السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أسرار غرف النوم على السوشيال ميديا مسلك الشياطين

أسرار غرف النوم.. والخلافات بين الزوجين.. والعلاقات الأسرية كلها أمور أصبحت تتداول بين الناس وعبر صفحات التواصل الاجتماعى، إلا أن علاقات الزوجين فى غرف النوم أصبحت تريند المشاهدة عبر السوشيال ميديا.. وتزداد أهمية كشفها كلما كان صاحبها معروفًا.. حيث أصبحت تلك الأسرار مشاعًا بين بعض الناس وكأنها أمور عادية يجوز الخوض فيها، مما أدى إلى انهيار علاقات زوجية كثيرة.. بل ووقوع جرائم بسببها، لاسيما إذا تعلقت بضعف الزوج فى العلاقة الجنسية.



 

ورغم أن الإسلام وضع ضوابط وسياجًا للحفاظ على العلاقة الزوجية وأسرارها، فإن الجهل بهذه الآداب والأخلاقيات والضوابط، وابتعاد المسلمين عن فهمها وشيوع كثير من صور الإسفاف والانتقام عن طريق فضح أحد الزوجين للآخر، جعل الأسرار الزوجية أمرًا مباحًا نشره والحديث فيه مع الغير.

من جانبه كان للأزهر فتوى تحذر من أن نشر الأسرار الزوجية، ومنها ما يحدث فى غرف النوم تؤدى إلى ارتفاع حالات الطلاق، حيث شدد مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، على أن من أكثر أسباب الطلاق أن يجد الزوج أصدقاءه يعرفون الحديث الذى دار بينه وبين زوجته، وذلك عقب جلسات الفضفضة بين زوجات الأصدقاء. 

واستدل بما روى من أن النبي أسرَّ إلى زوجته السيدة حفصة حديثًا، فلما أخبرت به عائشةَ رضِيَ اللهُ عَنْهَا رضى الله عنها، وأطلعه اللهُ على إفشائها سرَّه، أعلم النبيُّ  حفصةَ ببعض ما أخبرت به، وأعرض عن إعلامها بعضه تكرُّمًا، فلما أخبرها بما أفشت من الحديث، قالت: مَن أخبركَ هذا؟ قال: «أخبرنى به اللهُ العليمُ الخبيرُ، الذى لا تخفى عليه خافية».

 فتوى الأزهر ذهبت إلى أكثر من هذا وهو عدم جواز إفشاء الأسرار الزوجية ولو بعد الطلاق، وقالت الفتوى إنه عندما يحدث انفصال بين الزوجين يقوم أحدهما أو كلاهما بالحديث عن عيوب الطرف الآخر، ويبالغ فيها، أو يقوم بالأمر نيابة عنه بعضُ أهله، بل يقوم هو بنشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وهذا كله مخالفة؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)، فيغنى اللهُ تعالى الزوج عن مطلقته بخير منها، ويغنى اللهُ المطلقة بخير من زوجها السابق.

واستدلت الفتوى بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث روى أن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما حدثت بينه وبين زوجته صفيةَ بنتِ أبى عبيد مشكلة، فجاء أصدقاؤه وأخته حفصة أم المؤمنين يسألونه عن هذه المشكلة التى بينه وبين زوجه، فقال: «سبحان الله! كيف أفضى بسرِّ امرأةٍ هى أقرب الناس إلي؟! هى زوجتى»، فلم يُفضِ إليهم بشىء من سرِّه، ثم إنه طلَّقها، فأتوه يسألونه عن السبب فقال: «سبحان الله! كيف أفضى بسر امرأة أجنبية لا علاقة بينى وبينها؟».

وأضافت: لا يتوقف حقُّ كلٍّ من الزوج والزوجة فى حرمة الأسرار الزوجية بانتهاء الزواج، ولكن على كل منهما على حدٍّ سواء الحفاظ على هذه الأسرار والأمور التى كانت مشتركة فيما بينهما حتى بعد الطلاق. 

