الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قالتها بكبرياء «نازك السلحدار»: أنا مقهورة!! صفية العمرى.. العذاب فوق شفاه تبتسم

قبل أسبوعين، وعلى نفس هذه الصفحات تحدثت فى تحقيق بعنوان (أكابر الدراما لا يزالون على قيد الإبداع) عن ضرورة وضع خطة تضمن عودة هؤلاء المبدعين إلى المشهد الفنى مرة أخرى، واستشهدت بالعديد من التصريحات التى أطلقها عدد منهم عبر السنوات الماضية، والتى كانت أشبه بصيحات استغاثة كانت نتيجة طبيعية لسنوات مع المعاناة من التهميش والتجاهل حتى بات ترشيحهم لدور يليق بتاريخهم الفنى أمرًا نادر الحدوث.



 

 فكان الانعزال ملاذهم الأخير، رغم استمرار قدرتهم على العطاء، لكن تناولى للموضوع من تلك الزاوية لم ينجح فى أن يجعلنى أفقد تأثرى بحديث «صفية العمرى» فى ندوة تكريمها بمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة عندما أعلنتها صريحة..أنا مقهورة!

جرح لم يندمل

جاءت تلك الإجابة ردًا على سؤال عن سبب اعتزال بعض النجوم بعد وصولهم إلى مرحلة عمرية معينة، حيث أرجعت الفنانة القديرة السبب إلى شعورهم بالقهر مما حدث لهم من تجميد، حيث لا تعرض عليهم أية أدوار فنية، فيجلسون فى منازلهم بدون عمل رغم قدرتهم على العطاء، لم تكتف بذلك فحسب، بل تابعت: (أنا كمان بحس بالقهر لما يتعرض عليً عمل سخيف، وبتصعب عليً نفسى قوى وبرفض أتنازل ولو كان المقابل مليون جنيه، وهفضل أحترم نفسى واسمى وجمهوري)، قالتها «صفية» بشموخ «نازك السلحدار» تلك الشخصية الأسطورية التى نسجها الراحل «أسامة أنورعكاشة» عبر رائعته (ليالى الحلمية) فوجدت طريقها إلى داخل وجدان كل مشاهد عربى،  وأعلنتها بكبرياء يشبه كثيرًا كبرياء «شهرت رستم» فى مسلسل (هوانم جاردن سيتي) الذى لا يغيب عن الذاكرة، لكن حتى هذا الشموخ وذاك الكبرياء لم يستطيعا أن يخفيا جرحًا كبيرًا صنعه بداخلها تجاهل المخرجين لمشوارها الفنى الطويل، وظهرت آثاره منذ سنوات، فأبى أن يندمل حتى فى لحظات تكريمها.

خبرات متراكمة وغياب لن يستمر

(العذاب فوق شفاه تبتسم) واحد من الأفلام المهمة التى شكلت بدايات «صفية العمرى» فى السينما مطلع السبعينيات، وقد كان هذا الفيلم من إخراج «حسن الإمام»، إذا كانت بداية صفية فى السينما قد كتبت بتوقيع مخرج الروائع، إلا أن تعاونها فيما بعد مع عمالقة الإخراج فى العصر الذهبى للسينما أمثال «صلاح أبو سيف، ويوسف شاهين، وبركات وعاطف سالم، وحسام الدين مصطفى» وغيرهم الكثير، خلق لتاريخها السينمائى نوعًا من الخصوصية حتى وإن اعتبرها الجمهور نجمة تليفزيونية من طراز رفيع، كما خلق بداخلها مزيجًا فريدًا من الخبرات المتراكمة، لا تظهر فقط أمام عدسات الكاميرات، فلا تزال «صفية العمرى» حتى اليوم تحيط بها هالة النجومية من كل جانب، وفى حديثها، وطريقة تعبيرها، واحتفاظها بأناقتها، وابتسامتها الساحرة عند سماع كلمات الإطراء من الجمهور، أدلة دامغة على تلك النجومية حتى مواقفها الإنسانية كسفيرة للأمم المتحدة للسلام بالشرق الأوسط ولا سيما عند احتجاجها على الحرب على لبنان عام 2006 وترأسها  للجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان أسوان فى دورته التى تعقد حاليًا، كلها أشياء لن تسمح لاسمها بالغياب حتى وإن غابت هى مؤقتًا عن أنظار مخرجى هذه الأيام.

اعتذار عملى وتحرك سريع

خمسون عامًا من الفن تجسدت جلية فى تجربتها الأخيرة فى الفيلم القصير (كان لك معايا)، حيث تعاونت مع المخرجة الشابة «روجينا بسالى» وقدمت من خلال دورها فى الفيلم مشاعر صادقة وجريئة لسيدة تخاف أن يمر بها قطار العمر، وتخشى الوحدة والعجز، وترتعد من مصير سبقتها إليه معشوقتها «سعاد حسنى» حيث كانت تخيط لها ملابسها فى الماضى، وعاصرت سنوات مجدها، ثم شاهدتها فى سنوات مرضها، وعاصرت رحيلها الصادم، فأبت أن تعترف بحكم الزمن، وقررت أن تعيش بروحها فى زمن مغاير، لا يحمل من قسوة الحاضر أى ملمح، لكن الجميل فى التجربة التى استحقت عنها «صفية العمرى» العديد من الجوائز والتكريمات كان آخرها تكريم الإسماعيلية لها هو أنها أثبتت من خلالها وبشكل عملى قدرتها غير المحدودة على الإبداع، مهما كانت طبيعة العمل، فالحكم على الدور فى نظرها لا يخضع لأى حسابات مادية، والتضحيات من أجل الفن عندها لا سقف لها، فهى التى لم ترفض طلب «يوسف شاهين» بأن تزيد من  وزنها من أجل دورها فى فيلم (المصير) وإذا كان ما قالته «صفية العمرى» فى ظهورها الأخير بالإسماعيلية لا يعبر عنها فقط، بل يعكس حال جيل كبير من المبدعين أبت هى على منصة تكريمها فى الإسماعيلية أن يقال عنهم (خيل الحكومة) وفقًا للمثل الشعبى الدارج، إلا أنه يستوجب اعتذارًا عمليًا، وتحركًا سريعًا بدأت بوادره، حتى لا يظل هؤلاء المبدعون يشعرون بمرارة القهر والإهمال.