسعوا لوضع قبضة شديدة علينا بشكل سريع أدت لظهور جماعة «النهى على المنكر» فى أقل من عام، وهو ما رأيناه فى بعض المحافظات؛ حيث نصبوا أنفسهم آلهة علينا فى شوارعنا وأحيائنا وبيوتنا.

وتساءلت هل ستكون الخطوة التالية فرض الجزية علينا ومنعنا من ممارسة شعائرنا الدينية وإغلاق كنائسنا، هل سنجبر على ترك منازلنا وبيوتنا كما حدث فى العريش، هل سيأتى يوم سنضطر فيه لهجرة وطننا لنعيش حياة كريمة، لذلك كان لا بُدّ أن نقول (لا)، ونطالبهم بالرحيل قبل أن يأتى الوقت الذى يسلبون منا فيه حقيقتنا المصرية.

كل هذه المشاعر كان لا بُدّ أن تداوى، لذلك ومنذ أن تولى الرئيس «عبدالفتاح السيسى» الرئاسة وأخذ على عاتقه تحسين أوضاع الأقباط والعمل على إرساء مبدأ المواطنة الكاملة لجميع المصريين من جهة والتأكيد على دور المرأة والاهتمام بها بشكل خاص من جهة أخرى، ولذلك فهو دائمًا يؤكد أن المرأة المصرية هى أساس الأسرة وحَجَر الزاوية وكانت البداية لحقبة جديدة وفصل جديد فى حياة المصريين بمختلف أطيافهم.

 القوات المسلحة ترمم الكنائس أعقاب فض اعتصام رابعة 

وبعد 30 يونيو أخذت الدولة على عاتقها تصحيح ما فعله حكم الإخوان خلال عام وبدأت تصحيح الصورة فى أمور كثيرة؛ حيث قامت القوات المسلحة بترميم الكنائس التى احترقت فى أعقاب فض اعتصام رابعة وقامت بإعادة بناء الكنائس التى تهدّمت على يد جماعة الإخوان المحظورة والتى تعدت الثمانين كنيسة ومبنى تابعًا، وذلك على نفقة الدولة ولم تتحمل الكنيسة أى تكلفة نهائية.

ولم يقف طريق تصحيح الصورة عند ذلك ولكن بدأت الدولة بتوجيه من الرئيس مباشرة فى بناء كنائس فى جميع المناطق التى يتم افتتاحها، مثل حى الأسمرات بكل مراحله وبشاير الخير؛ حيث شدد الرئيس على بناء كنيسة وجامع فى كل حى منها، وهو الأمر الذى كان حلمًا صعب المنال.

وعندما تولى الرئيس «عبدالفتاح السيسى» سدة الحكم وكانت رسالته واضحة للجميع ألا وهى «أنه رئيس كل المصريين» رافضًا تصنيف أى شخص على أساس دينى، مؤكدًا أننا جميعًا مصريون ولا يوجد مسلم وقبطى، بل مصرى فقط.

وبناءً على توجيهات الرئيس «السيسى» عملت جميع الجهات على تعزيز مبدأ المواطنة بشكل عملى، وهو ما انعكس بشكل إيجابى على أرض الواقع بشكل ملموس.

ومنذ تولى الرئيس الحكم حاول البعض مرارًا وتكرارًا الترويج لفكرة أن ما يقوم بعمله ما هى إلا فترة وستنتهى، إلا أن الواقع يعكس حقيقة الأمر ألا وهو أنه على مدار السنوات الماضية كانت الدولة حريصة على تأصيل مبدأ المواطنة وتذليل كل العَقبات التى كانت تواجه أقباط مصر بصفتهم جزءًا لا يتجزأ من المجتمع المصرى له كل حقوقه وعليه كل واجباته.

