الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الخلافة الرقمية (3) : أسرار منظومة داعش الإعلامية على الإنترنت

عملت داعش منذ اللحظة الأولى لإعلان دولتها على أرض الواقع على عمل نسخة احتياطية منها على الإنترنت وكأنها buckup للخلافة فى حال تم محوها من الواقع لتستمر بشكل افتراضى، وهو ما حدث.



فرغم تمكن التحالف الدولى من تحرير جميع الأراضى التى احتلها التنظيم فى العراق وسوريا والقضاء على %90 من قوته، فإنها لاتزال موجودة كدولة بأركانها الأساسية، ولكن «إلكترونية»، اتخذت من الإنترنت أرضًا للخلافة الموازية.. ومن متابعى حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعى شعبًا.. وصنعت جيشًا من الكتائب الإلكترونية ونظامًا ماليًا وسلطة افتراضية تدير كل ذلك.

وفى هذه الحلقات «روزاليوسف» تنشر لكم تحقيقًا عن تفاصيل وأسرار خطة للتنظيم لضمان بقاء دولتهم الدموية «افتراضيًا» رغم كل ما تعرضوا له من هزائم.

 

فى يوليو 2017 نجحت مجموعة من مخترقى المواقع الإلكترونية، متعددى الجنسيات،   فى اختراق منتدَى «الشموخ»، واحد من أكبر وأخطر أذرع داعش الإعلامية على الإنترنت، والذى تديره خلية إعلامية يرأسها  شخصٌ يُدعى « أبو العيناء الخراسانى»، وهو تنظيمى يعيش فى الأراضى التى يسيطر عليها داعش.

 

تمكنت المجموعة من الوصول إلى صندوق البريد الخاص بـ«أبو العيناء الخراسانى» داخل المنتدَى، وسرّبت 5126 رسالة، بعضها بين الخراسانى وخمسة من معاونيه فى إدارة المنتدى، والبعض الآخر بينه وبين قياديى داعشى كبير يُدعى «أبو حفص».

نشرت المجموعة محتوى الخمسة آلاف رسالة على موقع «pastpin» الشهير والمختص فى البرمجيات الإلكترونية والاختراق، ومنه حصلنا على نسخة كاملة من الرسائل قبل اختفائها من الشبكة.

تُلقى الرسائل المسرّبة الضوءَ على آلية عمل الخلايا الإعلامية لتنظيم داعش عبر الإنترنت، وتضم روابط إلكترونية تقود إلى وثائق ومنشورات تكشف المزيد من الأسرار حول الآلة الإعلامية للتنظيم.

 مجاهد أنت أيها الإعلامى

فى إحدى الوثائق الموجودة فى رسائل الخراسانى، يشرح التنظيم لإعلامييه استراتيجيته الإعلامية عبر شبكة الإنترنت، والتى تعتمد على ثلاثة عناصر رئيسة، أولها كثافة النشر؛ لضمان مشاهدته من قِبَل جميع الفئات من الجمهور، وبالتالى توجيه رسالة التنظيم لأعداد أكبر حول العالم، وثانيها استخدام «البروباجندا» على الطريقة الأمريكية؛ ليظهر التنظيم بشكل أقوى وأضخم من حقيقته، وأخيرًا، الإمعان فى إظهار التوحش والمبالغة فى استخدام العنف؛ للتأثير نفسيًا على العدو وهزيمته افتراضيًا، ما يمهد الأرضَ لهزيمته على أرض الواقع.

لتنفيذ هذه الاستراتيجية وضمان تحقيق أهدافها؛ اعتمد داعش منذ الوهلة الأولى على تأسيس آلة إعلامية رقمية منفتحة ولا مركزية، لا تعتمد على العناصر التنظيمية فقط؛ بل فتحت الباب للمناصر والمؤيد، الذى لا تربطه علاقة ملموسة بالتنظيم، كى يعمل ضمن المنظومة الإعلامية لداعش عن بُعد، ومن أى مكان فى العالم، دون الحاجة لوجوده داخل أرض الخلافة ومقراتها الأرضية.

يظهر هذا الانفتاح بوضوح أيضًا فى نظرة التنظيم لمهنة الإعلامى؛ حيث اعتبر كل شخص يمتهن الإعلام لخدمة أغراض الخلافة ووفق إطارها وتحت رايتها، سواء كان تنظيميًا أو مؤيدًا أو مناصرًا، هو مجاهد فى سبيل الله، وعمله درجة من درجات الجهاد، وكلماته هى السلاح الذى يمارس به هذا الجهاد.

