الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

منصات التواصل الاجتماعى سلاح لفضح المتحرشين: القوة النسائية على الإنترنت

تحت شعار جرائم تستحق العقاب، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى سلاحًا قويًا لا يمكن لأحد إنكاره ضد أى قضية فى المجتمعات المختلفة على مستوى العالم؛ خصوصًا القضايا التى تتعلق بالمرأة مثل العنف الأسَرى والزوجى والاغتصاب والتحرُّش الذى أصبح التريند الأول فى الفترات الأخيرة، ولولا دعم شبكات التواصل الاجتماعى لأهدرت حقوق الكثيرين؛ حيث أصبح فضح المتحرشين على وسائل التواصل الاجتماعى استراتيچية بارزة تستخدمها العديد من الناجيات والناشطات لمكافحة التحرُّش الجنسى.



كانت فى البداية قوة المبادرات النسوية تستخدم لفضح الشخصيات العامة ورجال الدين والدولة الذين يتحرشون جنسيًا بالنساء من أجل الضغط الشعبى على السُّلطات لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم، من الأمثلة البارزة التى حظيت باهتمام إعلامى واسع حادثة نجم كرة القدم المصرى «عمرو وردة» فى عام 2019، الذى اتهم بالتحرُّش الجنسى من قِبَل عارضة أزياء مكسيكية وآخريات وتم استبعاده من المشاركة فى كأس الأمم الإفريقية فى ذلك العام، وأيضًا مُغنّى الرَّاب المصرى الشهير «شهاب السيد» الذى صرّح على موقع التواصل الاجتماعى (فيسبوك) إنه لا يَعتبر النساء أكثر من مجرد أدوات جنسية، وانتشرت شهادات وصور وأحاديث متنوعة من فتيات يتهمونه بالتحرُّش بهن من خلال رسائل نصية، وذلك بعد انتشار عدة صور من محادثات جمعته بهن وطلب منهن خلال هذه المحادثات صورًا لهن مخلة بالآداب العامة وعند رفض الفتيات لطلبه وجَّه لهن السبابَ وهددهن بالفضيحة، ونشرت البعض هذه التفاصيل.

المجموعات النسائية الأكثر انتشارًا

على حساباتهم الخاصة وذهب آخرون إلى المجموعات الخاصة بالنساء الأكثر انتشارًا على السوشيال ميديا وردًا على ذلك نشر «شهاب» مقطع فيديو يوضح أن المنشور موجَّه إلى فتاة معينة واعتذر إذا كانت اللغة التى استخدمها قد أزعجت أى شخص، وقضايا أخرى شهيرة مثل قضية «أحمد بسام زكى» وغيرها، حتى أصبحت بعد ذلك وسائل التواصل سلاحًا قويًا وبسيطا فى الوقت نفسه، ويمكن لأى فتاة استخدامه للدفاع عن حقوقها ضد أى متحرش أو منتهك لحرمتها أو خصوصيتها وليس مقصورًا على فئة معينة ولا ضد فئة معينة.