خط أحمر 

فيما أكد علماء الدين أن الأسرار الزوجية تعد خطًا أحمر لا يجوز التعرض له مع الآخرين، وهو الأمر الذى يؤكده د.شوقى علام مفتى الجمهورية قائلًا: إن الأسرار والأمور الزوجية من شأنها أن تُطوَى ولا تنشر أو تُحكَى أمام الآخرين حتى وإن كانوا أقارب الزوجة أو الزوج أو حتى الأولاد أو الأصدقاء؛ ففى إشاعتها فساد عظيم، ويُعد المنع إجراءً ناجعًا، ووقايةً مُبَكِّرةً من حدوث الشقاق والطلاق.

كما يرى أن الأسرار والأمور الشخصية بين الزوجين تنشأ مع بداية تكوين حياتهما الأسرية، ثم تزداد مع مرور الأوقات والمواقف التى يبوح فيها كل طرف بمكنوناته ومشاعره للآخر فى محبة ومودة نتيجة الثقة والاطمئنان والسكن؛ ولذلك فلا يجب إفشاء هذه الأسرار.

وقال د.شوقى: «إن الشرع الشريف حظر على كلا الزوجين التحدث عن أسرار الحياة الزوجية والكشف عن مستورها أمام الآخرين؛ لأنها ذات طبيعة خاصة مبنية على الامتزاج والميثاق الغليظ ودوام الألفة».

ولفت النظر إلى أن الشرع الشريف اعتبر وأقرَّ بأنَّ للبيوت حرمة؛ فمنع كُلًّا من الزوجين من إفشاء خصوصيات الحياة الأسرية؛ وذلك لما فيه من إضرار للطرف الآخر، وانتهاك لحرمته وكرامته، وخيانة أمانته؛ وفى ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلُ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا»، والأمر ينطبق على المرأة كذلك، ولكن خص الرجل للغلبة، فالحقوق الزوجية متقابلة؛ فالرجل مطالَب بأن يكون أمينًا على بيته وأسراره، وكذلك المرأة مطالبة بأن تكون أمينة على بيتها وما فيه من أسرار.

وأوضح مفتى الجمهورية أن إفشاء أسرار البيوت وأسرار العلاقات الزوجية على مواقع التواصل الاجتماعى وغيرها بأى شكل أو طريقة له آثار سلبية، بل كارثية على استقرار الأسرة، فليس نشر وإفشاء الأسرار من الرجولة والفخر، بل من النقائص ومساوئ الأخلاق.

وأشار إلى أن البيوت لها حرمة عظيمة؛ فهى متوَّجة بالميثاق الغليظ الذى قطعه كل من الزوجين على نفسه تجاه الآخر؛ فمن تمام هذا الميثاق أن تظل أسرار العلاقة الزوجية بكل أشكالها وأحوالها حبيسة الغرفة والنفس ولا تخرج عن ذلك بحال.

واختتم قائلًا: «حافظوا على حرمة بيوتكم لتستقر وتستقيم البيوت، وحافظوا عليها لأجل أولادكم ولأجل أنفسكم، وتذكروا قول الله عز وجل: «وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا». 

الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء يشدد كذلك على أن للعلاقة الزوجية حرمتها ومكانتها، فهى علاقة سكن ومودة ورحمة، قال الله تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون». وقال سبحانه: «هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها».

وأوضح أن دائرة العلاقة الزوجية فى رحابتها وامتدادها تنبثق منها معان رفيعة رائدة، فهى ليست محصورة فى الجانب الحسى، وعلاقة الجسد بل إن وراءها المحافظة على بقاء النوع الإنسانى، والاستعفاف، والترابط القوى بين كل من الزوجين، وبين كل من الأسرتين، مما يعمل على إثراء التواصل وتنمية وشائج القربى والرحم، وهذه الصلات ومالها من روابط وثيقة تترعرع فى ظلال المودة والرحمة التى أفاءها الله تعالى على تلك العلاقة الزوجية.

ويضيف: هذه المنزلة جديرة بأن تحاط برعاية فائقة وعناية بالغة، فكل من الزوجين، زينة وستار للآخر وسكن ولباس كما قال الله سبحانه وتعالى: «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن».