فى وثيقة من 9 صفحات، موجهة للخلايا الإعلامية ، يساوى التنظيم بين الإعلامى على الإنترنت والمقاتل فى أرض المعركة، فالأول يجاهد باللسان والثانى يجاهد بالنفس، ويصيغ هذه المقاربة باختصار فى عنوان الوثيقة، «المجاهد الإعلامى».

وفق الوثيقة، يؤدى الإعلامى داخل منظومة داعش أكثر من مهمة فى نفس الوقت، فبجانب مهامه المهنية كناشر أو مصور أو كاتب إلخ. فهو يدعم مصالح التنظيم بشكل عام؛ خصوصًا العسكرية، ويواجه أفكار الأعداء ويمارس الإرهاب النفسى ضدهم، ويجند المؤيدين ويحرضهم على الجهاد.

يحدد داعش لـ إعلامييه المواصفات التى يجب أن تتوافر فيهم، أيًا كانت وضعيتهم التنظيمية وأماكن تواجدهم؛ ليصبح عملهم جهادًا فى سبيل الله، ومعترفًا به من الخلافة.

تشمل هذه المواصفات: القدرة على الجهاد باللسان عبر نشر الأخبار والدعوات والرسائل الموجهة من التنظيم لمؤيديه وأعدائه عبر مواقع التواصل وغيرها. والقدرة على الجهاد بالنفس، إذا اقتضى الأمر، أثناء تغطية المعارك والأحداث فى الميادين. بجانب الالتزام بالدور التحريضى للإعلام المجاهد، فى حث المؤمنين وجرهم لساحات «الجهاد» والقتال.

على الإعلامى أيضًا أن يبايع ويطيع ولى الأمر ورأس التنظيم، ويقول الحق دائمًا، وأن يلتزم بـ إغاظة العدو؛ ليدخل البُشرَى فى قلوب المؤمنين من العناصر والمناصرين، دون أن ينسى دوره فى التصدّى للغزو الفكرى الذى يشنه هذا العدو ضد المؤمنين على شبكات الإنترنت وفى وسائل الإعلام.

تضم منظومة داعش ثلاث فئات من الإعلاميين. الأمير الإعلامى، وهو حلقة الوصل بين التنظيم والأنواع الأخرى من الإعلاميين، يتلقى التعليمات من اللجان التنظيمية المسئولة وينقلها إلى الخلايا والعناصر الإعلامية فى شكل مهام وواجبات يومية، بجانب دوره كمدرب للعناصر الجديدة ومتابع للتطور وكل ما هو جديد بشأن المهنة.

والإعلامى التنظيمى، عضو منظم بداعش، تتوافر فيه الصفات المطلوبة للمهنة، سواء محررًا أو مصورًا أو مونتيرًا أو مهندسَ صوت أو متخصصًا فى الإنترنت والشبكات وغيرها من الأدوار الفنية.

والإعلامى المناصر، غير تنظيمى، يتلقى التعليمات عن بُعد، يعمل فى نطاق أوسع وأكثر حرية من الأنواع الأخرى، مع الالتزام بالخطوط العريضة التى وضعها التنظيم، وفى الغالب ينحصر دوره فى إعادة نشر وبث المحتوى التنظيمى على مواقع الإنترنت وشبكات التواصل.

تشمل وثائق الدورة التدريبية «مجاهد أنت أيها الإعلامى» شرحًا مفصلا للمهام الوظيفية للإعلامى التنظيمى، والخبرات التى يجب أن يحصّلها. أهمّها توثيق وتغطية كل ما يحدث داخل الولاية من أنشطة، سواء عسكرية أو شرعية أو خدمية أو اجتماعية، ثم بلورة ما تم توثيقه فى شكل منتج إعلامى، وتسليمه فى النهاية لإدارة المكتب ليأخذ دورته من الفحص والتقييم وحتى ينشر للجمهور داخل وخارج الدولة.

وتشرح الدورة للإعلامى جميع الأدوات المستخدمة فى التوثيق، وخطوات تصنيع المادة الإعلامية، من متابعة الحدث وتوثيقه حتى معالجة المادة وتحريرها (المونتاج)، ثم النشر والأرشفة.

وتدربهم على صياغة الأخبار وتوثيقها، وصناعة التقارير المصورة، وتصميم الصور الثابتة، ومونتاج إصدارات الفيديو، والهندسة الصوتية للمقاطع والتقارير الصوتية.

