الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد اشتعال الأزمة بين عون والحريرى: لبنان يواجه «الانهيار الشامل»

أزمة جديدة تضرب لبنان بعد خروج الخلاف البائن بين رئيس البلاد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريرى أروقة الغرف السياسية، فمع بداية الأسبوع الماضى أصدر الرئيس بيانًا اتهم فيه الحريرى بالتهرب من مسئولياته وأنه يسعى إلى «الاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية وحقه الطبيعى فى احترام الدستور»، فكان رد رئيس حزب «المستقبل» ورئيس الوزراء المكلف بأن عهد الرئيس عون هو «أسوأ العهود فى تاريخ لبنان».



وبين تصاعُد الأزمات فى البلاد نرَى لبنان يمر بواحدة من أصعب الحقبات فى تاريخه؛ بسبب تزامن الأزمة السياسية الحادة مع أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وسط منطقة تعيش مرحلة جديدة من التوازنات الإقليمية، وأقل الواجب أن تكون الساحة الداخلية اللبنانية مستقرة لمواكبة التغيير على مستوى الشرق الأوسط ككل. فهل ستحمل الأيام المقبلة بريق أمل لبلاد الأَرز، أمْ أن سيناريوهات التشاؤم هى التى ستطغى؟!

 كأس جهنم

بعد أن وصف هذا الأسبوع بالحاسم لتحديد مصير المبادرة التى يقودها رئيس مجلس النواب نبيه برّى، القائمة على تشكيل حكومة من 24 وزيرًا، يبدو أن مصيرها لا يزال عالقًا عند عقدة تسمية الوزراء المسيحيين؛ حيث يصر فريق عون على عدم السماح للحريرى بتسميتهم.

وأثر السجالات السياسية بين تيارَى «الوطنى الحُر» و«المستقبل» حول ملف تشكيل الحكومة، صَعَّدَ «المستقبل» برئاسة الحريرى هجومَه، لرئيس البلاد، مُتّهمًا صهره جبران باسيل، رئيس «التيار الحُر» بمصادرة توقيع رئاسة الجمهورية ومحاولته للتلاعب بمواد الدستور وتقويض صلاحيات رئيس الحكومة، كما تضمَّن بيانُ حزب «المستقبل» دعوة لرئيس البلاد إلى وقف «استيلاء» مستشاريه على صلاحياته الرئاسية، وتجنُّب اللبنانيين «كأس جهنم» التى بشرهم بها سابقًا.

من جهة أخرى، يرى الرئيس ميشال عون أن الحريرى يخوض حملة ممنهجة ضد الرئاسة مستخدمًا ادعاءات بأن عون يحاول «الانقضاض» على اتفاق الطائف ومفاعيله الدستورية، وأن هذا الأمر ما هو إلا «خداع للرأى العام؛ لأن رئيس الجمهورية استند فى كل مواقفه وخياراته إلى الدستور وطبقه نصًا وروحًا، وإلى وثيقة الوفاق الوطنى».

وأوضح بيان رئاسة قصر بعلبك، أن الحريرى وتياره «يتعمّدان» تحميل عهد الرئيس عون مسئولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية. مضيفًا إن ما ورثه عون من أوضاع وديون هو نتاج «ممارسات فريق الرئيس المكلف وسوء إدارة شئون الدولة منذ ما بَعد الطائف حتى اليوم».

وتُعتبر الأزمة السياسية الحالية قائمة على أساس خلاف على وزيرَيْن مسيحيَّيْن يصر الحريرى على تسميتهما ضمن حصته السياسية فى تشكيل الحكومة، لكن الرئيس اللبنانى ميشال عون يرفض ذلك. مضيفًا بأن وزارتَى الداخلية والعدل تشكلان عُقدة إضافية فى وجه عملية تشكيل الحكومة.

فى المقابل، أعلن حزب الله عن زيارة أحد رموزه للوزير جبران باسيل للضغط عليه بقبول التسوية المطروحة من قِبَل رئيس مجلس النواب، وقال الباحث فى الشأن اللبنانى إبراهيم بيرم فى حديث صحفى، إن حزب الله لا يسعى لإقصاء الحريرى من الحكومة؛ بل سيعمل على دعمه للمُضى قُدُمًا فى المبادرة المطروحة.