ويوضح د.هاشم أن الإسلام لم يلزم الزوجة بالحفاظ على أسرار علاقتها الخاصة بزوجها فقط، بل ثمة جوانب أخرى يجب الوقوف عندها، ومن ذلك أسرار المأكل وغيره مما يكون عادة فى البيت، فإن كان الموجود قليلاً، فليكن الرضا وعدم السخط والشكوى، وإن كان كثيرًا فليكن الشكر لواهب النعمة.

د.هاشم اعتبر كذلك الخلافات الزوجية جانبًا من الأسرار حيث يرى أن من الجوانب المهمة والجديرة بالمحافظة عليها ما يحدث من الخلافات الزوجية، وهذا جانب له أهميته فى وجوب تضييق دائرة الخلاف ومحاولة علاجه بين الزوجين من دون تسرب خبر منه للناس أو ارتفاع صوت أو صياح. 

خيانة للعهد 

الدكتورة إلهام شاهين أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر والأمين العام المساعد لشئون الواعظات تعتبر أيضًا أن العلاقة الزوجية من أشد الخصوصيات سرًا وإن فضح أحد الزوجين لما يتم بينه وبين شريك الحياة يعد من باب الحرمات وخيانه لأمانة الحياة الزوجية.

وأوضحت قائلة أن من صفات المرء الفاسد «الفضح - انتهاك الحرمات - الخيانة - نقض العهد - البذاءة».

ومن صفات المرء الصالح ضد ذلك من «كتمان السر - الأمانة - الصمت - حفظ اللسان- الوفاء - الوقار - إقامة الشهادة - الستر». فإفشاء الأسرار من صفات الفاسدين، ومن الآيات الواردة فى النهى عن «إفشاء السّرّ» قوله تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»، وقوله عز وجل : «وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ».

وشددت د. إلهام أن العلاقة الخاصة بين الزوج وزوجته هى من الأسرار التى يجب الحفاظ عليها والحرص على عدم إفشائها، وأن إفشاء الرّجل سرّ امرأته، وإفشاء المرأة سرّ زوجها يجعل كلّا منهما بمثابة الشّيطان ويخلّ بفضيلة الحياء.

واستشهدت بحديث أَبى سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِى إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا)، لافتة إلى أن الإمام النووى رحمه الله تعالى قال «وفى هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجرى بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجرى من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه».

ومع هذا ترى د. إلهام أن هناك أمورًا قد تُعَدّ من الأسرار ولكن يجوز ذكرها إذا احتيج لذكر شىء من ذلك لبيان الحكم الشرعى أو لنصيحة أو لدفع خصومة بين الزوجين ونحو ذلك فإنه لا بأس به، موضحة أنه إذا أمكن التعريض فى هذا فهو أولى من التصريح، وإذا أمكن أن يذكر الأمر على سبيل العموم والإجمال فلا يذكر التفصيل

واستطردت قائلة: هناك من الأسرار التى ينبغى عدم كشفها من قبل أحد الزوجين ومن ذلك الأخطاء التى تاب عنها الإنسان توبة نصوحة والأسرار الخاصة بالأهل والأسرار الخاصة بالأصدقاء والحالة المادية للزوجة إلابإذنها.

أضافت أن هناك بعض الأخطاء التى يقع فيها الزوجان فى التعامل مع أسرارهما وهى إبلاغ الآخر بعلاقاته قبل الزواج وهو ما يثير الغيرة فى نفسه، وقد تدفعه إلى الشك، وكذلك السعى وراء معرفة كل شىء عن حياة الطرف الآخرقبل الزواج بالإلحاح عليه واستجوابه أو بسؤال الآخرين حتى بعد الزواج وهو ما يسبب القلق ويدفع إلى الكذب، ومن ذلك أيضًا نقل أسرار الأصدقاء والصديقات وزملاء العمل إلى الطرف الآخر، نقل الأسرار الخاصة بالعلاقة الزوجية والأسرار الخاصة بالزوجين إلى خارج البيت، وهذا من المحرمات إلا للضرورة كعلاج أو طلب حكم شرعى.