ولم تنسَ الدورة التدريبية الإعلاميين المناصرين قليلى الخبرة، لكنها لم ترهقهم بتدريبات أو إجراءات متقدمة، وقدمت لهم بعض النصائح البسيطة وغير المعقدة، تتعلق معظمها بطريقة التعامل مع منصات التواصل الاجتماعى ويوتيوب وتطبيقات الهاتف مثل تليجرام، أثناء العمل، وطرُق مواجهة حملات الحذف والحجب التى تشنها الشركات المالكة لمواقع التواصل ضد المحتوى الإرهابى.

الهيكل التنظيمى

فى 2018 سقطت مجموعة من السجلات والمقابلات الصوتية والمرئية فى شرق سوريا خلال الأشهُر التسعة الأولى من عام 2018، قبل انهيار التنظيم، فى يد أجهزة مكافحة الإرهاب الأمريكية.

وحصل مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية الأمريكية فى ويست بوينت على نسخة من هذه السجلات والمقابلات، وأصدر بشأنها تقريرًا باللغة الإنجليزية، فى منتصف 2019، كتبه الخبير البريطانى «تشارلى وينتر»  وآخرون،  بعنوان: «من جبهة القتال إلى الفضاء السيبرانى: إزالة الغموض عن آلة دعاية الدولة الإسلامية»، نشر على موقعه الرسمى مع بعض العينات من السجلات والوثائق المضبوطة.

كشف التقرير تفاصيل الهيكل الإدارى والتنظيمى المعقد لآلة داعش الإعلامية، وخطته المتشابكة لإنتاج المحتوى الإعلامى قبل توزيعه ونشره افتراضيًا وواقعيًا.

وفق التقرير يقع ديوان الإعلام المركزى، فى قمة التسلسل الهرمى للآلة الإعلامية للتنظيم، باعتباره المشرف على جميع المكاتب الإعلامية من إندونيسيا إلى إفريقيا، وعلى إعلام جميع الكتائب والجماعات التى بايعت التنظيم، سواء كانت داخل الولايات التابعة أو خارجها.

يدير الديوان مجلسٌ أعلى يتألف فى الغالب من 8 أعضاء، معظمهم من قيادات الصف الأول فى التنظيم، ويرأسهم «أمير الديوان»، له باع فى مجال الإعلام والاتصالات، وبمثابة وزير الإعلام لدولة الخلافة، ويقال إن هذا المنصب شغله «أبو محمد العدنانى» المتحدث الإعلامى باسم التنظيم قبل مقتله فى أكتوبر 2016.

يضع الديوان الاستراتيجية العامة والسياسات الإعلامية العريضة، ويحدد طبيعة المحتوى الإعلامى للتنظيم، ويشرف على جميع اللجان والوكالات والهيئات الفرعية الخاصة بالإعلام، ويراقب جميع المنتجات الإعلامية الرسمية، ويوحد اللغة المستخدمة فى المحتوى الإعلامى ويراقبه فى جميع مراحل إنتاجه، ويصدر أوامر النشر والبث، و له القول الفصل فيما يمكن نشره من مواد إعلامية داخليًّا وخارجيًّا.

يتبع الديوان مجموعة من اللجان والمكاتب الفرعية، أبرزها لجنة الأمن والمتابعة الإعلامية، ويرأسها أمير من الصف الأول، وعضو بالمجلس الأعلى التابع للديوان، وتختص هذه اللجنة  بتأمين نشاط داعش الرقمى من الاختراق والحجب، وضمان مشاركة جميع البيانات بشكل آمن.

وتمد اللجنة باقى المنظومة بالإجراءات والتعليمات الأمنية لاتباعها، وتؤمّن الحسابات الرسمية للتنظيم، ونشاطات القادة الكبار على الإنترنت، وتراقب جميع الاتصالات على الشبكة، وتحدّد وسائل الاتصال الآمنة ليستخدمها التنظيم؛ حيث تختار كل فترة أكثر التطبيقات الهاتفية تشفيرًا وأمانًا لتستخدمه القيادات والعناصر للتواصل فيما بينهما، كما تحدّد أنسب المنصات والمواقع التى يجب أن يستخدمها التنظيم ليضمن بقاء محتواه على الشبكة أكبر وقت ممكن.

اللجنة الثانية هى لجنة القضاء والمحتوى الإعلامى، يرأسها أمير من الصف الأول، وعضو بالمجلس الأعلى التابع للديوان، مكلفة بـ بلورة «الهدف العام» و«الفكرة الأيديولوجية» و«المبرّر» لإنتاج المواد الإعلامية المختلفة وفق رؤية الديوان الأعلى.

