الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عن قرب بهيجة حافظ.. سلطانة السينما!

لم يقف شىء أمام موهبتها، اختارت طريقها ومضت فيه بإصرار، غير مبالية بالغضب الذى انصب عليها من أقرب الأقربين، حتى باتت واحدة من رواد السينما المصرية، إن لم تكن أولهم على الإطلاق فى مجالات فنية لم يسبقها أحد فيها، كالموسيقى التصويرية للأفلام، لكنها لم تقف عند هذا الحد؛ بل اتسعت موهبتها لفنون عدة؛ لنراها تجيد التمثيل وتبرع فى التأليف الموسيقى والسينمائى، بجانب تجاربها فى عالم الإخراج.



كانت «بهيجة حافظ» تعلم منذ نعومة أظافرها أنها مختلفة عن بنات جيلها، وثقت فى موهبتها حد اليقين، وساهمت البيئة الأرستقراطية التى نشأت بها فى إثقالها موسيقيًا، فهى ابنة إسماعيل باشا حافظ ناظر الخاصة السُّلطانية فى عهد السلطان حسين كامل، الذى كان هاويًا للموسيقى وتأليف الأغانى وتلحينها، وعازفًا للعود والقانون والبيانو، لتنشأ الابنة فى بيت موسيقى،  يُقدّر قيمة الفن والموهبة؛ خصوصًا أن والدتها أيضًا كانت تجيد العزف على الكمان والتشيللو، بجانب أشقائها الذين نمّوا موهبتهم فى عزف الآلات المختلفة.

اختارت «بهيجة» البيانو لتبدأ من خلاله حياتها الفنية؛ قبل أن تكمل عامها الخامس، وكان للمايسترو الإيطالى «جيوفانى بورجيزى» قائد الفرقة الموسيقية بالإسكندرية فى بداية القرن الماضى، أثرٌ كبيرٌ فى حياة الطفلة التى أحبت الموسيقى وتضاعف شغفها بها يومًا بعد يوم، فقد كان يتردد على قصرهم فى حى «محرم بك» بحُكم صداقته مع والدها، ودرست قواعد الموسيقى الغربية على يديه، لتؤلف أول مقطوعة موسيقية وهى فى التاسعة من عمرها.

درست رائدة الموسيقى التصويرية فى مدرستَىْ الفرنسيسكان والميردى ديو، قبل أن تسافر إلى فرنسا عندما كان عمرها 15 عامًا، وتحصل على دبلوم الموسيقى فى باريس، ثم درست الإخراج والمونتاج فى برلين، وكانت أول مصرية تنضم لجمعية المؤلفين بباريس، وظهرت أول أسطوانة لها فى الأسواق عام 1926، وبعدها بأربعة أعوام حصلت على شهادة جامعية من الكونسرفتوار فى الموسيقى.

كان طموح «بهيجة» يقف أمام كل المصاعب والمعوقات، بجانب إصرارها على التحدى والاستمرار فيما تحب، فلا يخفى على أحد محاولات أسرتها لإجبارها على العودة من طريق الفن، الذى كان من الممنوعات على أبناء الطبقة الأرستقراطية فى هذه الحقبة، حتى إن أشقاءها قاطعوها طويلاً بسبب استمرارها فى طريق الموسيقى والسينما، إلا أنها قابلت تلك التحديات بأفكار رائدة وتحركات ثورية فى الساحة الفنية، فكان لها السبق فى إنشاء أول نقابة للمهن الموسيقية عام 1937.

اشتهرت الفنانة الصاعدة فى عالم الموسيقى، كأول سيدة مصرية تقتحم هذا الميدان، ونُشرت صورتها على غلاف مجلة «المستقبل»، ومن هنا كانت البداية فى طريق السينما؛ حيث كان «محمد كريم» يبحث عن بطلة لفيلمه الأول (زينب)، فعرض عليها بطولة الفيلم، ورحبت بالعمل فى السينما رُغم معارضة أسرتها الشديدة، لدرجة أن شقيقتها وقفت فى السرادق حينها تتلقى العزاء فيها!

لم تكتفِ «بهيجة» ببطولة الفيلم فحسب؛ بل قامت أيضًا بوضع الموسيقى التصويرية له، والتى تتكون من اثنتى عشرة مقطوعة موسيقية، وسرعان ما أرادت لعب أدوار أخرى، فأنشأت شركة «فنار فيلم» للإنتاج السينمائى،  وأنتجت وأخرجت فيلم (ليلى بنت الصحراء)، ولاقى نجاحًا كبيرًا، وعُرض فى مهرجان برلين الدولى كأول فيلم عربى ناطق يُعرض فى المهرجان، وحصل على جائزة ذهبية، لكنها فوجئت بصدور قرار بمصادرة الفيلم ومنع عرضه فى مصر والخارج لأسباب سياسية، وكان هذا القرار سببًا فى إفلاس الشركة لتتوقف عن الإنتاج طوال 10 سنوات؛ لم تيأس «بهيجة»، ولم تتوانَ فى استكمال طريقها.

عادت الممثلة إلى طريقها الرئيسى لتكمل رحلتها الموسيقية، كما أنشأت صالونها الثقافى الخاص داخل قصرها المجاور لقصر هدى شعراوى فى شارع قصر النيل، والذى كان له نشاط ثقافى وفنى بارز، لتثبت أن الفن لا يموت مَهما حاولوا حصاره وتقييده، إلى أن رحلت إلى بارئها فى صمت؛ بداية الثمانينيات، ليسدل الستار على حياة سُلطانة السينما.