ومن جهة أخرى أعرب البطريرك المارونى فى لبنان، بشارة الراعى، عن أسفه لما آلت إليه البلاد من هذا الصراع السايسى. مؤكدًا أن لبنان يجب أن تكون فوق كل اعتبار، وأن الحل فى تسمية «حكومة إنقاذ بأشخاص غير حزبيين».

كما ناشد البطريرك منظمة الأمم المتحدة للتدخل لانتشال لبنان من الانهيار والإفلاس، ودعا منظمة الصحة العالمية أن تضع يدها على الواقع الصحى فى لبنان وتستجيب لحاجاته من دواء ومواد طبية.

واستكر الراعى- فى كلمته خلال قداس الأحد فى بازيليك سيدة لبنان- ما وصفه بمحاولة مسئولين لإنقاذ أنفسهم ومصالحهم لا إنقاذ الوطن رُغم الظروف العصيبة التى يمر بها لبنان. مؤكدًا أن الشعب لم يعد يحتمل «الذل والقهر والعذاب».

 

مشارف الانهيار

من ناحيته، قال حسان دياب، رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية: إن القوة السياسية لا تزال  تعمل على تصفية الحسابات وتتجاهل مصالح لبنان ومعاناة الشعب. موضحًا أن اللبنانيين محبطون لدرجة البحث عن الأمل والانفراج بعيدًا عن وطنهم.

وأضاف دياب إنه على الرغم من مرور 300 يوم على استقالة حكومته فلا تزال البلاد تعانى من الصراعات السايسية ولم يتخذ خطوات لحل أزمة الوضع المالى المتأزم، بسبب تراكم الأخطاء فى السياسات المالية الماضية. موضحًا أن حل هذه الأزمة هو العمل على خريطة التعافى التى اعتمدتها حكومته وتم التفاوض فيها مع صندوق النقد الدولى، ثم توقف مسيرات العمل بسبب استقالة الحكومة، «اليوم نحتاج إلى حكومة قائمة تستكمل التفاوض لنضع البلاد على سكة الخروج من الأزمة الحادة».

ويشهد لبنان منذ صيف 2019 انهيارًا اقتصاديّا متسارعًا هو الأسوأ فى تاريخ البلاد، فبَعد انفجار مرفأ بيروت المروع، 4 أغسطس الماضى، ومع غلق البلاد بسبب تفشى فيروس كورونا، تراجَع الإجمالى المحلى بنسبة 20.3% عام 2020، ومن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلى بنحو 10% فى عام 2021 وانخفضت قيمة إجمالى الناتج المحلى للبنان من 55 مليار دولار أمريكى فى عام 2018 إلى نحو 33 مليار دولار تقريبًا فى العام الماضى، كما انخفض سعر صرف الليرة أمام الدولار تدريجيّا إلى أن فقدت أكثر من 85 % من قيمتها، وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.

وفى مطلع الأسبوع الماضى صدر تقريرٌ للبنك الدولى بعنوان: «لبنان يغرق: نحو أسوأ 3 أزمات عالمية»؛ حيث أوضح التقرير أن الأزمة السياسية فى البلاد أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادى بصورة غير مسبوقة، الأمرُ الذى أدى إلى تخلف الحكومة فى مارس2020 عن دفع ديونها الخارجية، وبَعد بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولى حول خطة نهوض علقت لاحقًا بسبب خلافات بين المفاوضين اللبنانيين، وفيما يشترط المجتمع الدولى على السُّلطات تنفيذ إصلاحات ملحة فى مقابل الحصول على دعم مالى ضرورى يُخرج البلاد من دوامة الانهيار، تبقى الحرب السياسية قائمة لتوزيع المناصب الحكومية.

كما يوضح التقرير أن انخفاض الواردات الناجم عن الانكماش الاقتصادى تسبب فى تراجُع عجز ميزان المعاملات الجارية، كما أدى توقف تدفقات رءوس الأموال إلى استنزاف احتياطيات النقد الأجنبى لدى البنك المركزى، مما أضر بالقدرة على تمويل الواردات.