تتلقى اللجنة  تعليمات الديوان فيما يخص المحتوى المطلوب، وتترجم هذه التعليمات لإجراءات أكثر تفصيلا، وتحدّد طبيعة وشكل المحتوى الإعلامى وتواريخ نشره، سواء كان صورًا أو مقاطع فيديو أو نصوصًا مكتوبة أو ملفات صوتية، ومن ثم توزعها على بنك البيانات، والمكاتب والخلايا الإعلامية. كما تشرف على جميع الوكالات الإعلامية، والأنشطة المتعلقة بالإعلام فى بنك البيانات. 

بنك البيانات هو وحدة منفصلة سرّيّة تتبع لجنة القضاء والمحتوَى، ويديرها مكتب مكوّن من أمير و10 أفراد، تتمثل مهامه فى تخزين البيانات الخاصة بالتنظيم، وإدارة واسترجاع المعلومات والبيانات المتعلقة بالعمليات التنظيمية، وأرشفة المستندات القديمة والمحتوى الإرهابى داخل مستودعات رقمية آمنة على شبكة الإنترنت المظلم، بجانب دوره فى تلقى المحتوى الإعلامى فى صورته الأولية، وتقييمه وتنظيفه من المعلومات الحساسة قبل تقديمه للوكالات.

يرفع بنك البيانات تقريرًا دوريًا للجنة القضاء والمحتوى، وهو الوحيد المخول له التعامل والاتصال مع كل الهيئات الأخرى بشكل منفرد، من الديوان المركزى وحتى المكاتب الفرعية.

تدير لجنة القضاء والمحتوى أيضًا جميع الكيانات الإعلامية التابعة للديوان المركزى للإعلام، ويبلغ عددها 45 مؤسَّسَة ومكتبًا ومركزًا إعلاميًا، وهى وكالة أعماق الإخبارية، وإذاعة البيان، ومجلة النبأ الأسبوعية، ومؤسَّسة الفرقان، ومكتبة الهمة، ومؤسَّسة أجناد، ومركز الحياة، ومؤسَّسة الاعتصام. بالإضافة إلى 37 مكتبًا ومركزًا إعلاميّا تمثل 37 ولاية من ولايات التنظيم والمناطق التى كانت تحت سيطرته قبل تحريرها.

المكتب الإعلامى

فى وثيقة بعنوان «هيكلة المكتب الإعلامى» عثرنا على نسخة منها عن طريق رسائل «أبو العيناء الخراسانى» المُسَرّبَة، يحدد التنظيم بدقة هيكلة المكاتب الإعلامية التابعة لـ ولاياته وطريقة عملها.

دور المكاتب الإعلامية الرئيس هو توثيق كل ما يحدث فى الولاية من أخبار وأحداث، والتنسيق بين الإعلاميين والإدارات المختلفة فى الولايات لتسهيل عملهم الإعلامى، وإنتاج نشرات الأخبار والفيديو والتقارير المصورة والصور والبيانات والإعلانات، وإدارة عمليات النشر والتوزيع للمنتجات الإعلامية والدعائية للتنظيم، سواء على الأرض داخل الولاية، أو افتراضيًا عبر شبكة الإنترنت.

وتفرّق الوثائق بين نوعين من النشر للمحتوى عبر المكاتب الإعلامية للولايات: النشر الداخلى الذى يستهدف الجنود ورعايا الدولة الإسلامية داخل الولاية، ويصل لهم المحتوى مطبوعًا أو داخل أسطوانات مدمجة، ويسلم لهم يدًا بيد عبر نقاط محدّدة مثل المساجد والدواوين الخدمية المزدحمة، وهذه وظيفة فريق الإعلام الداخلى بـ المكاتب الإعلامية.

أمّا النشر الخارجى فيتولاه فريق الإعلام الخارجى التابع للمكتب عبر الإنترنت، وفقًا للقيود والتوجيهات التى يضعها ديوان الإعلام المركزى ولجانه الكبرى وبإذن مسبق؛ حيث إن سُلطة النشر الخارجى (عبر الإنترنت) فى يد الديوان فقط، ولا يحق للمكاتب الإعلامية النشر الخارجى إلا بإذن من الديوان الأعلى، وقد يسحب الديوان هذا الإذن من أى مكتب فى أى وقت، دون إبداء أسباب.