 البلوجر بسمة بشاى

وعلى الرغم من أن التحرُّش الجنسى جريمة بموجب القانون المصرى، سواء كانت جسدية أو لفظية أو بالتلميح المباشر أو من خلال وسائل الاتصال؛ فهى جريمة يعاقب عليها بالحبس من ستة أشهُر إلى خمس سنوات أو دفع غرامة تصل إلى 50 ألف جنيه مصرى؛ فإن هناك من لا يزال يعتقد أنه فوق القانون بسبب مكانته الاجتماعية أو انتمائه لأسرة عريقة أو عمله فى جهة معينة أو بسبب أنه سائح أجنبى يحمل جنسية دولة أخرى، ولكن التوثيق السريع المدعم بالأدلة القاطعة التى لا تدع مجالا للشك عبر صفحات السوشيال ميديا من خلال التصوير المباشر للحوادث أو وقائع التحرُّش يؤدى إلى انتشارها بشكل سريع وتسريع اتخاذ الإجراءات القانونية الحاسمة من قِبَل رجال القانون، وتُعَد آخرها هى واقعة التحرُّش بالبلوجر المصرية الشهيرة «بسمة بشاى» داخل مطار القاهرة قبل عدة أيام من قِبَل موظف داخل المطار؛ حيث قام المتحرّش بتصويرها من الخلف عدة صور دون علمها والتى قامت بتوثيقها عبر فيديو لها على منصة إنستجرام، وسرعان ما انتقلت الواقعة من منصة إلى أخرى، كما تقدمت المدونة التى تبلغ من العمر 28 عامًا ببلاغ ضد المتهم وتم إلقاء القبض عليه على الفور، كما أصدرت النيابة العامة فى بيان لها يفيد بأنها قامت بتقدم الموظف المتحرّش بمطار القاهرة للمحكمة الجنائية لانتهاكه حرمة فتاة وتصويرها دون رضاها، وجاء فى بيان النيابة أن وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام رصدت تداوُل تصوير أذاعته فتاة بموقع للتواصل الاجتماعى تضررت فيه من شخص صوّرها على نحو نال من حرمتها وأنها تلقت فى صباح اليوم التالى النيابة العامة بلاغًا من الفتاة ضد موظف بميناء القاهرة الجوى لـ تصويرها خلسة أثناء إنهائها إجراءات وصولها بميناء القاهرة الجوى، ورغم إنكار المتهم وادعائه التقاطه للصور رغبة منه فى توثيق الزحام الذى كانت فيه المجنى عليها لعرضه على رؤسائه وأنه لم يكن يقصد تصوير أجزاء معينة من جسد الفتاة؛ إلا أنه اتضح بعد تفريغ هاتفه من قِبَل النيابة أنها لم تكن «بسمة» المجنى عليها الوحيدة وأن هاتفه يحتوى على صور لآخريات ملتقطة بالطريقة نفسها، وتم حبس المتهم على ذمة التحقيقات وتقديمه للمحاكمة الجنائية.

 فتاة الأوتوبيس

كانت هناك واقعة منذ عدة أيام، التى أطلق عليها «فتاة الأوتوبيس»، والتى وثقت بكاميرا هاتفها واقعة تحرُّش وفعل فاضح فى أوتوبيس نقل عام فى منطقة الهرم بمحافظة الجيزة؛ حيث قامت الفتاة بتصوير رجل أربعينى كان يجلس بجوارها وقام بفتح سوستة بنطاله وبدأ فى وضع يده على مناطق حساسة من جسده، وتداول النشطاء الفيديو بشكل كبير على أكثر من موقع للتواصل الاجتماعى.

والتى كانت تصرخ فيه الفتاة وتستغيث بالرُّكاب من بشاعة الواقعة، بعد انتشار الفيديو قامت الأجهزة الأمنية بفحص المَقطع والتأكيد من صحته والكشف عن هوية المتهم الذى اتضح فيما بعد أنه مهندس بإحدى الجهات الحكومية،  كما قامت بالاستماع إلى أقوال سائق الأوتوبيس وعدد من  شهود العيان الذين أكدوا الواقعة وأكدوا أيضًا أنهم بعد سماع الاستغاثة أجبروا المتحرّش على النزول، ومثل كل المتحرشين أنكر المتهم فعلته الشنيعة وادّعى أن لديه مرضًا جلديًا يضطره إلى الهَرش فى هذه المنطقة، ولكن أمرت النيابة العامة بحبسه وطالبت شرطة مباحث الهرم باستكمال التحريات فى الواقعة.