وبلغت احتياطيات البنك المركزى اللبنانى ما يزيد قليلاً على 15مليار دولار فى مارس، مقارنة بأكثر من 30 مليار دولار قبل الأزمة فى 2019. علاوة على تفاقم الدَّيْن العام، وهنا تقدر الديون بنسبة %174 من الناتج المحلى الإجمالى بنهاية العام الماضى.

 أزمة المحكمة

الأزمة الاقتصادية طالت أيضًا المحكمة الدولية الخاصة بلبنان فى لاهاى، والمختصة فى التحقيقات عن الجماعات الإرهابية، وهى التى تتولى قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريرى، وغيره من السياسيين والإعلاميين والمواطنين.

وأكد البيان الصادر عن «محكمة لبنان»، إلغاء محاكمة القيادى بحزب الله سليم عياش، المفترضة بعد أسبوعين، والسبب توقف التمويل عنها، وحذرت المحكمة فى بيانها أنه «من دون تمويل فورى لن تتمكن المحكمة من مواصلة عملها بعد يوليو 2021، الأمرُ الذى سيؤثر فى قدرتها على إنهاء الإجراءات القضائية الموكلة إليها». 

من جانبه طالب سعد الحريرى، الحكومة اللبنانية بتسديد ما هو متوجب عليها من مساهمة مالية، ودعا المجتمع الدولى إلى تحمُّل مسئولياته، معربًا عن خشيته من التخلى عن المحكمة الخاصة بلبنان سيكون ذريعة لمزيد من الاغتيالات السياسية الأخرى والإفلات من العقاب وتكريس شريعة الغاب فى بلد مثل لبنان يغرق فى بحر من الأزمات.

 سيناريوهات الحل

مع تفاقم الأزمات فى لبنان يرَى مراقبون أن هناك عددًا من السيناريوهات تتصدر المشهد السياسى، أولها هو توافق القوة السياسية على إقامة مؤتمر وطنى لبنانى برعاية بعض الدول الأجنبية المهتمة وعلى رأسها فرنسا، على غرار مؤتمر «سان كلو» الذى عُقد فى فرنسا عام 2007 أو مؤتمر الطائف فى العام 1989 الذى أنهَى الحرب الأهلية وأدخل على الدستور تعديلات مهمة، وربما هذا الخيار هو الأسلم لحل الأزمات بين الأحزاب.

والسيناريو الآخر، هو فى حال الوصول إلى طريق مسدود بين القوة السياسية؛ فإن هذا الأمر سيؤدى إلى دفع المجتمع الدولى للتدخل عبر الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، ومحاولة انتشال البلاد عبر إجراءات تنفذ تحت مظلة دولية وتشمل تدابير اقتصادية بواسطة البنك الدولى وصندوق النقد، وسياسية وأمنية عبر دعم وإسناد الجيش اللبنانى، المؤسَّسة الوحيدة الباقية والمؤهلة للعب دور وطنى فى تلك المرحلة، مع الدفع لإقامة مؤتمر برعاية الأمم المتحدة لجمع الفرقاء؛ بهدف التوصل إلى وضع إطار لإصلاحات سياسية تُخرج البلاد من الانسداد الحاصل.

لكن من جهة أخرى تبقى بعض الحقائق التى قد تتحكم فى إمكانية حدوث السيناريو الثانى من انفراج الأزمة، أولها أن لبنان لم يَعُد من أولويات الدول النافذة فى المجتمع الدولى، إضافة إلى أن مجلس الأمن يعانى بدوره من شلل وتعطيل جراء الخلافات «الأمريكية- الروسية- الصينية»، كما تأتى العقبة الكبرى والأكثر صعوبة وهى العامل الإيرانى ودور حليفه (حزب الله) الداخلى والإقليمى، الذى لا يناسبه مطلقًا مثل هذه التسويات الآيلة إلى تقييده والحد من نفوذه الذى عمل على اكتسابه منذ 40 سنة وأكثر.