وفق الوثيقة، يرأس المكتب الإعلامى أمير، ينفذ السياسة الإعلامية الرسمية المعتمدة من ديوان الإعلام المركزى، ويخضع لإشراف لجنة القضاء والمحتوى بشكل مباشر، بينما تشرف لجنة الأمن والمتابعة على عمله، فيما يخص الشق الأمنى، من خلال مندوبها فى المكتب أو الوكالة.

كل مكتب إعلامى لديه فريقا عمل، أحدهما إدارى، والآخر فنّى شديد الاحتراف، مهمته تغطية ومتابعة الأحداث والفعاليات المهمة لتصويرها وإعدادها على الطريقة الهوليوودية التى اشتهرت بها فيديوهات التنظيم.

دورة إنتاج المحتوى

تبدأ دورة إنتاج المحتوى الإعلامى، بأمر تكليف بمهمة إعلامية  من ديوان الإعلام  لفريق الإعداد الفنّى، سواء التابع للديوان أو التابع للمكاتب، وذلك عبر لجنة القضاء والمحتوى، ويرفق بالتكليف تعليمات محددة فيما يتعلق بالجداول الزمنية والمسئوليات، وتقوم اللجنة بدورها بتحديد طبيعة المهمة الإعلامية، وتصدر بشأنها توجيهات تخص النطاق العام للتغطية، وطبيعة الأحداث المراد تغطيتها (مثل عمليات الإعدام، الحياة اليومية)، وتحديد شكل التوثيق (مثل النص، والصوت، والصور، ومقاطع الفيديو).

 بعد ذلك تنقل هذه التعليمات عبر لجنة الأمن الإعلامى إلى الوكالات الإعلامية التى تم اختيارها للمهمة المعنية. ثم تكليف المسئولين الإعلاميين بمقابلة فريق الإعداد الفنّى للبدء فى العمل.

وبعد تصوير وتجهيز المادة الأولية أو الخام، يتم جمعها ونقلها إلى بنك البيانات باستخدام الإنترنت عبر الأقمار الصناعية.

يستلم بنك البيانات المادة، ومعها أربعة تفاصيل أساسية من فرق عملية الإعداد الفنّى، هى: موقع المرسل ومُصَدر البيانات المنقولة عبر الإنترنت، والمبادئ التوجيهية الصادرة عن لجنة القضاء والمحتوى فيما يتعلق بالحدث والمهمة الإعلامية، وأسماء وتفاصيل الأشخاص الذين جمعوا البيانات ونقلوها، وأخيرًا اسم الوكالة الإعلامية التى سيتم من خلالها نشر المنتج النهائى.

يراجع البنك المحتوى وجودته بدقة، ويفحص المنتج الفنّى بعناية، وله الحق فى رفض المواد الإعلامية التى لا تفى بمعايير الإنتاج، وفى حال وافق البنك على قبول المادة الإعلامية، يبدأ فى تحريرها بالتعاون مع لجنة الأمن الإعلامى؛ بهدف تطهيرها من المعلومات الحساسة التى قد تكشف عن هويات القادة أو مواقع القواعد، ثم يخزن نسختين منها: الأولى سرّيّة وآمنة ومشفرة من المادة الأصلية، والثانية نسخة منقحة بعد تقييمها وفهرستها.

ثم يرسل البنك المواد بعد تحريرها وأرشفتها للمكاتب والإصدارات التى ترسلها بدورها إلى فرق التصميم والمونتاج والطباعة التابعة لها، مع تعليقات وتعليمات لجنة القضاء والمحتوى وبنك البيانات، وبمجرد الانتهاء من التعديلات، تعود المواد  مرّة أخرى للجنة القضاء للبَت فى جاهزيتها للنشر أو حاجتها للمزيد من التحرير أو التعديل، وفى حال موافقة اللجنة يتم نقل المواد  فى النهاية إلى ديوان الإعلام، الذى يملك القول الفصل بشأن النشر أو الرفض أو المراجعة.

فى المرحلة الأخيرة، تعاد المادة المقبولة من الديوان للجنة المحتوى لتوزيعها على مؤسَّسَاتها ومكاتبها، التى توزعها بدورها على فريق الإعلام الخارجى؛ لنشرها من خلال شبكة من القنوات السّرّيّة على تطبيق تليجرام، والتى تحمل جميعها اسم وكالة «أخبار ناشر». ومن تليجرام تتلقفها الخلايا الإعلامية الرسمية وغير الرسمية لتعيد نشرها فى كل مكان على شبكة الإنترنت.