 برازيلى يتحرش ببائعة مصرية فى أحد بازارات الأقصر

لم تعد قوة تأثير السوشيال ميديا محلية أو تقتصرعلى دول معينة؛ فقد أثارت واقعة تحرُّش جنسى ولفظى صريح وقعت فى مصر وكانت ضحيتها إحدى المصريات اللاتى يعملن فى مجال السياحة فى مدينة الأقصر من قِبَل سائح أجنبى برازيلى استياء النسويات البرازيليات، وأصبحت الحادثة «تريند» لمدة ثلاث أيام متتالية على المنصات العالمية؛ حيث تابعت النساء البرازيليات الضغط لعدة أيام من خلال المشاركة والتعليق وترجمة الحادثة إلى أكثر من لغة، حتى ذاع صيت الواقعة عالميًا، وعلى الفور أعلنت السُّلطات المصرية إلقاء القبض على السائح البرازيلى الجنسية قبل مغادرته الأراضى المصرية، والذى يعمل طبيبًا واتهامه بالتحرُّش المباشر بعد تصويره ونشره لمقطع فيديو للواقعة ورفعه عبر حسابه الشخصى الذى يتابعه أكثر من مليون شخص على إحدى شبكات وسائل التواصل الاجتماعى وهو يتحدث مع بائعة مصرية وأظهر وجهها بالكامل فى إحدى البازارات السياحية فى مدينة الأقصر واستغل عدم معرفتها باللغة البرتغالية وأخذ يتحرَّش بها لفظيًا وأخذ بتفوَّه بإيحاءات وألفاظ جنسية صريحة وواصل الضحك والتصوير، ثم عاد وحذف هذا السائح الفيديو بعد هجوم شرس من النساء البرازيليات واتهامه اتهامًا مباشرًا بالتحرُّش والاعتداء على الفتاة التى كانت حسنة النيّة وتتعامل معه بلطف وعلى وجهها ابتسامة بسيطة كونه ضيفًا فى بلادها، ونشر فيديو آخر بهدف الاعتذار ونفى التهمة عن نفسه لكنه واصل استغلال عدم معرفة البائعة المصرية باللغة التى يتحدثها واعتذر لها دون أن يحدد لها سبب اعتذاره وأنه تحرّش بها لفظا؛ بل خدعها وقال إنه إلقى عليها بالأمس نكتة بلغته ولكنها لم تفهمها ويتمنى أن تقبل اعتذاره، ورغم اعتذاره أعلنت وزارة الداخلية المصرية فى بيان لها أنها تمكنت من تحديد مكانه وضبطته واتخاذ الإجراءات القانونية حياله والعرض على النيابة المختصة، وخلال ساعات قليلة من ضبط المتعدى نشط هاشتاج حاسب المتحرّش البرازيلى بثلاث لغات مختلفة وتصدّر قائمة الموضوعات الأكثر تداولاً على مستوى مصر وسط مَطالب باتخاذ الإجراءات القانونية بحقه.

 منصات متخصصة لفضح مرتكبى التحرُّش الجنسى

انتقل استخدام وسائل التواصل الاجتماعى لفضح مرتكبى التحرُّش الجنسى وفضحهم إلى مناطق أخرى، وتشمل هذه المنصات المتخصصة عبر الإنترنت؛ حيث يمكن للمرأة التعبير عن مخاوفها وتطلب الدعم، على سبيل المثال دون التعرض للتنمُّر ويقدم المساعدة القانونية لتوجيه اتهامات ضد المتحرشين ويساعد فى العثور على الدعم الذى تشتد الحاجة إليه من علماء النفس والمعالجين، وتهدف المنصة أيضًا إلى إظهار أن المتحرشين الجنسيين غير مقبولين اجتماعيًا ومحاربة نزعة إلقاء اللوم على الضحية.

كما تعتبر (assault police) من أشهَر المنصات الإلكترونية التى تهتم بنشر شهادات ضحايا التحرُّش والعنف الجنسى، وكان لها تأثير كبير فى الفترات الأخيرة، وهى المنصة التى سَلطت الضوء على الكثير من القضايا، منها قضية «أحمد بسام زكى» المتهم بالاغتصاب والاعتداء الجنسى على عدة فتيات، ودفعت المنصة السُّلطات المصرية إلى التحرك قضائيًا وتشريعيًا من أجل حماية ضحايا التحرُّش الراغبين فى الإبلاغ عن وقائع مختلفة، وتأسَّست المنصة من قِبَل «نادين أشرف» طالبة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة واختيرت العام الماضى ضمن قائمة هيئة الإذاعة البريطانية لأكثر الشخصيات الملهمة عربيًا فى المجال التطوعى.