 وضع التصور النهائى لمشروع قانون الأحوال الشخصية للأقباط

قامت الدولة المصرية بوضع يدها على أبرز مشاكلهم والعمل على حلها، ومنها بناء الكنائس وقضية الأحوال الشخصية للأقباط وهى من أهم القضايا التى تسبب إزعاجًا كبيرًا فى الشارع المصرى، ولذلك عملت جميع الجهات على حل هذه المشكلة؛ حيث تم وضع التصور النهائى لمشروع قانون الأحوال الشخصية للأقباط ليدخل مرحلته الأخيرة بوزارة العدل، ومناقشة الصيغة النهائية لجميع البنود بحضور ممثلى الكنائس ومستشار الدكتور «مصطفى مدبولى» رئيس مجلس الوزراء قبل أن يتم تقديمه إلى مجلس النواب لإقراره.

واهتمام الدولة بالأقباط لم يقف عند الإطار الرسمى والحقوقى؛ بل شملت الإطار الإنسانى، وهو المبدأ الذى دشنه الرئيس فى زياراته المتكررة للكاتدرائية؛ حيث حمَل «السيسى» باقات الورود فى مطلع هذا العام للتهنئة، مطالبًا الشعب المصرى بعدم القلق من الأحداث الجارية فى المنطقة، مؤكدًا أنه بوحدة المصريين لن يستطيع أحد الإضرار بمصر أو المصريين.

وكانت من أهم رسائله: «لا تقلقوا ولا يوجد مجال للقلق طالما كان المصريون يد واحدة، وطول ما الشعب المصرى يد واحدة محدش يقدر بعمل معانا حاجة».

وأضاف «إننا نحب بعضنا أمر جميل وزى ما اتعودنا فى بداية كل سنة نيجى نحتفل معاكم ونهنئكم ونقول عيد ميلاد مجيد وسنة سعيدة علينا كلنا».

مطالبًا المصريين بالانتباه لمحاولات الفتن والوقيعة، مؤكدًا أن مصر وطن لكل المصريين ولا توجد تفرقة بين مصرى وآخر.

وعلى نفس خطوات الرئيس فى تأصيل مبدأ المواطنة قامت الأكاديمية البحرية بإقامة قداس عيد الميلاد لطلابها الأقباط بمقر الأكاديمية، كما قامت الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوچيا والنقل البحرى بالإسكندرية بإهداء، كابينة تعقيم ذاتى، لكنيسة الأنبا أثناسيوس الرسولى بمنطقة السيوف شماعة شرقى الإسكندرية، وذلك فى إطار رفع درجة الإجراءات الاحترازية لمواجهة انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19).

وبذلك تكون ثورة 3 يوليو ثورة تصحيح لمفاهيم مغلوطة كثيرة، ولكن دولة ٣٠ يونيو أخذت على عاتقها بإصرار تحقيق ما وعد به الرئيس «السيسى» فى بداية توليه سدة الحكم، هو أسلوب حياة يسير عليه ومعه كل أركان الدولة المصرية فى تأسيس وتأصيل روح المواطنة بالرغم من كل التحديات التى يواجهها، أهمها وأصعبها يكمن فى عقول البعض إلا أن الدولة المصرية لم ولن تستسلم أمام أى عقبة؛ بل تسير بخطوات واضحة نحو دولة المواطنة. 

ولذلك خلال تلك الفترة نجد أن الدولة تعيش أسمَى حالات السلام الاجتماعى والانسجام والتضامن والتفاهم بين قطبَىْ الشعب المصرى مسلمين ومسيحيين، ما يجسّد نموذجًا متكاملاً للوحدة الوطنية فى ظل الجهود المستمرة من القيادة السياسية لترسيخ وتعزيز وتكريس قيم المواطنة سياسيًا واجتماعيًا وتشريعيًا، باعتبارها أحد أهم عوامل استقرار الدولة ومقومًا أصيلًا من مقومات الأمن القومى، وترتكز هذه القيم على دعم المشاركة والمساواة بين جميع المواطنين فى الحقوق والواجبات دون تفرقة أو تمييز، بالإضافة إلى قبول الآخر والعيش المشترك والتعاون البنّاء واحترام وتطبيق القوانين التى تضمن حقوق الأخوة المسيحيين على مختلف المستويات، مما جعل الدولة المصرية وقيادتها السياسية محل إشادة وتقدير على المستويين الداخلى والخارجى.