هذه الدورة تتم كلها عن بُعد، وعبر نظام اتصالات من ثلاثة مستويات لإدارة هذه العملية المعقدة،  تعتمد جميعها على غرف دردشة مشفرة داخل التطبيقات الهاتفية المعتمدة من التنظيم فى وقتها؛ واحدة لمراقبة الجودة والمراجعة السابقة على النشر، وأخرى للنشر، وواحدة للمناقشة.

 منصات النشر

تضخ هذه المكاتب والوكالات محتواها داخل صفحات ومواقع التنظيم الرسمية على الإنترنت، والحسابات الإلكترونية المرتبطة بنشر الدعاية الإعلامية، وما يقرب من 4000 إصدار، على مدار الساعة. كما تشرف أيضًا من بعيد على الإعلام غير الرسمى للتنظيم، والمتمثل فى المواقع والصفحات والنشاطات التى ينتجها المناصرون.

واستهدف داعش منذ ظهوره الخدمات الرقمية التى أصبحت جزءًا من حياة الملايين فى العالم مثل تويتر وفيس بوك ويوتيوب، وتطبيقات المراسلة المشفرة مثل تليجرام وشورسبوت، وأنظمة مشاركة المحتوى مثل JustPaste.it، بالإضافة إلى أى مواقع أو مدونات أخرى قد تحظى باهتمام الناس مستقبلًا.

امتلك داعش ومناصروه على منصة تويتر نحو 5000 حساب فى بداية 2014، زادوا فى منتصف العام لـ 46.000، وفى نهايته إلى 90.000 حساب. وفى عام 2015، أفاد موقع تويتر أنه حظر 125000 حساب متعاطف مع داعش. وفى عام 2016، نشر تحديثٌ لـ 325000 حساب محذوف، بينهما  نحو 90 ألف حساب متخصص فى إصدار الفتاوَى الإسلامية المغلوطة عن طريق أشخاص مجهولى الهوية، ينتجون فى اليوم نحو 46 ألف معلومة دينية، بـ12 لغة مختلفة.

فى 2015 وصل نشاط الخلايا الإعلامية لداعش على تويتر إلى ذروته، وغرَّد ما يصل إلى 200 ألف تغريدة فى اليوم، يتضمن ذلك إعادة التغريدات والتغريدات الآلية. 

على فيس بوك لا يختلف المشهد كثيرًا، فى 2014 أعلن داعش أنه يملك ما يقرب من 10 آلاف حساب على فيسبوك،  و150 مجموعة مؤيدة له على الموقع نفسه، وتضاعفت هذه الأرقام خلال عامين، حتى وصلت فى ذروتها لنحو 25 ألف حساب.

فيما امتلك داعش على موقع «إنستجرام» أكثر من 50 ألف حساب حتى بداية عام 2018، جميعها تعود إلى عناصر أو مناصرين لتنظيم الدولة، يستخدمونها على وجه الخصوص  للترويج للدعاية الجهادية، عبر ميزة «إنستجرام ستوريز» التى تتيح لهم نشر أشرطة مصوَّرَة محدودة المدة مرفقة بنص صغير، تختفى بعد أربع وعشرين ساعة.

فيما يخص «يوتيوب»، يصعب حصر الحجم الحقيقى لمحتوى داعش الإعلامى على المنصة، لكن إنتاجه عليها وصل ذروته فى 2016، بـ 38 عنصرًا جديدًا يوميًا فى المتوسط، شمل مقاطع فيديو مدتها 20 دقيقة، وأفلامًا وثائقية طويلة، ومقاطع بصور ثابتة، ومقاطع صوتية.

الحرب الرقمية الأولى

فى منتصف 2014، استعان تنظيم داعش بـ «جنرال رقمى» يحمل الجنسية البريطانية؛ لتأسيس جيش إلكترونى ضخم، ينفذ عمليات هجومية رقمية ضد الأعداء باستخدام «الأسلحة السيبرانية».

هذا الجنرال المُلقب بـ«أبوحسين البريطانى»، الذى تمكن قبل انضمامه لداعش من اختراق البريد الإلكترونى لرئيس وزراء بريطانيا الأسبق تونى بلير- صنع أضخم جيش رقمى إرهابى عرفه العالم منذ نشأة شبكة الإنترنت، وهدد أمن مئات المؤسَّسَات والكيانات الكبرى فى الولايات المتحدة ودول أخرى.

فى الحلقة المقبلة نروى بالتفاصيل قصة «أبوحسين البريطانى» وجيوش داعش الإلكترونية.