 مبادرات وتطبيقات 

تعتبر مبادرة خريطة التحرُّش التى يديرها متطوعون من المبادرات المهمة والشهيرة التى تهدف إلى محاربة تطبيع التحرُّش الجنسى فى مصر، وفكرتها تتلخص فى إجبار المجتمع والمؤسَّسات على التعامل مع التحرُّش الجنسى قبل حدوثه أو الرد عليه عند حدوثه؛ حيث من الممكن أن يؤدى الموقف الجماعى ضد التحرُّش إلى عواقب اجتماعية وقانونية تحد من التحرُّش، وتقوم المبادرة بجمع تقارير التحرُّش الجنسى عبر الرسائل القصيرة أو وسائل التواصل الاجتماعى أو موقعها على الإنترنت وتضعها على الخريطة لتوثيق المشكلة وتنبيه النساء، كما تقدم الدعم القانونى والنفسى المجانى للناجيات، وأيضًا تطبيق (DARE) الذى قام على تأسيسه «دينا عيسى» وزوجها «عمر خيرى» للتصدى لظاهرة التحرُّش بكل أنواعه اللفظى والجسدى والإلكترونى؛ حيث قام الزوجان بتصميم التطبيق وتطويره مع شركة آى تى سوليوشن، ويقوم التطبيق بتسجيل وقائع التحرُّش عن طريق تصوير أو تسجيل فيديو للمتحرّش وتنزيلها فى التطبيق وبمجرد تنزيلها سيقوم التطبيق بنشر صورة المتحرّش فى الجزء الخاص بالمتحرّشين، كما سيسجل التطبيق مكان وقوع الحادث، وسيتمكن مستخدمو التطبيق من رؤية الصور والتعليق عليها ومشاركتها على منصات التواصل الاجتماعى الأخرى للمشاركة فى توصيل الواقعة إلى الجهات المَعنية، وعلى الجانب الآخر سيتم إخفاء ظهور هوية الضحية أثناء تنزيل أى واقعة، وهذا لتشجيع الضحايا للكشف عن مثل هذه الوقائع، كما أن التطبيق يساهم فى نشر هوية المتحرّش على نطاق واسع بين العائلات والأسَر والأصدقاء كنوع من العقاب المجتمعى، وهذا سيساعد على تغيير السلوكيات فى المجتمع.

 منصات التواصل أداة تنبيه

وتوضّح «أسماء عبدالعال» المحامية بالنقض والمتخصصة فى قضايا التحرُّش بكل أنواعها، خطورة أن هذه الظاهرة أصبحت منتشرة بشكل كبير ليس فقط فى الشارع؛ بل من خلال الإنترنت ومنصات التواصل التى تُعد تكنولوچيا ذات وجهين، فهى مرتعٌ للمتحرشين وسلاح وطوق نجاة للناجيات اللاتى يستخدمن هذا السلاح كأداة تنبيه الجهات المَعنية. وتضيف إنه من اللافت للنظر أن الفتيات اللاتى يقمن بفضح مثل هذه الأفعال المشينة والفظيعة التى من شأنها أن توصم المجتمع بالعار وأن تؤثر بالسلب على عدة قطاعات مهمة فى الدولة وأهمها قطاع السياحة وأن تضع مصر والمجتمع المصرى ضمن الدول الأخطر على النساء فى العالم كما حدث فى السابق يتعرضن عبر التعليقات إلى التنمّر واللوم لأسباب مختلفة وغير متعلقة بالواقعة حتى فى بعض الأحيان يصل الأمر بالمعلقين إلى السّب والتشهير، والخطير فى الأمر أن التحرُّش أصبح ليس فقط مجرد مشكلة منفردة نعمل على حلها أو بمعنى أدق تقليصها إلى أضيق الحدود ولكنه أصبح يمثل عائقًا أمام قيادة الفتيات ومشاركتهن فى الحياة العصرية لطالما انتشرت الأعراف الجنسانية الضارة فى كل ركن من أركان مجتمعاتنا أدى ذلك إلى تقويض ثقة الفتيات وإمكانياتهن القيادية واستقلالهن الجسدى يتم طرد الفتيات بالفعل من الأماكن العامة بسبب التحرُّش فى الشوارع وإبعادهن عن أماكن صُنع القرار بسبب الأعراف الاجتماعية التى تخبرنا أنهن لسن قادة يعزّز العنف والتحرُّش هذه المعايير بطرق عنيفة وصريحة.